حوار مع شاب (3) علاقة عبر «الشات»

 

ألقوا إليَّ بكمٍّ من الرسائل والصور على المكتب، استفسرت عنها فوجدتها صوراً ورسائل وبرنت سكرين للشات (محادثات) بين شاب وفتاة، واضح أنه ناتج عن علاقة عاطفية وانسجام بينهما لفترة ليست بالقصيرة.

تم استدعاء الطالبة، فدخلت منتشية ثم جلست.

سألتها: ما اسمك؟

قالت: هند.

قلت: نفس اسم الرسائل.. إذاً هي لك؟

قالت: نعم.

قلت: ماذا حدث؟

قالت: إنسان غشاش مخادع مثل كل الشباب والرجال بل قمة النذالة.

قلت: لِمَ كل هذه النقمة؟

قالت بكل جرأة: لأنه لم يكن له عهد.

قلت: من؟ هو أم أنت؟

نظرت إليَّ محدقة قائلة: بل هو طبعاً، أنا لم أخُن له عهداً، ولم أخلف له وعداً.

قلت: وهل أنت لم تخوني؟

قالت: لا، لم أخنه في شيء.

قلت: وأهلك؟ هل هذه لا تعتبر خيانة؟

طأطأت رأسها.

فسألتها: هل كنت تنشدين الزواج من هذا الشاب؟

قالت: بالطبع زواج.

قلت: هل سيتزوج من هي في سنه ولا يزال طالباً؟

قالت: وما المانع؟

قلت: كيف تعرفت إليه؟

قالت: من «جروبات» (مجموعات) المدرسة والأنشطة والمتابعات حتى لاحظت اهتمامه بي وتركيزه عليَّ فبادلته ذلك؟

قلت: هل تسمحين لي بسؤال محرج قليلاً؟

قالت: تفضلي.

قلت: لم تتحدثين حديث المحق هكذا؟ ألا تخجلين من زميلاتك ومن مدرسيك؟

قالت: هذا العصر ولَّى، أنا لم أرتكب خطأ.. شخص أعجب بي وسوف يتقدم للزواج مني.

قلت: هل أنت متأكدة؟

قالت: نعم.

قلت: وما الذي منعه؟ وهل سيتزوج وهو في هذا السن، أم ستنتظرينه كل هذه السنوات؟

قالت: سنكمل مع بعضنا سنوات الجامعة ونتزوج.

قلت: هل ذهب لأهلك للاتفاق؟

قالت: لا، وهذا هو سبب بداية المشكلة أنني وجدته يتباطأ وشككت أنه يكلم غيري فتابعته ووجدته يكلم اثنتين غيري ولما واجهته أنكر.

قلت: وهل بعد هذا ثقة؟ انهارت باكية.. لا أستطيع فراقه رغم ما فعله بي قلبي يبرر لعقلي ما حدث بحجج كثيرة، أريد فراقه لفضائحه لي إن لم يكن هناك شيء فهذه تكفي لكنني أبررها بغيرته عليَّ.

هممت واقفة، وقلت لها: تعالي معي.. ادخلي هنا في هذه الغرفة الداخلية لمكتبي، وأغلقت الباب عليها، وطلبت إحضار الشاب لمكتبي.

استقبلته وأجلسته وقلت له: أنت هاني.. أليس كذلك؟

 قال ملتقطاً أنفاسه: بلى.

قلت: هل أنت على استعداد للزواج الآن؟

قال: الزواج لا يعرف سناً بل يعرف احتياجاً فقط.

قلت: نعم، لكننا أحياناً من يحرك هذا الاحتياج نحو الزيادة أو النقصان.

قال: كيف؟

قلت: لو أنك اتبعت سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: وهل كانت كل هذه المغريات على أيامه؟

قلت: لكل عصر مغرياته ومثيراته، لذا شرع الدين ضوابط تصلح لكل زمان ومكان ولجميع الأشخاص.

قال: الآن البنات هي من تصطاد الأولاد، وليس العكس كما كان في القدم، يتعب الشاب حتى يستطيع أن يوقع فتاة في شراكه والتعلق به.

قلت: لماذا هذا من وجهة نظرك؟

قال: الأهل وتربيتهم، هذا شيء أساسي، ومتابعتهم لها ولما يبثونه من قيم ومبادئ وأصول دينية في الفتاة.

قلت: وما الذي يجعل فتاة أحياناً ذات مبادئ وقيم قد تنجرف أو تنحرف قليلاً.

قال: طبعاً لسنا ملائكة، ووارد أن يميل الإنسان للشر قليلاً، لكننا كشباب ندخل لمثل هؤلاء بطرق مختلفة حتى تأتي لحظة الضعف الإيماني هذه، وغفلة الأهل والقلب فتزل قدمها، وإن لم تستدرك نفسها أو أهلها تكمل الطريق.

