التعلم باللعب وتنمية المهارات للأولاد

اهتم التربويون باللغة الإنتاجية التي يستخدمها الأطفال من أجل التعبير عن الأفكار التي تتسلق إلى مخيلتهم، وكانت لغة اللعب من أهم اللغات التي وجب الالتفات إليها، حيث يعتبر اللعب اللغة الحرة التي يستخدمها الطفل ليكشف عما يدور في خلجاته، وإذا ما أحسن تخطيطه وتنفيذه فإنه يعمل على صقل شخصية الطفل بصورةٍ تربويةٍ ذكيةٍ.

ما التعلم باللعب؟

يقول العالم بياجيه: إن اللعب هو وسط بيئي مناسب، يسهم في تطور الأبنية المعرفية لدى الطفل؛ أي أنه عبارة عن نشاط هادف يستخدم لتنمية السلوكيات المكتسبة عند الأطفال، وقدراتهم العقلية والجسدية وكل ذلك ضمن أطر التسلية والاستمتاع.

أهمية التعلم باللعب

تعجبني عبارة قرأتها في كتاب تربوي تقول: “إن أطفالنا يعلموننا كيف نعلمهم”، وقفت عندها مراراً وعلمت منها أن اللعب يمثل خبرة رئيسة في نمو الطفل في مختلف نواحي شخصيته، فبه تنمو النواحي العقلية المعرفية والاجتماعية والجسمية وذلك من خلال:

1- تشكل خبرة اللعب خبرة ذاتية لدى الأطفال: وذلك في المراحل الأولى من عمر الطفل، إذ يطور الطفل في بداية سنوات عمره محاولات يحاول من خلالها اكتشاف البيئة والتعرف عليها، فمثلاً نجد الطفل ذا الثلاثة أشهر يسعد بالأناشيد التي تصدرها والدته له، إذ يطمئن بذلك إلى أن بيئته الحاضنة آمنة ومستقرة.

2- يستطيع الطفل تشكيل مفهومه عن ذاته: إذ يستطيع الطفل أن يطور فهماً بسيطاً عن إمكاناته، عن طريق ما يستطيع الوصول إليه والحصول عليه، فمثلاً عند وضع الألعاب المتحركة فوق رأس الطفل فإنه يسعى جاهداً إلى تحريكها، ومن ثم الإمساك بها، فهو بذلك يوظف قنوات الحس التي تعمل كالإسفنجة في مجال إدراك واستيعاب الخبرات.

3- رفع مستوى التركيز: إن وضع الطفل في جو من المنافسة يخلق لديه شعوراً بأهمية الفوز، فبذلك يضع إمكاناته نصب عينيه، وبذلك يكون مستوى توظيفه للحواس أعلى وأدق.

4- التدرب على سلوك الأخذ والعطاء: تعتبر القيمة الاجتماعية والانفعالية من أهم القيم التي يركز عليها مفهوم التعلم باللعب، فهي تساعد الطفل على التحرر من حالة الأنانية والتمركز حول الذات إلى الانفتاح على الآخرين وتقبلهم.

نظرة الإسلام للعب الأطفال

نظر الإسلام إلى اللعب على أنه مصدر البهجة والتسلية، كما في قصة إخوة يوسف عليه السلام حين طلبوا من أبيهم السماح بأخذه معهم مبررين ذلك بأنه سوف يرتع ويلعب (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)، يقول الكاتبان عباس وحنورة: “لو لم يكن ذلك مقبولاً بل حقاً من حقوق الطفل لما سمح أبوهم لهم بمصاحبة يوسف وأخذهم له”.

وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يداعب حفيدته أمامه بنت العاص فكان يخرج بها أحياناً إلى المسجد فيحملها وهو في الصلاة، فإذا سجد وضعها على الأرض وإذا قام حملها على كتفه.

كما تطرق العلماء المسلمون المهتمون بالتربية كالغزالي إلى البحث في أهمية اللعب، فقد ذكر في كتابه “إحياء علوم الدين” ثلاث وظائف للعب: ترويض جسم الولد، إدخال السرور لقلبه، وإراحته من تعب الدروس في الكتّاب.

أين نحن اليوم من التعلم باللعب؟

تشكو لي صديقتي من تململ ابنتها ذات السبعة أعوام كلما استيقظت إلى المدرسة، فأقف متعجبة من حال مدارسنا اليوم، ألهذا الحد أصبح مفهوم العلم مسطحاً وروتينياً مقيتاً بالنسبة لأطفالنا؟

قرأت يوماً مقولةً لسقراط يقول فيها: “إن التعليم لا ينبغي أن يقترن بالحزن والأسى”، فتمنيت لو أن سقراط حياً ليرى ما آل إليه واقعنا التعليمي العقيم، فالواضح أن أطفالنا لا يلعبون بقدر حاجتهم وإن لعبوا فإن العملية التعليمية أبعد ما تكون عن محور اللعبة. إننا وببساطة أمام نظام تعليمي ركيك، صدأت بنيته التحتية وانعكس الصدأ على أرجاء المنظومة ونتج عنه كل ما نحن فيه من مشكلات.

أما عن المجتمعات الغربية فهي تسعى بكل طاقتها إلى تفعيل وتطوير هذا النوع من التعليم إيماناً منها بأهميته، فهاهي مؤسسة “جون دي آند كاثرين ماكارثر” تمنح مليون دولار لإنشاء مختبر في جامعة شيكاغو هدفه تطوير البرامج التعليمية القائمة على التعلم باللعب وذلك لما وجدوه من تحسن في المستوى الأكاديمي والنفسي لدى الطلاب، يقول سقراط: “إن جدية الطفل تحصل أثناء اللعب، فهو يستثمر في اللعب الوقت والجهد والذهن والأحاسيس”.

أولياء الأمور والتعلم باللعب

مسكين ولي الأمر، فهو يصب جل اهتمامه في تحسين مستوى أبنائه العلمي، ويقوم بذلك عن طريق فرض مجموعة من القيود التي لا يسمح بتجاوزها في أثناء الدراسة، كالاستلقاء أو الطعام، وذلك يعني أننا أمام داء يستشري بين أبنائنا والتعليم، وذلك بتحويل مسار التعليم إلى مسار نمطي، وتحويل الطلاب إلى محض آلات صامة وناسخة، فيا رعاك الله امنح ابنك مساحةً من اللعب أثناء دراسته، اثري درسه بالاستمتاع والإتقان، فمثلاً العبا لعبة “المدرسة” كن أنت المعلم تارةً وهو تارة، ساعده على تقمص أدوار الشخصيات التي يطرحها كتابه، اجعل تدريسه وقتاً ممتعاً يتمنى استمراره.

تقول العالمة كاترين تايلور: اللعب أنفاس الحياة بالنسبة للطفل، فهو ليس مجرد طريقة لتمضية الوقت، فاللعب للطفل كالتربية والاستكشاف والتعبير الذاتي والترويح والعمل للكبار.

فمن خلال اللعب يجب علينا تعميق العمل الجماعي ومعالجة المشكلات الاجتماعية وصقل مهارات أطفالنا، فالألعاب تثير الفضول وتحفز الدوافع، إنها التربة الخصبة لنمو التجارب وبذلك نكون قد ساهمنا بإمداد أطفالنا في خطوات ديناميكية ينطلقون خلالها إلى استكشاف ذواتهم.

 

المصدر: “بصائر تربوية”.

Exit mobile version