مسلمو أوربا والإسلاموفوبيا.. ما حكَّ جلدك مثل ظفرك

الإسلاموفوبيا خطر جديد يضاف إلى المخاطر الأخرى التي تهدد مسلمي اوروبا، ويجب علينا لا ننتظر المهدي لينقذنا منها، ولا نسلي أنفسنا بمعجزة الهية تحسن من حال مسلمي اوروبا، ولا نعول الشيء الكثير على الدول الاسلامية الغارقة في مشاكلها، كما لا ننتظر نزول عيسى ليصحح مسار البشرية وينشر المحبة. الكرة في ملعب مسلمي اوروبا لماذا؟ وكيف؟

يتعرض مسلمو أوروبا الى مخاطر جمة تهدد هويتهم وعقيدتهم الدينية منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي.

أما على المستوى الداخلي فنجد الجهل بالدين، والفرقة مع غياب المرجعية الواحدة، والتميع الديني والأخلاقي من جهة أو التطرف والتشدد من جهة أخرى، ثم الانعزال عن المجتمع أو الذوبان فيه بطريقة غير سليمة، واخيرا ليس آخرا التفكك الأسري على قلته لكنه أصبح يشكل هاجسا ….

وعلى المستوى الخارجي فقد تحولت الاسلاموفوبيا في اوروبا إلى ظاهرة بعد أن كانت عارضا لتصبح شيئا مشتركا بين العديد من الدول الأوروبية حتى التي كان يضرب بها المثل في التسامح كهولندا والسويد وسويسرا..

 ولقد تسارعت الأحداث بوتيرة غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة لتشكل هاجسا لدى مسلمي اوروبا حيث اصبح النيل من الإسلام والمسلمين شيئا معتادا في الأوساط الأوروبية وتطورت حدته لتكسر كل الحواجز والخطوط الحمراء التي توافقت عليها المجتمعات الأوروبية في التعامل مع التعددية الدينية والثقافية.

استثناء المسلمين من التعددية الأوربية

أوروبا اليوم تشهد تحولا كبيرا في التعاطي مع الشأن الإسلامي وأصبحت تضيق ذرعا بهذا الوجود في شوارعها ومدارسها وبعض مؤسساتها، حيث منع الحجاب في فرنسا ورفع الماذن في سويسرا، في حين ان التضييق على المؤسسات الاسلامية على قدم وساق في بعض الدول لاصدار قرارات من شانها ان تضيق الخناق عليها. بينما شرعت دول أخرى بطرح فكرة تعارض القيم الإسلامية مع القيم المجتمعية الاوروبية وبالتالي تحويل الإسلام والمسلمين إلى عنصر غريب لا يمت إلى المجتمعات الأوروبية بصلة.

خلاصة القول إن أوروبا بصدد التراجع عن الشعار الذي شكل أرضية للوحدة الاوروبية والمتمثل في التعددية الدينية والثقافية والسياسية. وإن المتتبع للشأن الأوروبي يلاحظ بوادر إبعاد الإسلام والمسلمين عن هذه التعددية بأشكال مختلفة مما ينذر بخطر يحدق بهم في أوروبا.

ولقد لعب للأسف بعض من الاعلام الأوروبي دورا مشبوها في ذلك بسبب قلة نزاهته في نقل الأخبار ذات العلاقة بالشأن الإسلامي، واتبع عملية تهيبج الناس واللعب على وتر المشاعر لتجريم المسلمين بسبب اجرام فئة منهم ضلت الطريق.

إن الملف الإسلامي اصبح حاضرا وبشكل كبير على الأجندة السياسية لأحزاب اليمين المتطرف والتي أصبحت رقما لا يستهان به في عالم السياسة في اوروبا، فبعد أن كانت مرفوضة من قبل التيارات الأخرى يمتنع معظمهم الجلوس معهم على نفس الطاولة؛ فانها بصدد التحول الى شريك سياسي يطلبون وده ويبحثون معه على قواسم مشتركة لتشكيل التحالفات بعدما فشلت الأحزاب التقليدية في خصم الانتخابات لأحد أطرافها.

