إعلاميون ودعاة لـ”المجتمع”: موجة اللجوء تسعّر “الإسلاموفوبيا” وتهبط بالخطاب الأوروبي

أدت موجات اللجوء والهجرة التي طرقت أبواب أوروبا خلال العامين الماضيين إلى نبش ضغائن وهواجس قديمة، كانت قيم الليبرالية والإنسانية التي عمّمتها مؤسسات وأدبيّات الاتحاد الأوروبي على الدول الأعضاء قد غمرتها على خجل، دون أن تنجح في دفنها.

فبتجاوز مبادئ الإنسانية الأوروبية، “نجح” الكثير من الساسة الأوروبيين في تفسير قدوم موجات اللاجئين إلى أوروبا على أنه غزو إسلامي منظم ومخطط له لقارة الأنوار، التي ظنت أنها كانت في منأىً عن صراعاتٍ إقليمية وعالمية لها يد – من قريب أو بعيد – في إشعالها وتأجيج نيرانها.

وليست مواقف دول أوروبا الشرقية، التي لم تَصحُ بعدُ من هواجس الصدامات الصليبية الإسلامية، ولا الدول التي طلبت استضافة لاجئين غير مسلمين هي المثال الوحيد على ما سبق ذكره. فقد كشفت أزمة اللجوء عن هواجس مماثلة لدى جهات وشخصيات كانت حتى وقت قريب توصف بالاتزان والاعتدال، أو يفترض بها أن تكون كذلك بسبب موقعها المؤسساتي.

وساهم تدفق اللاجئين والمهاجرين كذلك في عودة قوية لمصطلحات غابت بسبب عمق الأزمة السورية وفظاعة وقائعها. فقد عادت مصطلحات مثل “مهاجرون غير شرعيين” لتنافس بقوة مصطلح “لاجئون” الذي اضطُر حتى عتاة القوميين لاستخدامه في إحدى الفترات بفعل التعاطف الاجتماعي الجارف الذي لقيه الهاربون من جحيم الحرب السورية، خاصة بعد مئات حوادث غرق الأطفال والنساء.

ولأن الكثير من الأوروبيين ينظرون إلى ديانة اللاجئ لا مأساته، لم يعد مستغرباً أن يتهجم مسؤول رسمي سلوفاكي أو تشيكي أو مجري على الإسلام والمسلمين معمِّمًا على الجميع تهما تفوح منها رائحة التعصب الديني والكراهية الحضارية. ومعروف أن دول هنغاريا والتشيك وسلوفاكيا طالبت بإخراج اليونان من اتفاقية “شنجن” بسبب ما اعتبرته الدول المذكورة عجزاً يونانياً على منع موجات الهجرة نحو قلب أوروبا.

شيطنة السُّنة

في اليونان لم يتردد “إيرونيموس” رئيس أساقفة أثينا -وهو المعروف بالحذر في تصريحاته- في التراجع عن موقف الكنيسة التي طالما صرّحت بتأييد بناء مسجد رسمي في أثينا. حيث قال في لقاء مع قناة محلية: “إن الكنيسة طالما أيدت حق المسلمين في بناء مسجد لهم، لكن مع التطورات الأخيرة أود الإعراب عن تحفظي على المشروع، فلمن نبني المسجد، للسنة أم للشيعة؟ وهل سيكون مسجداً للعبادة فقط أم سيكون مدرسة للجهاديين والمتطرفين؟  في ترديد للمقولات الشعبوية التي طالما أثيرت حول مشروع بناء المسجد في أثينا.

وفي النمسا طالب “هانز كريستيان ستراخيه” -زعيم حزب الأحرار اليميني المتطرف- بسن قانون يمنع ما سماه “الإسلام الفاشي” والرموز الإسلامية، تماماً كما مُنعت الرموز النازية، زاعماً أن الإسلام يهدد بفناء المجتمع الأوروبي. وطالب ستراخيه بوضع حد لما سماه سياسة الأسلمة لأنها ستؤدي إلى أن يكون للأوروبيين والنمساويين نهاية عنيفة، حسب زعمه.

كذلك فُتح المجال واسعاً لفئاتٍ تعرّف نفسها بمنظرين وكتّاب ومحللين استراتيجيين لإعادة التذكير بما كانت تكتب منذ سنوات في مجال التهويل من خطر الهجرة والتغيير الديموغرافي والغزو الإسلامي لأوروبا، لتخلص في نهاية الأمر إلى أن كلامها يتحقق اليوم.

