لماذا يُتّهم الإسلام بالإرهاب؟

 

لم نسمع مع كل ما فعله الصربيون في البوسنة، أو الصهاينة في فلسطين، أو البوذيون في بورما بالأقلية الروهينجية، أو العصابات المسيحية في أفريقيا الوسطى بالمسلمين، أو ما يجري الآن في الدول الغربية من قتل للمسلمين بسبب الكراهية وحرق المساجد؛ أن أحداً اتهم الدين المسيحي، أو اليهودي، أو الوثني بالإرهاب.

في حين يُتهم الإسلام فوراً بمجرد أن أحد أفراده قد ارتكب جريمة إرهاب، فتسارع معظم وسائل الإعلام والتصريحات الرسمية باتهام الإسلام نفسه، والتضييق على الأقلية الإسلامية، وكأن المبدأ القرآني الفطري الإنساني الدولي: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (فاطر:18) قد أُغفل عنه تماماً، وبالتالي فجميع المسلمين متهمون إلى أن يثبتوا براءتهم مع أن نسبة الجرائم الإرهابية التي يرتكبها غير المسلمين أكبر بكثير مما يرتكبه المسلمون، والإحصائيات المثبتة بالقرائن والأدلة تؤكد ذلك، فعلى سبيل المثال صدرت إحصائية عن مجلس المواطن للأمن والعدالة الجنائية بمكسيكو سيتي لخمسين مدينة خلال عام 2013م فبلغت الجرائم الإرهابية آلافاً، وأدت إلى مقتل 40206 أشخاص في هذه المدن الخمسين، وأنه لم يقتل بأيدي المسلمين إلاّ عدد محدود أقل من أصابع اليدين.

ونشرت صحيفة «ديللي بيست» أن 98% من جرائم الإرهاب في أمريكا، و94% في غيرها من الدول منفذوها ليسوا مسلمين.

وفي أمريكا ذكرت دراسة لمكتب التحقيقات الفدرالي FBI أن 94% من الجرائم الإرهابية التي ارتكبت في أمريكا من عام 1980 إلى عام 2005م كانت على أيدي غير المسلمين، وفي دراسة لجامعة ولاية كارولينا الشمالية في عام 2014م أنه من بعد هجمات 11 سبتمبر2001م إلى الآن لم يؤدِّ الإرهاب المرتبط بالمسلمين إلاّ لمقتل 37 من الأمريكيين من بين الآلاف الذي قتلوا بأيدي الآخرين.

ونحن لا نستهين بالقتل ولو لنفس واحدة بريئة؛ لأن الله تعالى قال: {أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا } (المائدة:32)، ولكن نبين ازدواجية المعايير في العرض والطرح والتحليل بين ما إذا كان المرتكِب للجريمة مسلماً أو غيره.

ومن جانب آخر، فإن العمليات الإرهابية في القرن الماضي لم تكن لها علاقة بالإسلام، بل كانت تقوم بها المنظمات اليسارية، والعنصرية، وعصابات المافيا، وما دخلت الجرائم الإرهابية باسم الإسلام بشكل واضح إلاّ من خلال «تنظيم القاعدة» منذ عام 2001م، ثم دخل الساحة منذ السنتين «تنظيم داعش» (المسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام)!

ووفقاً للدراسة التي نحن بصددها والتي حملت عنوان «الإرهاب الدولي.. دراسة فقهية تحليلية» للأستاذ د. علي محيي الدين القره داغي، الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيس المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث.

يقول: إن الإسلام أولى عناية منقطعة النظير بالرحمة والعدالة والمعاني الإنسانية حتى لا نرى مثلها في أي نظام، أو دين آخر، ويكفي أن نرى القرآن الكريم يكرر لفظة «رحم» ومشتقاتها أكثر من 340 مرة تحدث فيها عن عظمة الرحمة، وكونها صفة لربّ العالمين، بل إنها الكلمة الوحيدة التي اشتقت منها صفتان لله تعالى يذكرهما المسلم في صلاته، وعند بدئه بأي عمل فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم، بل جعل الله تعالى الغاية من إنـزال هذه الرسالة المحمدية هو نشر الرحمة للعالم أجمع وليست للمسلمين وحدهم، فقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ “107”} (الأنبياء)، وجعل الله تعالى «رؤوف رحيم» من أسماء الرسول “صلى الله عليه وسلم” حيث قال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ “128”} (التوبة)، ويقول: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (الأعراف:156)، وجاءت السُّنة النبوية لتوضيح هذه المعاني السامية من خلال السُّنة القولية، والسُّنة العملية، فقد وصف رسول الله “صلى الله عليه وسلم” نفسه بأنه «نبي الرحمة»، كما وضع “صلى الله عليه وسلم” قاعدة غاية في الأهمية تقضي بأنه «من لا يَرْحَم لا يُرْحَم»، وأن الله لا يرحم من لا يرحم المخلوقات، إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يمكن حصرها هنا.

