شكيب بن مخلوف: تشبيب المؤسسات الإسلامية بأوربا ضرورة شرعية

أدار الحوار: هاني صلاح

دعا شكيب بن مخلوف –رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية السابق- إلى تشبيب المؤسسات الإسلامية، معتبرا ذلك ضرورة شرعية لتطوير أدائها ومواكبتها لتحديات المرحلة من خلال استيعاب الطاقات الشبابية وفتح الأبواب أمامها لاستلام القيادة ودعمها بكل السبل والوسائل بطريقة تضمن الاستمرارية والتطوير.

 وأوضح ذلك قائلا: “نعني بالاستمرارية الربط بين الماضي والحاضر والتطوير من خلال الربط بين الحاضر بالمستقبل على مستوى العنصر البشري وفي مجال التخطيط والإدارة”. 

جاء ذلك في الجزء الثاني من حوار “مستقبل مسلمي أوروبا في ظل التحديات الراهنة”، وهو الحوار الثالث على الموقع الإلكتروني لـ”المجتمع” بالتشارك مع “مبادرة حوارات الأقليات المسلمة على الفيسبوك”، والذي يجريه الصحفي هاني صلاح على الصفحة العامة للحوارات بعنوان “الإسلام والمسلمون في العالم”.

فإلى بقية الحوار:

المشاركة السادسة من: حسين الصيفي، ناشط في مجالات الدعوة والإعلام في البرازيل، وتتضمن سؤالاً واحداً (رقم: 9):

السلام عليكم أستاذ شكيب..

9- تعلمون أهمية الإعلام ودوره، فحبذا لو تطلعنا على هذا الجانب في قارة أوروبا.

– الإجابة:

الإعلام في أوروبا هو من يصنع الأحداث، ويوجه الرأي العام بها، يهابه الرؤساء والسياسيون، ويعرقل أناساً ويرفع آخرين.

الإعلام في أوروبا قوة لا يستهان بها؛ وهو غير منصف في كثير من الأحيان، للأسف يتعامل مع قضايا المسلمين بشيء من الازدواجية، ويتسبب في بعض متاعبهم، وهذا بالطبع لا ينفي وجود إعلاميين منصفين يضعون الأمور في نصابها لكن دورهم ثانوي.

كل المؤشرات تدل على أن اقتحام المسلمين لمجال الإعلام في الفترات السابقة مهم وحيوي، لكن ذلك لم يحظ بالاهتمام المطلوب.

عندما كنا نتحدث سابقاً عن الإعلام؛ فسرعان ما يذهب تفكيرنا إلى الجرائد والصحف والمجلات والقنوات الفضائية، وجميعها تتطلب إمكانيات مادية تنوء بها المؤسسات الإسلامية، وهذا ما دفع بالعاملين في الحقل الإسلامي إلى الزهد فيه مع قلة الكفاءات الإعلامية أو ندرتها.

لقد انشغل العاملون في الحقل الإسلامي في أوروبا في الفترات السابقة ببناء المراكز وإنشاء الجمعيات والاهتمام بالعمل الدعوي والاجتماعي؛ مما جعل معظم الجهود والطاقات تنمو وتتطور بعيداً عن العمل الإعلامي، لكن الوضع الحالي يشهد بروز كفاءات إعلامية مسلمة خاصة في صفوف الشباب تبشر بخير.

ومن المبشرات أيضاً أنه سجل خلال العقدين الأخيرين بروز منابر إعلامية غير تقليدية ولا تكلف كثيرًا تتمثل في وسائل التواصل الاجتماعي وهذا المجال شهد تقدماً ملموساً وهو في تنامي مستمر.

الهجمة الحالية التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا، و”الإسلاموفوبيا” التي تنتشر بشكل مريب في ربوعها يحتم على المسلمين امتلاك آلة إعلامية متطورة للتصدي لكل ذلك.

