فتاوى حول انتخابات المجالس النيابية

أجاب عنها فضيلة د. عجيل النشمي، رئيس رابطة علماء الشريعة بالخليج، والعميد الأسبق لكلية الشريعة بالكويت، وهي منشورة على الموقع الشخصي للشيخ على الإنترنت.

حكم شراء الأصوات

* ما الرأي فيمن يبذل أمواله في شراء الأصوات الانتخابية من أجل الوصول إلى المجلس النيابي؟ وما الحكم فيمن يبيع صوته؟ وما الحكم فيمن يقول لشخص: اعمل مفتاحاً لي ويعطيه مبلغاً كبيراً، أو يعطيه عن كل شخص يأتي بصوته مبلغاً معيناً؟ وما حكم من يأخذ المال على بيع صوته ولكنه لا يعطي المرشح صاحب المال لأنه يقول: إنه لا يزكيه وإنما أخذ المال لأنه محتاج وعليه ديون؟

– لا شك أن الصوت شهادة وتزكية وأمانة، والشهادة لها مكانة خاصة في الشريعة والقانون، فيجب وضع الشهادة في موضعها، ولكي يتجرد صاحب الشهادة من أي غرض فإنه لا يجوز شرعاً أن يأخذ المسلم أجراً على الشهادة، وإن كانت شهادة بحق، ويأثم لو كتم شهادة الحق والعدل التي يترتب عليها إنصاف لمظلوم، قال تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) (الطلاق:2)، وقال تعالى: (وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) (البقرة:283).

ولا يجوز للمسلم أو المسلمة أن يشهد إلا بحق، فلا يعطي صوته وشهادته إلا لمن يعرفه معرفة واضحة، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: «يا ابن عباس، لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس»، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده إلى الشمس (أخرجه الحاكم 4/98، وتكلم في أحد رواته البيهقي، ولكن معناه صحيح).

ومن يدلي بصوته لمن يعلم عدم كفاءته مع وجود الكفء فهذه شهادة زور؛ لأنها شهادة كذب ليوصل بها من لا يستحق إلى موضع ومقام خطير يتحكم فيه بمصير بلد، ويتحدث فيه نيابة عن كثيرين، بل إنه يمثل الأمة ولا يمثل نفسه، فإذا كان هذا الشاهد أو هذا الناخب قد أخذ مالاً لتوصيل هذا النائب، فإن هذه شهادة زور مركبة، جمعت بين الكذب والبهتان وأكل المال بالباطل، يأثم صاحبها إثماً عظيماً، وهي أشد عند الله تعالى من الشرك به ومن عقوق الوالدين، قال صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟»، قلنا: بلى يا رسول الله، قال: «ثلاثاً: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئاً – اهتماماً ولبيان خطورة الثالثة – فقال: ألا وقول الزور، وشهادة الزور»، فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت. (البخاري 10/405 ومسلم 1/91)، وإنما اهتم النبي صلى الله عليه وسلم وكرر التحذير من شهادة الزور لما يترتب عليها من إقرار الباطل ومحاربة الحق والعدل، وإحلال الظلم والبهتان مكانهما.

ولأن شهادة الزور فيمن يعطي صوته أو يبيع صوته بمال ينبئ عن نفس خبيثة وضمير مريض، فمن باع ضميره باع بعده كل شيء، فإنه لا يؤتمن على وظيفة ولا منصب، فهو على استعداد أن يبيع وطنه وأمته ودينه، وهذه صفة الخونة الجواسيس الذين باعوا وطنهم وأعراض وأموال أهليهم وعشيرتهم لعدو ظالم؛ ولذلك يستحق شرعاً أقصى العقوبات التعزيرية، ويفوض في هذه العقوبة القاضي، فقد يترتب على إعطائه صوته لخائن أو كذاب أو فاسق، أن يصل هذا إلى المنصب الخطير، فيرتكب الحماقات، ويمارس الابتزاز، ويجني من المنصب إلى جانب الوجاهة أضعاف ما دفع من مال، وذلك كله بسبب هذا الذي باع ضميره بحفنة من المال.

