الأمير: أمن الكويت جزء لا يتجزأ من أمن منظومة مجلس التعاون الخليجي

تفضل حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه بافتتاح دور الانعقاد العادي الرابع للفصل التشريعي الرابع عشر لمجلس الأمة.

وتتضمن الجلسة الافتتاحية لدور الانعقاد الجديد استقبال حضرة صاحب السمو أمير البلاد من قبل لجنة الاستقبال برئاسة رئيس مجلس الأمة، ثم تفضل صاحب السمو أمير البلاد، وسمو ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، ورئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم بأخذ أماكنهم في المنصة.

وبدأت مراسم الافتتاح بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ثم إلقاء الأمين العام لمجلس الأمة علام الكندري نص مرسوم الدعوة إلى عقد دور الانعقاد الرابع من الفصل التشريعي الـ14 لمجلس الأمة.

وتفضل سمو أمير البلاد بإلقاء النطق السامي والخطاب الأميري، تلتها كلمة رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم، ثم كلمة سمو الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح رئيس مجلس الوزراء.

ثم تتوقف الجلسة لتودع خلالها لجنة الاستقبال صاحب السمو أمير البلاد، وتستأنف الجلسة لاحقاً للنظر في جدول أعمال المجلس.

ويتضمن جدول أعمال الجلسة الأولى انتخاب أمين السر، ومراقب المجلس، والاستجواب الموجه من العضو محمد طنا العنزي إلى وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل وزير الدولة لشؤون التخطيط والتنمية هند الصبيح، حيث سيحدد المجلس موعداً لمناقشته طبقاً لنص المادة (135) من لائحته الداخلية.

كما يتضمن جدول الأعمال انتخاب أعضاء اللجان البرلمانية الدائمة والمؤقتة حيث تنص المادة (93) من الدستور على أن “يؤلف المجلس خلال الأسبوع الأول من اجتماعه السنوي اللجان اللازمة لأعماله”.

كلمة سمو الأمير

فيما يلي نص النطق السامي الذي تفضل حضرة صاحب السمو أمير البلاد بإلقائه خلال افتتاح دور الانعقاد الجديد: “بسم الله الرحمن الرحيم، وما بكم من نعمة فمن الله، صدق الله العظيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخواني وأبنائي رئيس وأعضاء مجلس الأمة المحترمين..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أحييكم بتحية من عند الله طيبة مباركة، ويسرني أن نلتقي اليوم لافتتاح دور الانعقاد العادي الرابع من الفصل التشريعي الرابع عشر، ضارعاً إلى العلي القدير أن يلهمنا جميعاً السداد والرشاد، ويهدينا سواء السبيل، ويوفقنا لأداء واجبنا لخير الوطن والمواطنين.

لقد اعتدت التحدث إليكم أيها الإخوة والأبناء في المناسبات السابقة حول مختلف القضايا والموضوعات التي تهم الوطن والمواطنين، وسأقصر كلمتي اليوم على أكبر همومنا الداخلية والتحديات والأخطار التي تهدد مسيرتنا ومستقبل وطننا.

الإخوة رئيس وأعضاء مجلس الأمة المحترمين..

لقد ظلت الكويت بعون الله وفضله دار أمن وأمان وواحة رخاء واستقرار، ينعم أهلها بالحرية والتراحم وسط محيط تستعر فيه نيران الحروب الأهلية والصراعات الطائفية والعرقية، تخوضها جماعات وتنظيمات مسلحة أشاعت الفوضى والإرهاب، ونشرت الخراب والدمار، وتسببت في سقوط مئات آلاف القتلى والمصابين ونزوح آلاف المشردين من ديارهم.

وإنه لخطير حقاً أن وباء الإرهاب وجد طريقه إلينا، واقترف جريمته الشنعاء بتفجيره مسجد الإمام الصادق رضي الله عنه وأرضاه في شهر الصيام والقيام، ولم يراع لبيوت الله حرمة، ولم تأخذه بالركع السجود رحمة، وأسقط عشرات القتلى والمصابين، غير أن تلاحم شعبنا فوَّت الفرصة على من يريد النيل منا وسطر أروع صور للوحدة الوطنية.

