إنجيل مدينة آريس!

إن كتاب “تجليات إنجيل آريس” هو بمثابة النقطة الرابعة والأخيرة التي يلجأ إليها قادة النظام العالمي الجديد لاستكمال سيطرتهم على العالم، إذ إن النقاط الثلاث الجارية التنفيذ هي المجال السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي.

ويعتمد السيناريو الجاري التنفيذ دينياً على الرؤيا التي شاهدها ميشيل بوتيه، ويقول عن الأولى: إنه تمثل له يسوع جسدياً بلحمه وعظمه، والمجموعة الثانية: تجسد له الله على هيئة عصا صغيرة من النور، وهذه التجليات تمت ليلاً، دون أي شاهد سواه، ودون أي دليل يمكن الاستناد إليه، إذ إن جميع أفراد أسرته كانوا في حالة سبات تام.

وتجليات آريس تنادي بممارسة حب القريب، والتسامح، وأن حرية العقيدة الدينية أكبر وأعلى من العقيدة السياسية، والاعتماد على الإيمان والصلاة وفعل الخير، إنها تدفع إلى تخطي الأنساق الدينية والسياسية، وإلى إقامة العدالة العالمية مع تجاوز الخلافات الدينية، وهي لا ترمي إلى أن تكون ديانة تقودها مؤسسة ما، وتترك مطلق الحرية للإنسان؛ “فلا يملك المرء إلا القبول، والإذعان، دون مناقشة” (3/ 15)! وكل شيء معد لكي تختفي الديانات والسياسة والحضارة المادية الحالية، وهي تتضمن ديناميكية التغيير الاجتماعي عمقاً، وعلى حد قول جان فرانسوا ماير، الذي خصها بأربعة كتب ليبرز أهمية هذه التجليات: “إنها تؤدي إلى التباعد التدريجي عن المضمون المسيحي، وتجعل رسالة آريس أسهل تقبلاً من المسلمين أو ممن لهم ميول إسلامية”.

ولقد نشأت حركة تجليات مدينة آريس، في جنوب غرب فرنسا، وانتشرت تقريباً في كل مدنها، وبات لها ستون منظمة في أكثر من عشرين مدينة تروج لها، وبدأت تنتشر مثلها مثل نظرية الچندر التدميرية، في مدارس الأطفال، وتنعم بمساندة مدرسية وورش عمل فنية وتعبيرية للشباب، ولها لجان وبعض المجالس البلدية، بل لقد انتشرت في أوروبا، في البلدان المتحدثة بالفرنسية، كما بدأ أتباع الحركة الاتصال بالمسلمين المقيمين في هذه البلدان لمحاولة إقناعهم بـ”الدين الحق”، وقد تم توصيفهم في لجنتين برلمانيتين في فرنسا سنة 1996 و2005م بأنهم يمثلون طائفة خطرة، ومع ذلك فهم مستمرون في عملهم، ونشر هذه العقيدة مفروض على الأتباع، خاصة من الباب للباب، ويقول مؤسس هذه العقيدة في التعريف بها: “إن تجليات آريس يجب أن تظل النور الوحيد والمرشد الوحيد لكل إنسان”.

ولكي ندرك أبعاد هذه الحيلة لرجال سياسيين مغرضين، من المهم أن نرى العناصر المكونة لهذا الموضوع بشيء من التفصيل:

ميشيل بوتيه:

وُلد ميشيل بوتيه في 11 يوليو 1922م في بلدة سورين بجوار باريس، في أسرة ماركسية، وعمل مهندساً سنة 1955م، ومديراً لمصنع من سنة 1958 – 1965م في باريس ثم في مدينة ليون، وكان ملحداً عقلانياً في سن العشرين، ثم شيوعياً نشطاً حتى سنة 1988م، ثم مضاداً للشيوعية،  وخلال هذه المرحلة كان يرافق والدته في بعض الدوائر الروحية، واهتم بالمجال الغيبي، وأسس ممارسته على النظريات الغيبية لأواخر القرن التاسع عشر، وعلى “القوة السرية للإنسان” المتعلقة بتجارب تناقل الخواطر عن بُعد التي كانت تقوم بها البحرية الأمريكية، وفي سنتي 1965 و1966م افتتح عيادة في مدينة ليون لممارسة الغيبيات والطب النفسي والعرافة والاستبصار والتنويم المغناطيسي العلاجي وتحريك الأشياء عن بُعد، وذلك تحت اسم مستعار هو مايكل بيركلي، وبعد عامين من الممارسة المتواصلة أغلق عيادته ليرتبط بالكنيسة الأرثوذكسية!