المشاركة السابعة من: محمد أحمد طالب، مهندس، مسؤول قسم الدعوة في الرابطة الإسلامية في إسبانيا، وتتضمن سؤالاً واحداً (رقم: 10):

10- يلجأ المسلمون في أوروبا إلى منظمات حقوق الإنسان لمواجهة الاعتداءات العنصرية ولنيل الحقوق التي يكفلها لهم القانون، ومع انتشار “الإسلاموفوبيا” ووجود كثير من الأحزاب والتيارات العنصرية المتطرفة يزداد خطر التمييز ضد المسلمين، فلا أمل لدى نسبة كبيرة من الفتيات المحجبات في العمل في كثير من بلدان أوروبا ولا رخص لفتح المساجد، والأمثلة كثيرة.

السؤال: هل أسس المسلمون هيئات حقوقية نشطة في أوروبا أو شاركوا في هيئات قائمة؟

وهل يمكن تفسير ضعف الاهتمام بهذا المجال بضعف شعور المسلمين بانتمائهم لأوروبا كمواطنين كاملي المواطنة تماماً كالسكان الأصليين؟

– الإجابة:

كانت أوروبا خلال الثلث الأخير من القرن الماضي ملاذاً للعرب والمسلمين المضطهدين لأسباب سياسية أو إنسانية.

ولقد قامت العديد من دول أوروبا بجهد مشكور في استقبال هؤلاء الناس وحسن وفادتهم، ونظراً لازدياد وتراجع الوضع الاقتصادي في العديد منها استغل اليمين المتطرف هذه الأوضاع ليقفز إلى الأمام وليبث أفكاره المتطرفة في بعض دول أوروبا، ولقد تسبب ذلك في منع الحجاب والمآذن وبناء مساجد جدد، وإلى محاصرة المؤسسات والجمعيات وسن القوانين التي من شأنها التدخل السافر في الشأن الديني للمسلمين.

على إثر ذلك أبدى المسلمون اعتراضهم ورفعوا بعض قضاياهم أمام المحاكم لعلهم يحصلون على حقوقهم بدون فائدة مما اضطرهم للتواصل مع مؤسسات دولية مختلفة.

رفع مثل هذه الشكاوى على قلتها لا يعني أن المسلمين لا يشعرون بالمواطنة، ولكن القوانين الأوروبية تفتح الباب أمام كل مواطن أوروبي ظلم في بلده لرفع شكوى أمام مؤسسة أوروبية.

لقد نجح المسلمون في بعض الدول الأوروبية إلى إيجاد مؤسسات حقوقية تدافع عن قضاياهم وهذا مطلوب، لكن هذا لا يعفيهم من التواصل مع المؤسسات الحقوقية غير الإسلامية.

يجب ألا نسقط في فخ العزلة النفسية والاجتماعية، وهذا ما يريده اليمين المتطرف لعزل المسلمين عن باقي مكونات المجتمعات الأوروبية وبالتالي يسهل عليه استهدافهم بمفردهم، ولذلك يجب على المسلمين الأوروبيين أن يتواجدوا في مختلف المؤسسات والهيئات، وأن يتعاملوا مع ملف “الإسلاموفوبيا” ليتحول إلى ملف وطني وليس إسلامياً.

يجب التركيز على أن “الإسلاموفوبيا” في أوروبا ليس ملفاً عابراً وبسيطاً، ولكنه يسجل فشلاً تربوياً وأخلاقياً وقيمياً وقانونياً وإنسانياً.

إن هؤلاء الذين يتبنون الفكر العنصري في أوروبا تعلموا في مدارس ومعاهد وجامعات وتربوا فيها على مجموعة من قيم الإنسانية كالحرية واحترام التعددية وحقوق الإنسان.. فأين تبخرت هذه القيم؟ وكيف سيتم التعامل قانونياً مع الذين يقومون بالإساءة إلى الآخر؟ وهل تقبل المجتمعات الأوروبية ذلك حتى تتكرر تجربة اليهود في القرن الماضي؟

أوروبا على مفترق الطرق وهي تمتحن في قيمها وإنسانيتها ومدى عدالة مؤسساتها الرسمية للحد من ظاهرة “الإسلاموفوبيا”.

