مرحلة ما بعد الخطبة وقبل البناء

 

بيَّنا بالعددين السابقين في الرد على استشارة «الأخت المحتارة» في قبول أحد المتقدمين لخطبتها بعد رفضها للكثيرين قبله، أن منهجية اختيار شريك الحياة تتكون من ثلاثة محاور؛ هي:

أولاً: مفاهيم أساسية تساعد في ترشيد عملية الاختبار.

ثانياً: العوامل المؤثرة في الاختيار.

ثالثا: كيفية اختيار شريك العمر.

وعرضنا المحورين الأول والثاني، وسنتناول في هذا العدد المحور الثالث: كيفية اختيار شريك العمر.

كيفية اختيار شريك العمر:

في البداية، يجب أن يستفيد الخطيبان من فترة الخطبة ويستثمراها في تقييم موضوعي لإمكانية تحقيق الصورة الذهنية للحياة الزوجية المأمولة لكل منهما، هذا ليس معناه إطلاقاً إهمال الجانب العاطفي، ولكن المهم هو عدم طغيانه.

يجب على كل طرف أن يقيّم الآخر بعد كل لقاء، وإن كان هناك أي شبهة أو غموض عليه أن يحصل على ما يؤكد المعلومة أو ينفيها، سواء بالسؤال المباشر أو الاستنباط أو من أي مصدر ثقة، كذلك يجب الاستعداد لكل لقاء ببرنامج من التساؤلات عن سمات الشخصية التي سيرتبط بها حتى يزيد من قناعات القبول أو يتخذ قراره بالاعتذار أيضاً.. ويجب على أهل الفتاة دون الإخلال بالضوابط الشرعية أن يتيحوا الفرصة للخطيبين أن يجلسا معاً بما يمكنهما من خصوصية الحديث.

ولا أقصد أن يتحول لقاء الخطيبين إلى جلسات تحقيق بوليسية، ولكن ما نركز عليه هو الحضور الذهني الواعي والملاحظة والتقييم المستمر، كل منهما للآخر؛ حيث يجب أن تستغل فترة الخطبة لصياغة سمات وبناء معايير مشتركة للحياة الزوجية المرتقبة، فإن ضاعت في كلمات الحب فقط سيجد كل من الزوجين نفسه مع شخصية لا يعرفها، ويفاجأ بتصرفات لم يألفها ثم يلوم الطرف الآخر ويتهمه بأنه تغير، والواجب ألا يلوم إلا نفسه؛ لأن الطرف الآخر لم يتغير، ولكن هو الذي لم يحاول أن يتعرف إليه وغفل أو تغافل عن تقييمه وتبدأ المشكلات بعد العودة من رحلة الزواج، أو بعد حفلة الزواج.

يمكن تقييم شريك العمر المرتقب من خلال:

أولاً: تخصيص 4 مجموعات من الأوراق كل مجموعة تسمى كما يلي:

أ‌- مجموعة القوة:

يتم تسجيل كل عناصر القوة (الإيجابية) في الطرف الآخر، ثم ترتيبها تنازلياً بحيث تكون أفضل وأعلى قيمة إيجابية هي الأولى ثم الأقل وهكذا، وليكن الترتيب كما يلي:

– الالتزام الديني.

– القدرة على تحمل المسؤولية.

– الالتزام المادي.

– ينمي ذاته ومتطور.

– الكفاءة الاجتماعية والثقافية.

– حاصل على درجة الماجستير.. إلخ.

ب- مجموعة الفرص:

تحتوي مجموعة الفرص العناصر الإيجابية في الطرف الآخر، ولكنها بالنسبة لنا تعتبر فرصة، أو لأنها تتميز بالندرة.