انتقل ميشيل بوتيه من الشيوعية إلى الإيمان، وتم ترسيمه شماساً إنجيلياً سنة 1969م، وأنشأ خورانية الثالوث المقدس في مدينة بورچ الفرنسية، وغادر الكنيسة الكاثوليكية الأرثوذكسية الفرنسية سنة 1970م، وحاول إدخال رعاياه تحت السلطة القضائية لموسكو، وحاول التقريب بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية (ومعروف أن مجمع الفاتيكان الثاني قد قرر توحيد الكنائس)، وفي سنة 1971م وأثناء خروجه من أحد القداسات في مدينة ليون، اقترب منه شخصان مجهولان ليطلبا منه إقامة وقبول تمثيل “الكنيسة الحية الروسية” في الغرب، وبعد المفاوضات مع هذين الغريبين للكنيسة الحية الروسية، تم ترسيمه قساً في 14 أبريل 1971م، وفي اليوم التالي تم ترسيمه أسقفاً!

قام ميشيل بوتيه بنشاط مكثف رغم عدم الاعتراف بأبرشيته من الكنائس الأخرى الأرثوذكسية، وفي تلك الفترة استقبل في مدينة بورچ، البابا الزائف كليمنت الخامس عشر، الذي أجرى معه عدة “مغامرات مشبوهة”، وحاول التقريب بين الكنيسة الجديدة التي أقامها كليمنت الخامس عشر، ثم استقال من منصبه الكنسي مع الاحتفاظ بلقب الأسقف، وفي نفس الفترة قرر الانتقال إلى منطقة آريس، وفي يونيو 1973م اشترى حانة قديمة لإقامة صلوات جماعية وانتقل إليها للمعيشة في آخر ديسمبر من نفس العام، وبعد ذلك بأسبوعين بدأت أحداث التجليات؛ حيث قام يسوع بإملاء ما أطلق عليه هو “إنجيل آريس”، وقد تجسد له بلحمه وعظمه، على حد تأكيد ميشيل بوتيه ذلك عدة مرات، وتم اللقاء الأول في ليلة 14 – 15 يناير 1974 حتى 13 أبريل 1974م، على مدى أربعين جلسة، وبعدها ظهرت له خمسة تجليات أخرى تجسد له الله، على حد وصفه، على هيئة عصا من نور أيام 2 و9 و19 أكتوبر 1977، ثم 9 و22 نوفمبر 1977م.

من هذا التلخيص الشديد لحياة ميشيل بوتيه نلاحظ: تنقله بين الشيوعية والإلحاد والغيبيات وممارستها بالتوافق مع تجارب البحرية الأمريكية، واختياره اسماً مستعاراً أمريكياً، ثم تنقله بين كنائس مختلفة في فرنسا وموسكو، أيام الحرب الباردة؛ والتقائه بغريبين غامضين والاتفاق معهما ثم ترسيمه قساً، وفي اليوم التالي أسقفاً.. يثير الفضول، كما أن استقباله للبابا الزائف كليمنت الخامس عشر، الذي أقام لنفسه فاتيكاناً صغيراً مناهضاً للفاتيكان، وهو معروف بتجاربه الغيبية وإقامة بعض المشاريع مع بوتيه، وما أن استقر في بلدة آريس، التي بدأ ظهور العذراء فيها منذ سنة 1947م، في مقاطعة أركاشون، حتى بدأت التجليات.. إنها سيرة ذاتية تثير العديد من التساؤلات والقضايا!!

