«المثقفون المزيفون».. النصر الإعلامي لخبراء الكذب

يفترض «بونيفاس» أن المثقف يجب أن يكون له موقف تنويري وملتزم بقضايا العدالة ونهضة المجتمع

عدم النزاهة الفكرية لها نجومها في فرنسا ويحظون بالتكريس الإعلامي ويشتركون بتغذية الخوف من خطر إسلامي مزعوم

الانتصار الإعلامي لخبراء الكذب يقرع ناقوس الخطر بنهاية الأفكار الكبرى التي أصدرها مثقفو فرنسا الكبار

المثقفون المزيفون قدموا العرب للشعب الفرنسي على أن العنف

المثقفون المزيفون يلجؤون لحجج هم أنفسهم لا يقتنعون بها باستخدام وسائل غير شريفة للدفاع عن قضايا تفرضها إرادة المؤسسات التي يعملون بها

هذا الكتاب يمثل مرجعاً للاسترشاد لبعض القيم التي تتحدث عن الصدق والضمير المهني إزاء الزيف والتضليل كامن في جيناتهم!

 

بيانات الكتاب:

اسم الكتاب: المثقفون المزيفون (النصر الإعلامي لخبراء الكذب).

المؤلف: باسكال يونيفاس.

عدد صفحات الكتاب: 178 من القطع الكبير.

الناشر: دار ورد للطباعة والنشر والتوزيع – سورية.

الطبعة الأولى: 2013.

ترجمة: روز مخلوف.

نبذة عن المؤلف:

“باسكال يونيفاس” مفكر وأكاديمي فرنسي بارز، يشغل منصب رئيس معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس، حاصل على دكتوراه في القانون الدولي العام من معهد الدراسات السياسية في باريس، وهو أحد أبرز المحللين الإستراتيجيين الفرنسيين، من أهم كتبه “فهم العالم”، “لماذا كلّ هذه الكراهية؟”، “نحو الحرب العالمية الرابعة”، وهو كتاب ينتقد فيه أطروحة «صدام الحضارات» لـ”صموئيل هيتنجتون”، وكتاب “من يجرؤ على نقد إسرائيل؟”.

هذا الكتاب:

حقق كتاب «المثقفون المزيفون.. الانتصار الإعلامي لخبراء الكذب والتضليل»، أو المثقفون المرتزقة كما يسميهم، للكاتب والأكاديمي الفرنسي «باسكال بونيفاس»، رئيس معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية في باريس، حقق رقم مبيعات وصل إلى 60 ألف نسخة بعد بضعة أشهر من صدوره عام 2011م، و200 ألف نسخة بعد أقل من عامين على نشره، رغم أن 14 داراً للنشر رفضت نشره، ورغم أن وسائل الإعلام الفرنسية التقليدية؛ من صحف وبرامج سياسية وثقافية في المحطات الفضائية، تجاهلته على نحو شبه كلي.

ولا يزال الكتاب يحتل الرقم (2) في قائمة مبيعات مؤسسة «فناك»، المؤسسة الفرنسية الأكثر شهرة في بيع الكتب والمواد الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية، التي تمتلك المئات من نوافذ البيع الكبرى على امتداد الأراضي الفرنسية.

الكتاب يهدف لمناقشة أنشطة وأفكار سبعة من المثقفين والإعلاميين الفرنسيين الأكثر شهرة في فرنسا والعالم الفرانكفوني، وبعضهم معروف على نطاق دولي، يشتركون جميعاً في أنهم صهاينة أو يدورون في فلك اللوبي الصهيوني الفرنسي، وفي الترويج للسياسات الأمريكية والأطلسية و»الإسرائيلية».

يدور الكتاب حول محور أساسي يتعلق بالارتباطات المشبوهة لهؤلاء بالدوائر الأمنية والسياسية وتخليهم عن دور «المثقف النقدي»، وتحولهم إلى مرتزقة مهمتهم الأساسية النصب والاحتيال على الرأي العام من خلال الترويج لأكاذيب في قوالب ثقافية بهدف إعادة تشكيله وقولبته وتوجيهه نحو قناعات أيديولوجية أحادية التوجهات.

محتويات الكتاب:

ينقسم الكتاب إلى قسمين؛ يناقش القسم الأول الوسائل التي أدت إلى «انتصار» المزيفين في وسائل الإعلام المعاصرة إزاء قضايا مصيرية تم اكتشاف زيف المقولات التي بنيت عليها.

حيث يعتبر «باسكال» أن عدم الدقة واللجوء إلى حجج مخادعة وإطلاق الأكاذيب المفبركة من أجل حصد التأييد، وما ينطوي عليه المثقفون من الوقاحة وانعدام الذمة والضمير، معتبراً أن تراكم الأخطاء والأكاذيب قد يؤدي إلى ترسيخ الكذب مع تهليل المخدوعين ومخالفيهم لتلك الأفكار المضللة دون تمعن.

