قراءة في كتاب: روح الشعوب

 

ـ الحضارة ليست من صنع عظماء رجالها ولكنها من صنع المستوى الأدنى لعناصرها البشرية

ـ البلاد التي تستطيع أن تبقى قوية هي ذات المساحات الشاسعة والمكتظة بالسكان والمنظمة والتي تسيطر على أراضٍ مترامية الأطراف

ـ العوامل الجغرافية والمناخية تؤثر تأثيراً بالغاً في طبائع الشعوب وعاداتها وسلوكها

 

بيانات الكتاب:

اسم الكتاب: روح الشعوب.

المؤلف: أندريه سيغفريد.

المترجم: عاطف المولى.

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات/ سلسلة ترجمان.

الطبعة الأولى: ديسمبر 2015م.

عدد صفحات الكتاب: 224 من القطع الكبير.

نبذة عن المؤلف:

أندريه سيغفريد (1875 – 1959م) عالم وكاتب وصحفي فرنسي، عيّن مدرساً في مدرسة العلوم السياسية في باريس، ثم في معهد فرنسا «كولييج دو فرانس»، ثم عضواً في أكاديمية العلوم الأخلاقية والسياسية، وفي عام 1933م تسلّم كرسي الجغرافيا الاقتصادية والسياسية في «الكوليج دو فرانس»، وانتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية عام 1944م، وهو أول رئيس للمؤسسة القومية الفرنسية للعلوم السياسية (1945م).

عرض: محمود المنير

هذا الكتاب:

«روح الشعوب» عبارة عن محاضرات كان قد ألقاها أندريه في عدد من المناسبات المتفرقة، ثم قام بجمعها تحت عنوان «روح الشعوب»، وهو متأثر في اختيار العنوان بصديقه وزميله المؤرخ الفرنسي «غوستاف لوبون»، فهذا العمل يندرج في إطار الموجة التي خلفتها كتابات «لوبون»، حيث قدّم سيغفريد لهذه المحاضرات بفصل أول تحدث فيه عما كانت عليه الشعوب الغربية في الميادين السياسية والاجتماعية والاقتصادية في فترة 1914 – 1945م، ثم الحديث عن 5 شعوب يرى أنها تمثّل أرقى ما في البشرية من حضارة؛ وهي: اللاتين، والأنجلوسكسون، والألمان، والروس، والأمريكيون، وهو باختياره هذا حصر الحضارة في شعوب القارة الأوروبية وامتدادها الأمريكي الشمالي.

السؤال الإشكالي:

يسلّط المفكر الفرنسي أندريه سيغفريد في كتابه هذا الضوء على ما يسميه «روح الشعوب»، ويعني بذلك مزاجها النفسي، طارحاً سؤاله الإشكالي: هل تغيّرت هذه الشعوب إثر الحربين العالميتين؟ وجوابه في هذا الكتاب أن روح الشعوب الغربية لم تتغير وبقيت على ما كانت عليه في الماضي، على الرغم من الويلات والكوارث التي عاشتها في النصف الأول من القرن العشرين.

الهدف من الكتاب:

إنّ الهدف الذي أراده المؤلف من كتابه هذا هو تبيان اختلاف أمزجة الشعوب الغربية ونفسياتها، ودراسة خلفيات تكوين تلك الأمزجة والنفسيات وتحليل مكوناتها وأسباب اختلافها، مع حرصه على إبراز مساهمتها التاريخية الحاسمة في تقدم الحضارة البشرية على اختلاف استعداداتها وإمكانياتها.

وبالعودة لعنوان الكتاب، فيبدو أن المؤلف يستخدم المعنى الذي يحمله المصطلح الألماني VOLKSGEIST حيث يتحدث عن روح الشعوب والمقصود «الطابع القومي الخاص بكل شعب»، أو «الروح الجماعية التي تمتلكها كل أمة أو شعب».

