مجتمعات ما بعد الشذوذ الجنسي

وبعد فهذه تأملات لما قد تكون عليه بعض المجتمعات الإنسانية بعد أن صار الشذوذ الجنسي بداخلها كأمر طبيعي لا غبار عليه وإعطائه مصطلحاً فضفاضاً باسم “المثلية” لكي تتطور الأمور وتصبح هذه العلاقة “زواجاً” تعترف به الدول والهيئات، وتقام الحفلات الجماعية لهذا الزواج والترويج له عبر وسائل الإعلام المختلفة بشكل لافت للنظر، والتأكيد على شرعنة المسألة ومن باب حقوق الإنسان!

إن الأساس الطبيعي للمجتمعات الإنسانية هو التكامل بين الرجل والمرأة نفسياً وجسدياً، ثم ما يتبع ذلك من تكوين العائلة التي هي نواة المجتمع الإنساني، وهذا ما أجمعت عليه الأديان السماوية وكل الدعوات الأخلاقية، فقد جاء في القرآن الكريم: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {21}) (الروم).

فأصل الزواج ومفهومه هو التكامل بين الرجل والمرأة وعدا هذا فلا يمكن اعتباره زواجاً، وهي استعارة جوفاء لا معنى لها.

وجاء في الإنجيل: “منذ بدأ الخليقة جعل الله الإنسان ذكراً وأنثى، لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويتحد بزوجته، فيصير الاثنان جسداً واحداً، فلا يكونان بعد اثنين بل جسداً واحداً” (7 – 9، 10 مرقص).

وأما التوراة فقد كانت المسألة فيها حدية وصريحة أكثر بقولها: “لا يقارب إنسان جسد من هو من لحمه ليعاشره” (7، 8 اللاويين)، و”لا تضاجع ذكراً مضاجعة امرأة إنها رجاسة” (23، 18 اللاويين).

إن مسألة خلط المفاهيم في هذه المسألة الأخلاقية والتي وقفت كل الأديان ضدها واضحة جداً، حيث بدأ يختفي مصطلح الشذوذ الجنسي أمام مصطلح المثلية الجنسية لتتطور الأمور بشكل لافت للنظر إلى الزواج المثلي فصرنا أمام مفاهيم مبهمة يحاولون إدخالها قسراً إلى قاموس الحياة الإنسانية الطبيعية.

ومصطلح المثلية إن أردنا وضعه بإطار علمي وواقعي فإنه لا يعني إلا ميل الإنسان سواءً أكان رجلاً أو امرأة ولأسباب بيولوجية أو جينية أو نفسية للتصرف بخلاف طبيعة جنسه وهم ما يطلق عليهم بالمخنثين إن كانوا رجالاً وبالمسترجلات إن كن إناثاً، حيث يمكن معالجتهم وإعادة تأهيلهم في مراكز خاصة كالمخصصة للمدمنين على المخدرات.

أما مصطلح الشذوذ الجنسي فهو لا يعني إلا ممارسة الجنس خلافاً للنواميس الطبيعية، حتى تصل المسألة لاستغلال الأطفال والقاصرين بأبشع ما يتصوره العقل، وقد أدانتها الكتب السماوية وخصوصاً القرآن الكريم؛ (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ {80} إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ {81}‏) (الأعراف).

ففي زمن لوط عليه السلام وهو حدود القرن التاسع عشر قبل الميلاد، كان الأمر قد خرج عن حده، فمارس قوم لوط المسألة بشكل يشابه الزواج مما حدا به عليه السلام لأن يعرض بناته للزواج كما هو معروف في سياق القرآن، وقد يقول البعض: إن مسألة الشذوذ محسومة تاريخياً وفي كل المجتمعات، فلماذا نهرب منها؟ وهذا الطرح تمويهي، ففي كل المجتمعات برزت ظواهر عديدة دمرت تلك المجتمعات بالكامل كالبغاء والإدمان على المخدرات والمسكرات وشيوع الرشى والسرقات، وهي مسائل لا يمكن تصنيفها إلا تحت مظلة الشذوذ والفساد التي تنمو في المجتمعات وتعمل على تدميرها من الداخل.

