هل نواجه أزمة في تعريف أهل السُّنة والجماعة؟

أثار مؤتمر الشيشان المنعقد قبل أيام لتحديد مفهوم أهل السُّنة والجماعة عاصفة من الانتقادات والمجادلات والاتهامات والأخذ والرد، في وقت كان أهل السُّنة والجماعة بحاجة إلى حد الضرورة القصوى لجمع كلمتهم وتوحيد صفهم أمام الهجمة الاستثنائية التي تستهدف وجودهم وهويتهم وأرضهم وتاريخهم.

لقد كان اختيار التوقيت غريباً جداً، وأغرب منه اختيار المكان، فالشيشان في ظل الحكم الروسي “البوتيني” ليست المكان المناسب لاجتماع علماء الأمة حتى لو كانوا يناقشون مسألة فرعية أو ثانوية، فكيف وهم يبحثون قضية العصر الكبرى التي تقف منها روسيا بالذات موقف العدو الأكبر، بعد تحالفها المعلن مع إيران وضلوعها المباشر في جرائم الإبادة التي يتعرّض لها أهلنا السوريون؟! وإذا كان المؤتمر قد استغشى ثوبه وسدّ أذنيه لكي لا يرى ولا يسمع صرخات الملايين من الجرحى والمعذّبين والمشرّدين في طول الهلال الخصيب وعرضه وكلهم من أهل السُّنة والجماعة، فما ذاك الموضوع الملح الذي تدعو الحاجة لمناقشته في مثل هذه الظروف؟

إن أهل السُّنة والجماعة ليسوا بحاجة اليوم إلى من يعيد تعريفهم، واستخدام مشرطة التشريح لتشذيب الجسد السُّني ووضعه بما يناسب القوالب المصنوعة وفق هذه النظرية أو تلك هو عدوان على أهل السُّنة والجماعة أنفسهم، وتجاوز للمنهجية العلمية التي ينبغي الالتزام بها في كل مبحث من مباحث العلوم والأفكار، فضلاً عن مثل هذا الموضوع الكبير والخطير.

إن أهل السُّنة والجماعة هم الأمة بكل امتداداتها الزمانية والمكانية، وبكل تنوعاتها الاجتهادية والفكرية والتربوية، وبكل شرائحها المجتمعية وتكتلاتها السياسية، إنها ليست مذهباً ولا حزباً ولا قبيلة ولا قومية، ولا صيغة تنظيمية، بل كل ذلك داخل في مسمّاها ومستوعب في مظلتها، فيها المصيب والمخطئ، وفيها المقتصد والظالم لنفسه والسابق بالخيرات.

إنها الأمة التي تجتمع على ثوابت الإسلام ومصادره الأساس (القرآن والسُّنة) وتشعر بالانتماء والاعتزاز بتاريخها وفتوحاتها وأمجادها، وتعظّم رموزها وقادتها وفي مقدمتهم الخلفاء الراشدون وأهل بيت النبوّة وعامة المهاجرين والأنصار، ولا يخرج عن هذا إلا من أنكر معلوماً ضرورياً وقطعياً من الدين، أو ناصب الأمة العداء وتبرّأ من تاريخها وقادتها الأوائل الذين أسهموا في تكوينها وتعليمها ونقل الدين إليها، فذاك خارج من الملة (الدين)، وهذا خارج من الأمة، وهذا هو القول العدل الذي لا يُغض عنه لتحيّز أو تعصّب ولا يُدفع إليه لبغض أو شنآن (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) (المائدة:8).

فمن لم يخرج من الملة، ولا من الأمة، فهو داخل في مفهوم أهل السُّنة والجماعة، إذ السُّنة هي الإسلام “عليكم بسُنّتي”؛ أي: عليكم بديني ومنهجي، ومن ظن أن مفهوم السُّنة غير مفهوم الإسلام فقد أخطأ، والجماعة هي الأمة؛ “عليكم بالجماعة”؛ أي بوحدة الأمة، ومن ظن أن مفهوم الجماعة هنا غير مفهوم الأمة فقد وهم، وهذا هو المستند الشرعي الدقيق لمصطلح “السُّنة والجماعة”، فمن دخل في مفهوم هذين الحديثين فهو من أهل السُّنة والجماعة مهما كان اجتهاده وسلوكه وموقفه، فقد تعددت اجتهادات الصحابة وتفسيراتهم واختلفت مواقفهم وهم تاج الأمة وقدوتها بعد نبيها عليه الصلاة والسلام.

المصدر: موقع “الأمة”.

Exit mobile version