حياة طفلة تجسد معاناة الأقلية المسلمة في ميانمار

صورة أرشيفية

منذ ولادتها في مخيم لنازحي الأقلية المسلمة (الروهينجيا) في إقليم راخين (آراكان) بميانمار، تناضل أم الطفلة روسمايدا بيبي، من أجل أن تنمو ابنتها بشكل طبيعي وتغذية صحية.

لكن روسمايدا الضعيفة، التي تعاني من سوء تغذية حاد، وصلت عمر الرابعة، رغم أن مظهرها لا يوحي بأنها قد تخطت بعد عامها الأول.

فتاة هزيلة، عظامها بارزة من أسفل جلدها الواهن، تتأرجح عند المشي، هذا حال “روسمايدا” التي لا تستطيع في عمرها الحالي (4 سنوات) سوى التفوه ببعض الكلمات، بينما يثرثر أطفال العالم باستمرار.

“بابا.. ماما.. أرز”، هذه حصيلة الكلمات التي تمكنت من تلفظها روسمايدا، وهي واحدة من ضحايا الاضطهاد والعنف التي يتعرض لها مسلمو الروهينجيا في ميانمار، على يد جيش البلاد، والجماعات البوذية المتطرفة.

وتشير الإحصائيات أنه بعد نصف عقد من العنف ضد المسلمين في ميانمار ذات الأغلبية البوذية، تم إجبار نحو 120 ألف مسلم من أقلية الروهينجيا على النزوح باتجاه عدد من المخيمات غربي البلاد.

سياسات وصفتها المنظمات الحقوقية، بأنها “إجراءات ديكتاتورية عسكرية تعكس الاضطهاد والفصل والإهمال”، وفق وكالة “أسوشيتيد برس” الأمريكية.

“هنا الحياة أسوأ من السجون”، تقول حمدية بيجوم، والدة روسمايدا، التي تبلغ 20 عامًا، وتعيش في “كوخ” مؤقت تسميه “منزلًا”، ينهار مع كل هطول للأمطار الغزيرة، التي تعد مصدرًا للغذاء في آن واحد.

وفي ظل انتشار الفقر، والبطالة، وحظر تجول المسلمين بين المناطق وأحيانًا في عدد من الشوارع بفرض نقاط تفتيش بوذية، فشلت حمدية في العثور على من يساعدها وابنتها.

وتقول الشابة: أريد أن أمنح ابنتي فرصة تعليم، أريد أن أجعلها تذهب إلى المدرسة مثل بقية الأطفال، ولكن أعتقد أن هذا لن يحدث.

المعاناة التي تعيشها الطفلة روسمايدا لا تقتصر فقط على الاضطهاد الذي تعاني منه الأقلية المسلمة في ميانمار، ولكن بالنسبة للأطفال الأمر أخطر من الموت، فهم لم يحصلوا بعد على فرصة للحياة.

وتضيف حميدة: ابنتي لن تستطيع الذهاب إلى المدرسة، لأنها مريضة، لا تنمو.

ووفق تقرير لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، في مايو الماضي، يموت 150 طفلاً دون عمر الخامسة يوميًا في ميانمار، 30% منهم بسبب سوء التغذية.

ورغم أن الأمم المتحدة لا تمتلك أرقاماً محددة بخصوص عدد الأطفال الذين يموتون يوميًا في مخيمات نزوح للأقلية المسلمة في ميانمار، فإن المؤشرات توضح أن الوضع يزداد سوءًا في هذه التجمعات لأن نصف سكانها من النساء والأطفال، بحسب “أسوشيتيد برس”.

وضع حميدة بيجوم لا يختلف كثيرًا عن باقي النساء في مخيمات إقليم راخين (آراكان)، حيث يعاني أغلب الأطفال من سوء تغذية حاد، وتعيش النساء قصصاً مؤلمة ما بين موت عائل أو قلة الإمكانيات، حيث يعمل أغلب الرجال في ميانمار بمهنة الصيد التي توفر لهم أقل من دولار يوميًا.

أمهات فضلن الهروب

في الوقت الذي تحاول فيه والدة روسمايدا النضال لمنح ابنتها فرصة للحياة في مخيم للنازحين المسلمين في ميانمار، فضلن أخريات النجاة بأنفسهن وأطفالهن والفرار إلى بنغلاديش.

وتعتبر ميانمار، الروهينجيا مهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش بموجب قانون أقرته ميانمار عام 1982م، بينما تصنفهم الأمم المتحدة بـ” الأقلية الدينية الأكثر اضطهادًا في العالم”.

“تروننا على قيد الحياة، لأن الله كان رحيما بنا”، تقول أمينة، واحدة من لاجئات أقلية الروهينجيا إلى بنغلاديش، والتي فضلت الهروب برفقة ابنتها “سمية” التي لم يتعد عمرها 16 يوماـ في أعقاب اعتقال عمها وأخيها الأصغر من قبل جيش ميانمار.

وبحسب صحيفة “إنترناشيونال بيزنس تايمز” البريطانية (خاصة)، تعد أمينة، واحدة من بين 75 ألف لاجئ من الروهينجيا نجحوا في العبور إلى بنغلاديش دون أن ترصدهم أعين الجيش الميانماري.

ورغم النجاة المؤقتة من عنصرية السلطات في ميانمار، تواجه أمهات الروهينجيا أوضاعاً مأساوية في مخيمات اللجوء قد تصل حد عدم القدرة على إطعام الأطفال.

من جهته، قال أزمت أولا، مسؤول في الاتحاد الدولي للصليب الأحمر في بنغلاديش، إن ” لاجئي الروهينجيا يعيشون في ظروف صعبة، ومعظمهم لا يحصلون على الخدمات الطبية العادية، كما ولا ما يكفي من الغذاء”.

وأضاف، وفق الصحيفة البريطانية، أن “كثيرا من النساء يكافحن من أجل الحصول على الأموال، بعد أن انقطعت علاقتهن بأزواجهن (سواء بسبب اعتقالهم أو فقدانهم أثناء رحلة اللجوء أو الهروب من قبضة الجيش في ميانمار)، الذين كانوا العائل الوحيد في معظم الأسر”.

تجدر الإشارة أن ميانمار تعد واحدة من أسوأ الدول من حيث الظروف التي تعيش فيها الأمهات.

وفي تقرير لمؤسسة “انقذوا الأطفال” الأسترالية (أهلية)، صدر في مايو عام 2015م، جاءت ميانمار في المرتبة 158 ضمن قائمة تضم 179 دولة يمكن أن تعيش فيها الأمهات.

وذكرت المنظمة الأسترالية أن في ميانمار تواجه أُم واحدة من كل 250 أُما خطر الوفاة ، على خلفية سنوات العزلة، والحروب الأهلية، ونقص التنمية.

كما أشارت المنظمة إلى أن معدل وفيات الأطفال دون عمر الخامسة، وصل حد وفاة طفل واحد من بين كل 19 طفلاً.

Exit mobile version