المشاركة الثامنة من: محمد سرحان، صحفي متخصص في شؤون الأقليات المسلمة، وتتضمن 3 أسئلة (أرقام: 11/ 12/ 13):

11– الإعلام فاعل رئيس في تغذية خطاب الكراهية، فكيف توصف العلاقة بين مسلمي أوروبا والإعلام؟ هل هم فاعل مؤثر فيه أم مفعول به؟ وكيف هي صورتهم التي يطرحها الإعلام الأوروبي؟

– الإجابة:

الإعلام ليس شيئاً واحداً، والإعلاميون ليسوا جميعاً من ذوي الخلفيات العدائية أو العنصرية، كما أن الذين يملكون زمام الأمور في الإعلام الغربي أطياف مختلفة لكل منها توجهاتها وأهدافها، لكن هذا لا يلغي وجود لوبيات إعلامية لها حضور قوي وبإمكانها التأثير في الأحداث بما تراه.

عالم اليوم يعيش على خلفية أحداث جسيمة تمر بها المنطقة العربية والإسلامية، وأكبر صراع شهده بدايات القرن الحالي بين القوى العظمى التي تريد المزيد من التحكم في العالم والسيطرة على مصادر الطاقة والأسواق وتوسيع منطقة نفوذها، وللأسف فبعض الدول الإسلامية في قلب الحدث وفي عمق المشكلة مما يجعل المسلمين في معظم الأحيان غير فاعلين إن لم يكونوا مفعولاً بهم.

من هذه الزاوية، فإن الغرب لا يفرق بين مسلمي العالم الإسلامي والمسلمين الأوروبيين بحكم تعاطفهم وتفاعلهم مع قضايا أمتهم.

وفي ظل هذه المعطيات فإن تعاطي الإعلام مع ملف الإسلام والمسلمين في أوروبا أصبح مرتبطاً بشكل كبير بما يحدث في مناطق النزاع، وهنا قد يحدث تقاطع بين الإعلامي والسياسي في أوروبا، وبعض المؤسسات في أوروبا لا تتعامل مع الإسلام على أنه ملف وطني، ولكن على أساس أنه دخيل على المجتمع الأوروبي؛ بمعنى نحن وهم..! مما يحشر المسلمين في الزاوية الضيقة، ويقلل من مواطنتهم الأوروبية.

إن المطلع على ما ينشر في الإعلام الغربي يرى بشكل واضح موقفه السلبي من المسلمين؛ مما يشجع على نشر ثقافة الكراهية، ابتداء بالرسومات المسيئة للمقدسات الإسلامية بذريعة حرية التعبير، ثم بالطريقة غير الموضوعية في التعاطي مع أحداث “الربيع العربي”، أضف إلى ذلك محاولة ربط الأخطاء التي يرتكبها بعض المسلمين بالإسلام (مثال ذلك مصطلح الإرهاب الإسلامي) والإلقاء باللوم على مسلمي أوروبا، وكل ذلك يصب في تغذية خطاب الكراهية.

للأسف دور الإعلام الغربي سلبي، إن لم يكن سيئاً مع الإسلام والمسلمين مما يضاعف من حجم معاناة المسلمين في وطنهم الأوروبي، وذلك يستدعي وقفة جريئة من قبل المؤسسات الأوروبية للحد من ذلك كما فعلوا سابقاً مع اليهود بسن قانون معاداة السامية.

12- كثيرا ما يشكو المسلمون في أوروبا وغيرها من خطاب الكراهية وتصاعد ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، لكن أليس الأولى أن نسأل:

ما دور المسلمين أنفسهم تجاه مجتمعاتهم الأوروبية؟ وماذا قدموا من نفع لصالح هذه المجتمعات التي يعيشون فيها لاسيما وأنها كانت الملاذ الآمن لهم عن بلادهم الأصلية؟

برأيك كمسؤول سابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، كيف ترى هذا الدور؟

– الإجابة:

خطاب الكراهية وتصاعد ظاهرة “الإسلاموفوبيا” أصبحت واضحة لكل من يعيش في أوروبا، والمقلق في ذلك هو أن هذه الظاهرة لم تعد تقتصر على أفراد بعينهم؛ بل تخطتها لتنتقل العدوى إلى بعض المسؤولين والسياسيين.

