الملتقى الدولي للعمل الإنساني يطلق جائزة سنوية ويصدر دليلاً للمخاطر

عقد الملتقي الدولي الرابع للعمل الإنساني في يومه الثاني العديد من ورش العمل، حيث قال الوزير التونسي السابق د. فتحي الجراي: إن الشراكة عموماً تقتضي التعاون بين الأطراف المعنيّة، والتخادم، والتساند، وممارسة أنشطة مشتركة أو متكاملة، وتبادل المساعدة، والانفتاح على  الشريك (أو الشركاء) مع احترام خصوصيّاته (أو خصوصيّاتهم).

وتابع الجراي: إن من أهم مبادئ الشراكة هو انفتاح كل مؤسّسة على الأخرى في إطار التشبيك والانفتاح على المحيط الخارجي عموماً، بالإضافة إلى اعتبار الشراكة قيمة تنظيميّة ودمجها في حركيّة المشروع الخاصّ بكل مؤسّسة وفي ثقافتها التنظيميّة عموماً.

وأضاف الجراي أن من شروط نجاح الشراكات المعرفة الجيّدة بموضوع الشراكة أو بالمشروع المشترك وبرامج العمل والتعاون المتصلة به، بالإضافة إلى الفهم الجيّد لجميع بنود عقد الشراكة والالتزام الطوعيّ بتنفيذ كافة التعهّدات، وتوثيق التزامات الأطراف المتعاقدة وتوقيع عقد الشراكة قبل البدء في إنجاز المشروع أو البرنامج موضوع الشراكة.

وبين الجراي أن نجاح الشراكات تقتضي عدم التسرّع في إنجاز البرامج والمشاريع موضوع الاتفاقيّة دون توفير الموارد اللازمة لذلك، وعدم التلكّؤ في تنفيذ الالتزامات والتعهّدات أو التلدّد في أداء الواجبات بجميع أصنافها، واعتماد المقاربة التشاركية في إدارة المشاريع في كافة مراحلها، واعتماد معايير للتنفيذ والتقويم متفق عليها ووضع الجراي في نهاية ورشته صيغ لكيفية كتابة عقود الشراكات.

ومن جانبه، قال المتخصص في العمل الخيري والإنساني عبد ربي بن صحراء أن منطقة الخليج فرضت خلال العقود الأربعة الأخيرة نفسها كمنصة إنسانية إقليمية ودولية تتمتع بدور ريادي لا يمكن الاستغناء عنه، فقد أبدت المنطقة طيلة الفترة الماضية تجاوباً إنسانياً مع مختلف القضايا الإنسانية سواء في حالة الكوارث أو في حالة الأزمات، لم يقتصر هذا التجاوب على المناطق المنكوبة في العالم الإسلامي، بل شمل مختلف بقاع العالم دون تمييز، وقد تكرس هذا الدور الإنساني المتميز الذي تضطلع به المنطقة بانخراطها في جهود الاستجابة في قضايا إنسانية كبيرة ومعقدة كأفغانستان، وباكستان، والصومال، والبوسنة والهرسك، والسودان، وميانمار ثم مؤخراً في سورية واليمن، وليبيا.

وتابع: بغض النظر عن المواقف المختلفة للدور الإنساني الذي تضطلع به المنطقة في شقيه الحكومي وغير الحكومي، فإنه لا جدال اليوم حول الاعتراف الدولي بالدور الريادي الذي تقوم به المنطقة في الحقل الإنساني، مما حدا ببعضهم إلى تصنيف الفاعلين الإنسانيين في المنطقة باللاعبين الجدد، وإن كان هذا التصنيف لا يحلو لهؤلاء الفاعلين بدعوى أن العمل الإنساني، والشعور بالتضامن مع المنكوبين والضعفاء جزء لا يتجزأ من الثقافة الاجتماعية لمجتمعات المنطقة والتي تشكلت عبر تاريخ طويل، وتتوافر المنطقة على مجموعة من المقومات التي تعزز دورها الإنساني، وتجعلها قادرة على الاضطلاع بدور ريادي متميز في هذا المجال.