محتوى الكتاب:

يتضمن الكتاب الذي صدر عام 1950م، وتمت ترجمته عن طريق وحدة ترجمان في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عام 2015م، 7 فصول؛ هي: الوجه الجديد للعالم، الواقعية اللاتينية، «البراعة» عند الشعب الفرنسي، «العناد» عند الشعب الإنجليزي، «الانضباط النظامي» عند الشعب الألماني، الصوفية الروسية، الديناميكية الأمريكية، الحضارة الغربية «تعريفها ومستقبلها»، إضافة إلى خاتمة وقائمة من الملاحق، ويتكون من 224 صفحة من القطع الكبير.

الكتاب في جملته على الرغم من انحياز وتعصب المؤلف لفرنسيته بوجه عام، هو من المراجع المهمة للدارسين والمثقفين ولمن يريد فهم سيكولوجية الشعوب من خلال تأثير العوامل التاريخية والجغرافية والبيئية التي يخضعون لها، ناهيك عن الأصول العرقية لكل شعب.

أثر الحروب العالمية:

يرى الكاتب أن الشعوب الغربية عرفت في خلال 30 عاماً حربين عالميتين، ليست ككل الحروب، وقد غيرتا وجه العالم وتوازناته، ويُضيف قائلاً: نحن ندرك جيداً أن ما حصل لم يكن مجرد تطور عادي لا أكثر ولا أقل، بل إن ما وقع كان في الأحرى «ثورة» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لم يبق شيء في مكانه، وقيمة الأشياء لم تعد كما كانت عليه، وقد انقلبت العلاقات الإنسانية رأساً على عقب، لا بل إن الفكرة التي يحملها الناس عن العالم وقوانينه قد أصابها كثير من الاضطرابات والانقلابات المفاجئة، وفي سيكولوجية الشعوب أصل للدوام مستمر لا يزول، فنحن، مثلاً، نشبه أجدادنا في كثير من خصالنا، كما نجد ذلك عند بقية الشعوب، ومع ذلك فقد حصل، بلا شك، نوع من التكيفات والاختلاطات بين الشعوب.

من هنا تأتي معالجة الكتاب عما يُشكل الأساس الصلب للشعوب الغربية، وإلى أي حد هم الآن مهيؤون للتكيف مع الظروف الثورية التي يعيشون في خضمها؟

ويرى أندريه سيغفريد أن البلاد الوحيدة التي تستطيع أن تبقى قوية من الدرجة الأولى هي تلك البلاد ذات المساحات الشاسعة والمكتظة بالسكان والمنظمة تنظيماً جيداً والتي تسيطر على ما تمتلك من أراضٍ مترامية الأطراف؛ ويبدو أنه لا بد من بلاد مساحتها على الأقل من 8 – 10 ملايين كيلومتر مربع، وسكانها على الأقل 100 مليون نسمة لتكون دولة كبرى؛ ولهذا فإن الولايات المتحدة وروسيا تعتبران قارتين تتبادلان دور قيادة العالم بدلاً من الطرف الصغير (أوروبا)، الذي كان يوجه العالم منذ أربعة قرون بفضل تناسقه وتنوعه المدهشين على الرغم من قلة كثافة سكانه.

صُنع الحضارة:

يرى أندريه سيغفريد أن الحضارة لا تُقاس بعدد قممها، وإنما تُقدر بمتوسط ارتفاعها، وهي ليست من صنع عظماء رجالها، ولكنها من صنع المستوى الأدنى لعناصرها البشرية، وخصوصاً من صنع إمكانات أقل عنصر من عناصرها.

«البراعة» عند الفرنسيين:

تحدث المؤلف عن «البراعة» عند الشعب الفرنسي؛ حيث يرى أن الفرنسيين استمدوها من امتزاج أعراق عدة انصهرت في تلك الأرض مشكّلة الشعب الفرنسي، وقد أثرى هذا التنوع العرقي المجتمع الفرنسي، ويرى أن الفرنسيين مدينون للاتينيين بصفاء الذهن وموهبة التعبير وللكلتيين بالروح الفنية وبالفردية التي تندفع أحياناً فتصل حد الفوضى، وللجرمانيين بالعبقرية التنظيمية البناءة.