إن مسؤولية بعض الهيئات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني لمعالجة ظاهرة “الإسلاموفوبيا” والحد من آثارها السلبية على المجتمعات الأوروبية ومواطنيها المسلمين واجبة بمقتضى القانون، لكن ذلك لا يعفي المسلمين من مسؤوليتهم أيضا تجاه مجتمعاتهم.

الأصل في المسلم أن يكون مواطناً صالحاً نافعاً منتجاً محباً للخير، فإذا نظرنا إلى واقع المسلمين فإن ذلك يتفاوت من فئة لأخرى؛ فهناك مسلمون حققوا الكثير لمجتمعاتهم، بينما في الاتجاه الآخر نجد آخرين كانوا وبالاً على أنفسهم وعلى غيرهم.

عندما ننظر إلى أداء المسلمين ككل مقارنة بحجم التحديات التي تواجههم؛ فإن ذلك أقل من الطموح بكثير بسبب الفرقة وضعف التنسيق بين مختلف الهيئات والمؤسسات الإسلامية وغياب إستراتيجية يتفق عليها الجميع.

للأسف لقد حصرنا الإسلام بين فئة الملتزمين وغفلنا عن الطاقات الأخرى المعطلة، وهي الفئة التي تحب الإسلام، وتريد أن تخدمه بطريقتها بالرغم من ضعف التزامها به.

هنا يجب علينا أن نعيد النظرة في تعاملنا مع المسلمين بمختلف مكوناتهم، وأن نستفيد من كافة الطاقات كل في موقعها وحسب إمكاناتها.

ولكن لا ننسى أيضاً أن المسلمين في بعض الدول الأوروبية يعانون من الإقصاء والتهميش ومن العزل الهادف لهم في كيتونات مما ولد عندهم شيئاً من السلبية، ومهما يكن الوضع فليس أمام المسلمين أفراد ومؤسسات إلا الصبر على الأذى والمزيد من الانفتاح على مجتمعاتهم وان يخرجوا من التوقع على الذات إلى المشاركة الفاعلة في مختلف مناحي الحياة المجتمعية.

كما يجب على المسلم أن يترفع عن عقلية الاستهلاك إلى عقلية الإنتاج والإصلاح، وأن تعمل مع باقي فئات المجتمع المحبة للخير والساعية للإصلاح.

13- قبل أيام عقد في ألمانيا ملتقى لليمين المتطرف في أوروبا احتفاء بفوز “ترمب” ودعماً لأوروبا يمينية، وتنديداً باستقبال اللاجئين.

كيف ترى هذه الخطوة؟ وكيف سيكون تأثيرها مستقبلاً؟ وأليس من الأولى أن يتحرك المسلمون مع بقية التيارات المعتدلة لإرساء الحريات والحقوق ومكافحة للتطرف اليميني؟

– الإجابة:

دخول ترمب للبيت الأبيض ضاعف من شهية اليمين المتطرف للحكم في أوروبا وفتح أمامهم آفاقاً لم يكونوا ينتظروها، وهذا ما دفعهم قبل أيام إلى عقد ملتقى في ألمانيا احتفاء بفوز “ترمب” ودعما لـ”أوروباً يمينية”، وتنديداً باستقبال اللاجئين.

إن هذه خطوة طبيعية للانتشاء بالفوز الذي حققه اليمين في أمريكا زعيمة الغرب وحامية قيمه وحضارته وسيسعون بكافة السبل والوسائل إلى استثمار الحدث على مستوى بعض الدول الأوروبية في الانتخابات القادمة.

إن اليمين المتطرف يعتبر بحد ذاته تحدياً للمسلمين؛ فكيف به إذا تكتل على مستوى أوروبا، ونسق فيما بينه، واشتغل بذلك على أعلى مستوى؟ وأعني بذلك في الاتحاد الأوروبي. إن ذلك سيضاعف من هموم المسلمين ومتاعبهم وسيواجهون في أوروبا أفراداً ومؤسسات فترات صعبة سيدفعون ثمنها باهظاً إن لم تقم أوروبا مؤسسات وأفراداً بمراجعة مواقفها وسكوتها على ما يحدث.

