«التقويم الهجري الموحَّد» يؤسِّس لوحدة مسلمي أوروبا

لا شك أن خيار «التقويم الهجري الموحّد» يؤسّس لوحدة مسلمي أوروبا في أعيادهم الدينية، ويحقق مقاصد وجودهم في الغرب، ويراعي مصالحهم إجمالاً دون إخلال بالنصوص الشرعية.

وبهدف التعريف بالتقويم الهجري الموحد، وضرورته لمسلمي أوروبا؛ قام المجلس الأوروبي للإفتاء بالتعاون مع رئاسة الشؤون الدينية التركية ولجنة الفتوى في ألمانيا بتنظيم جولة في عدد من الأقطار الأوروبية، ولقاء الدعاة والأئمة بها؛ حيث قمنا بفتح حوارات مفتوحة معهم حول التقويم الهجري الموحد، والإشكالات التي ترد عليه وكيفية حلها.

وخلال اللقاءات مع الأئمة والدعاة في الأقطار الأوروبية تم توضيح أن التقويم الهجري الموحد هو اجتهاد جماعي نتج عن قرار المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث الصادر قبل مؤتمر إسطنبول في مايو 2016م، الذي سُبق بمؤتمر آخر بإسطنبول عام 1978م، وكل هذه المؤتمرات الجماعية انتهت إلى ترجيح هذا الرأي باعتباره الرأي الذي يؤسس لوحدة عالمية للمسلمين في مسألة الصيام والإفطار، ويُخرج الدول والمسلمين من الإحراجات التي تقع في إعلانات العيد، بحيث يُعلن أن الهلال قد رُؤي رغم استحالة رؤيته فلكياً.

كما أنه يعطينا تقويماً ثابتاً موحداً موازياً للتقويم الميلادي، بحيث يستطيع المسلم أن ينظم حياته عليه بكل اطمئنان.

لم ينتهِ القائمون على هذا التقويم إلا بعد دراسة مطولة، فقد شُكلت لجنة علمية فقهية فلكية عكفت على دراسة الاجتهادات المقدمة من عدد كبير من الفلكيين في العالم على مدار ثلاث سنوات، عقدت خلالها خمسة مؤتمرات للمفاضلة بين التقاويم التي قُدمت لها، وكان عددها عشرين تقويماً، واختاروا من العشرين تقويماً تقويمين فقط، ثم تم التصويت على التقويم الموحد من بينهما.

الإشكال في أوروبا

الدول العربية والإسلامية لا إشكال عندها في موضوع الهلال؛ لأن كل دولة لديها هيئة إفتائية، وتلك الهيئة هي التي تُعلن عن الأعياد الدينية ويلتزم الناس بقراراتها أياً كانت هذه القرارات، سواء كانت مؤسسة على وحدة المطالع، أو مؤسسة على اختلاف المطالع، أو مؤسسة على الحسابات الفلكية أو غيرها، وفي النهاية المرجعية التي تمثل الدولة هي التي تُعلن ومن ثم يتم الاتفاق عليها.

الإشكال عندنا في أوروبا يختلف، في كون المسلمين ينحدرون من بلدان مختلفة، وهناك تجمعات كبيرة من الأجيال الجديدة التي ولدت في بلاد الغرب، وهناك مسلمون جدد، وهناك تنوعات كثيرة ومختلفة جداً على الساحة الأوروبية.

والذي قلناه: إن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث يمثل أقدم وأول هيئة إسلامية تشكل مرجعية للمسلمين على الساحة الأوروبية، ويضم تحت عضويته قرابة 40 فقيهاً وعالماً، ليس لهم توجه سياسي أو تنظيمي أو حزبي؛ وبالتالي اتخاذ المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث مرجعية هو التوجه الذي ندعو عموم المسلمين على الساحة الأوروبية إليه؛ لأنه لم ينته إلى هذا القرار إلا بعد دراسة طويلة ومناقشات مضنية ومستفيضة حتى ينتهي إلى هذا القرار، وإلى هذا الرأي.

فالمسلمون في أوروبا يحتاجون إلى جملة من الأشياء؛ مثل: تحديد العطل والإجازات، وأخذ العمال والموظفين إجازات من أعمالهم، وحضور الإعلام لتغطية صلاة العيد للمسلمين، وحضور الساسة والمسؤولين لمشاركة المسلمين في هذا الاحتفال، وتمكن المسلمين من حجز قاعات كبرى للاحتفال بالعيد على النحو المرغوب والمطلوب، فالإعلان المسبق هو أحد متطلبات الاعتراف بالإسلام.

أفضل خيار

من ناحية أخرى، فإن عدم الأخذ بالحسابات الفلكية والتحديد المسبق، يُضعف انتماء الأجيال الجديدة للدين، بل ينتهي بهم إلى التشكيك في هذا الدين وعجزه عن مواكبة ومسايرة العلم فضلاً عن أخذه به، فالعالم اليوم ملأ السماء بالأقمار الصناعية، والسفن الفضائية فوق سطح القمر ونحن نبحث عنه من على الأرض، فالأجيال الجديدة المتعلمة والواعية لا يمكن أبداً أن تقبل أو ترضى بهذه الصورة المتناقضة مع مبادئ الإسلام الداعية إلى الوحدة وإلى الاتفاق، أو مع مبادئ العلم التي تدعو إلى الأخذ بمستجدات العلم، وعلم الفلك يمثل قمة العلم.

في الحقيقة، إننا إذا درسنا كل الخيارات الممكنة والمتاحة، بالنسبة لإعلان بدايات الأشهر الهجرية والأعياد الدينية، سنجد أن هذا هو أفضل خيار لتحقيق الوحدة بدراسة كل الخيارات الممكنة.

وأخيراً أقول: إن هناك قواعد فقهية تؤكد ضرورة أن يلتزم المسلمون وأن يتنازلوا عن قناعاتهم الفردية أمام المصلحة العامة للمسلمين، فالقاعدة تقول: «حكم الحاكم يرفع الخلاف»، فإذا اختار الحاكم المسلم أو القاضي المسلم، أو المرجعية التي تمثل المسلمين في أي بلد اختياراً فقهياً معيناً ارتفع الخلاف في المسألة ولم تعد المسألة خلافية.

إذن إذا اختارت المؤسسات والمرجعيات للمسلمين هذا الخيار الفقهي والتقويم الهجري الموحد واعتمدوا الحسابات الفلكية خياراً فقهياً وجب على جميع المسلمين الالتزام بهذا القرار حتى ولو كانت لديهم قناعات تختلف عن هذه القناعة بحسب هذه القاعدة.

ومما قرره الفقهاء أن الاتفاق على المرجوح خير من الاختلاف على الراجح، فكيف إذا كان الاتفاق على الراجح، لا على المرجوح، فالمصير إليه لا شك أولى.

والفقهاء قرروا أن الظني لا يقاوم القطعي فضلاً عن أن يُقدم عليه، ولا شك أن الرؤية البصرية ظنية تقابل القطعي وهو الحسابات الفلكية.

كذلك قرر الفقهاء أن المصلحة العامة تقدم على المصلحة الخاصة، وكذلك قرر الفقهاء في قواعدهم الفقهية أن الأمور بمقاصدها.

 

(*) رئيس لجنة الفتوى بألمانيا.

Exit mobile version