البابا الزائف كليمنت الخامس عشر (ميشيل كولان 9/ 1905 – 23/ 6/ 1974م):

يوم تناوله القربان لدخوله المسيحية ظهر له المسيح وأكد له أنه سيكون قساً وأسقفاً وبابا! وتم ترسيمه قساً سنة 1933م، وأسس عدة جماعات تبيَّنت لديه ميول غيبية وتجليات خاصة، وفي إحدى الرؤى بشره يسوع سنة 1950م وأطلق عليه اسم كليمنت الخامس عشر، واعترف ميشيل كولان إلى القس في جلسة الاعتراف ونقلها بدوره إلى روما، وكانت تلك النقطة التي أدت إلى شلحه وتحويله إلى قطاع المدنيين في 17 مايو 1951م، بسبب مداركه الغيبية، فقام بتأسيس “معهد الرسل للحب اللانهائي” دون موافقة الفاتيكان، وإن كان قد تركه يمارس عمله! ويقال: إنه يحقق السر الثالث لفاتيما معلناً بابوية ميشيل كولان (كليمنت الخامس عشر)، الذي تم تتويجه بابا يوم 9 يونيو، ستة أيام بعد وفاة البابا يوحنا الثالث والعشرين، وكليمنت الخامس عشر يبشر بالغيبيات وسكان الكواكب الأخرى والتجليات، ويبحث عن تكوين مسيحية كونية، ويمكن القول: إنها نفس توجهات ميشيل بوتيه، وكانا يفكران في كيفية تغيير العالم إلى الأفضل عن طريق مسيحية عالمية يتقبلها الجميع، وقد توفي أواخر يونيو 1974م بعد أن أدانته العدالة بتهمة النصب.. أدانته، لكنها لم تمنعه من ممارسة مهامه، والعلاقة بينهما بحاجة إلى بحث دقيق مستقل.

كتابات ميشيل بوتيه:

1- “إنجيل آريس”: فيما يتعلق بالمسيحية، يقوم ميشيل بوتيه بإدانة معظم العقائد المسيحية الواردة في الأناجيل؛ إذ يعتبر الثالوث خرافة، وينكر ألوهية يسوع، وينكر بنوّته المماثلة لله، ويرفض إنجيل يوحنا الذي تأخرت الكنيسة في تقبله، كما يرفض رسائل بولس وبطرس على أنها من صنع البشر، ويهاجم الكيان الكنسي، كما يطالب بدمج الأناجيل الثلاثة بعد تعديلها لتصبح “الإنجيل الإسرائيلي”! وباختصار.. لقد قام بإلغاء كل ما قام البابوات والكنسيون والمجامع بإدخاله لتكوين المسيحية الحالية، وهو ما لم يكفِ النقد العلمي منذ آريوس حتى يومنا هذا عن إثبات كل هذا التحريف، إلا أنه احتفظ من المسيحية الحالية ببعث يسوع وتجسده، والإفخارستيا، ومكانة رفيعة لمريم.

وعلى العكس من ذلك، فإنه رفع من شأن الإسلام بجدارة على أنه الرسالة المنزلة من الله والتي ظلت بلا تحريف حتى يومنا هذا، واعترف بسيدنا محمد نبياً، وأن الله قد أبلغه رسالة الإسلام في القرآن وحياً، وأنه يتصدر قمة رفيعة بين الله والبشر، كما قام بإدخال مبادئ القرآن وأخلاقياته سواء بطريق مباشر أو غير مباشر في هذا الإنجيل، بل حتى الطريقة التي كان يوحى بها إلى سيدنا محمد ألصقها لنفسه قائلاً على لسان يسوع: “لا تقل شيئاً من عندك، أطلب مهلة للصلاة، انتظر أن أتحدث إليك” (39/ 2)، وحتى الطقوس من حيث الوضوء والصلاة في مواقيت محددة، تجاه بلدة آريس، “القدس الجديدة”، وخلع النعال وارتداء اللون الأبيض في الحج إلى آريس، إلخ.. ومع ذلك، يقول: إنه إن عاجلاً أو آجلاً فإن الإسلام عليه أن ينضم إلى “عملية استعادة الأرض من الكفر، بحكم الميراث المشترك مع الشعوب ذات الأصل اليهودي والمسيحي”، وطوال هذه الأمسيات قام يسوع بترقة ميشيل بوتيه إلى “الرسول القوي” (26/ 7)، و”سيفه” و”نبيه”.