ولو قدر الله أن تتطور الأمور سلبا فإن خسارة المسلمين لن تقتصر على المستوى المادي ولكن ستتعداه إلى المستوى الديني؛ لأن اليمين المتطرف يستهدف المسلمين لدينهم؛ وبالتالي فسوف يصوب سهامه لينال من هويتهم وهنا مكمن الخطر.

لقد كانت هجرة المسلمين للغرب خلال القرن الماضي بدوافع مادية وإنسانية وسياسية ووجدوا في أوروبا دار أمن وأمان، لكن إذا كان ذلك سينال من عقيدتهم وهويتهم الإسلامية فقد أصبحت هذه الهجرة محل نظر.

إن الأهداف بعيدة المدى لليمين المتطرف هو تطهير أوروبا وإبعاد كل ما ليس أوروبياً، وبالتالي فهو يصنف كل فكر أو دين أو ثقافة وافدة دخيلة على المجتمعات الأوروبية، وإذا سنحت له الفرصة ونجح في بث أفكاره المتطرفة بين باقي فئات المجتمع فقد يتعرض المسلمون لحملة شرسة سيكون لها آثار جد سلبية على الأجيال القادمة.

يجب على المسلمين بكافة طوائفهم ملتزمين وغير ملتزمين بانتماءاتهم السياسية والمذهبية والعرقية أن يتكتلوا ويوحدوا صفوفهم لمواجهة تحديات المرحلة والميزانية العنصري الذي يهدد كيانهم. كما يجب أن يتفقوا جميعا على استراتيجية موحدة وأن يوظفوا إمكاناتهم المادية والبشرية لخدمتها، كما يجب عليهم ألا ينعزلوا عن باقي مكونات المجتمعات الأوروبية حتى لا يستهدفوا بمفردهم بل يندمجوا مع غيرهم وينتقلوا بملف “الإسلاموفوبيا” من قضية خاصة بالمسلمين إلى قضية وطنية وهذا أحد مظاهر نجاحهم.

يجب على المسلمين أن يستفيدوا من الظلم الذي لحق باليهود في القرن الماضي حتى لا تتكرر التجربة ولكن الضحية هذه المرة هم المسلمون.

وإنني جد متخوف من التغيرات السريعة التي تشهدها أوروبا على مستوى الفكر والقانون، فالنيل من المسلمين ومؤسساتهم يتكرر بشكل كبير، كما أن استعمال ألفاظ عنصرية عند الحديث عنهم أصبح مقبولاً، أضف إلى ذلك أن سن القوانين التي تنال من خصوصياتهم الدينية أصبح شائعاً في العديد من الدول، وكل ذلك يتم في دول رفعت شعار الحرية والأخوة والمساواة.

ولذلك فإني أرى أن الإرهاصات الأولى التي سبقت استهداف اليهود في القرن الماضي نعيشها اليوم مع المسلمين، وإذا لم نقف في وجهها فقد ينتقل أصحابها إلى الخطوات التي تليها.

المشاركة التاسعة من: زكريا يونس، من بانجي (أفريقيا الوسطى)، خريج الأزهر، وتتضمن سؤالاً واحداً (رقم: 14):

14- كيف يتمكن المسلم في أوروبا التوفيق بين القوانين الوضعية وبين تعاليم الإسلام الواجبة؟

– الإجابة:

في الحقيقة أن الغرب في تعامله مع المسلمين كان مثالاً يقتدى به وكنا نمثله بالحبشة حيث كان يمثل حرجاً لبعض الدول الإسلامية بسبب عدله وإنسانيته واحترامه لحقوق الإنسان، فالغرب كان ملاذاً للمظلومين من المسلمين وغيرهم، فعندما كانت بعض الدول تعتقل أبناء الحركات الإسلامية فروا من أوطانهم ولم يجدوا لهم أماناً إلا في ديار الغرب.

