مجتمع المعرفة.. ماذا ولماذا وكيف في عشر كلمات

المعرفة منذ فجر التاريخ الإنساني هي إحدى أهم ركائز القوة البشرية بما تمنحه للإنسان من مفاتيح لاستثمار موارد الكون من حوله، وتحسن مستوى جودة علاقته واستثماره لكل من حوله من الكائنات وأولهم الإنسان نفسه.

يكفينا أن نذكر هنا أن المنتجات والخدمات المعرفية تمثل 80% من الناتج الداخلي العالمي، كما أن مجتمع المعرفة هو الأساس في التحول إلى اقتصاد المعرفة والذي يستند إلى ثلة من العقول البشرية التي تنتج المعرفة فتستثمر في إنتاج العدد من المنتجات لتباع بأغلى وأثمن من أي شيء في الوجود، وهو الذي تحول بإسبانيا شبه معدومة الموارد إلى تاسع اقتصاد عالمي، والذي دعا رئيس وزرائها السابق «خوسيه ماريا أزنار» (1996 – 2000م) ليفتخر قائلاً: «إننا تاسع اقتصاد في العالم بما نمتلكه من العقول الإسبانية المتميزة في إنتاج المعرفة».

ومع تطور العلوم والمعارف أصبحت المعرفة الركيزة الأساسية لقوة المجتمع والدولة، قوته الناعمة والصلبة على السواء، ومن ثم أصبحت المعرفة هي التي تحدد قيمة وقوة ومكانة المجتمع والدولة بين الأمم؛ حيث إن المعرفة هي التي تمنح الإنسان التكنولوجيا التي تبدأ معها سلسلة ومنظومة القوة البشرية من قوة التكنولوجيا إلى قوة الإنتاج والاقتصاد، فقوة العلاقات، فقوة السلاح، فقوة السياسية.. إذن المعرفة هي التي جعلت من الولايات المتحدة الأمريكية على قمة الهرم العالمي، وجعلت من ليبيريا وتشاد وزامبيا من أفقر دول العالم، وجعلت من سنغافورة التي كانت من أفقر دول العالم تصعد بقوة المعرفة والتكنولوجيا لتصل إلى المركز الرابع عالمياً، متفوقة بذلك على سويسرا التي احتلت المركز السادس، وفقاً لتقرير مقياس «جلوبالفاينس»، الولايات المتحدة الأمريكية عام 2010م.

ولذلك سمي القرن العشرون قرن وعالم المعرفة، بينما أطلق العلماء على القرن الحادي والعشرين قرن حكمة المعرفة، والتي تقتضى امتلاك أحدث المعارف في التخصص بتركيز شديد، والحصول عليها عبر منهاج ووسائل تلتزم بالمعايير الدولية علمياً وقانونياً، وتحسن استخدامها لتحقيق أفضل إنجازات ممكنة، بما يؤكد أن حكمة المعرفة بمعايير عالمية للمحتوى والوسيلة والإدارة والاستثمار الأمثل للمعرفة.

ولذلك ظهر مصطلح ومضمون مجتمع المعرفة ليفرض نفسه على مجتمعات العالم الحديث، والتي تتنافس فيما بينها لتطبيقه، لتضمن لنفسها البقاء في عصر يتقادم فيه من لا يتقدم، كما أنه يصبح مهدداً بالفناء.

مجتمع المعرفة

هو المجتمع الذي تتوافر فيه عدة شروط وبمعايير دولية:

أولاً: يحسن التواصل مع المعرفة العالمية وفهمها واستيعابها كمنتج للمعرفة.

ثانياً: نقل هذه المعرفة إلى كوادره ومؤسساته العلمية والعملية.

ثالثاً: إنتاج معرفة جديدة من واقع بحوثه ودراساته الخاصة، من خلال حسن استثماره للمعارف العالمية المتاحة في إعادة إنتاج معرفة إضافية جديدة من خلال ابتكاره وإنتاجه الخاص.

رابعاً: حسن استثمارها في إنتاج تطبيقات عملية متعددة ومتنوعة في كافة مجالات الحياة، خاصة الإنتاجية وليست الاستهلاكية فقط.

خامساً: امتلاك البنية التأسيسية العلمية دائمة التحديث لمنظومة إنتاج المعرفة من علماء، وأدبيات، وترجمة، وفكر، وخطط بحثية، ومؤسسات ومراكز للبحوث والدراسات، وميزانيات كبيرة للبحث والرعاية العلمية.

ويبقى السؤال هو: كيف يمكن أن نتحول إلى عالم المعرفة وحكمة المعرفة وتصبح مجتمعاتنا العربية مجتمعات للمعرفة؟

وبالتأكيد هذا وارد ويمكن تحقيقه بشرط توافر الرغبة والإرادة السياسية، يوازيها وعي وإرادة وتجاوب من أبناء الوطن لتحقيق ذلك عبر الخطوات التالية:

– الارتقاء بقيمة حب العلم والمعرفة والبحث العلمي إلى قمة سلم القيم المجتمعية، ليصبح العالِم والباحث وطالب العلم من أرقى الطبقات الاجتماعية والاقتصادية في مجتمعاتنا.

– تطوير التعليم وربطه بمنظومة التعليم الدولي، والقضاء على ازدواجية التعليم المحلي والدولي.

– رفع حصة البحث العلمي إلى مقدمة ميزانيات الدول العربية.

– رسم إستراتيجيات واضحة لصناعة المبدعين، وتحويل الموهوبين إلى حالات إبداعية متجددة، في كافة مجالات الحياة.

– امتلاك إدارة إستراتيجية للبحث العلمي تفرضها على الجامعات ومراكز البحوث لخدمتها وتحقيقها، وربط الدراسات العليا بهذه الخطة البحثية لخدمة أهداف الدولة.

والسؤال الأهم هو: هل نستطيع كعرب أن نتحول إلى مجتمعات حكمة المعرفة؟

والإجابة في أمرين؛ أولهما: تاريخنا الناصع بأننا العرب والمسلمين نحن من أسسنا ووضعنا قواعد العلوم والعارف التي بلغتها الإنسانية الآن، والثاني: في هذه الأجيال المتجددة من الشباب العربي الرائع الذي يرفض أن يكون في ذيل الأمم، ويتقدم بقوة لينتزع حريته وقراره السياسي ثم العلمي والمعرفي.

والسؤال التالي هو: هل تستطيع الجامعات العربية، بما تمتلك من علم ومعرفة وخبرة من استعادة الوعي وسد الفراغ العربي العلمي وقيادة العالم العربي إلى عصر حكمة المعرفة ومجتمعات المعرفة؟ هذا ما أتمناه ويتطلع إليه كل موهوب وباحث مقهور بين حواجز التخلف والجهل الضاربة في أغلب أركان العالم العربي.

وهل يمكن أن يكون لمؤسسات العمل الخيري الإسلامي دور ما في التكامل مع الجامعات ومراكز البحوث العربية وتحقيق هذا الحلم، أسوة بوقفيات العمل الإنساني التي تدعم أعرق جامعات العالم في هارفارد، وجورج تاون، والسربون..إلخ؟ هذا ما نتمنى ونتوقع خلال العقد القادم إن شاء الله تعالى.

Exit mobile version