وعززت موجات اللجوء مسألة كانت ظهرت مع ثورات الربيع العربي، وهي شيطنة السنّة دون غيرهم من المسلمين. بل إن مسألة كون السنة يشكلون أغلبية اللاجئين استُخدِمت كدليلٍ على أن الأمر غزو إسلامي سنّي لأوروبا، بدلاً من أن تكون دليلاً على أن التهجير في سوريا يستهدفهم دون غيرهم من المكونات.

كما تمّ تكريس مسألة سيئة للغاية، وهي ربط الإسلام بأبغض أيديولوجيا عرفتها أوروبا، وهي النازية والفاشية، وذلك بحجة إدانة تصرفات أفراد أو مجموعات مسلمة قامت بأعمال عنف.

التواصل الاجتماعي

بالتوازي مع كل ما سبق، تساهم صفحات التواصل الاجتماعي –حيث لا ضوابط مهنية أو موضوعية- في صب الزيت على النار عبر نشر مئات الأكاذيب والإشاعات التي قد لا تجرؤ وسائل الإعلام المحترفة على نشرها، حول موضوعات الهجرة واللجوء، وهذه الصفحات أصبح لها جمهور ينافس جمهور وسائل الإعلام المحترفة.

د.فوزية الجوهري -الإعلامية المقيمة في ألمانيا- قالت لـ”المجتمع”: في ألمانيا لا يقتصر العداء للإسلام والمسلمين على الأشخاص والمفكرين، بل ينتقل لبعض وسائل الإعلام.

وأضافت أن موجة اللجوء زادت رصيد حركات مثل حركة “بيجيدا” أو “أوروبيين وطنيين ضد أسلمة الغرب“، فنظمت مظاهرات صاخبة، إلا أن المجتمع المدني خرج ضدها بالآلاف خوفاً من خطورتها على الديمقراطية وعلى التعايش السلمي. وقد نجح -إلى حد ما- في كسر شوكة الحركة.

وقالت: إن المخاوف التي تثيرها حركة بيجيدا ليست بالجديدة ومنها القلق من تلاشي قِيم الغرب، وخطرها يكمن في  قيام  الأحزاب السياسية بتبني هذه الأفكار أي تبني العنصرية المناوئة للإسلام، فلم تُصبح التصريحاتُ المعاديةُ للمسلمين تُعدّ عنصريةً من وجهة نظر الرأي العام الألماني.

وقالت: “إن نبرة العداء زادت داخل المجتمع الألماني للأجانب وللمسلمين خصوصا، ويبدو ذلك عند حدوث أي هجوم، بتسليط أصابع الاتهام على المسلمين، ما يدفع بالمسلمين بالإحساس بالحزن والغضب والخوف، خصوصاً أولئك الذين يعتبرون ألمانيا بلدهم الحالي؛ فباتوا يُطالَبون بالتبرؤ ممن يقومون بالأعمال الإرهابية، والنأي بأنفسهم عن الإرهابيين بل يطالَبون بالذوبان، حتى إن حزب الاتحاد المسيحي الاجتماعي CSU طالب بضرورة إجبار الأجانب على تكلم اللغة الألمانية حتى داخل منازلهم”.

هذه المستجدات وغيرها الكثير -حسب الجوهري- دفعت ببعضهم للقيام بأنشطة معادية للإسلام في ألمانيا بشكلٍ شبه يوميٍ، حيث تُحرق المساجد، ويُعتدى على المسلمين خصوصا المحجبات منهم، ويتم شتمهم في المترو وفي الشارع أمام أطفالهم. ويكفينا هنا ذكر عدد مخيمات اللاجئين الذين تم الاعتداء والذي وصل إلى 1000 مخيم في سنة 2016م وحدها.

ومن سلوفاكيا، اعتبر الناشط عمار قاري أن نسبة الخوف من المسلمين ازدادت فعلاً منذ قدوم اللاجئين إلى أوروبا، ولكن هذه النسبة أعلى بين الحكومات منها بين الشعوب نفسها؛ فهناك منظمات ومؤسسات شعبية قامت ضد حكوماتها واستطاعت توفير القليل للاجئين. مع ذلك -يوضح قاري- فإن نسبة بسيطة من الشعوب تبنت مخاوف الحكومات، ولكن لم تقم بأي ردة فعل تذكر على الأرض ضد المسلمين المقيمين والعاملين في سلوفاكيا.