2- “الكتاب”: هو أحد أسماء القرآن الكريم، وهو الاسم الذي أطلقه بوتيه على تجليات الله له، كما يزعم، وهذه التجليات الخمسة كانت أيام 2 و9 و19 أكتوبر، ثم 9 و22 نوفمبر 1977م، التي ظهر له الله خلالها على هيئة عصا صغيرة من نور تستكمل “إنجيل آريس”، وبدلاً من استخدام ألفاظ مخلة للتعليق اكتفى بالاستشهاد بالقرآن الكريم: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً) (الأعراف:143)، فما من إنسان لا يعرف أن قوة نور الشمس تُفقد البصر، وهي مجرد كوكب في الكون اللانهائي، فما بالنا بالقوة التي لا يمكن تخيلها لنور الله عز وجل؟ ويتم إملاء الرسائل بلغة فرنسية مقتضبة لا يمكن فهمها، منفرة، وبها بضع كلمات غير موجودة في أي لغة، لكن ميشيل بوتيه يفسرها.

والمعنى الإجمالي لا يمكن فهمه دون قراءة إجبارية للشرح والتعليقات، وكل ما كتبه بوتيه على جانب كل صفحة، والخط الأساسي في هذه الرسائل يرفع من شأن ميشيل بوتيه من نبي إلى الملاك ميكال، الذي “يضع خطواته في صندل الله” (36/ 19)، وهو “ابن الله” (19/ 13)، ثم “فخر الله وشرفه” (36/ 16)! وقد تعرض لتجربة معراج ليلية في السماوات، وشاهد مسيرة للأنبياء، ومسيرة للموتى، وتلقى “صفعة قوية” (أرى أنه يستحقها بجدارة)!

3- “أعمدة التوبة” و”حجاج آريس”: يقول ميشيل بوتيه: إنه منذ شهر ديسمبر 1979م مر نَفَس الله على النبي ميشيل يوتيه/ الملك ميكال، وتجلت كلمة الله نقية مصوبة تحت قلمه الملهم، إذ وجد بوتيه نفسه يتحدث وتتحرك شفتاه بإرادة وحيوية خارجة عن إرادته، وكان يكتب تحت إملائه في نفس الوقت، ومن سنة 1978 إلى 1988م كان ميشيل بوتيه يصدر دورية كل ثلاثة شهور تحت عنوان “أعمدة التوبة”، لكن ابتداء من سنة 1989م بدأت دورية “حجاج آريس” تظهر في شكل كتاب سنوي أو كل سنتين؛ وهو ما يعني أن هذه الكتابات أيضاً تعتبر نوعاً من التجليات قام بها النبي ميكال/ بوتيه كوسيط روحي ومؤلف أو مشارك في التأليف الإلهي!

ومما لا شك فيه أن ميشيل بوتيه يؤدي دوراً أساسياً في التعليقات السياسية أو العقائدية في النص، أما الطبعات التي ظهرت لهذه المؤلفات فهي تختلف وفقاً للإضافات التي يضعها، فالطبعة الأولى كانت تضم 94 صفحة تسبقها مقدمة تقع في 12 صفحة؛ وطبعة سنة 1995م تضم 800 صفحة، وبها ملحق من 50 صفحة (718 – 767) بعنوان “نؤمن.. لا نؤمن”، وآخر طبعة ظهرت سنة 2009م، وهي التي استطعت الحصول على نسخة منها، تضم 152 صفحة وبها هوامش وملاحظات وإطارات ببنط شديد الصغر على جانب كل صفحة.

المجال الغيبي:

المجال الغيبي مثله مثل أي مجال روحي أو مادي له قواعده وقوانينه الصارمة، له قواعده التي لا تسمح بتداخل أيهما في الآخر، وتجليات آريس تعتمد أساساً على تجسد يسوع أو بعثه بلحمه وعظمه، ولا يوجد أي مجال غيبي يسمح بحدوث مثل هذه الظاهرة على الإطلاق، فالروح يمكن أن تتشكل في ظروف معينة، كالدخان الأبيض، والظاهرة معروفة، أما الجسد بلحمه وعظمه فهذا محال.

