ركائز مجتمع العدل والاستقرار

يقول البروفيسور ساسو تومازيك من جامعة Ljubljana أقدم الجامعات في سلوفينيا تأسست عام 1919م: إنه من الصعب تجنب الأزمات في النظام الرأسمالي، ويرجع ذلك لسبب أساسي يعتبر من الأسس النظرية التي قامت عليها الرأسمالية الحديثة وهي أن : رأس المال لا بد وأن يحقق أرباحاً.

التغيير المجتمعي مسألة حتمية، عبر التاريخ شهدت المجتمعات تحولات جذرية من نظام العبودية إلى النظام الإقطاعي ومن النظام الإقطاعي إلى النظام الاشتراكي ثم إلى النظام الرأسمالي تحولات يغذيها التطور العلمي والتكنولوجي وزيادة الوعي المجتمعي.

إلا أن التغيير الحقيقي الذي ينسجم مع واقع الناس ويلقي بظلاله الوارفة على جميع طبقات المجتمع هو ذلك التغيير الذي يقف في وجهة غطرسة الرأسمالية ويكبح جشعها الذي يكاد يبتلع الجميع.

هذا التغيير الذي يقود إلى الاستقرار والرفاه الاقتصادي ويستطيع مجابهة التحديات التي تواجه عالم اليوم يجب أن يكون تدريجياً وقائماً على معرفة الآلية الاجتماعية والاقتصادية التي ستحققه، هناك مرتكزات أساسية يقوم عليها مجتمع العدل والاستقرار وتشكل هذه المرتكزات الحجر الأساس الذي تقوم عليه هذه المجتمعات.

زيادة الوعي الجمعوي

تعتبر زيادة الوعي الجمعوي أهم خطوة وأكثرها فاعلية تجاه التغيير في المجتمع، ويتم تحقيق هذا الهدف من خلال مساعدة الناس على معرفة أهمية التغيير ونوعيته المنشودة والتي ستحقق مستقبلاً أفضل وحياة أسعد لهذا المجتمع، كما يشمل زيادة الوعي الجمعوي الإحساس بخطورة الأزمات المستقبلية وطرق مواجهتها، كالحروب والكوارث ومشكلات التنمية.

حينما يزداد وعي المجتمع بهذه الطريقة والأسلوب سيعتمد انتخاب السياسيين على أساس مدى قدرة برامجهم السياسية على تقديم حلول لهذه المشكلات والسير بالمجتمع نحو العدل والاستقرار.

لنظام التعليم الدور الأبرز والأهم في خلق الوعي بضرورة التغيير المنشود، فبناء الأجيال على الأخلاق والمثل التي تقدس العلم والعمل من أسباب إحداث التغيير، فالمدرسة ليست فقط من أجل اكتساب العلوم والمعارف، بل أيضاً من أجل بناء الذات وتطويرها بما يخدم المجتمع، لذلك من المهم تعليم الأطفال على أن التعاون أحسن من المنافسة، وأن الأهداف التي تخدم المجتمع أفضل وأكثر تأثيراً من الأهداف التي لا تخدم إلا الفرد.

مواجهة المسلكيات الفاسدة

تعتبر مواجهة المسلكيات الفاسدة في المجتمع والعمل على تغييرها ذا أهمية كبيرة في الحصول على مجتمع مستقر ومنتج، وتشمل هذه المسلكيات الفساد الأخلاقي، العنصرية، الاتكالية، وغيرها من الأمور التي تحد من نشاط المجتمع وقوته، في هذا الإطار عمل رائد النهضة الماليزية مهاتير بن محمد في بداية مشواره نحو التغيير بتقديم رؤية نقدية صارخة تجاه مسلكيات المجتمع لخصها في كتابه “عقدة الملايو”، وهو الكتاب الذي منع من النشر وتسبب في طرده من منصبه في الحزب وخروجه من البرلمان، قدم مهاتير بن محمد في هذا الكتاب انتقادات حادة اتجاه العنصرية والاتكالية واتهم المجتمع بغياب الإرادة والكسل والخمول.

