التربية من خلال النماذج الحسنة

إن إبراز النماذج الحسنة والتشجيع عليها هو منهج السلف الصالح، فإن هذا يشجع الناس على الاقتداء بغيرهم، فالإنسان بطبعه يتأثر بغيره.

فهل أخذ الآباء على عاتقهم تعريف الأولاد بنبيهم وأصحابه وأمهات المؤمنين وعلماء الأمة ودعاتها؟

إن الأولاد مع الأسف الشديد قد يحفظون أسماء نجوم الفن والرياضة أكثر من معرفتهم بأصول دينهم وسيرة نبيهم.

لقد لمست هذا في تجوالي ببلاد الغرب والتقائي بتلاميذ مدارس الجاليات المسلمة والعربية منهم، حتى إنني سألت طلاباً في عمر المرحلة الإعدادية عن أبي بكر وعمر فلم يعرفوهما أصلاً، فضلاً عن أن يعرفوا شيئاً عن سيرتهما.

هذه صورة صارخة لأولاد المسلمين، وقد تجدها تتفاوت في حدتها لكنها تبقى موجودة بصورة أو بأخرى.

وانظر الآن إلى الصورة المضادة من فعل سلفنا الصالح: فعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: كان أبي – أي سعد – يعلمنا المغازي والسرايا ويقول: يا بني، إنها شرف آبائكم فلا تضيعوا ذكرها.

وقال زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم: كنا نعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن.

لا نجاة لهذه الأمة إلا بارتباطها بهؤلاء الكرام الذين سبقونا والذين يمثلون لنا أعظم قيمة للانتماء وللقدوة الصالحة.

وبهذا التوجه في التربية أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في تربيته العملية للأمة وأفرادها، وانظر مثلاً لقوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمر لما رأى رؤيا كأنه واقف أمام النار وهو خائف منها يتعوذ، فقال له: “نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُاللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَكَانَ بَعْدُ لَا يَنَامُ مِنْ اللَّيْلِ إِلَّا قَلِيلاً” (متفق عليه).

فكانت فرصة لتوجيهه من خلال هذا الموقف وتلك الرؤيا.

وكعادته الكريمة من التربية بالموقف، فإنه يعزز الأمثلة الصالحة، وينفر من الأفعال الخاطئة حتى لو كان الخطأ هنا في التشدد في العبادات.

وقد ورد هذا الإبراز في عدة مواطن من حياة رسول الله بما يكشف عن رِفْق رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمَّتِهِ، وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ، وَإِرْشَادِهِمْ إِلَى مَصَالِحِهِمْ، وَحَثِّهِمْ عَلَى مَا يُطِيقُونَ الدَّوَامَ عَلَيْهِ، وَنَهْيهمْ عَنْ التَّعَمُّق وَالْإِكْثَار مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي يُخَاف عَلَيْهِمْ الْمَلَل بِسَبَبِهَا أَوْ تَرْكِهَا أَوْ تَرْكِ بَعْضِهَا، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا امْرَأَةٌ قَالَ: “مَنْ هَذِهِ؟”، قَالَتْ: فُلَانَةُ تَذْكُرُ مِنْ صَلَاتِهَا، قَالَ: “مَهْ عَلَيْكُمْ بِمَا تُطِيقُونَ؛ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا”، وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.

وفي التحذير من العمل السيئ تجد قوله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: “يَا عَبْدَاللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ”.

ومن هنا؛ وجب على المسلم والمربي أن يبرز نماذج حية ويحكي قدوات طيبة فيما يرد عليه من مواضيع حتى تكتمل دعوته إلى قاعدة الالتزام الشرعي.

 

المصدر: موقع “الأمة”.

Exit mobile version