وهنا يقوم ميشيل بوتيه باستخدام فكرة البعث التي اختلقتها الكنيسة وتعتمد عليها للتأثير على الأتباع، والتحدث عن ظهور آثار مسامير عملية الصلب فهذا أيضاً محال، ثم نطالع: “لم أره أبداً وهو يدخل، كان يتم إيقاظي بعد وصوله، لكنني كنت أراه وهو يرحل، كان يرتفع ويختفي”، وهو ما كتبه في آخر مراجعة لإنجيل آريس يوم 25 مايو 2001ك، فأن تتم ظاهرة روحية تلقائية، يتجسد خلالها يسوع بلحمه وعظمه، كما يقول، ثم يرسل لإحضار المتفرج الوحيد، فهذا هراء، كيف يمكن لإنسان بجسده المادي أن يرتفع ويختفي؟ من الواضح أن ميشيل بوتيه يقوم بملء نصه بخليط من ظواهر لا يمكن تحقيقها، بل تُدين مصداقيته، ويكرر نفس الخطأ في صفحة المقدمة: “لأن مراسله كان يسوع المخلد بجسده، ولأنه كان يتبع فكر أناجيل متى ومرقص ويوحنا”؛ أي أنه يستند إلى الأناجيل الرسمية التي يقوم بانتقادها وتعديلها، وينتهي به الأمر بإلغائها، ويا له من تناقض!

كما أن الجلسة التي يصفها في ليلة 27 – 28/ 1 لا يمكن حدوثها، فمن المحال عملياً أن تستمر جلسة روحية عدة ساعات، وأن يتم إملاء ما يمثل ست صفحات مطبوعة ببنط صغير، وهو ما يعادل قرابة عشرين صفحة بخط اليد في ظلام دامس كما يقول، كما أن أسلوب التحدث يكون أكثر بطئاً من المعتاد في الجلسات الروحية.

والرسالة السياسية المبلغة تطالب “بضرورة عالم جديد قانونه كلمة يسوع (28/ 8)؛ فقد وصلنا لزمن إتمام كل شيء (28/ 13)؛ لتتحقق كلمتي (28/14)”، وهو ما يعني تنصير العالم، عالم مسيحي – متأسلم على الطريقة التي يرونها، ويعدّون لها كمرحلة أولى قبل إلغاء كل الأديان في النظام العالمي الجديد.

وفي التنبيه الخاص بالكتاب يقول بوتيه: إن الكلمات والجمل بين قوسين في نص التنزيل هي إضافة كتبها الشاهد (ويقصد نفسه، وعبارة الشاهد على أنه الشاهد الوحيد لهذه التجليات)؛ وذلك لتسهيل فهم وتلاوة كلمة كان معناها يلقي إليه في نفس الوقت الذي كان يسمع فيه، فكيف يمكن لشخص أن يتابع إملاء نص وشرح عباراته غير المفهومة، المملاة في نفس الوقت، ولا يكتب إلا النص الذي يتضمن كلمات غير موجودة في أي لغة؟ إن الوسيط الروحي لا يمكنه أن يكون أداه تعبير لوسيلتين مختلفتين في آن واحد، وكل هذه التعليقات تخالف ما أملاه يسوع في الفصل (10 – 11/ 10) من الإنجيل المزعوم.