بعد سنة من الضجة التي أحدثها الكتاب عاد مهاتير إلى الحزب من جديد، وكانت أغلب الأفكار التي عبر عنها في كتابه النقدي محل تطبيق في السياسات الماليزية الجديدة التي أعقبت أحداث 13 مايو العرقية، وهكذا استطاع رائد النهضة الماليزية أن يكسر قيود المجتمع التي تعيق تقدمه من خلال نقد بناء ورصين للمسلكيات الفاسدة، وانطلق بمجتمعه إلى آفاق العمل والإنتاج دون عقد ولا مشكلات.

تطوير الأمن المجتمعي

في عالم مفتوح تتداخل الثقافات وتنتشر الأفكار والسياسات بشكل هيستيري لا حدود له، تطرح مشكلة الأمن المجتمعي تحدياً كبيراً للكثير من الدول، فقد منحت مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائط التواصل الإلكتروني مجالاً مفتوحاً لانتشار الأفكار غثها وسمينها، وجعلت المجتمع يواجه صعوبات حقيقية في ضبط هذه المعلومات وتسخيرها لخدمة أهدافه، ولا يشمل الأمن المجتمعي ما يبثه الإعلام من أفكار ورؤى، بل يتعدى ذلك ليشمل الأمن الغذائي، حيث تواجه بعض المجتمعات ظروفاً اقتصادية صعبة تؤثر على حياة الناس وتحد من إنتاجية الفرد، وهكذا فإن تطوير وتنمية الأمن المجتمعي إحدى الركائز المهمة التي تنهض بها المجتمعات وتساعدها على إحداث التغيير الإيجابي.

تغيير العقليات نحو العمل

تختلف رؤية المجتمع للعمل بحسب مستوى تعليمه وتطور العقليات فيه، فالمجتمعات التي تقدس العمل حققت تغييراً جذرياً في حياة الناس ومنحتها ظروف جديدة لتحقيق المزيد من الرفاهية والتقدم، ولا بد للتغيير من استنهاض الهمم للعمل الجاد والدؤوب لخدمة المجتمع، أثناء الحرب العالمية الثانية كان العامل الياباني يعمل من أجل أن يحصل على وجبة غذاء، كان هذا العامل يعمل بكد وجد من أجل بناء اليابان وازدهارها، هناك ضرورة ملحة لخلق مجتمعات غير ربحية، مجتمعات لا تسير بمنطق الربح والخسارة فقط، إن تغيير العقليات في اتجاه بناء جيل يعمل من أجل مجتمع ومستعد للتضحية بوقته وجهده لتحقيق نهضة ورفاهية هذا المجتمع هو أحد الطرق الناجعة لتغيير المجتمعات.

تواجه سياسات التغيير الاجتماعي عوائق عديدة منها ما يتعلق بثقافة الشعوب وطبيعة البناء الاجتماعي لها، ومنها ما يتعلق بالتطور العلمي والتكنولوجي، ومنها ما هو اقتصادي بحت، فمن العوائق الثقافية العادات والتقاليد وصعوبة التخلص من غثها بطريقة سلسة وهادئة، أما طبيعة البناء الاجتماعي فيشمل المكونات الطبقية للمجتمع ومدى تماسكها واستعدادها للتغير دون حدوث شروخ تهدد وحدتها.

إضافة إلى ذلك، هناك عوائق سياسية تشتمل على عوائق داخلية منها: ضعف الأيديولوجيا القومية، تعدد العرقيات، أما العوائق الخارجية وهي بالأساس السياسات الاستعمارية التي تفرضها الدول الإمبريالية على الشعوب وتكبح أي تغيير إيجابي يرسم مستقبلاً أفضل لهذه الدول.

المصدر: موقع “إسلام أون لاين”.

Exit mobile version