أخلاقيات الإعلامي

لا يجوز أن يشعر الإعلامي المسلم، وهو يضع البدائل الإسلامية الإعلامية ويواجه الإعلام العالمي المنحرف – بعجزه أو قلة إمكاناته – أمام الإعلام المعادي؛ فقد كان القرآن ينزل بعالمية الرسالة، بينما القلة المؤمنة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحت العذاب، والدعوة فيها تعاني الأمرين؛ بل كان أهل مكة يستكثرون أن يكون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسولًا فكيف بأن يكون رسولًا للعالمين؟

ولا شك أن عالمية الإعلام تتطلب جهودًا كبيرة وأدوات أساسية.

فلتحقيق عالمية الإعلام يجب تعلم لغات العالم، بحيث يكون هناك متخصصون في كل لغة، وكذلك يلزم لعالمية الإعلام نشر اللغة العربية، فهي عامة بعموم الإسلام، وخالدة بخلود القرآن.

كما أن عالميته تتطلب من الإعلامي إلمامه بعلوم كثيرة وفنون عصرية مستحدثة، مثل علوم الاجتماع، والجغرافية البشرية، والاتصال والتربية.. إلخ، ذلك أن البيئة ونفسيات الشعوب وطبائعهم وعاداتهم تختلف من قُطر لقطر بل من بلد إلى بلد.

كما أن من متطلبات العالمية في الإعلام الإسلامي الالتزام بالخلق الإسلامي وتجنب الكذب(1).

ولئن كنا قد ألمعنا بإيجاز شديد إلى الأخلاقيات التي يجب أن يلتزم بها الإعلام الإسلامي، فإننا نؤكد هنا بشيء من التفصيل على أهم أخلاقيات هذا الإعلام باعتباره الكلمة الطيبة التي تشبه الشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، وعلى رأس هذه الأخلاقيات:

1- الالتزام بالحق:

وهو عكس الباطل قال تعالى: ﴿لِيُحِقَّ الحَقَّ وَيُبْطِلَ البَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ المُجْرِمُونَ﴾[2]، وقال تعالى: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ ﴾ [3].

والحق لا يقبل التجزئة فلا يختار الإعلام نصف الحق، ولا يختار من الحقيقة ما يلائم وضعه ويبرر تصرفه، وأيضًا يجب ألا يسارع الإعلام إلى نشر المعلومات المبنية على الظن؛ لأن ذلك ينشر الخداع، ويحجب الحق بل ويفقد الإعلام مصداقيته[4].

2- والصدق قرين الحق:

وهو النقل الواقعي للأحداث دون تهويل أو تهوين أو تحريف، والصدق أساس من أسس الإعلام الإسلامي، فيجب أن يتحرى فيه الصدق، ولو في مجال الترفيه أو الإعلانات والدعاية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم، ويل له كل الويل”[5].

والصدق في الإعلام يشمل:

صدق الخبر: أي الالتزام بالحقيقة المجردة بغير زيادة ولا نقصان.

وصدق الصياغة: وهو يقتضي تطابق المضمون الحقيقي مع أسلوب الصياغة وصدق المقصد: وهو يتضح في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [6]، والقول السديد هو القول الذي يتحقق فيه جانبا الصدق والخير معًا.

وصدق الحكم: بمعنى أن يكون الإعلام متجردًا نزيهًا في حكمه على الأمور وتقديره لها[7].

والصدق بكل أشكاله وفي كل حالاته أساس من أسس الإعلام الإسلامي.

3- العدل والإنصاف:

وهما من أخلاقيات الإعلام الإسلامي الأساسية، فيجب أن يكون عادلًا في أحكامه منصفًا في عداوته يعطي كل ذي حق حقه، فلا يحمله الانتماء إلى غمط الناس حقهم أو يحمله العناد إلى إنكار الحق أو إخفاء جوانب الخير في الأعداء أو المنافسين، أو يعمد إلى تغيير المعلومات أو تحريفها لتتناسب مع الهوى في النيل من الآخرين، أو انتقاص قدرهم أو تحميل الأمور ما لا تحتمل، قال تعالى: ﴿فَلاَ تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾[8].