إن هذه الجريمة النكراء والخلايا الإرهابية ومخازن الأسلحة والمعدات الإرهابية التي كشفتها مؤخراً العيون الساهرة على أمن الوطن، والتي نسجل لها الشكر والتقدير، تدق عالياً أجراس الخطر؛ تحذيراً وإنذاراً، وتوجب علينا المزيد من اليقظة والانتباه، وأن نجعل أمن الوطن وسلامة المواطنين همنا الأول وشغلنا الشاغل الذي يتقدم على كل ما سواه.

إن الأمن والاستقرار وسيادة القانون والمبادئ التي جسدها الدستور هي الأسس والقواعد التي نرتكز عليها لانطلاق عجلة الحياة العامة واستمرارها بكافة خدماتها ومرافقها في سائر مناحي الحياة، وإنه من منطق الحرص على حماية وحدتنا الوطنية فلن نسمح أبداً بإثارة الفتنة والبغضاء أو العزف على أوتار الطائفية البغيضة أو استغلال النزعات القبلية والفئوية والعرقية والطبقية.

وإذا حدث أن أخطأ فرد في حق الوطن أو المجتمع أو خان الأمانة وفرط بشرف الانتماء الوطني؛ فلا يجوز أبداً التعميم على طائفته أو قبيلته بغير سند أو دليل.

وإنني كوالد للجميع، أدعو بل أطلب منكم وسائر إخواني وأبنائي المواطنين أن يعوا دائماً أبعاد الأخطار التي تهدد أمننا، ووجوب الحرص على وحدتنا الوطنية، والمشاركة بدورهم المسؤول في حماية أمن الوطن؛ لأنه أمنهم وحماية لأنفسهم وأهلهم وأموالهم.

ولن ندخر وسعاً، ولن نضن بجهد أو مال في سبيل حماية أمننا الوطني، وتعزيز أجهزة الأمن وزيادة قدراتها وكفاءتها.

إخواني، وأبنائي، إن أمن الكويت جزء لا يتجزأ من أمن منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وكل تهديد يستهدف أمن إحدى دول المجلس إنما هو تهديد لأمن الكويت وسائر دول المجلس، نرفضه ونتداعى لدفعه ونتعاون لدحره، وقد تجسد هذا عملياً حين تعرضت الكويت لعدوان غاشم واحتلال آثم عام 1990م، كما تأكد هذا جلياً حين لاحت مؤخراً نذر الخطر والتهديد لأمن المملكة العربية السعودية الشقيقة الذي هو أمن لنا جميعاً، فهبت دول مجلس التعاون بمشاركة فعالة في “عاصفة الحزم” التي أطلقها وقادها بكل شجاعة وإقدام أخونا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ حماية لأمن المملكة الشقيقة، ودفاعاً عن الشرعية في اليمن الشقيق، والتي اتسع نطاقها في تحالف داعم للملكة العربية السعودية الشقيقة.

إن مسيرة مجلس التعاون الخليجي وما حققته دوله من إنجازات مشهودة ومنزلة رفيعة على الصعيدين الإقليمي والدولي، وانطلاقاً من وحدة الهدف والمصير بينها وروابط القربى والأخوة؛ حري بنا أن نتمسك بها، ونعمل على تعزيزها، ودفعها لتكون هذه المسيرة المباركة أملاً في الوصول إليها نحو توافق عربي ينقذ الأمة من عثرتها، ويوقظها من سباتها، ويستعيد عزتها ومنعتها.

الإخوة رئيس وأعضاء المجلس المحترمون، لعلكم تذكرون أيها الإخوة ما سبق أن حذرت منه ونبهت إليه من هذا المنبر من أخطار النمط الاستهلاكي في مجتمعنا، وتزايد الإنفاق الحكومي الاستهلاكي الذي لا طائل منه ولا عائد، وذلك على حساب مجالات التنمية والاستثمار في الإنسان الكويتي؛ وهو ما يشكل القيمة الحقيقية المضافة لبلدنا، والدعامة الأساسية لاستقراره وتقدمه وتطوره.

