لجان التكافل واجهت «الاحتلال الصدامي» بسلاح العصيان المدني

ـ الاحتلال رغم قساوته كان فرصة للكويتيين ليظهروا التلاحم والتكافل

ـ الحرية التي مارسها الشعب الكويتي أحد أسباب سرعة التكيف لإنشاء لجان التكافل

 ـ مجرد حمل الأموال وتوزيعها على المحتاجين كان يعتبر صورة من صور المقاومة

ـ من تم القبض عليه من لجان التكافل نُفّذ فيه حكم الإعدام بتهمة الخيانة والتعامل مع نظام عميل

أكد د. عبدالمحسن عبدالله الجارالله الخرافي، الأمين العام السابق للأمانة العامة للأوقاف، والعميد الأسبق لكلية التربية الأساسية، ورئيس مجلس إدارة مبرة الآل والأصحاب، أن الحرية التي تربى عليها الشعب الكويتي والممارسة الديمقراطية التي نعم بها منذ فترة مبكرة في حياته كان لها دور مهم في مواجهته للاحتلال «الصدامي» الغاشم مواجهة مدنية؛ حيث استطاع التكيف بسرعة مع الحدث، وشرع في تشكيل لجان التكافل التي كان لها دور محوري في دعم الصامدين ورجال المقاومة وأهاليهم في أثناء الاحتلال.

ذكر د. الخرافي (الذي كان له دور في قيادة إحدى هذه اللجان) في حواره مع «المجتمع» في الذكرى الأليمة للاحتلال «الصدامي» – كما يروق له أن يسميه هو – أنهم نجحوا في استخدام العصيان المدني من منطلق أن المقاومة كانت مدنية، داعياً الشباب الكويتي إلى استخلاص الدروس والعبر من هذه التجربة.

* نرحب بكم في «المجتمع»، واسمح لنا أن نفتح معكم كتاب الذكريات في ذكرى تحرير الكويت من براثن العدوان العراقي، ونرجو في البداية أن ننقل كلمة للشعب الكويتي بحلول هذه الذكرى.

– الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله ومن والاه.. بخصوص ذكرى «عاصفة الصحراء»، وذكرى الاحتلال، فهي ذكرى أليمة، استطاع من خلالها المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية أن يُستدرج إلى أتون هذه الفتنة، فمع الأسف الشديد «صدام حسين» كان معتوهاً، والمعسكر الغربي أحسن استغلال هذا العته والجنون، وزيّنوا له الاستيلاء على المنطقة، ومن ثم كانت بداية النهاية بالنسبة له، والكويت لحمها مر، ومن يأكل لحمها يجنِ عاقبة أمره، ومن ثم كان مصير «صدام» النهاية، وعلى إثر ذلك تغيرت الخريطة السياسية، مع الأسف، تغيراً سلبياً جداً، أسهم في الإضرار بالإسلام والمسلمين.

لكن الاحتلال رغم قساوته كان فرصة طيبة أمام الكويتيين، أظهروا فيها التلاحم والتكافل والتآزر، فضلاً عن الروح الوطنية، وظهور الوحدة الوطنية في أبهى صورها، وما أعقب ذلك من الالتفاف حول الشرعية، كما أنه نمّا الشعور الديني والقرب من الله، تمثل ذلك في تعديل بعض القوانين المتعارضة مع الشريعة الإسلامية، بجهود أمير القلوب طيب الله ثراه الشيخ جابر الصباح رحمه الله.

* هل لكم أن تلقوا الضوء على لجان التكافل وفكرة تشكّلها؟

– مع نهاية اليوم الأول من الاحتلال وبداية اليوم الثاني 3 أغسطس 1990م تشكّلت لجان التكافل، في مشرف بواسطة 6 أشخاص، منهم: الشيخ جاسم مهلهل الياسين، المهندس عيسى الشاهين، الشيخ عجيل النشمي، الشيخ خالد المذكور، الأستاذ محمد الرحماني.

وقد تكيفت لجان التكافل مع هذا الحدث بسرعة قياسية، لأن الشعب الكويتي يتميز بالمشاركة الشعبية؛ فهو تعوّد على المشاركة في السلطة والحكم من خلال البرلمان، بانتخاب 50 نائباً يكون من اختصاصهم السلطة التشريعية والرقابية، وتلك صورة من صور المشاركة في التشريع والرقابة؛ وبالتالي في الحكم، أو صورة من صور المشاركة في الحكم، وهذا ما كوّن لدى الشعب الشعور بالمسؤولية، وإحساسه بأهمية وجوده كفرد قبل أن يكون كأسرة ومجتمع في وطنه؛ وهو ما يمثل نوعاً من الحرية الحقيقية.

أضف إلى ذلك حرية الصحافة، وحرية العمل المهني، وجمعيات النفع العام، من هنا وجد المواطن الكويتي ذاته في تلك الجمعيات، وإذا أضفنا إلى ذلك تعدد الجمعيات الخيرية التي تنطلق فيها الطاقات لعمل الخير داخل الكويت وخارجها.

