المحطة الثانية: كن مسلماً

«الإسلام».. كلمة عظيمة تحمل بين حروفها معاني السلم والسلام والأمن والأمان

الحصاد من جنس ما تزرع فابذر الخير في قلب ابنك تلقَ أرضاً خصبة

دور الوالدين كبير في تنشئة الولد على الإسلام وربطه به للحفاظ على فطرته السليمة

 

«الإسلام».. محطة مهمة في حياة كل مسافر، حتى يطمئن في رحلته ويَسلم، ويشعر بالأمان فيهدأ ويصل بسلام فيفوز، هي محطة أساسية لا بد منها ولا غنى له عنها، بل يجب أن يصل إليها حيث يتزود منها في طريق سفره ما يقويه ويعينه، فما أشد الحاجة لهذه المحطة! وما أعظم زادها حين تنتهي هذه الرحلة ويستقر بالمسافر المقام، فينجو برحمة الله ويحظى بالقبول والرضوان، فإذا به يحيا بالإسلام سعيداً في الدنيا والآخرة!

«الإسلام».. كلمة عظيمة تحمل بين حروفها معاني السلم والسلام، والأمن والأمان، والركون للقوي العظيم والخضوع له والتسليم، كما يظهر فيها مدى الاستجابة لله والدعوة إلى إسلام الوجه له؛ لذا فإن من دخل هذه المحطة بجِدّ وعزيمة وصدق وإخلاص؛ ذاق من سِلمها وسلامها، وأنار قلبه بالأمل بموعود الله الذي كتبه لأهلها، من رضا يغمرهم به، وقبول حين يلقونه، وفوز عظيم لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، الذي تسلم له القلوب والوجوه بهذا الإسلام العظيم.

بناء الإسلام

إن الإسلام هو دين الله تعالى الذي شرعه لنفسه وبعث به رسله، ودل عليه أولياءه، لا يقبل غيره ولا يجزى بالإحسان إلا به، وإننا لن نوفق في سفرنا إلى الله تعالى إلا إذا غمر الإسلام قلوبنا، وظهر على جوارحنا وأعمالنا وأخلاقنا، وصار غيثاً ورحمة لنا ولغيرنا، وإلا كان الواحد منا مسلماً اسماً لا حقيقة، وشكلاً وليس مضموناً.. فالإسلام الحق يتطلب منا أن نكون صادقين، لا منافقين، أتقياء أنقياء، لا ضالين ولا مضلين، وهذا هو الدين الحق الذي ارتضاه الله لعباده، فقال: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً) (المائدة:3)، قال الشيخ ابن باز رحمه الله: «وأصل دين الإسلام وأساسه هو توحيد الله عز وجل، وإخلاص العبادة له وحده سبحانه وتعالى، وبهذا بعث الله الرسل جميعاً».

والإسلام والاستسلام: الانقياد، يقال: فلان مُسلم؛ أي مستسلم لأمر الله، مخلص في عبادته، من قولهم سلَّمَ الشيء لفلان أي خلَّصه، وسَلِمَ الشيءُ له، أي خلَص له، وهو متضمن للإخلاص له في الحب والخوف والرجاء والإنابة والدعاء ومتابعة رسوله في ذلك، كما أنه إظهار القبول والخضوع لما أتى به هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، والاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة والخلاص من الشرك.

والإسلام الصحيح هو الإقرار باللسان والعمل بالأركان، يوضحه قوله تعالى: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً {35}) (الأحزاب)، وقد ذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن بناء الإسلام لا بد له من قواعد مهمة يؤسس عليها هذا البناء العظيم حتى يكون قوياً ثابتاً، فقال: «بني الإسلام على خمس؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» (رواه البخاري ومسلم).

أولادنا والفطرة على الإسلام

أمرنا الله تعالى بإقامة الدين والإخلاص فيه والثبات على الفطرة السليمة، قال تعالى: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {30}) (الروم)، قال ابن زيد في قوله: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا) قال: الإسلام.. مُذ خلقهم الله من آدم جميعاً، يقرّون بذلك، وقال ابن عباس: إن المراد بالفطرة الدين، وهو الإسلام، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه» (متفق عليه)، ونقل ابن حجر عن الطيبي قال: «والمراد تمكُّن الناس من الهدى في أصل الجبلة والتهيؤ لقبول الدين، فلو ترك المرء عليها لاستمر على لزومها ولم يفارقها إلى غيرها؛ لأن حسن هذا الدين ثابت في النفوس، وإنما يعدل عنه لآفة من الآفات البشرية كالتقليد»، وأما الفطرة المذكورة في هذا الحديث فقال المازري: قيل: هي ما أخذ عليهم في أصلاب آبائهم، وإن الولادة تقع عليها حتى يحصل التغير بالأبوين.

إن بإمكانك أيها المربي وقد استأمنك الله تعالى على ولدك أن تكون له أباً صالحاً باراً له في تربيته كي يصير لك ابناً صالحاً باراً بك حين يشب ويكبر، وإن الحصاد من جنس ما تزرع، فابذر بذور الخير في قلبه الطاهر وستلقى بعون الله أرضاً طيبة ونفساً نقية ومحلاً لجني أطيب الثمر؛ «وولد صالح يدعو له».