فلو رأى القاضي سجنه وضربه، والتشهير به بين الناس وإهانته بكل وسائل وأساليب الإهانة والحجر عليه، فكل ذلك قليل في أمره، ولا يقل خبثاً عمن باع ضميره من اشترى هذا الضمير فدفع له المال، بل إنه أشد خبثاً منه؛ لأنه المبادر المغري بالمال ضعاف النفوس، وهو مزور، إذ طلب شهادة الزور وبذل في سبيلها المال، وبالإضافة للزور فإنه راشٍ ومن باع ضميره مرتش؛ وعليه فقد جمع شراء الصوت وبيعه مجامع الخسائس، من الكذب والزور والتزوير والرشوة، وينبغي ألا يفلت البائع والمشتري من العقوبة، فيلزم عقوبة المشتري بأشد ممن باع، فكلاهما خائن يستحق عقوبة تعزيرية، بل إن ثبوت شراء الصوت يسقط عن المرشح منصب النيابة لو أنه فاز، فترفع عنه الحصانة النيابية، ليقدم إلى المحكمة؛ لأن ما بني على باطل فهو باطل؛ ولذلك اتفق الفقهاء على نقض الحكم القضائي إذا تبين أن الشهود قد شهدوا زوراً وكذباً، ويضمنون ما ترتب على شهادتهم من ضياع أموال أو غيرها.

وإذا ثبت قضاء أن النائب قد وصل المجلس بطريق شهادات الزور، ولو كان شاهد زور واحداً لا ينقص النصاب المطلوب للفوز، فإنه يجب إسقاط عضويته، نظراً لأصل العمل لا لنتيجته؛ كاختلاط الحلال بالحرام، فإن الحرام يغلب الحلال، ومن سرق مرة فهو سارق، ومن قتل مرة فهو قاتل، كما يجب ألا يُعطَى فرصة لترشيح نفسه ثانية من باب العقوبة والردع له ولغيره.

وإن وجود مصيبة شراء الأصوات مظهر غير حضاري، بل هو مظهر غش حضاري إن صح التعبير، فإن الوصول للمجالس النيابية تمثيلاً للأمة أسلوب مقبول حضاريّاً وإسلاميّاً لتوصيل الأكفاء، وثقة بالناخب أن يمارس هذا الحق في حرية وأمانة.

وأما من يكون مفتاحاً انتخابياً للمرشح فيعمل بمقابل أو بكل واحد يأتي به يأخذ مبلغاً من المال؛ فإن كان هذا المرشح ثقة وفي اعتقاد هذا الذي يعمل له أنه فعلاً ثقة وكفاءة وصالح وأمين ولا يدفع الرشى فيجوز أن يأخذ مقابل عمله، وأما من يأتي به بمعنى يقنعه بالمرشح دون أن يقول: إنه يأخذ مقابل ذلك مبلغاً من المال فيجوز، ولا يقول ذلك بعداً عن الشبهة.

وأما الذي يأخذ مقابل بيع صوته أو قل ضميره إن كان له ضمير فيأخذ المال ومع ذلك لا يعطي المرشح الذي أخذ المال منه فهذا جمع الخسائس كلها: بيع ضميره، وخلف الوعد مع المرشح، وأكل المال الحرام وبالباطل.

ونحمد الله أن شراء الأصوات ليس ظاهرة عامة، ولكنها مظهر فردي وفي نطاق ضيق، ولكن التشديد في محاربته واجب حتى لا يكبر وينتشر ويصبح – لا قدر الله – ظاهرة.

والمعنيون بمحاربته الدولة بأجهزتها المتعددة، والبرلمان مسؤول أيضاً أن يحمي نفسه وسمعته، فيقترح ويقر القوانين المجرّمة لهذا العمل، والمواطنون معنيون عناية خاصة في محاربة هذا الأمر، ببيان خطورته، وحجب الصوت عمن يتعاطى دفع المال، بل والتبليغ عنه ليتم التحقق، وإدانة من يثبت عليه شراء الصوت أو بيعه، وإن كان المرشح أعظم إثماً لأنه سببه، إلا أن الإثم على الآخذ عظيم أيضاً؛ لأنه المرتشي، وكذا كل وسيط بينهما، فكلهم ملعونون بنص حديث رسول الله.