لم يكن الغرب في السابق يتدخل في شؤون المسلمين، ولم يمنعهم من الالتزام بتعاليم دينهم خلال عقود طويلة، ولكن التحول بدأ بسبب تصرفات بعض الدول الإسلامية نفسها، فمنع الحجاب وحصار المؤسسات الإسلامية واستهدافها واتهام الحركات الإسلامية بشتى أنواع التهم بدأ في دول الإسلام قبل الغرب، والأمر هو أنها من شجعته على ذلك حتى تستر عورات أنظمتها الفاسدة والقمعية وتثبيت دكتاتورياتها التي كشفها “الربيع العربي”.

وبعض دول الغرب لم تمنع إقامة المساجد إلا عندما رأت دولاً إسلامية تعتدي على حرمتها، ولم تستهدف بعض المؤسسات الإسلامية إلا عندما رأت أن بعض الدول الإسلامية تصرف الملايين لتضع بعضها على قائمة الإرهاب، والغرب لم يضطهد مواطنيه المسلمين إلا عندما رأى أن إخوانهم في بعض ديار الإسلام ديست كرامتهم وحقوقهم.

للأسف الشديد إذا أمعنا النظر في مظاهر “الإسلاموفوبيا”، فإننا سنراها موجودة في الدول الإسلامية قبل أن تنتقل في الغرب، وهذا ليس مستغرباً في ظل الأوضاع السائدة لكن ما أزعجني أن الغرب بدلاً من أن يلتزم بقيمه ومبادئه في التعامل مع المسلمين فإنه تأثر سلباً وانحدر إلى مستوى بعضها والنتيجة هي ما نراه اليوم.

عموماً بعض مصائب المسلمين في الغرب منبعها العالم الإسلامي، والركن الشديد الذي كان بإمكانهم أن يأووا إليه حال الاعتداء عليهم هو مصدر تعاستهم، فالمسلمون في الغرب لا ظهير لهم، ولو أن الدول الإسلامية الأعضاء في الأمم المتحدة قامت بواجبها في الدفاع عن الإسلام لما رأينا بعض الممارسات الخاطئة بحق اتباعه لما تعقدت الأمور على هذا النحو؛ فكل الفئات لها من يدافع عنها – على سبيل المثال الطفل، المرأة، البيئة، المثليون، الأقليات، بل حتى الحيوان – إلا المسلم لا نصير له.

لقد لاحظت كيف أن خطاب الغرب واحترامه للمسلمين والتقرب إلى مؤسساتهم في بعض الدول بلغ مداه بعد سقوط أنظمة الظلم والاستبداد، ولكن سرعان ما تغير ذلك بعد الانقلاب على “الربيع العربي”.

وفيما يتعلق بالسؤال الأخيرة المتعلق بالالتزام بالإسلام فيجب أن نفرق بين الواجب وما هو اختياري، فالواجب الشرعي هو ما ألزم به الشارع والعمل به واجب وفي حالة المنع يجب استعمال كل الوسائل القانونية لإبطال ذلك، أما الاختياري فلا يوجد إجبار من الشارع على فعله والمسلم مخير فيه.

المشاركة العاشرة من: هاني صلاح، منسق الحوار، وتتضمن 3 أسئلة (أرقام: 15/ 16/ 17):

شكراً أستاذ شكيب، وأحب مشاركة الزملاء في طرح أسئلة في هذا الحوار المهم والمحوري والمتعلق بمستقبل التواجد الإسلامي في قارة أوروبا (المتعددة الهويات والثقافات والأديان والأعراق)، وأسئلتي هي:

15- أشرت حضرتك إلى سعي التيارات اليمينية في الدول الأوروبية للتنسيق على مستوى القارة؛ فكيف يمكن لمسلمي أوروبا مواجهة ذلك على المستوى القاري وهم ينحدرون من عرقيات مختلف تختلف في لغاتها أو حتى مؤسساتها، هل يحتاج الأمر لمؤتمر يجمع كافة ممثلي العرقيات المسلمة في القارة للتباحث والتنسيق ووضع رؤية إستراتيجية موحدة لمواجهة تصاعد حملات الكراهية نحوهم؟ أم أن هناك آليات أخرى للتحرك؟ وما هي؟

– الإجابة:

الإسلام يدعو إلى وحدة المسلمين على اختلاف لغتهم وثقافتهم وموطنهم، ويرمز إلى ذلك بمصطلح الأمة.