ومن العدل والإنصاف أيضًا البعد عن المبالغة مثل المدح المذموم الذي يُخلع على الحكام أو القادة أو ذوي النفوذ، فتغدق عليهم الألقاب العظيمة والصفات الكاملة، ويرفعون فوق مستوى غيرهم من البشر: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾[9]، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الإطراء والمديح، ويقول في المداحين: “احثوا في وجوههم التراب”[10].

4- الموضوعية:

فالموضوعية أساس من أسس الإعلام الإسلامي أيضًا، وهي تعني صدق تصوير الواقع وبيان مختلف الأوجه على حقيقتها ودقة استخدام الألفاظ حتى لا توهم السامع – أو القارئ – بغير الحق.

والموضوعية انحياز للحق وحياد في النقل، وأمانة في العرض، وتوثيق المعلومة توثيقًا مبنيًا على الحقائق والشواهد الثابتة، وعدم الدخول في العموميات لحشد العواطف والتأثير النفسي لإخفاء جوانب من الموضوع، أو عرضه بشكل مشوه أو مغرض، أو على العكس بشكل جذاب يضلِّل الناس ويخدعهم[11].

5- الواقعية المنهجية:

عن طريق اتساق المنهج الإعلامي الإسلامي مع الإسلام كله؛ بحيث يلتزم بالدعوة إلى الحق والعدل والخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحكمة في البلاغ.

6- الشمولية:

فالإعلام المرتبط بالإسلام يمثل الإسلام الوسطي الشامل الذي يعالج كل جوانب الحياة ومشكلاتها.

7- الثبات:

ويكون في الأسس والمبادئ، والمرونة وتكون في مواكبة التطور والمستحدثات الجديدة التي لا تخرج عن الثوابت.

وأخيرًا ومن خلال هذا العرض الذي قدمنا فيه كثيرًا مما يتصل بالإعلام العام والإعلام الإسلامي يتأكد لنا مدى الاتفاق بين الإعلاميين فيما يتصل بالموضوعية والعلمية وأسس الإعلام ومفاهيمه.

وسنجد خصيصة المنهج الإسلامي – والإعلام الإسلامي – الكبرى، وهي خصيصة الوسطية تنداح وسط كل الحقائق. فهي ليست مجرد صفة أو ركيزة، بل هي روح عامة لا تقوم الحياة الصحيحة ولا الأسس والمفاهيم الصحيحة بدونها، وإلا وقع التفريط والإفراط، واختلت موازين العدل والتعامل الإنساني وسادت الفوضى في عالمي الفكر والسلوك.

فالوسطية أخيرًا هي الطريق الواضح الفطري المنقذ لحضارة الإنسان!

 

الهوامش

(1) محمد خير رمضان يوسف: من خصائص الإعلام الإسلامي، ص: 46 – 47، 1410هـ – 1990م، مكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي.

[2] الأنفال: 8.

[3] يونس: 32.

[4] سمير جميل راضي: الإعلام الإسلامي رسالة وهدف، ص: 64، رابطة العالم الإسلامي 1417هـ، مكة المكرمة.

[5] رواه أصحاب السنن بسند صحيح، التاج الجامع، 5/42.

[6] الأحزاب، ص: 70 – 71.

[7] أ/ حامد عبد الواحد: الإعلام في المجتمع الإسلامي، ص:69 – 73، رابطة العالم الإسلامي، 1404هـ/ 1984م، مكة المكرمة بتصرف.

[8] النساء: 135، د/ سمير بن جميل راضي: المرجع السابق، ص: 70، 71.

[9] ق: 18.

[10] الترمذي: 2316.

[11] المرجع السابق، ص: 73.

المصدر: “الألوكة”.

Exit mobile version