إن معلومات بوتيه عن العالم الآخر أو المجال الروحي تتضارب رغم خبرته الطويلة؛ فالخلط وعدم الفهم الذي يقترفه لصياغة رسالته ليس في صفه، ودليل على افتعال هذا النص الذي أراده منزلاً، رغم كل ما به من بعض العبارات أو الأفكار الجميلة، ويكفي أن نطالع كتاب “الأسلحة السرية الغيبية.. طاقات غيبية وأسلحة ما وراء الواقع في مواجهة الشرق/الغرب” للكاتب إرنست ميكيلبورج، أو كتاب “جواسيس المجال الغيبي: التاريخ السري للتجسس خارج نطاق الإدراك الحسي الأمريكي” للكاتب جيم شنابل، اللذين يكشفان عن أثر هذا المجال إلى جانب غيره كثير في انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو المجال الذي قام فيه كل من المخابرات الحربية والمخابرات المركزية الأمريكية من محاولات مذهلة من التجسس والتي تورط فيها أيضاً جيمي كارتر، ورونالد ريجان، وجورباتشوف، والبابا يوحنا بولس الثاني الذي قام بالإعداد لثورة ليخ فاونسا في بولندا، التي كانت بمثابة الضربة القاضية على الاتحاد السوفييتي.

تعليقات وأطر ميشيل بوتيه:

في الفصل (10 – 11/ 10) من تجليات يسوع نراه يقول عن كتبه: “لغتهم ستكون بلا تصنع، وهوامشها ستكون خالية من أي لغو، وكلمتي خالية من أي قيود كالتي يضعها المتفلسفون”، و”ما من أحد سيقف أبداً أمام الخطاة ليضيف إلى كلامي”، فما الذي فعله بوتيه؟ إن ما أضافه على الهوامش وفي الأطر يتعدى بكثير حجم التجليين المزعومين، بل إن تجليات الله التي يزعمها مكتوبة بأسلوب لا يمكن فهمه بحيث تصبح قراءة تعليقاته إجبارية، وهذه الملاحظات تتعارض كلية مع مطلب يسوع، وتثقل من النص، وتجعله أشبه ما يكون بما فعلته الكنيسة بالكتاب المقدس بفرض وجهة نظرها وإعادة صياغة ما قامت به من تحريف.. والأكثر من ذلك، أن هذه التعليقات والأطر حول النص، المزعوم التنزيل، تؤدي دوراً أساسياً للإضافات التي يُدخلها ميشيل بوتيه، خاصة فيما يتعلق بالجانب السياسي الذي قال عنه منذ البداية: إنه غير وارد.

الجانب السياسي:

من كل ما يتضمنه النصان من معطيات سياسية لا بد من الإشارة إلى ثلاث نقاط منها لنوضح الخلفية الأمريكية – الفاتيكانية بهذه النصوص؛ لنرى إلى أي مدى هي نصوص موجهة من جهة ما:

1- في إطار من كتاب “التجلي الإلهي” (رقم 15 صفحة 114) نطالع: “لقد رأينا في إنجيل آريس التنبؤ مقدماً بخمسة عشر عاماً، بانهيار الكتلة الشيوعية” (28/ 20، و31/ 5)، وهو احتمال لم يكن من الممكن تصوره سنة 1974م، ونطالع بعد ذلك بقليل (34/ 4 – 9) الإعلان عن السلام مقدماً وقبل حدوثه بسنتين بين الاتحاد السوفييتي ومؤمني أفغانستان والنصر الذي حققوه على الجيش السوفييتي، وكان أقوى الجيوش آنذاك، (ولا داعي للإشارة هنا إلى الكذب والتحيز في هذين الخبرين، فالجميع يعرف من هم الذين درّبوا محاربي الأفغان وكيفية اقتلاع الاتحاد السوفييتي).

2- في “الكتاب الإلهي” (فقرة 25 صفحة 126) نطالع: “25/ 2: سربل وموسى = (كتبتها كما سمعتها) مصر (جبل موسى، جبل سيناء).. فرينت يروشاليم = مصر ستهزم إسرائيل إن لم يتم السلام بسرعة بين البلدين. (النص يبحث عن إنقاذ “إسرائيل” رغم كل جرائمها منذ تم غرسها، واللغة العربية كلها أخطاء، وهذا الإله التابع لبوتيه لا بد وأن يكون إله وضيع التعصب صهيوني النزعة وشديد التحيّز لكي يحاول إنقاذ “إسرائيل” على حساب فلسطين والفلسطينيين، فالعالم أجمع يعرف قصة جبروتها منذ تم غرسها غير الشرعي حتى يومنا هذا).