وأكد أن الثقافة الإنسانية الراسخة التي تشكل الضمير الإنساني الجمعي لمجتمعات المنطقة، والتي تمثل دافعاً ذاتياً تحث أفراد هذه المجتمعات على التبرع والبذل من أجل الاستجابة لمساعدة ضحايا الكوارث والأزمات دون تمييز، مبيناً أن المستوى الاقتصادي المرتفع والدخل الفردي العالي مما منح شعوب المنطقة القدرة على التبرع والعطاء استجابة للقضايا الإنسانية.

وأشار إلى أن الحاضنة الشعبية التي تتوافر عليها المنظمات الإنسانية في المنطقة نتيجة للثقة التي تحظى بها هذه المؤسسات لدى أفراد المجتمع والتي تأسست على مدى عقود طويلة بمناسبة التلاحم الشعبي مع هذه المؤسسات استجابة لقضايا إنسانية معقدة، كما هي الحال على سبيل المثال لا الحصر في أفغانستان، وفلسطين، والصومال، والبوسنة والهرسك، وغيرها.

فيما تحدث د. جمال الجبوري إدارة المخاطر الأمنية ووجوب وجود دليل لإدارة تلك المخاطر لتبيان الخطوات العملية لإدارة المخاطر الأمنية التي قد يتعرض لها العاملون في مجال العمل الإنساني أثناء العمليات الإنسانية في بيئة النزاعات المسلحة.

وبين أن من أهم أهداف الدليل تحديد وتحليل المخاطر الرئيسة التي تحول دون ضمان وصول آمن للمستفيدين،  والوقاية من الحوادث الأمنية وتجنب وقوعها، وتحسين القدرة على مواجهة التحديات الأمنية، والارتقاء بالقدرة على تلبية الاحتياجات الإنسانية لعدد أكبر من الأشخاص، واعتماد نهج أكثر تنظيمًا لتعزيز أمن المنظمات الإنسانية وقدرتها على الوصول إلى المحتاجين، والتثقيف التوعوي الأمني لموظفي المنظمات الإنسانية حول آليات الإدارة الأمنية.

وبين الجبوري أن أهمية الدليل تكمن في تصاعد الهجمات العنيفة ضد العمليات الإنسانية والعاملين الإنسانيين، وانخفاض مستوى أمن وإمكانية وصول العاملين الإنسانيين لتلبية الاحتياجات الإنسانية، مبيناً أن أصناف المخاطر التي تتعرض لها المنظمات الإنسانية مخاطر أمنية ومخاطر السمعة ومخاطر إدارة الأطراف المعنية وخاطر قانونية ومخاطر الإدمان ومخاطر مالية.

وتناول الجبوري في ورشته العمليات التي تسهم في عدم أمن العمليات الإنسانية تتمثل في ضعف في تطبيق بعض مبادئ العمل الإنساني (الاستقلالية، والنزاهة، والحياد، على سبيل المثال) والانحياز الملحوظ مع أحد أطراف النزاع المسلح، وسوء تنسيق جهود الاستجابة بين المنظمات الإنسانية الفاعلة، ونقص الوعي والتدريب الأمني لبعض العاملين الإنسانيين، وعدم تطبيقهم قواعد وإجراءات الأمن والسلامة المتعارف عليها في بيئة النزاعات المسلحة مما يعرض حياتهم للخطر ونقص المواد الأمنية والتجهيزات على سبيل المثال الاتصالات ونقص الخبرة في تحليل القضايا الأمنية، وقيام بعض المنظمات الإنسانية بمخاطر غير ضرورية تؤثر على مجتمع المساعدات ككل.

وأكد الجبوري أن إعداد خطة إدارة المخاطر الأمنية يتطلب معرفة اتجاهين رئيسين؛ وهما طبيعة ومهمة المنظمات الإنسانية: من حيث اختيار البرامج واتباع إستراتيجية أمنية مناسبة وطبيعة المكان الذي ستنفذ فيه هذه العمليات الإنسانية من حيث تفهم المخاطر أو التهديدات التي قد يتعرض لها العاملون في المنظمة الإنسانية بشكل جيد.

