المودة والرحمة.. قناعة دينية ومعرفة عقلية

قناعة دينية: “وجعل بينكم مودة ورحمة”.

معرفة عقلية:

يجب على المسلم أن يقرأ ويتعلم؛ حتى تتكون لديه المعرفة بدءاً من معنى المودة والرحمة حتى الكيفية التي تناسبه وزوجه من معايشة هذه المعاني السامية في العلاقات الزوجية.

منظومة شاملة ومتكاملة من العلاقات الزوجية: فهي شاملة لكل ما يجمع الزوجين من علاقات؛ مثل:

1- المحبة في الله، وأن يجمعهما هذا الحب السامي في الله، فيكون هو معيار وبوصلة توجيه لكل حياتهما، وأن مرجعيتهما هي شريعة الله.

2- تواصل وجداني وتدفق عاطفي؛ بحيث يستشعر كل منهما بتكامله مع زوجه، وبأن مشاعره تعكس أحاسيس زوجه، فمن نبرة صوته عبر الهاتف أو من نظرة في عينه أو لمسة من أنامله أو حتى عبر المسافات الشاسعة يدرك حالته النفسية؛ فيعايشه فرحه وترحه، فهو من تأنس النفس بقربه وتختلج المشاعر طرباً لسماع صوته، مهما طالت العشرة الزوجية فهي تنمي الارتباط الوجداني وتبدع في التعبير عن هذا الشوق لزوجي الحبيب.

3- علاقة حميمية: هي تطور طبيعي للتعبير عن الشوق العاطفي، وهي ثمرة طيبة للتفاعل الوجداني، وتعبير صادق للشوق في الذوبان في حبيبي وتحقيق فعلي لمعنى الزوجية، إذن العلاقة الحميمية ليست واجبات وحقوق نؤديها، وليست عملية فسيولوجية – وظيفة حيوية – مثل الأكل، بل هي التعبير الطبيعي للتوافق الوجداني في أسمى وأرقى معانيه، فتتلقى الزوجة زوجها بعد أن تفتحت قنواتها العقلية والعاطفية فآن له أن يشرف خلال قنوات جسدها معبراً لها كيف يكون الحب تعبيراً والشوق ممارسة والتواصل جسداً فيعزفان معاً سيمفونية استمرار الحياة وتواصل الأجيال، فيحمدان الله، ويدعو كل منهما للآخر على بذله وإبداعه لإسعاد زوجه.

4- رسالة حياة: من العلاقات الزوجية المهمة والمؤثرة في مفهوم المودة والرحمة أن يكون لهذه الكينونة الاجتماعية – التي تكونت بشرع الله – دور إيجابي مؤثر في المجتمع والدولة والأمة، وأن يحدد الزوجان ما القيمة المضافة التي يعملان على تحقيقها خدمة لدين الله، ولتطوير المجتمع والدولة والأمة؛ حيث إن وجود غاية سامية ورؤية ملهمة ورسالة محددة المعالم ينشغل بها الزوجان للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعكس مدى قدراتهما وطاقاتهما تجعل النفس تترفع عن دنايا الأمور، وتجعل الهم الوحيد هو مرضاة الله؛ فتتلاشى بفضل الله مشكلات تافهة تعصف للأسف بالبيوت اللاهية المهتمة فقط ببناء المستقبل المادي، دون أن يعيها من أمر الأمة غير ارتفاع الأسعار ومشكلات الحياة والضجر.. إلخ.

5- علاقة الصداقة: حرص الزوجين على بناء قناة صداقة بينهما يوفر لهما فرصة لتقييم أنفسهما، وكيف يرى كل منهما علاقتهما ببعضهما، فيجب أن يكون هناك لقاء أسبوعي لتقييم أداء كل منهما، ليس لبيان من المخطئ، وليس لسرد الأخطاء التي حدثت، ولكن للتعرف على: هل كان هناك تصرف أولى مما كان فنتبعه مستقبلاً؟