مثال ذلك: إذا كان الشاب يتميز بحلم الخلق ولا يثور ويغضب إلا عند الضرورة، والفتاة بطبيعتها تتوتر وتضطرب ولا تستطيع أن تتصرف بحكمة وروية إذا ما عاشت في بيئة عصبية مشحونة بالتوتر؛ فتعتبر ميزة حلم الخلق ليست مجرد عنصر إيجابي في الخاطب، ولكنها فرصة بالنسبة لهذه الفتاة، أما إذا كانت الفتاة ممن يحسن التعامل بحكمة وروية وتستطيع أن تأخذ بالأسباب بحيث تحول الطرف الآخر من أن يثور أو يغضب، وإذا ما غضب تستطيع أن تتعامل معه بحكمة وتحتويه بحيث يذهب عنه ما به دون أن تتفاقم وتتعقد الأمور؛ ففي هذه الحالة يكون حلم الخلق بالنسبة لها مجرد ميزة وليست فرصة.

أيضاً يتم ترتيب عناصر الفرص تنازلياً طبقاً لأعلى فرصة ثم الأقل؛ مثال:

– يميل إلى المغامرة واقتحام الصعاب والتطوير الدائم؛ «أنا أمقت الرتابة وأفضل التغيير».

– يحضر للدكتوراه؛ «أنا أقدر العلم وأصحاب العقول المتميزة».

– منظم جداً ولديه الاستعداد لمساعدتي؛ «أنا غير منظمة».

جـ- مجموعة الضعف:

يسجل بها كل عناصر الضعف (السلبية)، ثم ترتب أيضاً بوضع أعلى قيمة سلبية في أعلى القائمة ثم الأقل سلبية وهكذا، وليكن الترتيب كما يلي:

– غير مهتم بمظهره.

– ليس بخيلاً، ولكنه محدود الكرم.

– هناك فجوة عمرية (أكبر مني 12 عاماً).

د- مجموعة التهديدات والمخاطر:

هي أصلاً عناصر ضعف، ولكن خطرها عالٍ جداً؛ مثال ذلك:

– إذا ما اتصف الشاب أو الفتاة بعدم الطموح والمبادرة، ويفهم الرضا بأسلوب سلبي ومتواكل، ولا يأخذ بأسباب الرقي وتنمية ذاته؛ فهذه ليست عناصر ضعف، وإنما تمثل تهديداً عالي المخاطر ليس على ذاته فحسب، ولكن على الأسرة التي يبنيها، وقد تزداد الأمور خطورة إذا ما تميز الطرف الآخر بعلو الهمة والمغامرة والجرأة والإقدام، ففي هذه الحالة يمثل الارتباط بهذه الشخصية مخاطرة كبيرة وتهديداً قد يدمر الحياة الزوجية بينهما.

التحليل واتخاذ القرار:

إذا تأكدنا أن العناصر الأساسية التي قررنا وجوب توافرها في الطرف المرشح للزواج، والعناصر السلبية التي قررنا ألا تكون متوافرة فيه، ففي هذه الحالة نتخذ القرار ببحث إمكانية اتخاذ قرار الزواج به، وهذا القرار تراكمي؛ بمعنى أننا نظل نجمع معلومات ونحللها ونعدل مستوى قناعتنا، ونظل على هذه الحالة إلى أن تصل قناعتنا الكاملة بإصدار القرار المناسب.

يجب التركيز – بل الحرص – على إظهار كل ما يمكن أن يعتبر صفة سلبية لدينا، وكذلك التعرف على ما يمكن أن يعتبر صفة سلبية في الطرف الآخر، هذا ليس معناه طمس الإيجابيات، ولكني أتعمد الإشارة إلى السلبيات؛ لأن كل طرف عادة ما يحاول أن يتجمل ويظهر ويبالغ في إظهار إيجابياته، بل قد يصل الأمر إلى أن يتصنع ويرتدي غير ثوبه.. وإذا ما كان بالنفس ميل فيتم التركيز على إيجابيات الطرف الآخر غافلاً أو متغافلاً سلبياته وكأنه يبرر لنفسه قراراً مسبقاً بالموافقة؛ لذا أوصي بالمتابعة والتحديث المستمر للقوائم الأربع، ومن ثم تعديل القناعات طبقاً لذلك.