فيما تحدث جوان ليو، رئيس منظمة “أطباء بلا حدود”، عن التحديات وأولويات عملها حيث قال: إن من أهم التحديات التي تواجه المنظمة تتمثل في التفاوض مع المنظمات الحكومية والجهات الفاعلة والجهات غير الحكومية في وقت الكوارث والأزمات، بالإضافة إلى الأوبئة والأمراض المنتشرة في بعض مناطق العمل، وأيضاً العمل في مناطق النزاع المسلح والتي يتعرض من خلالها بعض أفراد المنظمة إلى كثير من المخاطر.

وتابع ليو: هناك أيضاً قضية استهداف المراكز الصحية تحدّ كبير يواجه المنظمة حيث تم استهداف الكثير من مراكزنا الصحية، ومثال على ذلك تم استهداف مركز الحوادث في قندوز وذلك في عام 2015م، كما تم استهداف كثير من المرافق الصحية في اليمن، ففي عام 2015م قصفت 5 مرافق صحية تدعمها أطباء بلا حدود، ومستشفيات تابعة لها؛ مما أسفر عن مقتل مدني واحد وإصابة 16 شخصاً، وفي عام 2016م تم تفجير مستشفى تدعمه منظمة أطباء بلا حدود؛ مما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 7 آخرين، كما تم استهداف 153 مرفقاً صحياً يتلقى الدعم من المنظمة في سورية في عام 2015م.

وفي العراق في عام 2014م أصيبت 6 مرافق طبية بينها عيادة تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود ومستشفيين تدعمها المنظمة، وقتل 9 أشخاص وأصيب 16 آخرون وفي عام 2015م تعرض مستشفى أطباء بلا حدود لهجوم مما أسفر عن إصابة مريض وأحد أعضاء الفريق.

هذا وقد تم توقيع العديد من الشراكات بين المنظمات المشاركة في الملتقى، فيما عرض المدير العام والمؤسس لمنظمة الإغاثة الإسلامية د. هاني البنا: العمل الخيري هو فطرة موجودة داخل كافة الخلائق، فعمل الخير فرض عين تكليفي على الجميع، وإتقان العمل هو طريق الحصول على الأجر والثّواب ونيل رضا الله تعالى؛ “إنّ الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه”، وإتقان العمل هو بداية الإبداع.

وتابع البنا: إن معوقات الإبداع تتمثل في  الشعور بالنقص وعدم الثقة بالنفس، عدم التعلم من مدرسة الحياة وجهل استخلاص الدروس من التجارب، الخوف من الفشل، الخوف من تدهور الحالة المالية للمنظمة، الرضا بالواقع والخوف من التغيير، الجمود وعدم تطوير الخطط والقوانين والإجراءات، الاعتماد على الآخرين والتبعية لهم.

وأكد البنا أن إبداعات العمل الخيري تتمثل في نشر ثقافة الجودة والإتقان والتميُّز في العمل الخيري بالإضافة إلى غرس روح الإبداع والتعلم المستمر في العمل الخيري، وتعزيز ثقة المجتمع بمنظمات العمل الخيري ورسالتها، وضع مرجعيات وأسس لقياس أداء المنظمات الخيرية، نشر أفضل الممارسات والتجارب في العمل الخيري، تحفيز  وتكريم العمل الخيري المتميِّز، وذلك عن طريق المسابقات والجوائز وتشجيع روح المنافسة، تشجيع البحث العلمي.

واختتم البنا قائلاً: علينا الاستفادة من التطور في المجالات العلمية والتكنولوجية وفي مجال وسائل الاتصال والتواصل، ومن الوسائل والتجارب الناجحة في الغرب في إيجاد مصادر تمويل جديدة وعصرية وفيها إبداع ويسر لتمويل العمل الخيري ولم تطبق بعد بشكل واسع في عالمنا العربي.

