افتقاد التعليم الديني أكبر تحدٍّ يواجه مسلمي ألبانيا

– ذوبان الهوية الإسلامية وانتشار الانحلال والفرق الباطنية والطائفية من أبرز التحديات أمامنا

– السفارة الإيرانية استغلت غيبة الحضور الإسلامي لنشر الفكر الطائفي المذهبي

– الفكر الطائفي استغل الطرق الصوفية للتمدد والانتشار

– الاتحاد همزة الوصل بين السعودية وخريجي جامعاتها من المسلمين الألبان

 

مر على مسلمي ألبانيا كثير من المحن العاتية التي هددت هويتهم الإسلامية، وأرادت استئصال شأفة الإسلام من أراضيها، وإخفات نوره من ربوعها، وكان أعداء الإسلام من المستعمرين الغاصبين وأحلافهم جادين في ذلك حتى وصل بهم الأمر للقتل والسجن والحرق والهدم، ولكن تأبى إرادة الله إلا أن يظل نور الإسلام ساطعاً على أرض ألبانيا، وتعلو مآذنه هنا وهناك تردد كلمة التوحيد، لكن هذا لا يمنع من أن حال المسلمين في ألبانيا كحالهم في بقية دول أوروبا؛ حيث يعانون من مضايقات تعرقل مسيرة العمل الدعوي، وتحول دون شرح حقيقة الإسلام وتوضيح صورته الزاهية، ناهيك عن خطر الطائفية الذي يحاصر المسلمين في أغلب دول العالم ويحاول جاهداً أن يجد له أرضية وجذوراً في كل مكان.

في هذا الحوار الذي أجرته «المجتمع» مع سادات عثمان محموداي، رئيس اتحاد خريجي الجامعات السعودية بألبانيا، أثناء زيارته لمقر الندوة العالمية للشباب الإسلامي في العاصمة السعودية الرياض؛ نتعرف منه على أوضاع المسلمين هناك، وما يواجهونه من عقبات ومشكلات، كما يلقي الضوء على الجهود التي يقوم بها الاتحاد في خدمة قضايا المسلمين.

* بداية، كيف دخل الإسلام ألبانيا؟

– نسبة المسلمين في ألبانيا 80% من مجموع السكان الحالي، وكان شعبها قبل الإسلام يدين بالوثنية حتى فرضت النصرانية عام 917م من خلال هيمنة الدولة البيزنطية التي عانى منها الشعب معاناة شديدة، فقامت اضطرابات وثورات إلى أن استعانوا عليهم بالعثمانيين ليخلصوهم من هذا الظلم.

ولما اختلطوا بالعثمانيين استهواهم الإسلام لما رأوا فيه من حرية وكرامة وعدالة؛ فأقدموا عليه واعتنقوه، لكن ألبانيا عرفت الإسلام قبل فتحها على يد السلطان محمد الفاتح عن طريق التجار العرب والمارين الذين تأثروا بهم، وظلت ألبانيا خاضعة للخلافة العثمانية إلى أن قام أحد زعمائها بالتمرد على الحكم العثماني، وبتحريض من المسيحيين ظل يحارب العثمانيين 23 عاماً إلى أن مات واستطاع السلطان محمد الفاتح أن يفتحها مرة أخرى وتسقط بيديه عام 885هـ.

* ماذا عن أوضاع المسلمين بعد سقوط الخلافة؟

– ظل مسلمو ألبانيا منذ الفتح الإسلامي لبلادهم حتى قيام الحرب العالمية الأولى ينعمون بالإسلام وعدالة حكمه، وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، صارت ألبانيا نهباً لقوات البلغار والفرنسيين والطليان وغيرهم، واستطاع بعض الألبان إقامة دولة عاصمتها «تيرانا»، وأخذ المتربصون يكيدون لها حتى تولى عرش ألبانيا «أحمد زوغو» عام 1928م، وكان حاقداً على الإسلام والمسلمين، فألغى الدروس الدينية في المساجد، وحظر تدريس التربية الإسلامية، حتى قامت إيطاليا عام 1939م باحتلال ألبانيا وهمت بتنصير أهلها بكل وسيلة ممكنة، حتى إنهم هدموا المساجد والمدارس، وقتلوا أعداداً هائلة من علماء المسلمين، واعتقلوا الكثيرين طوال فترة الحرب العالمية الثانية، وراح ضحيتها آلاف المسلمين حتى انهزمت عام 1943م وأخرجهم الألمان.

ومن بعدهم جاء الحكم الشيوعي الذي عمل بشتى الوسائل للقضاء على المسلمين، وقتلوا عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ، بالإضافة إلى الملايين التي فرت من ظلمهم إلى البلاد المجاورة.

وبعد زوال الشيوعية حاول المسلمون استرداد هذا الانتماء الإسلامي ببناء المساجد والمدارس وهم في حاجة كبيرة للمساعدة حتى يتحقق ذلك.