 ولنبدأ بتحليل السلبيات (مجموعة التهديدات والمخاطر، ومجموعة الضعف)؛ حيث يجب التفكير ملياً بها وتقدير المحاور التالية بالنسبة لكل سلبية:

1- ما الآثار المترتبة في المدى القريب وعلى المدى البعيد إن لم يتم التخلي عن هذا السلوك؟

2- هل ينحصر أثره علينا فقط أم قد يمتد ليشمل آخرين، مثل: الأهل والأبناء.. إلخ؟

3- هل هي صفة متأصلة بذاته أم عارضة؟

4- ما مدى قناعته بإمكانية التخلي عنه، واستعداده لمعالجته مهما كانت المشقة؟

5- ما معدل حدوثه (تكراره يومياً، أسبوعياً، نادراً)؟

6- ما مدى استعدادنا للتفاعل معه في أقصى حالاته، وقدرتنا على استيعابه؟

7- هل لديَّ القدرة على معالجته؟

يجب أن نجد إجابة لهذه التساؤلات لكل العناصر الموجودة في قائمة التهديدات والمخاطر وقائمة الضعف.

إن التقييم يجب أن يتناول كل عنصر على حدة من حيث آثاره، وكذلك قيمته النسبية بالنسبة للمجموعة التي ينتمي إليها من حيث ترتيبه بين مجموعته، كما أن التقييم الكلي للمجموعة كوحدة متكاملة قد يعطي مؤشراً مختلفاً عن التقييم الأحادي لكل عنصر، فمثلاً في مجموعة القوة قد يكون العنصر الإيجابي ضعيف الوزن، ولكن بتعدد عناصر القوة وتكاملها تكتسب المجموعة كلها وزناً قوياً جداً يساعد على تحمل مجموعة الضعف والتهديدات.

وإذا ما كانت ثقافة الشاب أو الفتاة عالية ويحتاج إلى تحليل أكثر دقة؛ فإنه يمكن تحديد هيكل نموذج اتخاذ القرار بناء على محاور أو معالم التقييم، والتي قد تكون: الدين، المستوى الاجتماعي، المستوى المادي، المستوى الثقافي، الأخلاق والذوق العام، الشكل والمظهر العام، والعديد من المحاور الأخرى، والتي يستحيل أن تتطابق بين اثنين سواء من حيث الحصر أو من حيث التأثير، فبناءً على اعتبارات عديدة يصيغ كل شاب أو فتاة معايير التقييم الخاصة به، وكذلك الوزن النسبي لكل معيار.

فقد يرى شاب أنه يشترط فيمن يقترن بها أن تلبس الحجاب الشرعي، وتقيم الفرائض، وتعلم ما هو معلوم من الدين بالضرورة وكفى، في حين يشترط آخر النقاب، وأن تكون ذات علم ودراية، وتحفظ عدة أجزاء من القرآن، ويعتبر عدم توافر تلك الشروط ضعفاً وسبباً للاعتذار.

وعند التقييم نأخذ في الحسبان الوزن النسبي للمجموعة الفرعية، فترتب المجموعات الفرعية.

يلاحظ في هذا النوع من التحليل أن القرار لن يتأثر فقط بعدد العناصر الإيجابية والسلبية، ولكن أيضاً يساهم الوزن النسبي للمجموعة الفرعية التي ينتمي إليها في ترجيح قبول أو رفض قرار الزواج، فقد يكون هناك عشرات العناصر الإيجابية في مجموعتي القوة والفرص، ولكن عنصراً سلبياً واحداً في مجموعة التهديدات يرجح الاعتذار، مثل التدخين؛ لأن وزنه النسبي أعلى من كل الأوزان النسبية لمجموعتي القوة والفرص.

في النهاية:

وهناك عنصر رئيس تحكمي في قرار الزواج وهو الميل العاطفي، وهو عنصر مهم ورئيس، ولكنه غير كافٍ، فإن وجد أحد الأطراف منذ البداية نفوراً فعليه الاعتذار فوراً دون النظر لأي إيجابية.

 

يمكنك إرسال استشارتك على أحد العنوانين البريدين التاليين:

info@mugtama.com

y3thman1@hotmail.com

Exit mobile version