وفي النهاية تم تكريم الفائزين في الإبداعات الخيرية وخرج الملتقى بالعديد من التوصيات والقرارات التي خرج بها الملتقى الدولي الرابع للعمل الإنساني والذي عقد بعنوان “الشراكة.. قوة واستدامة” برعاية معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح خالد الحمد الصباح.

هذا وقد قرر الملتقى الدولي الرابع للعمل الإنساني، الذي اختتم أعماله في الكويت اليوم الإثنين، إعلان “الملتقى الدولي للعمل الإنساني” كياناً ذا شخصية اعتبارية، له مبادئ وأسس وضوابط، تلزم الأطراف الراغبة في الانضمام إليه، وفقاً لما سيتم الاتفاق عليه في اللجنة التأسيسية قبل نهاية العام الجاري.

وتميز الملتقى الرابع بنتائج عملية جاءت في بيانه الختامي ويأتي من أبرزها؛ إقرار “دليل المنظمات الإنسانية في مجال إدارة المخاطر الأمنية”، مع الدعوة لاعتباره نموذجاً تسترشد به المنظمات الإنسانية لإدارة المخاطر الأمنية في مناطق عملها، كما كلف الملتقى “قطر الخيرية” بإعداد مسوّدة مدوّنة سلوك خاصة بالملتقى، وعرضها على اللجنة التأسيسية قبل نهاية العام.

ومن بين القرارات الصادرة في ختام الاجتماعات؛ إطلاق جائزة سنوية للملتقى الإنساني الدولي للإبداع والإنجاز المتميز، في المجالات الإنسانية المختلفة، بالإضافة إلى إعداد “دليل الشراكة في العمل الإنساني”، الذي يتضمن المعايير والإجراءات والنماذج، التي تحفز تطبيق إستراتيجية الشراكة للمنظمات الإنسانية في العالم الإسلامي، وتكليف المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد) بإعداده.

وتأكيداً على أهمية الشراكة التي مثلت شعار الملتقى الرابع، فقد أكد البيان الختامي أهميتها كخيار إستراتيجي للنهوض بالعمل الإنساني، وذلك من خلال عمل المنظمات الدولية والإقليمية المعنية على تيسير اتفاقات ومذكرات تفاهم الشراكات وإعطائها الأهمية والأولوية.

ودعا الملتقى، في بيانه الختامي، إلى ضرورة إعداد مسودة مشروع “تأصيل مبادئ العمل الإنساني في الشريعة الإسلامية”، انطلاقاً من قيم الشريعة الإسلامية ومبادئها السامية، ومقارنتها بقواعد القانون الدولي الإنساني، داعياً في الوقت ذاته لانتهاز الفرص التي تتيحها المنظمات الإقليمية والدولية، لتحقيق الشراكات والمبادرة بالمشروعات الإنسانية والتنموية ذات الأهمية والجدوى على الصعيد الإنساني، لتحقيق النفع الأكبر للعمل الإنساني.

كما دعا البيان الختامي إلى ضرورة اهتمام جميع المؤسسات الإنسانية في العالم الإسلامي بتشجيع الإبداع في العمل الإنساني، ورعاية المبادرات التي يتقدَّم بها المعنيون بالعمل الإنساني والفرق التطوعية، بغية تطوير مسيرة العمل الإنساني في العالم الإسلامي، بالإضافة إلى تعزيز مشاركتها في مؤتمر القمة العالمية للعمل الإنساني، التي ستعقد في إسطنبول 23 – 24 مايو الجاري.

يذكر أن الملتقى الدولي الرابع للعمل الإنساني قد انعقد على مدى يومين، بالشراكة بين منظمة التعاون الإسلامي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وباستضافة “الرحمة العالمية”، وبالشراكة مع هيئة الإغاثة الإسلامية الدولية، وقطر الخيرية، ومنظمة الدعوة الإسلامية، وحقوق الإنسان والحريات التركية، ومركز البحوث والدراسات (مداد).

Exit mobile version