دور الوالدين

لذا؛ فإن دور الوالدين كبير في تنشئة الولد على الإسلام وربطه به للحفاظ على فطرته السليمة التي ولد عليها، ويتطلب ذلك معرفة طرق ووسائل ربط الولد بخالقه عز وجل، وإذا كان الإسلام اسماً للدين الذي ندين به، وهو التوحيد لله والإخلاص في عبادته، والاستسلام له ولأوامره، والإقرار بأننا على هذا الدين لا نحيد عنه طرفة عين؛ فإن علينا ربط أولادنا بهذه المسميات من خلال بيان معانيها وآثارها في حياتهم الدنيا، والنظر إلى عاقبتها الحسنة لهم في الآخرة، مع تأصيل المفاهيم الصحيحة لها في نفوسهم، ليكونوا مسلمين حقاً، وإن التعرف على أسماء الله الحسنى يعين على القيام بهذه المسؤولية الكبيرة، إذ تدعونا إلى الإسلام وتدل عليه، ولو بدأنا تربية أولادنا من خلال بيان معانيها بطريقة مبسطة وبقصص تربوية قصيرة تدل عليها، فستمتلئ قلوبهم بحب الله عز وجل، وحينها تسلم له ظاهراً وباطناً، وتحاول إرضاءه والتقرب منه والحظوة عنده بالقبول.

كما أن علينا تقديم القدوة لأولادنا بتمثل أخلاق الإسلام أمامهم، ومثال ذلك ما جاء في قوله صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» (رواه البخاري)، وفي الحديث: «المسلمُ مَنْ سَلِمَ الناسُ من لسانِهِ ويَدِه» (الألباني، السلسلة الصحيحة)، وقال: «المسلمُ من سلِم المسلمون من لسانِه ويدِه» (صححه الألباني)، وما روي عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: «تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف» (رواه البخاري)، وغير ذلك.

كن مسلماً

كن مسلماً يا ولدي.. نعم.. فقد ارتضى الله لك ذلك وأنت في صلب أبيك ورحم أمك، إذ أخرجك على الفطرة! إن خالقك العظيم هو من خلقك وصورك وجعلك بشراً سوياً تسمع وترى، فهو القادر الذي يجب أن تخضع له رقبتك وتذل له نفسك، وهو الرازق الذي يجب أن تدين له بحياتك فهو الذي يطعمك ويسقيك، وهو العليم بحاجتك لأنواع الطعام والشراب، فهيأ لك أسبابه وجعل له طريقاً ومسلكاً لجسدك لتقوى وتشب، وهو الرحيم الذي سخّر لك قلب أمك وأبيك لرعايتك وجعل لك حقاً عليهم، وهو الغني الذي يعطيك من فضله أنت وجميع خلقه عطاء بلا انقطاع، وهو القوي الذي يحفظك ويدفع عنه ويشفيك ويقويك، أفلا يستحق أن تسلم له وجهك وقلبك وتخلص في حبك له، فتعبده وحده لا شريك له؟

كن مسلماً يا ولدي.. واستسلم لخالقك، أطع أوامره، وانتهِ عن نواهيه، فالمسلم الصادق يقول دائماً: سمعنا وأطعنا، فهو لا اختيار له مع أوامر الله ونواهيه، فشرع الله خير كله، ولا يليق بالمسلم أن يجادل في ذلك أو يدَّعي أن بعضاً من شريعتنا لا يوافق زمانه أو مكانه، كما لا ينبغي لنا أن نأخذ من دين الإسلام ما يوافق أهواءنا ونترك ما لا تشتهيه أنفسنا، فنداء الله لنا إلى يوم الدين: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {208}) (البقرة)، قال مجاهد: ادخلوا في الإسلام كافة، ادخلوا في الأعمال كافة، وقال أبو جعفر: يعني بذلك: اعملوا أيها المؤمنون بشرائع الإسلام كلها، وادخلوا في التصديق به قولاً وعملاً.

وقال الشيخ السعدي: هذا أمر من الله تعالى للمؤمنين أن يدخلوا «فِي السِّلْمِ كَافَّةً»؛ أي: في جميع شرائع الدين، ولا يتركوا منها شيئاً، وألا يكونوا ممن اتخذ إلهه هواه، إن وافق الأمر المشروع هواه فعله، وإن خالفه تركه، بل الواجب أن يكون الهوى تبعاً للدين، وأن يفعل كل ما يقدر عليه من أفعال الخير، وما يعجز عنه يلتزمه وينويه فيدركه بنيته.

هذا ما يجب أن نربي أنفسنا وأولادنا عليه حتى نفلح ونفوز في الدنيا والآخرة.>

المراجع

1- تفسير الطبري، سورة الروم، الآية 30، سورة آل عمران، الآية 19، سورة البقرة الآية 208.

2- تفسير السعدي، سورة آل عمران، الآية 19، وسورة البقرة، الآية 208.

3- تفسير البغوي سورة آل عمران، الآية 19.

4- موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم، ج 2، ص 320، 324.

5- الموقع الرسمي لسماحة الإمام ابن باز رحمه الله

http://www.binbaz.org.sa/article/602

Exit mobile version