اكتشف الإسلام.. كن من المحبين

ما أعظم النعم التي أعطاك الله.. الحياة نعمة وكونك بشراً – لا حيواناً – نعمة أي نعمة، والمال نعمة، والصحة نعمة، والأسرة نعمة، والأصدقاء نعمة.. كل هذه النعم من الله ومن الله وحده الذي خلقك ورزقك لو منعها الله منك ما استطاعت قوة في الأرض أن تعيدها إليك.. تذكّر كل محروم مما منحك الله.. كثيرون هم ومع ذلك فأنت ترفل في هذه النعم وتتقلب فيها ليلاً ونهاراً.

أعطاك الله هذا كله وأكثر منه مما لا تشعر به والذي ربما عندما تحرم منه تدرك قيمته.. قال الله: {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (34) سورة إبراهيم.. فالواجب عليك بعد تذكرك لهذه النعم أن يمتلأ قلبك محبة لله وإجلالاً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَحِبُّوا اللَّهَ لِمَا يَغْذُوكُمْ مِنْ نِعَمِهِ وَأَحِبُّونِي بِحُبِّ اللَّهِ وَأَحِبُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي”.

ولذلك دعني أيضاً أذكر لك ما ورد في القرآن مما يبين رحمة الله الواسعة.. قال الله تعالى: {.. وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} (الأعراف: 156).

ولقد مرّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلم مع أصحابه  بامرأة ترضع صغيرها وتحنو عليه فأدركتهم الشفقة من هذا المشهد البشري العظيم، فعندئذ قال لهم الرسول: “هل تظنون أن تلقي هذه المرأة بصغيرها في النار”؟

قالوا:  لا.

قال:  “والله أرحم بعباده من هذه بصغيرها

الله أكبر ما أعظمك يا رب وما أرحمك بنا وما أحبك لنا.. أنت تحبنا أكثر من أمهاتنا وآبائنا.. أنت أرأف بنا من كل تلك المعاني العظيمة التي يحملها الأسوياء من البشر!.. الحمد لله أنك تكرمنا بهذا.. فنحن نعاني في هذه الدنيا من تغير الأحوال وجفاء الأحبة أو بعدهم عنا.. وأنت يا رب معنا في كل مكان  تحبنا وتسمعنا وتساعدنا وتضاعف حسناتنا وتغفر أخطاءنا فشكراً لك يا رب.

وكذلك أنت تأمرنا بأن نحبك وأن نحب من يحبك، فهكذا أمرنا رسولك محمد حين قال: “أحبوا من أحب الله، أحبوا الله من كل قلوبكم، ولا تملوا كلام الله تعالى وذكره، ولا تقسُ عنه قلوبكم.. وأصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم، وتحابوا بروح الله بينكم. إن الله يغضب أن ينكث عهده والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته“.

وعلامة أن تكون محباً لله تعالى حقاً أن تكون مطيعاً له حقاً، فقد نقل عن اليهود والنصارى والمسلمين أيضاً قولهم: (إنا نحب الله) فأنزل الله آية فاصلة في هذا الادعاء وهي قوله تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (آل عمران: 31)؛ فكل من أطاع الله واتبع رسوله كان محباً لله على الحقيقة.

الله يحبك لذا أعطاك كل هذا، لكن ألا يجب عليك بعد ذلك أن تشكره على هذه النعم وألا تكون جحوداً.. بعض الناس يغتر برحمة الله فيظن أنه بوسعه ألا يشكره وألا يلتزم بأوامره.. ونقول له: نعم، رحمة الله تسعك وأنت تخطئ، فهو لا يزال يعطيك وأنت جاحد، ويكرمك وأنت معرض، خيره إليك نازل، وشرك إليه صاعد.

لكن حتى متى يظل هذا حالك؟

إن هناك يوماً آخر يحاسب الله المحسنين على إحسانهم، ويضاعف لهم الحسنات أضعافاً كثيرة، ويمنحهم الخلود الدائم والشباب والصحة والأمان في جنة عرضها السماوات والأرض، يمنحهم الله من فضله تلك الجنة ليس بما قدموه بل جائزة من عنده لأنهم أحسنوا في الدنيا، بينما أولئك الذين أساؤوا وظلموا وأفسدوا لابد أن يعاقبوا وأن ترد المظالم إلى أصحابها وأن يصح الصحيح ويبطل الباطل، وهذا من تمام عدل الله.. قال الله تعالى: {أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ} (الجاثية: 21).

 فكن أنت من الناجين وكن من المحبين فها هو الله تعالى يخبرك عن نفسه قائلاً: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (186) سورة البقرة.

فقط استجب له وآمن به تنال محبته!

ولا تخش من أخطائك السابقة فإن الله تعالى غفور رحيم، وقد أخبر بذلك وبأنه يغفر ويرحم  فقال لكل من أساء وعصى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر: 53).

وها هو الرسول محمد – صلى الله عليه وسلم – يضرب المثل العظيم من مسامحته لكل من أساء إليه ليترك لهم الفرصة لينضموا إلى المحبين لله الممتثلين لأمره، فبعد ما عاداه قومه وأساءوا إليه واضطروه إلى الهجرة من بلده مكة إلى المدينة بل ولقد ذهبوا إليه فيها وحاربوه وحرشوا بأصحابه في أماكن شتى.

لكن شاء الله أن ينتصر الحق وأن يعود المستضعفين منتصرين وأن تزول دولة الباطل.. ووقتها وقف أولئك خائفين وجلين فماذا سيفعل بهم محمد صلى الله عليه وسلم؟ وإذا بهم يفاجأون بسؤاله: “ماذا تظنون أني فاعل بكم”؟.. عندئذ استحضروا سابق عهدهم به ومعرفتهم بأخلاقه فقد كان صادقاً لا يكذب، أميناً لا يخون، كريماً لا يبخل، يساعد الناس ويعين الضعيف وينصر المظلوم.. فقالوا: خيرا أخ كريم وابن أخ كريم.. فقال لهم كلمته المشهورة التي كشفت عن تعاليه على الآلام وعن استعداده للمسامحة ليؤمن الناس حيث قال: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.. فسامحهم وعفا عنهم كما عفا عن وحشي بن حرب الذي قتل عمه حمزة أحب الناس إليه .. ثم جاءه مسلماً فعفا عنه وغفر له لينضم إلى من يحب الله ويحبه الله.

لهذا، فالمسلمون يحبون الله ويبذلون كل غال ونفيس لينالوا حب الله لهم، فإن حب الله تعالى ينال بطاعته.. كل الناس يدّعون حب الله ويحبون دينه، ويزعمون أن الله يحبهم.. كلا فمن يحب الله على الحقيقة هو الذي يعبده وحده والذي يسلم أمره إليه.. الذي يحب الله يكون دائم الذكر له في جميع أحواله: يحمد الله ويسبح الله ويستغفر الله.. الذي يحب الله يكون دائماً مع الله يدعوه ويطلب منه ويسأله في كل صغير وكبير من أمره.. الذي يحب الله يسلم أمره إليه فيطيعه فيما أمر ويترك ما نهى وحرم.

وهذا معنى أن تكون مسلماً لله فمعناه أن تكون طائعاً لله في كل أوامره، تفعل ذلك بكل حب مع تمام الخضوع وعدم التكبر.. تسمع لله وتطيع لله وحده.. ذلك كل شيء!.. قال الله: {وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (22) سورة لقمان.

* موقع الأمة.

Exit mobile version