تهديدات للعودة بالعالم الإسلامي إلى عصر الحجارة!

تدرجت النوايا المغرضة نحو تضييق أرض الله الواسعة على الدين الذي اختاره الله سبحانه للإنسانية جمعاء، وجعله ديناً خالداً باقياً إلى أن يأذن الله تعالى بقيام الساعة، ذلك ما قد أعلن عنه في كتابه بغاية من الوضوح والتأكيد فقال: (إنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّه الإسلاَمُ)، ويعلم الجميع أن هناك جماعات ودويلات ومراكز سياسات رخيصة كانت قد ماتت في مهدها، لأنها أرادت فرض نظراتها الخاطئة وسياستها الاستغلالية على العالم البشري، ثم إنها بوحي من شياطين الإنس والجن حاولت أن تعود إلى حياة من جديد، وتجرب مرة ثانية سرّ التوصل إلى هدف سيّئ توخته إزاء ما أنزله الله سبحانه من منهج كامل دائم للحياة الإنسانية حيث استظل الإنسان بظلاله الوارفة في كل زمان ومكان وفي كل عصر ومصر، وفي كل جيل وعنصر، فسادَ الأمن والسلام وعمّ العلم والخلق، والحب والأخوة، وذاقت الدنيا طعم حياة الإيمان ولذة الحب والإخلاص.

هناك في الشرق دولة خاسرة تعرف باسم روسيا التي تمارس اليوم دوراً خطيراً حينما تتدخل بإيعاز من بعض الدول المسلمة في قضية النظام السوري والمعارضة التي تحاول إجراء المفاوضات للتوصل إلى نتيجة إيجابية توقف خسائر الأرواح والأموال وتحول دون الحصار المفروض على الشعب السوري، وإطلاق حريتهم للعيش في بلادهم وأوطانهم بالأمن والسلام، ولولا أن روسيا المعاندة المتوترة الأعصاب حالت دون ذلك وأوجدت عوائق ضد المسالمة وإعادة الماء إلى مجاريها لكان الوضع في هذا البلد العريق في الدين وذي التاريخ الإسلامي المشرق من قديم، بلد العلماء والمؤرخين الإسلاميين، بلد المجاهدين المخلصين، بلد العظماء من الدعاة والمحدثين، غير ما عليه اليوم، وكادت تجد مشكلة النظام والمعارضة حلاً عملياً، وانتهت المآسي التي اضطرت عدداً هائلاً إلى المهاجرة وترك أراضيهم إلى جهة مجهولة وبلدان لا تكاد تتحمل عبء المهاجرين ولا توفر لهم بلغة العيش وذريعة المعاش.

ولكنها روسيا التي تنتهز الفرصة وتعرقل سير المفاوضات وتفشل قرار الأمم المتحدة لإيجاد السلام وإعادة الأمن السابق إلى سورية وما إليها، وإفساح المجال لعودة المهاجرين وإنقاذهم من المعاناة والحرمان إلى حياة الإنسان وحقوق السكان؛ الأمر الذي كان يجب أن ينجزه بجدية زعماء هذا البلد الأجنبي الذي حارب الإسلام وأهله إلى مدة طويلة، ثم تبعثر وتمزق اتحاده وذهب أدراج الرياح، ولنا أن نتساءل: أين ذهب الاتحاد السوفييتي الذي روّجه زعماء الشيوعية؟ وماذا كان مصيره، وابن لينن، وخروشجوف، وأعوانهما ووزراؤهما؟ أين ذلك النظام الشيوعي الذي حارب الإسلام والمسلمين إلى مدة سبعين عاماً، ثم مات ميتة شنيعة لم يعد له عين ولا أثر؟

إن الشيوعية المدفونة تريد أن تعود إلى ساحة الحياة بمساعدة من بعض الدول المسلمة، أو بتأييد من بعض بقايا أنصارها الماضين، ولكن الله سبحانه أبى إلا أن تكون عالة على المسلمين، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أبى إلا أن تكون رهينة الإفلاس والنكبات، ومثيرة للفتن ومفسدة في أرض الله تعالى، وكانت قد طلعت آثارها من المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان منذ أن أخبر الصادق المصدوق وتنبأ به بوحي من الله سبحانه فقال: فيما رواه سالم رضي الله عنه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام إلى جنب المنبر فقال: “الفتنة ها هنا، الفتنة ها هنا من حيث يطلع قرن الشيطان” (رواه البخاري في كتاب الفتن)، وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما قال: “هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان”.

فهل هناك شك فيما إذا كانت هذه النبوءة قد ظهرت ولا تزال في المشرق الذي طلع منه المناوئون للإسلام، وتجمّع فيه الشياطين ضد دين الله تعالى، حيث اتفقوا على محاربته وأنشؤوا اتحاداً لتحقيق هذا الغرض، وهدموا القيم الخلقية وأبطلوا الحجاب الطبيعي بين الرجل والمرأة، وفرضوا على المرأة أن تخرج لطلب المعاش لها ولأسرتها حيثما شاءت، وكانوا قد سمّوه “الاتحاد السوفييتي” الذي تهدمت أركانه وذهبت آثاره، في ظرف سبعين عاماً فقط، ولم يعد له وجود بعد ذلك، وكان يعرف باتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية الذي كان يعتبر أكبر دول العالم مساحة، وحلت محله روسيا الاشتراكية وبدأت تستعيد قوتها من خلال حربها على العالم الإسلامي، وأخيراً نالت شبه صداقة مع رئيس سورية ضد المسلمين من أهل السُّنة وعلمائهم ودعاتهم وأئمتهم، فكان من نتاج هذه الصداقة الانتهازية أنها أصبحت بحكم السياسة الحاضرة الجناح الأيمن للرئيس.