ويرى أندريه أنه إذا كان هذا الانصهار العرقي أورث فرنسا قيم الحرية والمساواة وخصائص أخرى ممتازة، فإنه منعها من الولاء للأرض؛ حيث يتميز الفرنسيون بأنهم لا يشعرون بذلك الانتماء الذي تشعر به باقي الشعوب لأراضيها، كما يتميز الفرنسي – حسب سيغفريد – بتوازن عقلي وتركيز على المنطق، ويضرب مثالاً على ذلك بأن أحد الإنجليز نبهه إلى ذلك عندما سمع أما فرنسية تقول لابنها البالغ من العمر 3 سنوات: «كن منطقياً»، بينما تقول الأم الإنجليزية له: «كن ولداً صالحاً».

«العناد» عند الإنجليز:

ثم يتحدث الكاتب عن الشعب الإنجليزي، مبيناً أن أبرز صفة في شخصيته العامة هي «العناد»، ويحلل سيغفريد العوامل البيئية والمناخية التي أثرت في الطبيعة النفسية لهذا الشعب، إن إنجلترا عبارة عن صخرة تقع في جزيرة يعيش عليها عدد هائل من البشر، ثم إن المناخ الجليدي القاسي يفرض على الإنسان المقاومة؛ لأن مقابلها هو الموت بلا رحمة تحت قسوة الطبيعة.

إن المصير البريطاني – من وجهة نظر سيغفريد – تحدده عوامل منها العزلة الناتجة عن الطبيعة الجزيرية والفتوة الإثنية لهذا الشعب، والقوة الأخلاقية المعنوية التي طبعتها البروتستانتية في شخصية الإنجليزي أعطته عناداً وفردية شديدين، فهو فرد بذاته، والدين والسلوك في نظره مسألتان شخصيتان خصوصيتان لا تستدعيان بالضرورة وساطة إكليروس، إنه يشعر أن عليه أن يتصالح مع ذاته وضميره وهذه إحدى نقاط قوة الإنسان الإنجليزي.

ويرى أنه لكي نفهم شعباً ما على حقيقته كالشعب الإنجليزي مثلاً؛ فيجب أن نبدأ بتحديد موقعه على الخريطة، ونعرف تعداد سكانه، ولكي نتبين العوامل والظروف التي كونت الشعب الإنجليزي، يجدر بنا أن نميز في هذا المقام الوراثة والبيئة واللحظة، فإنجلترا على سبيل المثال جزيرة، ولكنها قريبة جداً من أوروبا، وهذا القرب هو الذي حدد تكوينها العرقي من سلالات بشرية تتابعت عليها، وهناك وجه آخر لهذا التكوين وهو الفتوة الإثنية لهذا الشعب، وفيما يتعلق بالمناخ؛ نجد أنه ثابت غير متقلب، وتهب على هذه البلاد رياح غربية تسودها ثلاثة أرباع العام، وتسقط عليها الأمطار دائماً، وتتخللها فترات صحو قد تحيلها النسمات النقية للمحيط الأطلسي إلى فترات رائعة، وفي مثل هذا المناخ الذي لا يعد مؤلماً وإن كان لا يخلو من قسوة أحياناً، لا بد كي نستمر في الحياة، من بذل جهد متواصل، فالاستيقاظ صباحاً يتطلب من إنجلترا طاقة، مثل عملية انطلاق صعبة، وهذا يفسر استيقاظ الإنجليز عادة متأخرين، كما يوضح لنا سر تناولهم إفطاراً مغذياً مكوناً من «البوريدج» (مصنوع من الشوفان الذي يوقظ الخيول) ومن لحم الخنزير والبيض.. إلخ.

وهكذا تؤثر العوامل الجغرافية والمناخية والبيئية تأثيراً بالغاً في طبائع الشعوب وعاداتها وسلوكها، ولا بد من دراستها لكي نفهم روح هذه الشعوب.