ويعتقد أن المثقفين المزيفين هم ممن يلجؤون لحجج هم أنفسهم لا يقتنعون بها باستخدام وسائل غير شريفة للدفاع عن قضايا تفرضها إرادة المؤسسات التي يعملون لديها، ويفرق بينهم وبين صنف آخر يسميهم «المرتزقة»، وهم أدنى وعياً، وهم ممن لا يؤمنون بشيء بقدر المردودات التي يجنونها.

ويستنتج بأن المرتزقة والمزيفين يدركون مخالفتهم للأمانة الفكرية ولا يعنون بذلك، وكلاهما يستغل عدم نضج الجمهور لتمرير قناعات الجهات المستفيدة.

في القسم الثاني من الكتاب يناقش «باسكال» من أسماهم عتاة المثقفين المزيفين كل على حدة، لا من منطلق خلافه مع أفكارهم بل بسبب لجوئهم إلى الكذب لتمرير أهدافهم، فهو يناقش مثقفين أصحاب مواقع ونفوذ في وسائل الإعلام الفرنسية، أمثال «ألكسندر آدلر» القائل: إن الإله لن يتخلى عنا أبداً بسبب قوة صلاتنا وحبنا لـ»إسرائيل»! ويتناول مثقفين آخرين أمثال «كارولين فورسيت» اليسارية العلمانية المدافعة عن «إسرائيل» والمعادية لمثقف مثل طارق رمضان (لأن اسمه يعكس اسم طارق بن زياد أول غاز مسلم للأراضي المسيحية!) وهي التي تنطلق من قاعدة غريبة تتبناها مفادها «قل لي ما اسمك، أقل ما توجهاتك»!

منظومة تزييف الوعي

يفضح الكاتب «بونيفاس» في كتابه «المثقفون المزيفون» كيف يصنع الإعلام خبراء في الكذب، واستحواذ فئة من الصحفيين والمعلقين والمثقفين من عديمي الضمير على الفضاء الإعلامي والثقافي الفرنسي، وقلبهم الحقائق بهدف توجيه الرأي العام نحو قناعات أيديولوجية أُحادية البعد، وخاصة «برنار هنري ليفي» (اليهودي الأصل) وجماعته.

ويؤكد “بونيفاس” في مقدمة الكتاب أن فكرة فضح المثقفين المزيفين، أو المرتزقة كما يسميهم، قد راودته منذ فترة طويلة، مواكبة لمواقفهم المخزية التي تدمر الديمقراطية وتهدد الإعلام، ويؤكد أن عدم النزاهة الفكرية لها نجومها في فرنسا اليوم، وهم يحظون بالتكريس الإعلامي، ويشتركون في تغذية قدر كبير من الخوف غير العقلاني من خطر إسلامي مزعوم يمثل عدواً مشتركاً للعالم الحُر، أو تبرير غزو بلد ما وتدميره كما حصل في العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل.

ويتعرض “بونيفاس” لقسمين من المثقفين؛ الأول: يسميهم المثقفين المزيِّفين؛ أي الذين يمارسون تضليلاً متعمداً، ويصفهم بأنهم يلجؤون إلى حجج هم أنفسهم لا يصدقونها، والقسم الثاني: ويعتبرهم أسوأ من الفريق الأول؛ فهم المثقفون الذين يقتاتون على مبادئهم؛ أي الذين يعتنقون مواقف وفقاً لمصالحهم الشخصية.

ويتحدى المؤلف منظومة متكاملة تمارس تزييف الوعي وتضليل الناس باستخدام أدوات الثقافة والمعرفة، خطرها أنها تقدم وعياً زائفاً ومضللاً، ويحمّل المثقفين مسؤولية؛ لأنه يعتبر أن المثقف درجة أعلى من رجال المعرفة والعلم؛ ذلك أن المثقف يفترض أن يلتزم بموقف أخلاقي تجاه مجتمعه، ويفترض “بونيفاس” أن المثقف يجب أن يكون له موقف «تنويري» وملتزم بقضايا العدالة وتطور ونهضة المجتمع، مهما كانت المخاطر.

عندما تكذب النخب

يوضح المؤلف أنه أصابه الذهول من المثقفين الذين لا يتورعون عن اللجوء إلى حجج مخادعة، وأنهم يلجؤون إلى حجج هم أنفسهم لا يصدقونها، ويعمدون إلى وسائل غير شريفة، ويشير إلى أنه عندما تكذب النخب على هذا النحو علينا ألا نستغرب إعراض الجمهور عنها، ويستشهد بالحال في فرنسا: والواقع أن القطيعة بين المواطنين الفرنسيين والنخب تكبر بازدياد، ويتطرق في كتابه إلى البرامج التلفازية، ويلمح إلى أن الوقت في التلفزيون قصير، ويستشهد بقوله: نتذكر ذلك السؤال الذي طرحه «برنار بيفو» على المستشرق الكبير «مكسيم رودنسون» في نهاية برنامج: «هل تستطيع أن تقول لنا في ثلاثين ثانية هل الإسلام دين عدائي أم لا؟»، البرنامج التلفزيوني ساخن وتفاعلي ولا مكان لبرودة التحليل أو للوقت التربوي الطويل.