* ما أبرز التحديات التي تواجه مسلمي ألبانيا؟

– هناك عقبات كثيرة تواجهنا كمسلمين عامة وكعاملين في الاتحاد خاصة، منها ذوبان الهوية الإسلامية في العولمة الغربية، وانتشار الانحلال الأخلاقي والثقافي والاجتماعي، وتواجد النحل وانتشار الفرق الباطنية والطائفية، وعملهم المكثف في الساحة الألبانية بمساندة وتدبير إيران، ووجود نظام تعليمي علماني يقاوم كل البرامج الموازية خصوصاً دراسة العلوم الإسلامية، كما نجد الإعلام الذي يعطي صورة مغلوطة عن الإسلام، وتنتشر ظاهرة كراهية الإسلام ومحاولة ربطه بظواهر التطرف، وكذلك تهميش دور المرأة المسلمة بحكم أنها متخلفة ولا تتفق مع النمط العلماني العصري، وأهم شيء عدم وجود جامعات ومدارس تتبنى الفكر والأدب الإسلامي، والحاجة للمساجد والمصليات الإسلامية.

* ما احتياجات الشباب المسلم في ألبانيا؟

– افتقاد التعليم الإسلامي هو أبرز ما يواجه الشباب المسلم في ألبانيا من عقبات؛ حيث لا يوجد تعليم ديني إسلامي رسمي، ولا توجد مدارس تقوم بهذه المهمة، وإنما بعض الجهود الفردية المتواضعة التي لا تناسب حجم الأعداد الراغبة في التعليم الديني والتربية الإسلامية؛ فالحاجة إلى التعليم الديني أكبر تحدّ للمسلمين جميعاً في ألبانيا؛ لأنه يُعد صمام الأمان للهوية الإسلامية والحفاظ عليها من العادات والسلوكيات الغربية، حيث لا تسمح به الحكومة.

* الخطر الطائفي الإيراني صار كـ«التنصير» في كل مكان، فهل تعانون منه؟

– الخطر الطائفي الإيراني بدأ في ألبانيا منذ عقد من الزمان، وفي غيبة من الحضور الإسلامي استغلت السفارة الإيرانية هذا الفراغ لنشر التمدد المذهبي.

* كيف بدأ وانتشر؟

– تم تسهيل مهمتهم والترويج لأفكارهم عبر الطرق الصوفية، وبعض الذين لا يملكون رصيداً كافياً من العلم والفهم الصحيح، فظهروا معهم بأسلوب تدريجي ومتخفّ، ولم يعلنوا لهم هويتهم وغايتهم، فأمدوهم بالمساعدات من تجديد وترميم التكايا والزوايا والأضرحة، آملين في المستقبل أن يغيروها إلى حسينيات، وللأسف حققوا كثيراً من الإنجازات في ألبانيا، فلديهم مدارس ومراكز ومعاهد وجمعيات ونشاط كبير جداً. 

* هل هناك دور للتصدي له؟

– الشباب الألباني المتخرج في الجامعات الإسلامية السعودية استطاع أن يتصدى للفكر الطائفي الإيراني في ألبانيا بالحجج القوية والردود العلمية الحكيمة، وكان لهم جهودهم الكبيرة في وقف المد الطائفي بين المسلمين في ألبانيا بما تعلموه في المملكة العربية السعودية من الفهم المعتدل والعقيدة الصحيحة للإسلام.

* حدّثنا عن اتحاد خريجي الجامعات السعودية في ألبانيا.

– تم ترخيص الاتحاد رسمياً في ألبانيا عام 2014م كجمعية تعليمية ثقافية تحتضن وتشرف على جميع الخريجين الألبان من الجامعات السعودية، بحكم كونهم الأكثرية المعينة في ألبانيا بمجال الدعوة والإمامة والخطابة من قبل المشيخة الإسلامية الرسمية التي تمثل الإسلام والمسلمين في البلد، ويقوم بتوحيد الرؤى والجهود تفادياً للأعمال العشوائية والمبعثرة.

كما يعد الاتحاد همزة الوصل بين المملكة العربية السعودية وخريجي جامعاتها من المسلمين الألبان، ويقوم بالتواصل المستمر بين المؤسسات التعليمية السعودية والمشايخ والعلماء والمؤسسات الإسلامية، كما يهتم بتفعيل دور نساء الخريجات للاستفادة منهن في تفعيل دور المرأة المسلمة في المجتمع الألباني، ويسعى للاهتمام بمجال التعليم وإيجاد مدارس أهلية وبناء المراكز الثقافية والمهنية التي تنشر العلم والثقافة بين أوساط المجتمع.

* ماذا قدم الاتحاد للخريجين؟

– أقمنا دورات شرعية وتأهيلية وتدريبية للخريجين بمعدل 3 دورات كل عام، وأقمنا 12 ندوة علمية سنوية؛ ندوة في كل شهر، ونقيم مؤتمراً واحداً كل عام، وقمنا بتأسيس وبناء أو شراء مراكز ومساجد في كبرى محافظات ألبانيا، وأقمنا 3 رحلات ترفيهية داخل ألبانيا وخارجها، وترجمنا وطبعنا عدداً من الكتب الإسلامية، ونكفل 30 خريجاً، وقدمنا منحة دراسية لـ15 طالب علم، وأعددنا سلسلة وثائقية تاريخية، ولدينا مشروع خاص بالمساجين، وأسسنا وافتتحنا إذاعة دينية ثقافية ومحطة تلفزيونية دينية ثقافية، وافتتحنا مدرسة إسلامية كاملة من الروضة وحتى الجامعة.

Exit mobile version