اليوم العالمي للمرأة.. رؤية إسلامية

إذا كان الماضي قد شهد قروناً مظلمة من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان واستغلاله وقهره، وهو ما كان ذلك دافعاً لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م، وفيه حقوق للإنسان عامة بما فيه المرأة، ففي (البند 16) منه “للرجل والمرأة إذا بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله”، وفيه “ولا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين”، وفيه أيضاً “والأسرة هي الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع، ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة”.

وإذا كان العالم لم ينتبه إلا عام 1948م ليعطي المرأة حقوقها، فقد كان الإسلام سباقاً قبل 15 قرناً، وكانت تعاليمه بمثابة ثورة لتحرير المرأة، وإذا كان الإعلان العالمي يطالب بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة؛ فإن الرجل والمرأة في الإسلام هما الشقان المكونان للنفس الإنسانية، وهو المعنى الكامن وراء مقولة “النساء شقائق الرجال”، ولهما حقوق اجتماعية وسياسية واقتصادية متساوية بنص (الآية 71) من سورة “التوبة”؛ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {71}) (التوبة).

لكن الإسلام في هذه النقطة يقر بوجود اختلافات بيولوجية وفسيولوجية ونفسية بين الرجل والمرأة، اختلافات هي حسب التفسير الصحيح أساس لتكامل دور المرأة في المجتمع والأسرة، إلا أنه رغم ما قدمه الإسلام للمرأة التي كانت سلعة تورث في الجاهلية، وتحريره لها من كل الوجوه، يحلو للغرب دائماً إثارة الشبهات حول موقف الإسلام من المرأة، وهذه الشبهات انتقلت إلى المنابر الدولية الخاصة بالمرأة وكذلك المؤتمرات الدولية.

وهذه الشبهات تنحصر أساساً في خمس نقاط:

1- الشبهة الأولى: لماذا جعل الإسلام للمرأة نصف الشهادة؟

2- الشبهة الثانية: لماذا جعل الإسلام للمرأة نصف الميراث؟

3- الشبهة الثالثة: لماذا يجوز للرجل المسلم أن يتزوج بامرأة يهودية أو نصرانية ولا يجوز العكس؟

4- الشبهة الرابعة: لماذا أعطى حق الطلاق للرجل دون المرأة؟

5- الشبهة الخامسة : لماذا جاز للرجل أن يتزوج بأربع نساء؟

وللرد على هذه الشبهات باختصار شديد:

فإن نصف الشهادة للمرأة مقترن بالشؤون المالية المفترضة ألا يكون للنساء بها إلمام.

أما نصف الميراث فلأن نفقة المرأة على الرجل بعكس ما هو سائد في الغرب، فإن المرأة لو طردت من عملها يطلقها زوجها؛ لأنه يعتمد على مرتبها، ويحملها نصف أعباء الأسرة المادية.

أما عن زواج المسلم من كتابية دون العكس؛ فلأن الزواج في الإسلام عقد مدني وليس شعيرة دينية، لذلك جاز للطرفين أن يكون لهما ملتان مختلفتان، فالإسلام معترف باليهودية والنصرانية، والزوج إن كان مسلماً فسوف يحترم حقوق زوجته الكتابية الدينية، أما اليهودية والنصرانية فلا يعترفان بالإسلام، ولذلك فالزوج الكتابي سوف يهدر حقوق زوجته المسلمة الدينية.

أما عن إعطاء الرجل وحده حق الطلاق؛ فلأن الزواج عقد تراض مدني، لذلك يمكن أن ينص فيه على حق الطلاق للطرفين ويكون النص ملزماً.

وأخيراً؛ فعن زواج الرجل بأربع نساء؛ فلأن هناك عوامل فسيولوجية ونفسية تجعل طبيعة الرجل والمرأة مختلفة، وهناك عوامل سياسية واجتماعية تخل بالتوازن بين أعداد الرجال والنساء في المجتمع، وقد أجاز الإسلام تعدداً محدوداً للزوجات لمواجهة هذه الظروف، ولكن تعدد الزوجات ليس واجباً إسلامياً.

وبعد هذا الاستعراض فإن أحكام الشريعة الإسلامية معنية بالتصدي لمشكلات حقيقية، وليس امتهان حقوق المرأة من مقاصد شريعتنا الغراء كما يصور الغرب الذي فرض تصوراته على الأمم المتحدة وفروعها ومؤتمراتها، ويريد أن يفرضها بالتالي على مختلف شعوب العالم.

