مراقبون يعارضون التجنيد الإلزامي في الكويت

 

رغم غياب الحديث عنه لفترة طويلة، عاد التجنيد الإلزامي ليتصدر المشهد في الكويت، حيث أقر مجلس الأمة الكويتي، في جلسته العادية، قانون التجنيد الإلزامي، وأحال المجلس القانون إلى الحكومة، ليطبق بعد سنتين من نشر القانون في الجريدة الرسمية، وأكد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الشيخ خالد الجراح الصباح، أن وزارة الدفاع مستعدة لتطبيق القانون خلال سنتين لما فيه من فوائد للمجتمع الكويتي.

وذكرت المادة الأولى من القانون وفقاً لتقرير لجنة شؤون الداخلية والدفاع البرلمانية، أن الخدمة الوطنية العسكرية هي «خدمة واجبة على كل كويتي من الذكور أتم الـ18 من عمره ولم يتجاوز الـ35 عند العمل بهذا القانون ويعفى من تجاوز هذا العمر من أدائها وهي خدمة عاملة وخدمة احتياطية».

ونص القانون على أن مدة الخدمة العاملة 12 شهراً، تشمل فترة تدريب عسكري، وفترة خدمة، وفي حال عدم اجتياز فترة التدريب العسكري بنجاح تكون مدة الخدمة العاملة 15 شهراً، على أن يوزع المجندون على الوحدات، وفقاً للأوامر التي تصدر عن رئيس الأركان العامة للجيش أو نائبه.

وأوضح القانون أن خدمة الاحتياط هي الخدمة الواجبة على كل من أنهى الخدمة العاملة وتكون مدتها 30 يوماً في السنة، كما نصت (المادة 27) من القانون على أن «ينقل المجندون إلى الاحتياط لمدة 10 سنوات أو حتى بلوغهم سن الـ45 أيهما أقرب بعد انتهاء خدمتهم العاملة».

ونصت (المادة الثالثة): «يشترط للتعيين بأي من الوظائف الحكومية أو غير الحكومية أو منح ترخيص مزاولة مهنة حرة تقديم شهادة أداء الخدمة العاملة أو تأجيلها أو الاستثناء أو الإعفاء منها وفقاً لأحكام هذا القانون وتكون الأولوية في التعيين لمن أدى الخدمة العاملة».

وحول هذا الموضوع استطلعت المجتمع رأي بعض المختصين في هذا الشأن

نوع من استثمار الشباب ولكن..

وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت د. إبراهيم الهدبان لـ«المجتمع»: القانون أقر، وفي النهاية ليس أمامنا إلى أن نمتثل للقانون، فالبعض يرى أنه في ظل الظروف التي تمر بها دول مجلس التعاون الخليجي كان لزاماً علينا أن نقوم بهذه الخطوة لحماية أراضينا، فليس من المنطق أن نعتمد على غيرنا في حمايتنا، فالكويت بلد صغير، وبها خيرات كثيرة، وعلى أبنائها حمايتها، مشيراً إلى أن التجنيد الإلزامي هو نوع من الاستثمار في الشباب، ولكن في المقابل أرى بأنه كان يجب أن يتم دراسة الأمر بشكل أفضل مما هو عليه الآن، كان يجب التأني قبل إقرار قانون التجنيد الإلزامي.

وأكد الهدبان بأنه لا يؤيد إقرار التجنيد الإلزامي على جميع الشباب، بل كان يجب أن يترك الباب مفتوحاً لمن يريد أن يتطوع، وأن نكتفي بدورات تدريبية لطلبة وطالبات الجامعات، والهيئة العامة للتعليم التطبيقي، وغيرهم من طلبة الكويت خارج إطار التجنيد الإلزامي، مشيراً إلى أن مسألة هروب البعض بأعذار من التجنيد الإلزامي سوف تنتشر في فترة من الفترات، فكما أن الطلبة يقدمون الأعذار لعدم حضورهم الاختبارات، فمن الممكن أن يقدموا أعذاراً طبية أيضاً لعدم دخولهم في التجنيد الإلزامي، وفي النهاية كنت أتمنى أن تتم دراسة الأمر أكثر من ذلك.

