الطفل.. ومدرسة الصيام

شهر رمضان من المواسم التي تزيد فيها الطاعات، وأعمال البر والخيرات، والبعد عن المنكرات، فهو شهر فضله الله تعالى على سائر الشهور، وأعلى قدره على مر العصور.

الصوم مدرسة عامرة بالتدريبات المكثَّفة لصيانة النفس وضبط الذات وحماية المجتمعات ورفدها، يؤدي الصيام الصحيح إلى انبثاق روح تجديدية تصحيحية تعيد هيكلة حياة المسلم لمواصلة مسيرة عمارة الأرض وتطبيق مكارم الأخلاق بفكر رشيد، وعمل سديد.

الصيام مدرسة عظيمة يتعلم منها الأطفال مثلما ينهل من ينابيعها الكبار.

التجارب الثرية أعظم وسيلة للتربية ولا بد للأسرة من اغتنام الفرص الثمينة لتنمية وتهذيب جميع أفراد الأسرة على بصيرة. تحتاج الأسرة إلى تجديد تجاربها ومعارفها ومهاراتها لتحقيق الاستثمار الأمثل من هذا الشهر الفضيل الحافل بالحوافز والفرص الغالية المعينة على تنشئة الصغار والكبار تنشئة صالحة نظرياً وعملياً.

إن دور الأسرة في استقبال شهر رمضان وفق منهجية تربوية واضحة ورؤية واسعة تعين الآباء والأمهات على تكوين ثقافة ضرورية لمواكبة شهر رمضان، وهو أكبر مدرسة لتحرير النفس وتنمية الملكات والطاقات إذا أحسنا استثماره.

أيام رمضان مصابيح نبصر بها قوتنا الروحية، ومن خلال الصيام يتعلم الطفل القوة البدنية ورياضة النفوس ويأخذ جرعات تشعره بمعية الله تعالى.

في شهر رمضان الكريم يتعلم أولادنا الصغار بالمعاينة والتدريج، والقدوة الصالحة، يدفعنا المناخ الرمضاني إلى زيادة العناية بجوانب العلم والفكر والصحة لبناء شخصية أطفالنا حتى تزدهر بهم الحياة.

تحتاج الأسرة إلى مراعاة واقع الطفل ومستواه الثقافي وتحري الفرص المناسبة لإحكام التربية المعرفية والعاطفية والسلوكية، وضمان حسن التواصل مع الأبناء.

وقد يواجه أولياء الأمور بعض العقبات عند توجيه الأولاد الصغار إلى الصيام خاصة إذا أصر الطفل على الصيام وهو غير مقتدر؛ لذا علينا الثناء أولاً على مبادرته ثم ننظر إلى حال الطفل وسنه وطاقته وعليه نقنعه بصيام القدر الذي يطيقه.

ويتعين على الوالدين عدم التمييز والمقارنة بين الأولاد، ونبين لهم أن شهر الصيام هو شهر الرحمة والأناة والشفقة يصومه القادر عليه فقط.

ومن العقبات اقتران الكلمات السلبية بالصيام خاصة عندما يقول الكبار للطفل: «لا تزعجني أنا صائم وراسي يوجعني»، علينا أن نجعل الطفل يشعر ببركة رمضان من خلال تسابقنا نحو الخير وتكافلنا مع المحتاجين وتآلفنا الأسري وتسامحنا في تحسين علاقاتنا الاجتماعية.

لنجعل شعار شهر رمضان الفضيل “يقظة إيمانية، وأنوار روحانية، وانتفاضة فكرية، وصحة بدنية، وبركة قرآنية، وعافية مجتمعية”.

علينا جميعا تحقيق الأمن النفسي والمجتمعي لننعم بحياة مطمئنة، وندرب أنفسنا وأطفالنا على العبارات المهذبة وهجر كل قول وفعل بذيء.

إذا لم يستشعر الطفل آلام الفقراء فإنه لم يفهم أسرار هذا الشهر الفضيل.

 

المصدر: جريدة “القبس” الكويتية.

Exit mobile version