بيوت الغرب الخربة

وإذا كان الغرب يحلو له دائماً إثارة الشبهات حول الإسلام خاصة في مجال المرأة، فإن النظرة المتأنية إلى واقع المرأة الغربية تكشف عن المنظر الحسن من الخارج، بينما الخراب في الداخل، وصندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (اليونيسيف) لا يرى إلا مشكلات المرأة غير الغربية، ويغض الطرف عن أي تجاوز غربي ضد المرأة، فيقول في تقرير له صدر مؤخراً: إن العالم لم يحقق تقدماً كبيراً نحو خفض معدلات العنف المنزلي الذي يستهدف النساء والفتيات، بالرغم من التعهدات التي قطعها المجتمع الدولي على نفسه في مؤتمر المرأة ببكين قبل 6 سنوات لخفض هذه الظاهرة.

ويشير التقرير إلى أن نصف تعداد النساء في بعض الدول يتعرضن لانتهاكات جنسية أو جسدية أو عقلية، ويقول التقرير الصادر عن “اليونيسيف”: إن معظم الانتهاكات في حقوق الإنسان تحدث في جنوب آسيا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط والصين.

لكن البرلمان الأوروبي يقول الحقيقة ويكشف انحياز إحدى منظمات الأمم المتحدة (اليونيسيف) للمرأة الغربية، فخلال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة مؤخراً قام الاتحاد الأوروبي بحملة على تجارة الرقيق الأبيض، ولحماية ضحايا البغاء اللاتي تعرضن لتعذيب وحشي واغتصاب من جانب المهربين الذين يجنون أرباحاً خرافية من خلال تهريب النساء من جمهوريات التشيك وبولندا وأوكرانيا وروسيا، حيث يقدر ثمن المرأة الضحية بنحو ربع مليون دولار.

وقالت المفوضية الأوروبية: إنها تريد إعطاء النساء اللاتي يسقطن في شرك تجارة الرقيق الأبيض المتنامية في أوروبا حماية خاصة إذا تقدمن للشهادة ضد القوانين والمهربين، وتقدر بروكسل عدد النساء والأطفال الذين يجري بيعهم إلى أسواق الجنس بالاتحاد الأوروبي بأكثر من 120 ألف امرأة وطفل سنوياً.

وتقول ديامانتو بولو، مفوضة الشؤون الاجتماعية بالاتحاد الأوروبي: إن كثيراً من النساء لقين حتفهن نتيجة لعلميات التهريب، وتقول: إن جثث عدة مئات من النساء تكتشف سنوياً، ويعتقد “اليوروبول” (شرطة الاتحاد الأوروبي) أن كثيراً من الجثث لن يتم العثور عليها، وحسب مصادر الاتحاد الأوروبي؛ فإن غالبية هؤلاء اللائي جرى تهريبهن إلى دول أوروبا الغربية للعمل في ظروف أقرب ما تكون إلى الرق قدمن من دول وسط وشرق أوروبا، وتضيف المصادر أن الضحايا يتعرضن للعنف والاغتصاب والضرب والقسوة المفرطة، ومعظمهن تتراوح أعمارهن بين 15 – 18 عاماً وغالبيتهن مدفوعات بوعود الحصول على المال والحياة الرغدة داخل الاتحاد الأوروبي من خلال العمل كمربيات أو عاملات في المطاعم ومراكز التجميل.

وإذا كان الغرب ومعه الأمم المتحدة ومنظماتها لا يرون السوس الذي ينخر في أجسام الغرب الذي تخصص في تقنين تجارة الرقيق الأبيض؛ فإننا نهديهم هذه الإحصاءات القادمة من الغرب نفسه، فتقول مجلة “التايم” الأمريكية: إن في الولايات المتحدة يضرب أحد الأزواج زوجته كل 15 ثانية ضرباً مبرحاً، وفي فرنسا توجد مطالبات بتشريعات جديدة وبتكوين شرطة خاصة لإبلاغها بضرب الزوجات والأولاد، أما في إنجلترا فأصبحت ظاهرة ضرب الأزواج للزوجات محلاً للشكوى، وفي روسيا انتشرت الظاهرة على نطاق واسع لكثرة عدد الأزواج العاطلين، ونتيجة للحياة الاقتصادية الصعبة، وأصبح الأزواج ينفثون عن أنفسهم بضرب زوجاتهم.

 

المصدر: “الإسلام” اليوم (بتصرف).

Exit mobile version