خصائص الشعوب:

ختم أندريه سيغفريد كتابه بفصل سماه «الحضارة الغربية.. تعريفها ومستقبلها»، وتعتبر الفصول الأهم في الكتاب هي تلك التي خصصها لدراسة خصائص تلك الشعوب، وبيان ما لها من ميزات نفسية وأخلاقية، وكذا دورها وإنجازها للحضارة الغربية، ولا يخفى على القارئ انبهار الكاتب بالشعوب الأوروبية وبالقارة الأوروبية وتعصبه لها، إلى درجة أن يجعل القرب من جغرافيتها والتمثل لأخلاقها وأمزجتها معيار التميز والتقدم.

ومن الخلاصات التي ساقها سيغفريد في هذا السياق في ختام كتابه ما يلي:

1- أن مصادر الحضارة الغربية جد قديمة ومتنوعة في آن، وهي ترتكز على أقنوم من ثلاثة مفاهيم: المعرفة، والإنسان، والتقنية في شكلها الحديث للثورة الصناعية.

2- الديمقراطية الغربية هي ابنة «المدينة» التي لا تنفصل عن الليبرالية، وبالتالي فهي ترتكز على تصور لقاعدة مقبولة طوعاً وليست مفروضة وتتعارض مع هوى الحاكم المستبد.

3- إن الأخذ بتقنية الصناعة الآلية، هو الذي جعل من الغرب ما هو عليه الآن، وذلك بتزويده بالسلاح الأهم والحاسم لقوته وسلطانه، على أن «التقنية الآلية» كما يمارسها الغرب لم تكن ممكنة بغير العلم والمنطق على الطريقة الإغريقية، وهذا ما لا يمتلكه الشرق، لا بالأمس ولا اليوم.

4- تطالب جميع القارات والبلاد والأعراق اليوم بتعميم الآلة، ولكن استعمال الآلة شيء سهل، أما اختراعها وتجديدها فهو شيء آخر؛ وهنا يتبدى الأساس الصلب، على الرغم من كل شيء، الذي يقوم عليه التفوق الغربي وهو تقدم تقني.

5- يرى أندريه سيغفريد أن الشرق يبدأ مع الإسلام الذي استرد كل ما قامت به أثينا وروما من غزوات وفتوحات في آسيا.. وباختصار، فإنه لم يكن ممكناً لحياة الصحراء والمساحات البرية الشاسعة أن تتغرب، إنها تنتمي للشرق، ولهذا رجعت إليه.

6- آسيا تقلد على أحسن الوجوه، ولكنها لا تجدد فيما تستورده من مفاهيم وتصورات؛ وانطواؤها على خبراتها التي تفصلها عن المصدر الأصلي الأوروبي أو الأمريكي للمخترعات يجعلها سريعاً عاجزة أو متخلفة عن الركب.

7- الرجل الشرقي يهتم بالمشاريع النظرية أكثر من اهتمامه بالمشاريع العملية، تجذبه المهارة الشخصية أكثر من الطريقة والقاعدة، كما أنه لا يرى في الحياة إلا سلسلة من الحوادث العارضة التي يستطيع بواسطة الحظ أو الحيلة أو الدسيسة أن يجعلها تدور لمصلحته.

8- إذا ما قُدر أن تختفي الحرية السياسية في أوروبا، فإن حيويتها ستصاب بالضعف، والاقتصاد الموجه الذي يمتد إلى ميدان الفكر يقضي على نبع لا يعوض، فكل نظام توتاليتاري سيكون قاضياً على مستقبل أوروبا، فبقدر ما يحافظ على الحرية، يظل تفوقه لا يبارى ولا يجارى.

9- يرى أندريه سيغفريد أن المخاطر التي قد تهدد مستقبل الحضارة الغربية لا تأتيها من الخارج، بل من الداخل، وأن سبب زوالها سيكون في اختلال المبادئ التي توجهها، وأن دعامة الغرب تتركز في ثلاثة مفاهيم؛ المعرفة والفرد والتقنية، ويجب أن يكون هناك نوع من التوازن بين المفاهيم لا يتخلخل.

10- يرى أندريه سيغفريد أن الولايات المتحدة هي الآن الضامنة الكبرى للحضارة الغربية؛ لأنهم يمثلون التقاليد الديمقراطية والمسيحية التي تعبر عن احترام الفردية والحرية.

Exit mobile version