قانون فاشل

وقال المحامي والقانوني جاسر الجدعي لـ«المجتمع»: إن قانون التجنيد الإلزامي والذي أقره مجلس الأمة مؤخراً قانون فاشل، مشيراً إلى أن البعض يريد عسكرة المجتمع الكويتي من خلال إقرار هذا القانون، فالكويت تحتاج إلى إصلاح سياسي أكثر مما تحتاج إلى تجنيد إلزامي، كما أن إعفاء بعض فئات المجتمع من التجنيد هو مخالف للدستور، فالدستور أقر في (المادة 29) منه أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية, وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين»، موضحاً أن إعفاء من يعملون في القطاع الخاص من التجنيد هو بمثابة تخفيف الضغط عن القطاع الحكومي، ومطالبة الحكومة بتوفير وظائف للشباب، فقد أقرت تلك المادة لتوجيه الشباب إلى القطاع الخاص.

غير دستوري

وقال عضو الحركة الدستورية الإسلامية النائب في مجلس فبراير 2012 د. حمد المطر: قانون التجنيد الإلزامي غير دستوري؛ إذ كيف يستثنى من يعمل في القطاع الخاص من التجنيد؟ أليس التجنيد كما يدعون واجباً وطنياً ويفترض استحقاقه للكل؟

وتابع: وما الاستفادة المرجوة من التجنيد؟ وهل تمت دراسته بشكل كامل من حيث الأهداف والمضمون؟ ثم ما تكلفته على الدولة؟ لأنه يبدو أن مناقصاته شهية جداً.

أبرز المشاريع الفاشلة

قال النائب السابق د. حسن عبدالله جوهر: إن تجربة التجنيد الإلزامي من عام 1977 حتى 1990م كانت من أبرز المشاريع الفاشلة في تاريخ الكويت، وبالتأكيد لن يرضى أي مسؤول أو مجند أو ضابط احتياط أن يتكرر هذا الفشل بعد ثلاثة عقود، وللأمانة التاريخية لا أجد آفاقاً واعدة للقانون الجديد على الرغم من سمو الفكرة ونبل مقاصدها، فبعد ثلاثة عقود يعود التجنيد الإلزامي إلى الواجهة تحت عنوان الخدمة الوطنية العسكرية، حيث أعلن القانون الجديد أنه تدارك السلبيات السابقة، وجاء في إطار فلسفة تساهم في الانضباط ومحاربة الظواهر السلبية، فهل يحقق هذا القانون الأهداف المثالية التي حددها في بناء جيل جديد مهمته الأساسية الدفاع عن الوطن؟

وأكد جوهر أن تهذيب قانون التجنيد الإلزامي الفاشل وتجاوز سلبياته لا يكونان في تقليص مدة الخدمة، ولا يمكن تطهير الشباب المجند من الظواهر السلبية المجتمعية، التي تحولت إلى ثقافة عامة يعيش تفاصيلها كل مواطن يومياً وعلى مدار الساعة، في مدة زمنية لا تتجاوز سنة انتقالية، فالتجنيد الإلزامي السابق كان من أهم مصادر الظواهر السلبية القائمة على اختلاق القصص الكاذبة وإقحام الواسطة، إما للتهرب من الخدمة أو الغياب غير المبرر أو الإعفاء من الحراسات والنوبات الليلية، وفترة الدورات التنشيطية كانت أحلى مناسبة لأخذ إجازة دورية براتب كامل، حيث لم تتجاوز نسبة الملتزمين بها 5% فقط!

وتابع جوهر: بالإضافة إلى ذلك فمن الناحية اللوجستية، قد يكون من الاستحالة استقبال الآلاف من المتطوعين سنوياً من خريجي الثانوية، حيث إن الأعداد في زيادة كبيرة وسريعة، فالعام الدراسي الحالي سوف يشهد تخرج نحو 40 ألف طالب حتى لو كان نصفهم من البنات يظل العدد فوق استيعاب المؤسسة العسكرية، كما أن سياسة التأجيل سوف تكون الخيار الأسهل، ومعه ترتفع نسبة الجامعيين، حيث يلتحق أكثر من 60% من خريجي الثانوية بالجامعات، وهذا العدد سوف يربك القواعد العسكرية التي تقضي بأن يكون «ضابط لكل مائة فرد عسكري في أحسن الحالات»، وفي الحالة الكويتية سوف تنعكس المعادلة لتكون «جندياً واحداً مقابل مائة ضابط»..

Exit mobile version