ومع كل ذلك لم ينجُ الإسلام من هجمات الأعداء بأنه دين القسوة والشدة، ومن فهم الأدعياء المتطرفين، وإسناد تصرفاتهم القاسية أو الإجرامية إلى الإسلام، لتكون جدة وتبريراً لأعداء الدين.

الإسلام بريء من كل أشكال الإرهاب:

ويقول القره داغي: إن معاهدة منظمة المؤتمر الإسلامي لمكافحة الإرهاب الدولي لعام 1999م اختارت تعريف الإرهاب الذي ذكرته الاتفاقية العربية 5/5/1999م والتي عرفت الجريمة الإرهابية بأنها: أي جريمة أو شروع أو اشتراك فيها، ترتكب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي من الدول الأطراف أو ضد رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها أو المرافق والرعايا الأجانب المتواجدين على إقليمها مما يعاقب عليها قانونها الداخلي.

ولم تعتبر الاتفاقية الجرائم الإرهابية جرائم سياسية حتى لو كانت بدافع سياسي، وألزمت كل دولة موقعة عليها ملزمة بتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في جرائم إرهابية.

وقد أكد القرار أن الإسلام بريء من كل أشكال الإرهاب التي تؤدي إلى اغتيال الأبرياء، وهو أمر يحرّمه الله، ويدين بشدة مرتكبي تلك الجرائم البشعة بزعم العمل باسم الإسلام أو أي مبرر آخر.

وقد أكدت المعاهدة في ديباجتها أن إبرامها قد اقتضاه العمل بتعاليم الشريعة الإسلامية السمحاء التي تنبذ كل أشكال العنف والإرهاب خاصة ما كان منه قائماً على التطرف، والتمسك بميثاق منظمة المؤتمر الإسلامي، والالتزام بمبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، كذلك القرارات الصادرة عنها ذات الصلة بالتدابير الرامية للقضاء على الإرهاب.

كفاح الشعوب ليس إرهاباً:

ويضيف القره داغي أن الاتفاقية قد نصت على أنه: لا تعدّ جريمة إرهابية حالات كفاح الشعوب بما فيها الكفاح المسلح ضد الاحتلال والعدوان الأجنبيين والاستعمار والسيطرة الأجنبية من أجل التحرير أو تقرير المصير وفقاً لمبادئ القانون الدولي.

ويري القره داغي أن مصطلح الإرهاب قد شابه كثير من الغموض، وصاحبه كثير من الإشكاليات بسبب كثرة التعاريف الممتزجة بالمصالح السياسية، ونزعة الأقوياء، والمرتبطة بكيفية الدولة من كونها دولة قوية أو ضعيفة.

جرائم الإرهاب في ضوء مبادئ الشريعة:

ويرجح القره داغي أن جريمة الإرهاب الدولي ترجع إلى جريمتين في الشريعة الإسلامية، وهما: جريمة الفساد والحرابة – بمعناها الواسع – وجريمة قتال الدولة الشرعية والإضرار بها وبمؤسساتها من خلال العنف المسلم الموجه إليها، وهي التي تسمى في الفقه الإسلامي بجريمة البغاة.

ويضيف قائلاً: إنه في ضوء ذلك نستطيع أن نعرف الإرهاب الدولي بأنه: العنف المسلح غير المشروع الموجه نحو المجتمع ومؤسساته الأهلية، أو الدولة بأي وسيلة تحقق الإضرار، ثم إذا كان له طابع دولي – بأن يكون قد وقع في أكثر من دولة، أو أن ضحاياه ينتمون إلى أكثر من دولة – فيسمى إرهاباً دولياً.

أسباب الإرهاب:

ويرى «القره داغي» أن أسباب الإرهاب متشابكة، وقد اختلفت وجهات نظر الباحثين والسياسيين في أسباب العنف باسم الدين، فمنهم من يرجعها إلى أسباب اقتصادية، ولكنها تضعف وجاهة هذا السبب أن التطرف ليس بين الفقراء والعاطلين فقط ولا في الدول الفقيرة فحسب، وإنما يشمل الأغنياء والدول الغنية أيضاً، فكان أول تطرف ظهر في العقود الأخيرة كان في جماعة جهيمان الذين احتلوا الكعبة المشرفة وأراقوا فيها الدماء، ولم يكن دافعهم القضية الاقتصادية، ولكن بالنظرة الشمولية إلى الأسباب ومنها:

1- القهر السياسي وتعذيب الدعاة في كثير من الدول العربية والإسلامية، والاستبداد والدكتاتورية التي منعت حرية الآراء والأفكار، وقمعت المعارضين بالقوة والسلاح، وأنواع التعذيب، والسجون التي خرجت عن دائرة كرامة الإنسان وحقوقه.

2- الجهل المركب وعدم الفقه في الدين؛ أي أن الشخص في حقيقته جاهل، ولكنه يجهل أيضاً أنه جاهل.

3- الأخذ بشكل النص دون مقاصده وعلله ومآلاته ومناطه؛ وبالتالي عدم التفقه في النصوص الشرعية.

4- ضعف المعرفة بالتاريخ، وعدم الفقه بسنن النصر والهزيمة، وسنن الكون والحياة والأمة، وسُنة التدرج وسُنة الأجل المسمى (أي الوقت المناسب).