ان أغلبية المسلمين يعيشون كاقليات في دول غير إسلامية، وكل هذا يحدث والعالم الإسلامي منشغل بهمومه وجراحاته، وكان الأولى بمنظمة التعاون الإسلامي أن يكون لها حضور أفضل في اادفاع عن قضاياهم. للأسف لو أسيء إلى مواطن في دولة إسلامية بسبب رفضه للإسلام فإن مؤسسات عالمية رسمية وشعبية تتحرك لنصرته بينما نرى إساءة جماعية للمسلمين مع غياب ردة الفعل من المؤسسات الإسلامية الرسمية، اللهم ما نراه من تحركات الدولة التركية وعلى رأسها الرئيس الطيب السيد رجب أردوغان في طرح هذا الملف أوروبيا لكن النتائج محدودة.

ومما يزيد الطين بلة تعامل بعض الدول العربية مع مواطنيها وجرأتهم في انتهاك حرمة شعوبهم والذي للاسف شجع بعض الدول الأوروبية على التصعيد الذي نراه اليوم مع مسلميها، كما ان عداء بعض الدول الإسلامية وتآمرها على الإسلام السياسي أدى بها إلى الزج ببعض المؤسسات الاسلامية في اوربا في هذا الصراع محاولة منها الضغط على اوروبا وشراء ذمم بعض دولها لتجريم هذه المؤسسات.

لا أريد أن أكون متشائما في هذه الرسالة لكنني أنبه المسلمين إلى خطر يهددهم، خاصة أننا نعيش في قارة شهدت خلال القرن الماضي أحداث عنصرية يندى لها الجبين.

وفي مثل هذه الأوضاع فإن مسلمي اوروبا أفراد ومؤسسات مطالبون بالدفاع عن وجودهم للحفاظ على هويتهم وللحصول على كل حقوق المواطنة مساواة بغيرهم.

ضرورة الوحدة

ولمواجهة الاسلاموفوبيا فان وحدة مسلمي اوروبا أصبحت ضرورة لا مناص منها، وذلك من خلال تشكيل هيئة تضم المؤسسات العاملة في الساحة الأوروبية، ولا أعني المؤسسات الإسلامية بل باقي المؤسسات الأخرى ذات البعد الثقافي والعرقي كخطوة أولى لأن الضرر لن يقتصر على رواد المساجد بل يطال الجميع.

كما يجب أن تأخذ هذه الوحدة البعد الأوروبي في التعامل مع هذا الملف مع ضمان الانفتاح على كل الهيئات والمؤسسات المجتمعية الأوروبية الرافضة للإسلاموفوبيا، وبالتالي تحويل هذا الملف إلى ملف وطني وأوروبي في آن واحد، يتم التركيز فيه على مطالبة الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني بضرورة تبني مواقف واضحة بهذا الشأن والوقوف صفا واحدا أمام هذه الظاهرة التي تهدد النسيج المجتمع الأوروبي.

أما مسلمو أوروبا فلو تبرع مليون منهم بعشرة يورهات شهريا لكان في صندوق هذه المؤسسة شهريا 10 مليون يورو وهي كفيلة بتغطية مصاريف هذه الهيئة وفروعها في أكثر الدول تضررا من الاسلاموفوبيا.

ما حك جلدك مثل ظفرك، لا ننتظر المهدي لينقذنا في اوروبا من الاسلاموفوبيا ولا نسلي أنفسنا بمعجزة الهية تحسن من حال مسلمي اوروبا، ولا نتوقع الشيء الكثير من الدول الاسلامية الغارقة في مشاكلها، ولا ننتظر نزول عيسى ليصحح مسار البشرية وينشر المحبة.

الكرة في ملعب مسلمي اوروبا، ولن يتحسن حالنا إلا من خلال مبادرات جادة وهادفة وصادقة تنقذنا مما نحن فيه.

يجب علينا جميعا أفراد ومؤسسات أن نتحمل مسؤوليتنا التاريخية، وإلا فلا نلوم إلا أنفسنا.

* الرئيس السابق لاتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، والمقال مأخوذ من صفحته على الفيسبوك.

Exit mobile version