3- في إطار من “الكتاب الإلهي” (صفحة 25)، نطالع: “يوم 27 أكتوبر طلب الله من شاهد إنجيل آريس أن يكتب للرئيس المصري أنور السادات، وإلى رئيس الوزراء “الإسرائيلي” مناحم بيجن يرجوهما لإبرام السلام، ولم ترد تل أبيب أبداً على هذا النداء، وبالعكس من ذلك، فإن سفير مصر في باريس تحدث هاتفياً في الصباح الباكر من يوم 9 نوفمبر 1977م ليخبر ميشيل بوتيه بأن الرئيس أنور السادات سيصل إلى “إسرائيل” عما قليل، وبالفعل هبطت طائرة الرئيس المصري تل أبيب في المساء”. (اللهم لا تعليق!).

وبخلاف هذه النقاط الثلاث الكاشفة، نورد عدة جُمل على سبيل المثال لتوضيح أن النص كله يتضمن العديد من المواضيع السياسية، فنطالع في (35/ 11): “كل المؤمنين مطالبون بتغيير العالم”، “ستقيم تحالفاً مع جماعات المعبد اليهودي، ومع الذين يسلمون أمرهم لله، ولن تستبعد أبنائي الذين ليسوا غرباء بالنسبة لك”، و”دعوة هذا العالم الذي يعتبر نفسه عصرياً أن ينتقل إلى عالم جديد” (إطار صفحة 43)، “التفكير في التوابع الوخيمة التي يمكن أن تقع في مهمة غير منطقية، مثلما حدث فيما مضى من تلاميذ أو رسل الأناجيل، الذين راحوا يبشرون الوثنيين والبرابرة بدلاً من تبشير “إسرائيل”، الأمة المعدّة لإتمام تحقيق الكلمة” (إطار صفحة 53)، “هذا العالم يجب أن يتغير، وأن يتخلى عن النظام الذي اختاره آدم” (إطار صفحة 86)، “التحالف الذي يجب أن يتم مع اليهود والمسيحيين والمسلمين (35/ 11)، عائلة أبراهام (سيدنا إبراهيم)، الذين سينتهي بهم الأمر لتقبل هذا التحالف، ومن المهم توخي الحذر وطلب النصيحة” (35/ 10، إطار صفحة 87).

ووفقاً لهذه التجليات، فقد تمت ترقية ميشيل بوتيه: هامش (صفحة 137): “33/ 12: ما يكتبه ميكال في نطاق رسالته كأن الخالق هو الذي كتبه”، هامش (صفحة 143): “39/ 16 ميكال هو في آن واحد صديق الخالق وصديق البشر”، (صفحة 140)، 36، الإله يقر لميشيل بوتيه قائلاً: “أنت شرفي”! وأن يصل الغرور إلى هذا الحد فذلك الشخص بحاجة إلى شيء آخر غير اتّباعه!

عملية إخراج هذه الألاعيب

إن عدد الطبعات، والطبعات بلغتين، ونشر الدوريات، والكتب، ومواقع الإنترنت، ومواقع متعلقة بالطباعة، والمكتبة الخاصة بها، والتسويق في المكتبات، وتحركات حجاج بلدة آريس، وفروعها في العديد من البلدان الفرنسية والأوروبية، وكم المراسلات.. إلخ، إضافة إلى حساب خاص في سويسرا بالفرنك السويسري (تهرب ضريبي)، كل ذلك لا يمكن أن يتم في وضح النهار دون موافقة “ضوء أخضر” من جهة ما، وخاصة أن يتم كل ذلك دون أي إدانة من الفاتيكان، الذي هو في واقع الأمر جزء من هذه اللعبة، فالثابت يقيناً أن كل مؤسسة الفاتيكان تعمل من أجل النظام العالمي الجديد عن طريق هيئة الأمم، وهناك مواقف يوحنا بولس الثاني سنة 1986م، وبنديكت السادس عشر سنة 2005م، والبابا فرانسيس، أكثر من مرة، وسوف يذهب ليلقي كلمة هناك يوم 25 سبتمبر الحالي، وثلاثتهم أعربوا صراحة وطالبوا بنظام عالمي جديد.