ومجموع هذه المشاركات والحريات جعلت الشخصية الكويتية تستوعب الجميع، وتستوعب المتغيرات.

* تقصد أن ما تربى عليه الشعب الكويتي من حرية كان سبباً في إنشاء هذه اللجان؟

– نعم هذه هي الحقيقة، فالحرية التي مارسها الشعب الكويتي هي أحد الأسباب التي هيّأت سرعة التكيف لإنشاء لجان التكافل.

تخيّل معي دولة تُدار بدون حكومة، وأجهزة الدولة سقطت، فقامت اللجان بإدارة الجمعيات التعاونية، وأدارت محطات البترول، وأدارت حركة التموين، والكهرباء والماء، وهؤلاء الذين استنفروا أنفسهم للعمل العام بلا شك أنهم وأهليهم في حاجة لسبل الإعاشة، كذلك رجال المقاومة فإنهم وأهليهم في حاجة لسبل الإعاشة، من هنا جاء دور لجان التكافل في دعم هؤلاء الذين كان لهم عمل في المرافق الرئيسة، من الناحية اللوجستية والناحية النفسية، حتى لا يعيشوا في حالة من القلق والخوف، فإن المواد التموينية تصلهم بانتظام، والشاهد في الأمر أنه حتى الخدمات التموينية وفرتها لجان التكافل واللجان الشعبية، وبالتالي كانت وزارة الأوقاف موجودة من خلال المسجد، والمسجد نفسه كان يمثل وزارة الأوقاف ووزارة الإعلام ووزارة التموين في ساحات المساجد، وتوزيع المواد الغذائية، وتعلم الإسعافات الأولية، ومقاومة السلاح الكيماوي، خشية إقدام صدام حسين على استخدام السلاح الكيماوي كما حدث في حلبجة، هذا الأمر أقلق الكويتيين وجعلهم يأخذونه مأخذ الجد.

ولا نغفل الدور الكبير الذي بذله الأهالي في التعاون مع لجان التكافل، وأصبحوا يتمحورون حول أي كيان تنظيمي داخل البلد.

* هل تعرض أحد من رجال لجان التكافل للمضايقات أثناء الغزو؟

– المضايقات شملت الجميع، فمجرد حمل الأموال وتوزيعها على المحتاجين كان يعتبر صورة من صور المقاومة، والتهمة كانت جاهزة «عنصر من عناصر المخابرات» أو «عميل للنظام»، ولم يسلم من التعدي والمضايقات، حتى رجال الإطفاء الذين هبوا لإطفاء بعض الحرائق صبيحة يوم الغزو، حيث قام الجيش العراقي بتصفيتهم والقضاء عليهم، مع أنهم مدنيون عزل.

ووصل الأمر إلى أن من يحمل منشورات تعليمية للإسعافات الأولية، يعتبرونه خارج نطاق الاهتمامات المدنية.

لذا فقد تعرضت لجان التكافل واللجان الأخرى، وكذلك المواطنون للمضايقات، هذا فضلاً عما كان يحدث لرجال المقاومة، وكنا نرى بأعيننا ما يحدث لهم حيث كان يتم اعتقالهم وتعرضهم للتعذيب والقتل أمام ذويهم، أو كان يتم الذهاب بهم إلى العراق، وهم في عداد المفقودين والشهداء.

* هل كان بينكم وبين الحكومة الكويتية في المنفى نوع من التواصل؟

– التواصل كان غير مباشر، على حين كانت لجان التكافل تتعامل مع جناح من أجنحة المقاومة، فالمقاومة كانت تتكون من جناحين كبيرين؛ جناح يرأسه اللواء خالد بودي، وكان يقوم بالتنسيق مع لجان التكافل، وجناح كان يقوده الشيخ صباح الناصر، وكيل وزارة الدفاع السابق، ومعه الشيخ علي سالم العلي، وهما أبرز اثنين من قياداته، وهما من كانا يتواصلان مع الشيخ سعد بشكل مباشر، ويتم التواصل مع الشيخ بواسطة الأجهزة اللاسلكية، ومع الحكومة في الطائف؛ فالتواصل مع الحكومة كان يتم من خلال هذين القائدين.

وحينما كنت مسؤولاً عن اللجنة المالية للجان التكافل في الشامية، كنا نقوم بتجميع الأموال من تجار المنطقة، ونقوم بتوزيعها بالثقة، ولم نكن نذهب بها للواء خالد بودي، بل كانت تأتينا قصاصة ورق عبارة عن ورقة «A4» مقسومة نصفين – لترشيد الإنفاق – وداخل الورقة إقرار وشهادة بأننا استلمنا من فلان كذا مليون دينار عراقي، وتوقيع اللواء باسم مستعار، وفيه ختم الدولة.