إن مناقشة الأحداث والأسباب التي أدت إليها وكيفية معالجتها وكيفية تجنبها مستقبلاً، وتحديد الدروس المستفادة من منطلق ضمير الجمع وليس أنا وأنت، وإدراك أن العفو هو الأساس في جلسة الصداقة، وليس لحساب الخطأ والصحة، وأخذ المواقف والتأنيب تلميحاً أو تصريحاً هو الذي يجعل قيمة طيبة لهذه الجلسة في باقي العلاقات الزوجية، بحيث تأمن الزوجة فتشتكي لزوجها الصديق – خلال هذه الجلسة – من زوجها أنه لم يراعِ اضطراب مشاعرها خلال فترة الدورة الشهرية، وانفعل بشدة لاعتذارها عن القيام ببعض المهام مثلاً، رغم أن الله عفا عن صلاتها وصيامها؛ فسيرضيها بكلمة طيبة.

6- التعبير بالاهتمام: إن التعبير باهتمام الزوج بزوجه بالأسلوب المناسب للموقف والكيفية التي ترضيه وتشعره أنه محل الاهتمام البالغ من زوجه، يعتبر من القنوات المهمة بل والرئيسة في منظومة العلاقات الزوجية، خاصة أننا جبلنا على الميل إلى من يهتم بنا والعزوف عمن يتجاهلنا، ولا حصر للكيفية وأدوات التعبير بالاهتمام ولكن – وهو الأهم – أن يتوافق ذلك مع ما يرضي زوجي، وأن يكون متاحاً لي حتى ولو ببذل الجهد، فأنا مأجور بفضل الله لمرضاة زوجي وإسعاده فيما يرضي الله.

من الخطأ انشغال الزوج عن الاستماع لحديث زوجه لتفاهته أو أن هناك ما هو أهم أو أمراً لا يعنيه أو غيرها من أسباب عزوف الزوج عن التواصل؛ ومن ثم نشتكي بما اصطلح عليه بـ”الصمت الزواجي”.

إن مسؤولية كل زوج أن يوصل لزوجه قناعة راسخة أنها محل اهتمامه الأول – وأؤكد الأول – في كل مشاغل الحياة الدنيا، ولا يمكن تبرير أي تقصير في الاهتمام بالزوج حتى بالدعوة.

طبعاً؛ إن حب الله ورسوله والجهاد في سبيله أحب إلينا من أنفسنا وأزواجنا، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أعبد واتقى العباد، استأذن زوجه أمنا عائشة رضوان الله تعالى عليها – معبراً عن اهتمامه بها – بأن يناجي ربه عز وجل.

7- علاقة تنمية الزوج: إن المودة والرحمة تتطلب أن يكون للزوج دور مؤثر في زوجه، فمن خلال علاقة التأثير هذه يحرص على أن يكون جسراً لزوجه إلى الفردوس الأعلى، متذكراً قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: “لأن يهدي بك الله رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس”، و”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله”، وأن يكون المعيار المتفق عليه هل هذا التصرف سيكتب حسنة بفضل الله أم نعوذ بالله سيكتب سيئة؟

تخيل أيها الأخ الحبيب والأخت الفاضلة أنني عندما أسمع من زوجي أي حديث يكون هدفه هو قربي أكثر من الله ورضاه سبحانه عني، وليس الهدف من حديث زوجي التقليل من شأني أو مصلحة خاصة يريدها أثرة لنفسه.

هناك العديد من العلاقات الزوجية التي يمكن للزوجين ممارستها بل والإبداع في علاقات تعكس خصوصياتهما، ولكن لضيق المقام أود أن أؤكد ما يلي:

– أن العلاقات الزوجية تتكامل؛ بمعنى أن تفعيل أي علاقة يعود بالإيجاب على كل العلاقات، وأيضاً إهمال أي علاقة يؤثر سلباً على باقي العلاقات.

– أن نجاح الزوجين في بناء هذه المنظومة من العلاقات الزوجية يبدأ بنفسي بذاتي نعم، ومن الخطأ التعلل بأخطاء الطرف الآخر.

فعليَّ أن أبدأ، فهي مسؤوليتي أمام الله، وقد وعد أنه سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ومن مسؤوليتي تجاه زوجي توليد الدوافع لديه حتى يشاركني حلمي بزواج تعمه المودة والرحمة.

والدوافع لذلك عديدة، منها القناعات الدينية والوجدانية والمنطقية والمنفعية والشخصي.

Exit mobile version