وقال قاري: إن خطاب “الإسلاموفوبيا” ظهر في الخطاب الرسمي السلوفاكي، كما تحس بذلك في الصحف والمجلات واللقاءات التلفزيونية أحياناً ولكنها ليست بالتحول الكبير؛ فسلوفاكيا لديها مشاكل أخرى أكبر وأكثر تعقيداً.

جرأة العنصريين

وقال شكيب بن مخلوف -الرئيس السابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا-: إن القارة العجوز تشهد تنامياً مستمراً لظاهرة “الإسلاموفوبيا” في العديد من دولها، حتى انتقلت العدوى إلى الدول التي كان يُضرب بها المثل في معاملتها الطيبة لمواطنيها المسلمين.

وأضاف بن مخلوف في تصريحات للمجتمع أن “الإسلاموفوبيا” ليست وليدة اليوم، بل هي موجودة منذ فترة لكن ملامحها في الأعوام الأخيرة تغيرت بعض الشيء بسبب جرأة العنصريين في التهجم على الإسلام والمسلمين.

وقال: إن البعض قد يظن أن ذلك سببه اللجوء الأخير للمسلمين، وقد يكون ذلك عاملا إضافياً، لكن السبب الحقيقي هو موقف بعض الأوروبيين من الإسلام كدين وتصنيفهم لهم كدينٍ غريب على الثقافة الأوروبية. وهناك أسباب أخرى لا تقل أهمية تتمثل في التصرفات الخاطئة لبعض المسلمين واستغلالها من قبل الإعلام وإلحاقها بالإسلام، وأسباب أخرى غير مباشرة كارتفاع نسبة البطالة والأزمات الاقتصادية في بعض الدول.

وقال إن ملامح “الإسلاموفوبيا” تظهر على المستوى الرسمي في سن مجموعة من القوانين التي تضر بالمسلمين كمنع الحجاب مثلاً، أما على المستوى الشعبي فقد سجلت كثير من الممارسات الخاطئة بحق المسلمين.

وقال حسام شاكر الخبير في الشؤون الأوروبية: إن موجات اللجوء التي عرفتها أوروبا خلال السنوات الثلاث الماضية كانت استثنائية من حيث العدد، وهو ما يشكّل المادة المناسبة لخطاب أقصى اليمين والتيارات المعادية للإسلام عموماً، حيث يتم تضخيم هذه المسألة بشكل كبير في وعي الجماهير وإيراد معلومات غير دقيقة ومجتزأة ومشوهة بهدف وصم اللاجئين بأحكام تعميمية جائرة.

وأضاف شاكر للمجتمع أن دخول عدد كبير من اللاجئين إلى أوروبا يمثل تحدياً ثقافياً ويقتضي بعض الوقت لكي يحدث نوعا من الاندماج والتواصل بين اللاجئين والمجتمعات الأوروبية. وخلال هذه المدة يتم إبراز أي ظاهرة وتأويلها بشكل ثقافي، مثل تركيز الأضواء على أخطاء اللاجئين وتضخيمها وتعميمها لتصوير اللاجئين على أنهم خطر على البلاد فيما يتمّ تجاوز الحالات الإيجابية.

موجات اللجوء ساعدت على تسخين التناول العام لقضايا المسلمين بشكل شكل نبرة ملحوظة أن “ثمة مشكلة في استيعاب المسلمين تحديداً” و”ثمة مشكلة في اندماج المسلمين”، كما لم يتم التعامل مع قضية اللجوء كقضية إنسانية بل كتهديد ثقافي وغزو ديني وعبء اقتصادي، فيما ازداد منحى الاعتداءات الجسدية واللفظية على المسلمين عموماً في أوروبا بشكل كبير.

وقال: إن الصور الانطباعية التي يستخدمها خطاب التطرف السياسي هي تضخيم فكرة اللاجئين المزيفين أو المهاجرين الاقتصاديين أي نزع المشروعية عن طلبات اللجوء عموماً وتجاهل حقيقة الظروف القاهرة التي جلبت هؤلاء من بلادهم إلى أوروبا.

في المقابل، هناك جهات أخرى تتحرك بدوافع أخلاقية ودستورية لتقديم صورة إنسانية لائقة باللاجئين، حسب شاكر.

Exit mobile version