وقد استطاعت المقاومة إدخال الأموال إلى الكويت، ولكن من تم القبض عليه نُفذ فيه حكم الإعدام، بتهمة الخيانة والتعامل مع نظام عميل؛ لذا فما قام به أثرياء الكويت من بذلهم للمال والنفس خفف من الحاجة إلى الأموال القادمة من الخارج.

ويذكر أن الجمعيات التعاونية ومحطات البنزين قامت بتسليم الأموال للجان الشعبية ولجان التكافل، مقابل وصل، وحينها كنا نعيش في دورة ائتمانية كاملة.

فقد استخدمنا سلاح العصيان المدني، من منطلق أن مقاومتنا مدنية؛ فأن نَثبُت في الكويت ولا نخرج منها ونمارس العصيان المدني مع عدم التطبيع مع المحتل هذا في حد ذاته صورة من صور المقاومة، وتبين لي بعد ذلك أن نقل الأموال وتوزيعها كان الاحتلال يعتبرها من أعتى أنواع المقاومة، والحمد الله أن نجاني الله من أعينهم، وإلا لا أدري أين كان مصيري الآن لو تم اكتشافي حينها.

وأنا أرى أن الشعب العراقي في عامته كان ضد الاحتلال، باستثناء جزء من حزب «البعث»؛ لذا أنا أطلق عليه «الاحتلال الصدامي».

* كونك كنت مشاركاً في حرب تحرير الكويت، حبذا لو تحدثنا عن قصة «التناكر» التي لم يتحدث عنها أحد تقريباً التي قامت بها لجان التكافل لتوفير المياه للمواطنين؟

– قمنا في لجان التكافل التابعة للشامية بالتعاون مع لجان التكافل المركزية، بإحضار «تناكر» إلى ساحة مسجد أبي بكر الصديق، حين انقطع الماء فترة من الزمان، وفي البداية سمحنا للناس بأخذ الماء بواسطة الجالونات من التناكر الراسية في ساحة أبي بكر الصديق، ثم في مرحلة لاحقة خصصنا تناكر تمر على البيوت، وبهذه المناسبة أتذكر أحد المواقف الطريفة؛ أن أحد المواطنين صعد على الباص وأخذ يصيح: «يا تناكر يا تناكر»، رغبة منه في جلب الماء إلى بيته بأسرع وقت.

والخلاصة أننا استطعنا توفير المياه للمواطنين بعد الاحتلال مباشرة بواسطة التناكر.

* هل تدعو إلى تدريس لجان التكافل في المناهج الدراسية؟

– للأسف هناك تغييب للجان التكافل واللجان الشعبية، فبالكاد تسمع اسم الصامدين أو المرابطين، وإن أحسنا الظن فالكثير لا يستطيع التفريق بين الاسمين، وحسن الظن مطلقاً لا يمنع أن يبين دور الكويتيين الذين كانوا بالداخل، والذين كانوا بالخارج، فجميع الكويتيين أبلوا بلاء حسناً؛ لذلك أهيب بأعضاء مجلس الأمة في اللجنة التعليمية أن يتبنوا الموضوع، وهؤلاء النواب هم من يفرضون بقرار وتوجيه سياسي لإعطاء هذه المرحلة حقها من التوثيق.

نحن لا نبحث عن ذكر أسماء أو تمجيدها، ولكن هناك لجان تكافل ولجاناً شعبية قامت بالدور على أكمل وجه في إدارة البلد زمن الاحتلال، لذا مطلبنا هو أن تأخذ المقاومة المدنية والمقاومة العسكرية حقهما في الإنصاف، ضمن مادة تعليمية حتى وإن كانت اختيارية، أو ضمن منهج الاجتماعيات.

* هل من كلمة لشباب الكويت الذين لم يعايشوا الغزو؟

– على الشباب أن يستفيدوا من تلك التجربة، حتى لا يبدؤوا من الصفر في حالة حدوث مكروه للكويت لا سمح الله، فيستفيدون من العبر والدروس.

وعليهم أن يعلموا أنه في الماضي ساعد الحلفاء في تحرير الكويت، والآن ميزان القوة تغير، والمصالح تغيرت، ولا أنسى تصريح الرئيس الأمريكي «جورج بوش» الأب عندما أعلن في الأسبوع الأول اعتراضه على الاحتلال وقالها صراحة: إنه حريص على نفط الكويت، ولم يقل: إنه حريص على الديمقراطية؛ لأن الكثير من الدول تم احتلالها ولم يسمع أحد بأي اعتراض أو شجب أو إدانة.

ففلسطين يحتلها اليهود ولم نسمع أي اعتراض من جانب أحد، فمن فضل الله علينا أن مصلحة التحالف الغربي كانت مع تحرير دولة الكويت من براثن الاحتلال.

ولا نغفل ثمار العمل الخيري الذي كانت تقوم به الكويت وانعكس في تحريرها، وتسخير القوى العالمية لتصب في صالحنا، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء».

فأنصح الشباب في ظل تلك التغيرات الضخمة، وتغير موازين القوى العالمية، أن يكون اعتمادنا على أنفسنا بعد الله عز وجل.

Exit mobile version