تلخيص وتعليق

إن حياة ميشيل بوتيه تتضمن الكثير من الظلال والغرابة وعلامات الاستفهام، فهو يقوم بدور أشبه ما يكون بالدور الذي أداه البولندي ليخ فاونسا في المجال السياسي، والذي ساهم في انهيار الاتحاد السوفييتي، وهو ما كان مجمع الفاتيكان الثاني قد قرره سنة 1965م، كما أن تعامله مع البابا الزائف كليمنت الخامس عشر، في المجال الغيبي، له علاقة بالتجليات، وهو الشكل الذي وصف به يسوع الذي تجسد له ليدلي بأفكاره أو ما أُعد له ليكتبه، فبما أن المجال الذي يتناوله هو الدين فكان لا بد له من اللجوء إلى مجال يعتمد على الغيب، فالغيبيات بأنواعها كانت أفضل وسيلة يقوم من خلالها بالدور الذي عليه القيام به، أما أن الهوامش والأطر التي يكتبها على جانب الصفحة فهي تسهل له عملية إبلاغ البرنامج المسند إليه.

إن الإسلام لم يتم اختياره وإبراز أهميته وقيمه حباً في الإسلام، بل على العكس من ذلك، فمنذ بداية انتشاره دأبت الكنيسة العنصرية على محاربته بكافة الوسائل حتى يومنا هذا، ومنذ مجمع الفاتيكان الثاني الذي قرر اقتلاع الإسلام تزايدت الحرب الضارية عليه، والتاسع من سبتمبر 2001م، تلك المسرحية المصنوعة محلياً، قد سمحت لهم بالتلفع بشرعية دولية لاقتلاعه مع العمل على تجريحه والإقلال من شأنه وشأن كل ما هو مسلم أو عربي.

وحيث إنه من الصعب أو من المحال إبادة مليار ونصف المليار من المسلمين، فإن الحرب “الأمريكية – الفاتيكانية” على الإرهاب المصطنع قد حصدت عدة ملايين في أفغانستان والعراق وليبيا وسورية أو اليمن، وغيرها كثير في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، والأكثر من ذلك، أن ما يتم في الواقع هو محو كل الآثار التي تشهد على عظمة حضارة الإسلام، تلك الحضارة التي كانت بمثابة المشعل الحقيقي الذي نهض على أفضاله الغرب العنصري المتعصب، فما كان منه إلا التصرف كالكلب المصروع الذي يعض اليد التي امتدت إليه، وكذلك محو كل الأدلة الشاهدة على ما نقلته المسيحية الوليدة من الحضارات القائمة لتسهيل غرسها في كل بلد.

كما أن تحويل بلدة آريس إلى “القدس الجديدة” لم يتم اختيارها عشوائياً كمقرٍ أساسي لمجرد ظهور العذراء المتعدد هناك منذ سنة 1947م، أو لأنه مجرد مكان معد لاستقبال ظواهر وتجليات جديدة، وإنما لأنه خلال تلك الموجة الهادمة لكل الآثار الإسلامية والعربية، من المعد له أن يتم هدم المسجد الأقصى الذي يزعمون زوراً أنه بُني على معبد يهودي لا يوجد عليه أي دليل، وبذلك سيكون للأتباع الجدد لهذه البدعة قبلتهم الجديدة التي يتوجهون إليها في بلدة آريس!

إن الإنجيل الذي يقوم بدور سياسي عنصري يهدف إلى تغيير شامل للمجتمع الدولي لإغراقه في النظام العالمي الجديد، يمكن أن يكون أي شيء سوى إنجيل ديني، ولا شك في أن كتاب “تجليات آريس” هو جزء من تلك الخطة الشيطانية الهادفة إلى اقتلاع الإسلام والمسلمين؛ فلقد بدأ اقتلاع جزء منهم بالحروب المفتعلة الدائرة حالياً، وجزء آخر بالهدم الإجرامي المتعمد، والجزء المتبقي بامتصاصه في الديانة الجديدة للنظام العالمي الجديد.

 

Exit mobile version