الشباب.. بين الأمن النفسي والسلم المجتمعي

يعد الشباب في كل وقت وحين هم قوة الأوطان ومستقبلها، وهم الزينة في الرخاء والعدة في البلاء، والشباب سر نهضة الأمم وحضارتها؛ فمنهم يظهر القادة والمفكرون والعلماء والمبدعون والأبطال والمجاهدون، إذا حسُنت تربيتهم والعناية بهم، ووضح منهج توجيههم، وثبتت على سبل الخير أقدامهم، واستقامت على الإيمان والتوحيد عقيدتهم، واعتدلت بالوسطية والاتزان والتيسير أفكارهم، وابتعدت عن الغلو والتطرف عقولهم.

إن الشباب ليحتاجون إلى الأمن النفسي والهدوء الروحي والاستقرار الخلقي الذي به ينطلقون إلى حياة آمنة واعدة هادئة مستقرة، ومحاور الأمن النفسي تعتمد على الإيمان وأركان الإيمان ستة؛ أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، وأن يكون مع الإيمان الإحسان، وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ويأتي الأمن النفسي عندما تعبد الله ولا تشرك معه أحداً كما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ” “13”} (لقمان).

وثمرة الإيمان مراقبة الملك الديان سبحانه وتعالى: {إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1)} (النساء).

لأن الله تعالى قريب منا يعلم كل شيء حتى وسوسة النفس؛ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليه مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ “16”} (ق).

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا

تقل: خلوت ولكن قل عليَّ رقيب

هذا الإيمان يزيد بالطاعات وينقص ويضعف بالمعاصي والسيئات، فليداوم الشباب على الصلوات الخمس في جماعة وفي المسجد، وليلتزموا بالأذكار الواردة عن الرسول “صلى الله عليه وسلم”، وليكن للشاب ورد يومي من القرآن الكريم يتلوه كل يوم حتى تكون له ختمة من القرآن الكريم كل شهر، ولينظم الشباب زيارات للمرضى في المستشفيات والبيوت،  وليجلسوا مع كبار السن ليأخذوا من تجاربهم ومواقفهم في الحياة.

فإذا ارتقى الشاب بإيمانه لزمه أن يحفظ سلوكه بمنهج سلمي مسالم يرقى لتعايش سلمياً مع الأهل والجيران والأصدقاء ومع جميع المواطنين والمقيمين، بل ومع الناس جميعاً؛ لقوله تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} (البقرة:83)، بعيداً عن إلحاق الأذى بالآخرين لقوله “صلى الله عليه وسلم”: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، ولقوله “صلى الله عليه وسلم”: «أفشوا السلام بينكم»، ولقوله “صلى الله عليه وسلم”: «بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم» (رواه مسلم).

إن هذا الإيمان ينبغي أن تكون ثمرته تعايشاً سلمياً، وسلماً اجتماعياً وعقداً أخوياً واستقراراً وطنياً بل وعالمياً؛ {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ“107”} (الأنبياء).

إن الشباب يجب أن يفهم أنه لن يكون نافعاً لدينه ووطنه وأمته إلا بالهدوء والسلام والأخوة والاستقرار، تاركاً العنف والاستهتار والرعونة والخصام والفوضى.

إن الشباب لن يكون نافعاً إلا إذا كان حكيماً عاقلاً، ذكياً حريصاً على فرص الارتقاء وتنمية الذات ورسم خارطة المستقبل الشخصي الذاتي، وهذا لن يكون إلا بالهدوء والبعد عن اللغو والشر وسبل الغواية وترك الانفعالات السلبية القاتلة مثل الغضب والتهور؛ فعن أبي هريرة “رضي الله عنه” أن رجلاً قال للنبي “صلى الله عليه وسلم”: أوصني، قال: «لا تغضب»، فردد مراراً قائلاً: «لا تغضب» (رواه البخاري).

وترك السب والبذاءة والفحش طريق السلام والسلم المجتمعي؛ فعن ابن مسعود “رضي الله عنه”  قال: قال رسول “صلى الله عليه وسلم”: «ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء» (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)، وحفظ النفس من الرذائل والآفات والفساد هو الطريق نحو السلم المجتمعي.

صـن النـفـس واحمـلهـا على ما يـزيـنها

تعش سالماً والقول فيك جميل

ولله در القائل:

إذا رُمتَ أنْ تَحيا سَليماً مِن الأذى

وَدينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِّن

لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ

فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ

وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً

فَدَعها وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ

وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى

ودَافع ولكن بالتي هِيَ أحسَنُ

بالمعروف والسماحة تُبنى الأوطان، ويعيش الشباب في سلم وأمان وعطاء للوطن وسخاء؛ حباً وولاءً وتضحية وفداء، وسلاماً وتزكية وإخاء، وحرصاً على العلم والثقافة والاطلاع، ومعرفة للواقع ومستجدات الحياة حتى تُوجه الطاقات والمهارات والإبداعات لخدمة المجتمع والوطن والناس.

بالطموح والجد وتحمل المسؤولية والعمل الإيجابي المفيد وترك الكسل والتسويف يحقق الشباب أهدافه وغاياته بما يتوافق مع حركة الكون والأرض والحياة.

وقالت لي الأَرْضُ لَمَّا سَأَلْتُ:

أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟

أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ

وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر

وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ

وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر

هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ

وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر

فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ

وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر

أسأل الله تعالى أن يحفظ شبابنا بالإيمان والعمل الصالح، وأن يجعلهم نافعين لأنفسهم وأهليهم وأوطانهم، وأسأله تعالى أن يصرف عن شبابنا السوء والفحشاء، وأن يجعلهم في أمانه وضمانه وعافيته وبره وستره وإحسانه.

إنه سبحانه ولي ذلك والقادر عليه، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Exit mobile version