الوحدة الإسلامية فريضة شرعية قبل أن تكون ضرورة بشرية، لكن للأسف فهمنا بالإسلام وضعف التزامنا بروحه وقيمه ومبادئه ومفاهيمه هو سبب الخلل الذي حال دون وحدتنا في أكثر من موقع.

إن الوقوف في وجه “الإسلاموفوبيا” يجب أن يتم على مستوى الدول والقاري:

فعلى المستوى الدول يجب أن يفهم كل المسلمين أنهم جميعاً وبدون استثناء مستهدفون من قبل “الإسلاموفوبيا”؛ وهو ما يقتضي منهم وقفة مشرفة على مبادرة إحدى المؤسسات التي تحظى باحترام المسلمين بالدعوة إلى لقاء جامع لا يستثني أحداً، وأن توجه الدعوة إلى بعض المتخصصين من المسلمين وغيرهم لوضع إستراتيجية وطنية لمواجهة هذه الظاهرة.

أما دور عموم المسلمين فإنهم مطالبون شرعاً بدعم هذه الخطوة وما ينبثق عنها من برامج ومشاريع مادياً ومعنوياً؛ لأن العمل الجاد يتطلب تفريغ أشخاص من المسلمين وغيرهم للقيام بمهام رصد هذه الظاهرة وتوثيقها والتواصل مع مختلف الهيئات الرسمية والشعبية بهذا الخصوص ومتابعة تنفيذ مختلف البرامج للحد منها.

أما على مستوى القارة الأوروبية فيجب أن يتم عمل مماثل بصبغة أوروبية تدعم مساعي التواصل مع المؤسسات العالمية المهتمة بالشأن الحقوقي والحفاظ على الحريات.

إن العمل في هذا الاتجاه يتطلب مستوى معينا من الفهم لدى القائمين عليه وبالتالي فاختيار الأشخاص المناسبين لهذه المهمة جزء من نجاحها وتحقيق الأهداف المنوطة بها.

لا أخفيكم أن هذا الملف هو من أهم الملفات في أوروبا، ومن أولى أولويات القائمين على العمل الإسلامي، فهو لا يقل أهمية عن بناء المساجد لأن التقصير فيه ستكون عواقبه وخيمة على تدين الأجيال القادمة.

16- المجتمع المسلم مكون من شرائح وكلها مستهدفة ولكن نشعر بأن هناك شرائح لم تتبوأ مكانتها القيادية بعد ولم تقم بالدور الذي يمكنها بالفعل القيام به وهنا نقصد شريحة الناشئة والشباب، فهل ما نعتقده صحيح؟ وإذا ما كان صحيحاً فما السبيل لتحريك كافة شرائح المجتمع المسلم للقيام بالدور المطلوب منهم؟

– الإجابة:

لقد حققت المؤسسات الإسلامية بفضل الله تعالى وانطلاقاً من إمكاناتها المادية والبشرية والفرص التي أتيحت لها، إنجازات طيبة لا ينكرها إلا جاحد، لكن كل ذلك لا يعفي بعضها من الخطأ أو النقص.

فبعض المؤسسات الإسلامية أصيبت بشيء من الترهل إما بسبب استمرارية أشخاص بعينهم في موقع المسؤولية في المؤسسة نفسها لفترات طويلة وإما لقلة الاستفادة من بعض الكفاءات وخاصة فئة الشباب والنساء.

يجب على هذه المؤسسات الإسلامية أن تضع خطة لاستيعاب شبابها قبل فوات الأوان وأن يتم ذلك فعليا خلال الأعوام القليلة القادمة.