قلت: وأنت كشاب لماذا تختار لنفسك مثل هذا الدور؟

قال: الكثير منا لا يبحث عن مثل هؤلاء في الغالب؛ لأن هناك مطاردات من العالم الآخر الذي لا يأخذ منك وقتاً ولا جهداً، لكن بعض الشباب يحب المغامرة مع أمثال هؤلاء المعقدات، وأحياناً أخرى قد يتزوجها بالفعل.

قلت: وهل تعتقد أن هذا زواج ناجح؟

رد قائلاً: وهل زواج الصالونات هو الناجح؟

قلت: ممارسات الأشخاص هي الخطأ في الحالتين.

قال: كيف؟

قلت: قد تعجبك فتاة في أي مكان عمل أو دراسة أو من الجيران، هذا في حد ذاته ليس خطأ أبداً، لكن تكملة الطريق بشكل معين هي ما ستحدد نهايته وتحكم عليه خطأ أم صواباً؛ يعني استمرارك في علاقة غير رسمية وفي إطارها غير الشرعي بضوابطه خطأ وحرام.

كذلك زواج الصالونات لو لم يتح فيه الفرصة للشاب والفتاة لحرية الاختيار في مناخ مناسب وملائم وحرية القرار يكون خطأ أيضاً؛ إذاً ممارساتنا في الحالتين هي ما تحدد خطأه من صوابه.

قال: مستجدات العصر تفرض علينا أو تجبرنا على أشياء.

قلت: لم يجعل الله عليك سلطاناً إلا نفسك؛ إن سخرتها في الخير استجابت، وإن جاريتها في الشر انطلقت وأوردتك المهالك.

قال: جميع المعاصي من حولك تشدك إليها وتراودك عن نفسك؛ الإعلام والشارع والمجتمع، حتى التعليم مناهجه وطرقه وضوابطه؛ فكيف تطلبون منا أن نعيش مستقيمين وسط كل تلك المؤثرات؟

قلت: ألم تراود امرأة العزيز نبي الله يوسف؟ لكن على كلٍّ أعطاك الله الدواء في الصيام وغص البصر ثم الزواج.

قال: ونفسي.. كيف أطوعها وأحجمها عن كل ما حولها؟

قلت: نفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، وقال تعالى: ” فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) ” (النازعات)، ومن بدأ أعانه الله تعالى.

قال: الزواج بظروفه الحالية لا يتوافر إلا بعد عمر وسنين طويلة.

قلت: من يستعن بالله يعنه، وليعلم أن كل شيء يبقى لبني آدم في عرضه وماله وولده؛ فهو دَيْن عليه؛ فكيف ستتزوج بمن قبلت أن تجاريك في المعصية؟

قال: لا.. الفتاة عندنا ثلاثة أنواع؛ نوع للتسلية، ونوع للمشاهدة، والنوع الثالث للزواج.

قلت: لهذه الدرجة الفتاة رخيصة وسلعة.

اندفع: لا.. هي من رخصت نفسها يوم أن قبلت صداقته وجارته في كلامه العادي دون داعٍ وضرورة، ثم باعتها يوم أن استمرت في تمدد العلاقة لأكثر من ذلك.

هنا أدخلت الفتاة وقلت لها: هل يكفي ما سمعتِه حتى تعلمي حجمك عنده أو عند غيره، وأنه يوم أن سرَّب أوراقك وصورك انتقاماً من تلويثك سمعته لا كما تزعمين غيرة عليك وضغطاً لترجعي له؟

انهارت باكية، أجلستها بعيداً عنه وهو مرتبك، وقلت لهما: إن العلاقة تتكون باهتمام بالطرف الآخر، أحياناً يكون اهتماماً عادياً جداً حتى يعتاده الشخص، ويعتاد متابعاته ورعايته وكلامه وسؤاله عنه حتى يدخل في المرحلة الأصعب وهي المرحلة الثانية، وهي مرحلة الحب المعلن؛ فالمرحلة الأولى كانت مرحلة تعوُّد وألفة، فإن سمحت لنفسك بالمكوث فيها كثيراً تحولت تلقائياً إلى المرحلة الثانية ثم الثالثة ثم يصعب عليك الخروج منها.

فأنت تسأل نفسك: ما الذي ربطها بي؟ وهل ظروفي تسمح للارتباط الآن؟ وهل هي تلك هي الأصلح؟ وهل هذه الطريقة هي الأفضل؟

وإلا خسرت دنياك وآخرتك، ولن تموت حتى تراه في ذريتك.

وأنت فتاتي، الحب مشاعر غالية لا تمنحيها إلا لمن يستحقها؛ فيقدرك بها، ولا يحقرك، يرفعك لا يصغرك؛ فيمنحك الأكثر والأكثر، فلا يتسرب إليك مشاعر النقص والنقصان، فتبحثين عن إشباعها بالتنازل أكثر فأكثر، وكوني عزيزة يكن لك مخلصاً، وكوني غالية يكن معك كريماً.

Exit mobile version