5- اتباع المتشابهات وترك المحكمات والتباس المفاهيم، والاشتغال بالمعارك الجانبية عن القضايا الكبرى.

6- المبالغة في التوسع في دائرة البراء، والتضييق في دائرة الولاء.

7- تبني فكرة التكفير للمخالفين من الفرق الإسلامية الذين لهم تأويل سائغ، حتى ولو لم يكن الراجح في نظر الآخرين.

8- الإسراف في التحريم، وفي تجريح الآخرين، وتفسيقهم بل وتكفيرهم.

وأما الأسباب الخارجية (أي خارج جماعة المتطرفين) فتعود إلى ما يأتي:

1- غربة الإسلام في ديار الإسلام، حيث يرى المسلم في دار الإسلام أن الفساد يستشري والباطل يتبجح، والعلمانيون يبوحون بكل ما يريدون، والخمر تشرب، والفواحش ترتكب جهاراً.

2- الهجوم العلني على الإسلام، وإعلان الحرب ضده دون عناية من معظم الحكام بهذه الهجمات الخطيرة.

3- مصادرة حرية الدعوة وعدم إفساح المجال للدعوة والدعاة، حيث إن الحديد لا يفله إلاّ الحديد، فلو كان هناك مجال للدعوات الإسلامية المعتدلة كان بوسعها إقناع الشباب بالمنهج الوسطي المعتدل.

4- الكيان الصهيوني واحتلال قبلة المسلمين الأولى في فلسطين المحتلة وما يرتكبه من جرائم ضده الشعب الفلسطيني.

ويرى القره داغي أن للإرهاب آثاراً مدمرة، منها:

1- زعزعة الأمن والاستقرار وإراقة دماء الأبرياء والآمنين بدون تحقيق أي هدف، أو فائدة.

2- التكاليف الباهظة بسبب تكاليف الاحتياطات الأمنية والتأمين ضد حوادث الإرهاب، حيث تصاعدت إلى أرقام خيالية تقدر بالمليارات.

3- ضعف الاقتصاد القومي، وضرب مقدماته، وبنيته، وعرقلة التنمية والنمو الاقتصادي.

4- استغلال الدول القوية الطامعة الإرهاب وتصرفاته لاحتلال البلاد الإسلامية والهيمنة على ثرواتها وخيراتها.

خلاصة علاج ظاهرة الإرهاب:

ويختم القره داغي دراسته القيمة بتقديم خلاصة العلاج للإرهاب كما جاء في بيان مكة المكرمة، حيث جاء فيه: لقد سبق الإسلام جميع القوانين في مكافحة الإرهاب وحماية المجتمعات من شروره، وفي مقدمة ذلك حفظ الإنسان وحماية حياته وعرضه وماله ودينه وعقله، من خلال حدود واضحة منع الإسلام من تجاوزها، قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ “229”} (البقرة)، وهذا توجيه لعموم البشر وتحقيقاً لهذا التكريم منع الإسلام بغي الإنسان على أخيه الإنسان، وحرم كل عمل يلحق الظلم به، فقد قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ } (الأعراف:33)، وشنع على الذين يؤذون الناس في أرجاء الأرض، ولم يحدد ذلك في ديار المسلمين كما في قوله تعالى: { وَإِذَا تَوَلَّىٰ سَعَىٰ فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ “205” وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ ۚ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ ۚ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ “206”} (البقرة).

وأمر بالابتعاد عن كل ما يثير الفتن بين الناس، وحذر من أخطار ذلك قال سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ “25”} (الأنفال)، وفي دين الإسلام توجيه للفرد والجماعة للاعتدال واجتثاث نوازع الجنوح والتطرف وما يؤدي إليهما من غلو في الدين، لأن في ذلك مهلكة أكيدة «إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (رواه أحمد والنسائي).

وعالج الإسلام نوازع الشر المؤدية إلى التخويف والإرهاب والترويع والقتل بغير حق، قال رسول الله “صلى الله عليه وسلم”: «لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً» (رواه أبو داود)، وقال عليه الصلاة والسلام: «من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ينتهي، وإن كان أخاه لأبيه وأمه» (رواه مسلم).

وقد أوصى الله تعالى بمعاملة أهل الذمة بالقسط والعدل، فجعل لهم حقوقاً، ووضع عليهم واجبات، ومنحهم الأمان في ديار المسلمين وأوجب الدية والكفارة على قتل من أحدهم خطأ، فقال في كتابه: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } (النساء:92)، وحرم قتل الذمي الذي يعيش في ديار المسلمين: «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة» (رواه البخاري وأحمد وابن ماجه).

ولم ينهَ الله المسلمين عن الإحسان لغيرهم وبرهم إذا لم يقاتلوهم ويخرجوهم من ديارهم، وذلك كما قال: { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} (الممتحنة)، وأوجب سبحانه وتعالى العدل في التعامل مع أهل الذمة والمستأمنين وغيرهم من غير المسلمين فقال: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} (المائدة).

Exit mobile version