إن تشبيب المؤسسات الإسلامية ضرورة شرعية لتطوير أدائها ومواكبتها لتحديات المرحلة وذلك من خلال استيعاب الطاقات الشبابية وفتح الأبواب أمامها لاستلام القيادة ودعمها بكل السبل والوسائل بطريقة تضمن الاستمرارية والتطوير، ونعني بالاستمرارية الربط بين الماضي والحاضر والتطوير من خلال الربط بين الحاضر بالمستقبل على مستوى العنصر البشري وفي مجال التخطيط والإدارة.

17- بكل صراحة، وبدون أي تبسيط للأمر، هل تعتقدون أنه آن الوقت لعدم التفكير في الهجرة لأوروبا من قبل المسلمين في العالم، وربما يكون قريباً التفكير لمسلمي أوروبا في الهجرة منها، كنتيجة طبيعية لتصاعد حملات الكراهية ضدهم.. أم أنه ينبغي استبعاد هذا الرأي تماماً والتخندق في الوطن الحالي لمسلمي أوروبا والاستماتة في الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وفق أليات الدستور والقانون؟

– الإجابة:

تطورات الوضع في أوروبا متسارعة، وإذا استمرت بهذه الوتيرة فستلحق بالمسلمين ضرراً كبيراً لا يعرف مداه إلا الله.

للأسف النفس العنصري والاستعلائي الذي تسبب في الحرب العالمية الثانية لم يختف طيلة العقود الماضية، لكنه استطاع أن يتأقلم مع الواقع الأوروبي ليستعيد مكانته على المستوى السياسي والرسمي وفي عقول بعض العوام الأوروبيين.

إن أكبر تحول شهدته أوروبا يتمثل في القبول الذي عرفه خطاب اليمين المتطرف الذي كان مرفوضاً على مستوى الأحزاب لدرجة أن بعضها استعار مصطلحات عنصرية لاسترجاع الأصوات التي ذهبت لليمين المتطرف، وهذا ما جعل النيل من الإسلام والمسلمين شيئاً عادياً ومألوفاً وغير مستهجن.

ولذلك فإني متشائم بعض الشيء! فما حدث لمسلمي البلقان في أوروبا الحديثة ما زال شاهداً على ممارسات هذا النوع من البشر بمثل هذه العقلية، كما أن ما وقع من ظلم على اليهود في القرن الماضي لم تستفد منه أوروبا حتى تتفادى تكرار التجربة، إن الإرهاصات الأولى التي سبقت ضرب اليهود ظهرت بوادرها اليوم مع المسلمين من خلال شيطنتهم ورميهم بشتى الأوصاف والتهم وتحميلهم مسؤولية ما يحدث في أوروبا وسن القوانين التي من شأنها تصنيفهم درجة ثانية وعزلهم عن باقي مكونات المجتمعات الأوروبية.

إننا لا نستطيع معرفة مآلات الأحداث في أوروبا، ولكن إذا لم نضع حداً لظاهرة “الإسلاموفوبيا”؛ فقد تستفحل؛ لأن العقلية العنصرية لا ضمير لها، وإذا تمكنت فلن يوقفها أحد.

وبكل صراحة فإني أنصح القادمين الجدد بعدم الهجرة إلى أوروبا لأنها لم تعد دار أمان كما كانت من قبل، فهم ينتقلون من مجهول يمكن التعامل معه إلى مجهول يصعب تكهن نتائجه، وأما فيما يخص المسلمين الذين ولدوا في أوروبا فإنها وطنهم، ويجب عليهم أن يقفوا في وجه “الإسلاموفوبيا” والاستماتة في الدفاع عن حقوقهم وحرياتهم وفق آليات الدستور والقانون، لكن ذلك لا يقلل من تخوفي على مستقبل أحفادنا وأحفاد أحفادنا، ولذلك يستحسن عدم القطيعة مع موطن الأجداد والتواصل معه والحفاظ على صلة رحمهم هناك.

إن الحفاظ على الدين من أولويات المسلم وما عداه تابع له؛ ولذا وجب على المسلم الأوروبي أن يجعل ذلك نصب عينيه، ويتعامل مع المستجدات من هذا المنطلق.

Exit mobile version