ويلفت النظر إلى ما أشار إليه “ريجيس دوبريه” في كتابه “السلطة الفكرية في فرنسا” قبل ثلاثين عاماً: وسائل الإعلام تتجه نحو الشخصي لا نحو الجماعي، نحو الأحاسيس لا نحو العقل، نحو الفردي لا نحو الكوني، ويتوجه إلى الإعلاميين بقوله: مطالبون بوضع موهبتهم وشهرتهم في خدمة قضايا أكثر عمومية.

ويتساءل “بونيفاس”: هل يدافع المثقف عن قضية لكي يخدمها أم لكي يستخدمها لتحسين شهرته وشعبيته وحيزه الشخصي في المشهد الفكري؟ وفي هذا السياق يؤيد الصحافة المكتوبة، ويصفها بـ”الجدية، تعتبر مرجعية وجادة”، في مقابل الإنترنت الذي هو نبع للتضليل الإعلامي، حسب وصفه، ولكنه يلفت النظر إلى أن الإنترنت وسيلة إعلامية تفيد في تصويب الصحافة المكتوبة التي تعطي الأفضلية للمقربين، وعندما يتحدث عن الصورة الذهنية، أو النمطية لدى بعض المثقفين يقول: في الوقت نفسه وفي الخفاء، سوف تختلط الأمور أكثر؛ مسلم يساوي “إسلامياً”، يساوي “أصولياً”، يساوي “إرهابياً”، أو أيضاً إذا لم يكن جميع المسلمين إرهابيين، فإن جميع الإرهابيين مسلمون.

ويسلط الضوء على المسلم المرغوب لدى بعض المثقفين: ولكي يعتبر المسلم معتدلاً يجب على المسلم ألا يلتزم بمبادئ الإسلام، وألا يكون مؤمناً، وتعتبر ممارسة الصلاة أو صوم رمضان دليل تطرف ديني، ويضرب مثالاً عندما جرى الاحتفال بالنائبة الهولندية السابقة “آيان هرزي علي” (صومالية الأصل) عندما أنكرت الإسلام، وكيف تم تمجيدها وتعظيمها؛ برغم اعتمادها خطاباً يصب في مصلحة صدام الحضارات.

وعلى حدة طرحه، فإنه يُنصف بعض المثقفين فيقول عن “ألكسندر آدلر”: هو في الحقيقة موهبة حقيقية مضيعة، فذكاؤه وذاكرته وإمكاناته كان من الممكن أن تصنع منه أحد أكبر مثقفي عصرنا، ويطالبه: ليته أحاط مواهبه الهائلة بقدر أكبر من النزاهة، ويرى أن إسباغ الألقاب على الذات من التزييف، فيقول عن “فريدريك إنسل”: وبالمقابل يصيبك بالدوار من كثرة الألقاب الجامعية التي يصوغها، والتي لا وجود لها في الواقع.

ناقوس الخطر

ويؤكد «بونيفاس» أن عدم النزاهة الفكرية لها نجومها في فرنسا اليوم، وهم يحظون بالتكريس الإعلامي ويشتركون بتغذية قدر كبير من الخوف «اللاعقلاني» من خطر إسلامي مزعوم عبر صياغة نوع من ميل «إسلامي متزمت» نصّبوه بمثابة عدو مشترك للعالم الغربي الحُر، ويتغاضون عن صعود موجة العنصرية ضد المسلمين والعرب في فرنسا.

إن الانتصار الإعلامي لخبراء الكذب يقرع ناقوس الخطر بنهاية تلك الأفكار الكبرى التي كان قد أصدرها مثقفو فرنسا الكبار من أجل الانتصار لما اعتبروه الحقيقة من أمثال “فولتير”، و”هوجو”، و”زولا”، و”مالرو”، ويعود “بونيفاس” إلى ذلك العصر الذهبي لمثقفين التزموا بقضايا آمنوا بها وعرّضوا أنفسهم للخطر: لقد كانت مكانتهم على مستوى إخلاصهم والمخاطر التي عرّضوا أنفسهم لها والمعارك التي خاضوها ضد السلطات القائمة.

كتاب “باسكال بونيفاس” يمثل مرجعاً للاسترشاد لبعض المفاهيم والقيم التي تتحدث عن الصدق والأخلاق والشجاعة والضمير المهني إزاء الزيف والتضليل الذي صار يصيب الكثير من طروحات “مثقفينا” لغايات زائفة في وطننا العربي ويمارسون الدعاية السوداء والتضليل لوعي الأمة وعقلها الجمعي.

Exit mobile version