أموال الحملة الانتخابية

* أحد أقربائي رشح نفسه لمجلس الأمة، وهو رجل متدين وعلى خلق، ولقد حدد لي مبلغاً من المال لي ولمن سأستعين بهم لحملته الانتخابية، والسؤال حول هذا المال هل هو حلال أم حرام؟

– يجب أن يكون هذا المرشح صالحاً في نفسه، مصلياً، صادقاً، ثقة، يصلح لما ترشح له، ويبدو أن هذه المواصفات موجودة فيه؛ لأن عملك أو خدمتك له شهادة، لأنك ستحث الناس على انتخابه ويرونك تسعى لإنجاحه، وحينئذ لا بأس بأن تأخذ مقابلاً مشروطاً أو غير مشروط، على أن يكون المبلغ في حدود المقبول عرفاً، ويكون مكافئاً للعمل غير مبالغ فيه.

وينبغي التأكيد على رفض أي مبلغ يدفع لك لتسلمه إلى غيرك مقابلاً لإعطاء الصوت، فإن إعطاء الصوت شهادة، لا يجوز أخذ المال عليها، كما أن الذمة غير قابلة للبيع والشراء، وهو خيانة أمانة.

فإذا خلا العمل الذي تقوم به من هذه المحاذير فلا شك في جوازه إن شاء الله تعالى.

تزكية النفس في الانتخابات

* هل يجوز للشخص أن يمدح نفسه أمام الناس ويذكر أخلاقاً وأوصافاً ليست فيه، وذلك لينتخبه الناس مثلاً؟

– لا يجوز للشخص أن يمدح نفسه، ولو كانت الأوصاف والأخلاق التي يذكرها فيه حقيقة، هذا هو الحكم العام وهو ما يشير إليه قوله تعالى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى {32}) (النجم)، وقوله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً {49}) (النساء)، والنبي صلى الله عليه وسلم أكد هذا المعنى فقال: «لا تزكوا أنفسكم، الله أعلم بأهل البر منكم» (مسلم 1668/3).

ولكن يستثنى من عدم جواز مدح وتزكية المسلم نفسه إذا كان فيه من الصفات والقدرات ما لا يوجد عند غيره، وخاصة إذا علم أن من سيتحمل مسؤولية أمر ما ليس أهلاً، ولا أميناً، وسيترتب على ذلك ضياع الحقوق؛ فإنه حينئذ ينبغي أن يتقدم ويزكي نفسه، ويتحمل المسؤولية لا لتحقيق مقاصد له بقدر ما هي مقاصد لحفظ الحقوق، وأداء الأمانات، ومن هذا قول يوسف عليه السلام لعزيز مصر: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ {55}) (يوسف).

الانتخابات الفرعية

* أريد الحكم الشرعي للتصويت لمرشحين مارسوا انتخابات فرعية وتم تصفيتهم منها، مع العلم أن هذه الانتخابات مجرمة في القانون الكويتي، فهل تصويتي لهؤلاء المرشحين يعتبر إثماً لمخالفته قوانين ولي الأمر؟

– الانتخابات الفرعية الأصل فيها الجواز، وبشرط أن يتم اختيار الأصلح أو الصالح في دينه وخلقه، وأن يكون كفاءة للعمل النيابي، وهذا غير ملاحظ في هذه الفرعيات، وإنما هناك مقاييس أخرى من مثل القبيلة والفخذ وأمور أخرى، وهي تؤدي إلى حرمان الكفاءات من الفوز، وكذلك قد تحرم من ليسوا من القبيلة من فوز مرشحهم وقد يكون هو الأكفأ.

وقبل هذا كله، فإن الحكم الشرعي مبني على إذن ولي الأمر، وما دام ولي الأمر قد جرم الفرعيات فلا يجوز حينئذ المشاركة فيها بالانتخاب ولا الترشيح عن طريقها.

نقل عنوان السكن

* ما حكم من ينقل عنوان سكنه صورياً للتصويت في دائرة أخرى لمرشح في الانتخابات نحسبه مصلحاً في المجتمع ونافعاً للناس؟

– ما دام النظام يمنع منه فلا يجوز.

Exit mobile version