وسرعان ما تحولت سورية إلى ميدان قتال من جراء القذائف التي كانت تمطر على الأبرياء، زد إلى ذلك الحصار الذي تقيد فيه عدد كبير يبلغ إلى أكثر من مليون مسلم، حتى سد عليهم الطريق نحو الهجرة والخروج إلى مكان آمن، أما مصير المهاجرين والهاربين من البلاد إلى جهات معلومة ومجهولة فقد أصبح في ظهر الغيب، ودور روسيا في هذه العملية السيئة والوحشية واللاإنسانية معروف لدى العالم كله.

 ومن ثم فقدت روسيا الاتزان العقلي ووقعت فريسة للقوة المزعومة، وظنت أنها أكبر قوة في العالم اليوم، تستطيع أن تقهر جميع القوى العالمية، وبدأت تحلم بالقيادة على مستوى العالم بكامله، وهي الآن تملي إرادتها على سورية وما جاورها من البلدان، وتأمر حكامها وتنهى، ولا تقصر في استغلال ثرواتها من كل نوع، وتعامل رئيس البلد السوري كالعبيد، وهو في متناول يدها مسجون، تصرفه حيثما أرادت، وأقفرت المناطق كلها إنساناً ومعيشة وغذاءً ولباساً، والناس يموتون جوعاً وفقراً، وسلطة الروس قائمة بيد من حديد، فإذا بها وجهت تهديداً بغاية من الإساءة والشناعة إلى المملكة العربية السعودية بما فيها من الحرمين الشريفين، وبلغت بها الوقاحة إلى أن وجهت إنذاراً مشدداً إلى حكومة المملكة العزيزة وشعبها المسلم، وقالت: سوف نمزق السعودية إرباً إرباً ونمحوها من أصلها حجراً حجراً، ونرجعها إلى عصر الحجارة الذي عاشه شعبها من قبل، ونرميها رمياً بالأحجار، وهي بهذا البذاء وأمثاله، أساءت إلى قدسية الأرض التي تحوي المقدسات الإسلامية والحرمين الشريفين بوجه خاص، والعياذ بالله.

وقد جاءت في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم إشارة إلى القوم الذين يتوخون هدم الكعبة المشرفة ونهب خيراتها، فقد جاء فيما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يغزو جيشٌ الكعبة فيخسف بهم”.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كأني به أسود أفحح يقلعها حجراً حجراً”.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة”.

ولعل هذا الجيش بدأ ينطلق نحو تحقيق مراميه بواسطة هذه الحكومة الاشتراكية الشرقية المعادية للإسلام وبيت الله الحرام، وفعلاً قرأ الناس وسمعوا تهديداتها ضد بلاد الحرمين ومقدساتها وشعبها وحكومتها.

وقد يوجد من يتساءل: إذا كان الله سبحانه قد صان بيته عن أبرهة الأشرم، الذي كان قد غزا مكة المكرمة قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته، مع جيش مكثف من أصحاب الفيل، متأكداً أنه يهدم الكعبة المشرفة التي يطوف بها العرب ويشرفونها تعظيماً لما اختار الله تعالى أرض مكة لبناء بيته فيها، وكان أبرهة نصرانياً يبغض بيت الله تعالى فحاول أن يصرف العرب إلى كنيسته التي قد بناها في صنعاء اليمن التي كان يحكمها، وأعلن في الجزيرة العربية بأن يطوف أهلها الكنيسة التي صنعها في اليمن ويتركوا الطواف بكعبة مكة، الواقع الذي أثار غيظ أهل مكة، وذهب رجل منهم إلى اليمن ودخل في كنيسته وقعد فيها (يعني: أحدث) بدلاً من أن يطوف بها، فزاد ذلك أبرهة غيظاً وحنقاً ثم أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت لهدم الكعبة، وخيّبه الله تعالى وعذبه ولم يرجع منها إلا كفرخ الطائر، فما مات إلا وقد انصدع صدره عن قلبه.

إذا كان رب البيت قد حفظ بيته المكرم من ذلك الجيش المكثف وأصحاب الفيل من أبرهة العدو النصراني، فكيف يمكن أن يهدمه ويخربه ذو السويقتين من الحبشة؟

وأجيب عن هذا السؤال بأن هدم الكعبة محمول على أنه يقع في آخر الزمان قرب قيام الساعة حتى لا يبقى في الأرض أحد يقول: الله.. الله.

وقد جاءت في قصة أبرهة إشارة إلى أنه أمر الحبشة فتهيأت وتجهزت لهدم الكعبة، وينطبق ذلك على الحديث الشريف الذي جاء فيه: “يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة”، وليس هنا أي ريب مما إذا كان رجل أو رجال في آخر الزمان يخرجون من الحبشة لتحقيق هذا الغرض الخبيث، والله أعلم بذلك حقاً، وهو عالم الغيب والشهادة، كما قد أخبر بذلك في كتابه العظيم: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ).

Exit mobile version