لقد أدى انخفاض أسعار النفط عالمياً إلى تراجع في إيرادات الدولة بحوالي 60%، في حين استمر الإنفاق العام على حاله بدون أي تخفيض يتناسب مع انخفاض سعر النفط، وهذا ولَّد عجزاً في ميزانية الدولة يثقل كاهلها، ويحد من طموحاتنا التنموية؛ ولذلك لابد من المسارعة إلى مباشرة إجراءات جادة وعاجلة لاستكمال جهود الإصلاح الاقتصادي وإنجاز أهدافه، تستهدف ترشيد وتخفيض الإنفاق العام، والتصدي على نحو فعال لمظاهر الفساد وأسبابه ومعالجة الاختلالات التي تشوب اقتصادنا الوطني؛ حيث إن التأخير يزيد العجز تراكماً، والواضع تفاقماً؛ مما يتطلب جهوداً أكبر وكلفة أعلى في المستقبل.

وإذ أضع أمامكم حقائق وأبعاد الأزمة، وأطلب من المجلس والحكومة المسارعة إلى اتخاذ تدابير وإجراءات إصلاحية عاجلة، أؤكد أن يكون كل من المجلس والحكومة القدوة الحسنة والأخذ بزمام المبادرة في تجسيد الانضباط والالتزام بهذه الإصلاحات وبرامجها الزمنية، منتهزين هذه الفرصة لتصحيح مسارنا الاقتصادي، ساعين إلى البحث عن مصادر أخرى للدخل تعزز قدراتنا وإمكانياتنا.

كما أدعو كل مواطن إلى إدراك أهمية وجدوى تلك الإصلاحات، وتفهم تدابير الإصلاح وتبعاته، والتعامل المسؤول مع متطلباته ومقومات نجاحه، مؤكدين الحرص الدائم على عدم المساس بأسباب العيش الكريم للمواطنين أو دخل الفئات المحتاجة، وتجنب المساس بصندوق الأجيال القادمة.

وإنني على ثقة من حسن استجابتكم واستعدادكم للمشاركة في معالجة ذلك وفاءً لوطنكم، وحرصكم على أن يظل وطنكم عزيزاً كريماً، وبعون الله سنتجاوز هذه الأزمة ونحن أحسن حالاً وأكثر قوة.

إخواني وأبنائي رئيس وأعضاء مجلس الأمة المحترمون..

لقد دأبت في خطاباتي السابقة أن أذكركم بأهمية العمل على تجسيد التعاون المأمول بين المجلس والحكومة من أجل زيادة الإنجاز وحل مشكلات المواطنين ومعالجة قضاياهم، وتسهيل مصالحهم، لاسيما أن حجم التحديات التي تواجهنا والأخطار التي تحيط بنا تجعل التعاون ضرورة ملحة وواجباً حتمياً واستحقاقاً وطنياً.

إن ثقتي وثقة أهل الكويت بكم كبيرة ولا شك بأنكم حريصون على الارتقاء لحجم تلك التحديات وتأمين متطلبات مواجهتها وتجاوزها بإذن الله، والعمل من أجل بناء حاضر الكويت ومستقبلها، وتلبية آمال وطموحات أهلها الأوفياء.

إن الولاء للوطن فوق كل ولاء، ومصلحة الوطن تتقدم على كل مصلحة، والانتماء للكويت يعلو كل انتماء، فاحرصوا على حماية أمن الوطن وصونوا وحدتنا الوطنية، وافتحوا أبواب المستقبل بالعمل الجاد المخلص، وأطلقوا مسيرة البناء والتنمية والتقدم، وصولاً إلى غد زاهر مشرق بإذن الله؛ لتظل الكويت دائماً بعون الله حرة أبية كاملة السيادة عالية الراية مرفوعة الرأس دار أمن وأمان وديرة رخاء وازدهار.

رب اجعل هذا بلداً آمنا وارزق أهله من الثمرات، إنك نعم المولى ونعم النصير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته”.


Exit mobile version