إن التطبيل والدعاية للشذوذ الجنسي تحت مظلة المثلية الجنسية قد تجاوز كل الأعراف، فعندما تفوز شخصية بمنصب رفيع وخصوصاً في الدول الغربية كرئيس وزراء أو وزير أو رئيس هيئة فأول ما يشار لمعالم سيرته الشخصية في الأعلام بأنه أو أنها من المثليين جنسياً، وإنه متزوج من صديقه القديم.

إن ما تشير عليه هذه الممارسات لا يعني إلا تدمير النواميس الطبيعية لمفهوم العائلة الإنساني كما أودعها الله في خلقه والتي لا تنطبق عليها حتى النواميس الحيوانية أو ما دونها، فالمجتمع الإنساني يجب أن يكون مجتمعاً راقياً بأخلاقه وخلقه لا بنوعية السيارات والطائرات ووسائل الاتصالات التي يستخدمها، لأن الإنسان أرقى مخلوقات الله.

لقد حاولت معظم الفلسفات والحركات الوضعية المشبوهة تدمير نواة المجتمع الصلبة وهي العائلة، حتى إن لينين مؤسس وفيلسوف أول دولة شيوعية في التاريخ لم يتردد بقوله: إنه يجب تدمير العائلة لأنها نواة المجتمع البرجوازي!

إن المسار الذي تسير عليه المجتمعات الغربية هو مسار كارثي بكل ما تعنيه الكلمة فنسبة المواليد في كثير منها أقل من نسبة الوفيات، وهذه بعض إفرازات هذه الظاهرة وغيرها من العلاقات الجسدية التي تجاوزت العلاقات الزوجية.

وإلا فما معنى لعائلة تتكون من رجلين أو من امرأتين، حيث صار الإقرار بوجود عائلة من أمٍّ فقط مسألة بديهية، وفيها تخلف المرأة من علاقة محرمة وينشأ الطفل ولا يعرف شيئاً عن معنى الأبوة! هذا إذا بقي في كنف أمه والتي تنقله معها حتى عند إشباع رغباتها الجنسية مع أصدقائها من مكان لآخر.

ومن يدري ماذا سيظهر غداً من مصطلحات تحت غطاء الزواج، فقد يتزوج ثلاثة أو أربعة سوية، فالمسألة مباحة طالما تمت تحت غطاء حقوق الإنسان، حيث سيظهر الزواج المثلي الثلاثي والرباعي.. وإلخ!

إن مجتمعات ما بعد الشذوذ جنسي هي مجتمعات تلوح بالأفق فلا أخ ولا أخت إلا بالتبني، وليس هناك أقارب من أعمام أو أخوال وأولادهم، وانتشرت “بنوك” التبرع بالسائل المنوي والبويضات الأنثوية، وحسب الطلب.

فتحولت المفاهيم الإنسانية إلى مفاهيم ميكانيكية لا حياة فيها!

والسؤال لماذا؟ والجواب ليس معقداً طالما ابتعد الإنسان عن النهج الرباني، وكانت هناك قوى تسعى لتدميره والسيطرة عليه وتحويله لآلات صماء تندفع في حروب طائشة يقتل فيها الملايين وتنمو فيه التعصبية، فتنشأ هذه المجتمعات وإن شرعنة الشذوذ الجنسي واحدة من أهم الطرق لذلك، بعد أن صار زواجاً ليختفي بريق هذه الكلمة الإنسانية تحت ظلام الشهوة المنحرفة.

إن ما تنتظره البشرية اجتماعياً قد يكون أسوأ مما تنتظره من حروب طاحنة ومشكلات بيئية أو نقص بالموارد المتاحة لإطعام البشر وهذا ما لا نتمناه لأحد، ولكنه أمر مخيف بدت ملامحه تظهر في الأفق وبشكل تسارعي في أيامنا هذه، والذين يحاولون وضعه في إطار الحداثة والتغير الحتمي للمجتمعات إنما سيسحبون الإنسانية إلى مستنقعات آسنة من أمراض نفسية وجسدية، وارتفاع نسب الانتحار والجرائم بشكل لم تشهده البشرية سابقاً وخصوصاً المجتمعات الغربية.

Exit mobile version