تونس: الساحة الحزبية في ميزان القيم والمصالح

عرف العالم ظاهرة شراء الأصوات في الانتخابات ولا سيما في الدول المتخلفة ، من قبل أحزاب متخلفة، في تكوينها السياسي، ورؤيتها الإستراتيجية ، وهو ما يعكس تخلفا معقد على مستوى القاعدة والنخبة، ترى الأولى في العملية مكسباً، وترى الثانية استثماراً فيها. وهي عملية سطو سواء بشراء الأصوات أو شراء النواب ، وإن كان ذلك في بلدان أخرى يعتبر حالات فردية، إلا أنها تحولت في تونس إلى ظاهرة، لا سيما عملية شراء النواب التي أسس لها حزب نداء تونس، في نوفمبر 2012 م حيث شكل كتلة نيابية في المجلس التأسيسي، وهو لم يخض الانتخابات، بل كان تأسيسه لاحقا لها بنحو 7 أشهر { 12 جوان 2012 م}.
الجزاء من جنس العمل
تعرض حزب نداء تونس الذي اتسم بالتناقضات الأيديولوجية في تكوينه وتأسيسه ومساره ، للهزات الواحدة تلو الأخرى فمن بين 86 نائباً لم يبق معه الآن سوى 66 نائباً وقد تقهقر إلى أقل من ذلك إلا أن انضمام نواب له من أحزاب أخرى على طريقته في استقطاب النواب دون خوض انتخابات 2011م، أسعفته بعض الشيء ولا يزال مهدداً، بعد انسحاب خميس قسيلة، وليلى الشتاوي، وكان انضمامهما للحزب قد تم بالطريقة نفسها،أي البيع والشراء، والتي يشبهها البعض بلاعبي كرة القدم الذين يتم شراؤهم بالاتفاق مع فرقهم إلا أن العملية تتم رغما عن أحزابهم المتخلين عنها. وهناك تشبيهات كمقولة الارتزاق، وهي كلمة وردت كثيراً لا سيما إذا علمنا أن رجال أعمال معروفين دفعوا مبلغ 50 ألف دينار عن كل رأس يتم شراؤه من قبل هذا الحزب أو ذاك ولا سيما حزب نداء تونس صاحب اليد الطولى في هذا السوق، وعرابه المعروفين بشراء النواب والكلوشارات لحماية الاجتماعات أو إفسادها .
وتفيد بعض الإحصاءات والتقارير إلى أن مجلس نواب الشعب شهد أكثر من 50 تغييرا على الكتل بين استقالات وانضمام إلى كتل منافسة داخل المجلس،أو تكوين كتل جديدة على غرار”الكتلة الحرة” المنسوبة لمحسن مرزوق، والمنشقة عن نداء تونس، والتي أعلنت عن نفسها في 26 جانفي 2016 م.
الأحزاب المتضررة
يعد حزب التكتل، والمؤتمر من أجل الجمهورية ، والحزب الوطني الحر، والعريضة الشعبية، التي أصبحت تيار المحبة، وأخيرا نداء تونس من بين الأحزاب الأكثر تضررا من السياحة الحزبية، حيث فقد ثلث أعضائه في مجلس نواب الشعب تقريبا، ومعظم هذه الأحزاب استقطبت نوابا وقياديين من أحزاب أخرى ، وتعرضت هي لنفس العملية ، حسب قواعد اللعبة .
لكن الأحزاب التي لم تشهد مثل هذه الظاهرة وفي مقدمتها حزب حركة النهضة، ومجموعة الأحزاب المشكلة للجبهة الشعبية، تعد متضررة بطريقة مختلفة إذ أن عدم الاستقرار الحزبي والسياسي في البلاد يربك المشهد العام، ويمنع الكثير من الاستحقاقات الواجبة في ظل تغيير موازين القوى داخل مجلس نواب الشعب. فلولا الحزازات القائمة بين بعض الكتل والأحزاب، لربما شهدت الساحة السياسية ولا سيما الحكومة تغييرات جوهرية في ظل الرمال المتحركة داخل مجلس نواب الشعب . فمثلا لو كان حزب حركة النهضة مكان نداء تونس وشهد ما شهده النداء هل كان بالإمكان أن يبقى الرقم 1 في المجلس والسلطة المركزية والجهوية في البلاد، وهل كانت المطالب بانتخابات مبكرة رئاسية وبرلمانية بذلك الفتور ، الذي يعبر عن انتهازية سياسية أكثر منه مطالب موضوعية في ظل وضع متغير، ورأي عام مختلف كما قيل سنة 2013 م؟
ولا شك بأن ضعف الخارطة السياسية وخلوها من أحزاب كبيرة يضاعف من مسؤولية حركة النهضة التي ينطبق عليها في الخارطة التونسية، ما ينطبق على تونس في خارطة الربيع العربي، حيث ظلت الشمعة الوحيدة المتقدة دون خفوت، والشجرة الوارفة السليمة ، وسط غابة محترقة.
نواب في المزاد
أن ينتقل شخص من حزب إلى حزب فهذا حقه الطبيعي، بقطع النظر عن موقعه في المجتمع، أو الحزب السابق أو اللاحق، فالأشخاص تتغير قناعتهم، وفقا للتجربة الخاصة داخل الأطر الحزبية، وهي مكون أساسي للمواقف سواء بتجذيرها، أوبتغييرها، وتبني مواقف أخرى يرى أصحابها أنها ثمرة مرحلة تقييم وتصحيح. وهذا واضح ومشهود في عرف الانتماء السياسي. بيد أن الانتقال من كتلة إلى أخرى فيه نظر، إذ أن النائب تم انتخابه على أساس أنه مرشح حزب معين، ووفقا لبرنامج معين، واعتبارا للوعود التي قطعها هذا الحزب أو ذاك للناخبين. وبالتالي فإن النائب هو ملك ناخبيه،إن صح التعبير، وانتقاله على طريقة اللاعبين، في مجال الرياضة، أوالمقاتلين في الحروب فيه مخالفة للعهد الذي بينه وبين ناخبيه، وعليه وفقا للكثير من الآراء والتحليلات في هذا المجال أن يكمل فترته النيابية، ثم يختار الحزب الذي يريد، بعقله لا بما يضعه في جيبه من خلال بيع نفسه لهذا الحزب أو ذاك أو هذه الجهة أو تلك، كما يفعل السماسرة دائما، وكيف يمكن اعتباره نائبا للشعب في هذه الحالة ؟.

Exit mobile version