عبث التوراة والإنجيل.. وجلال القرآن

هذه واحدة من أهم العلامات الفارقة بين أكاذيب التوراة والإنجيل المحرّفة ومصداقية القرآن.

بمجرد إلقاء نظرة مقارنة سريعة على ما تقوله التوراة والإنجيل وما يقوله كتاب الله، يتبين بالوضوح القاطع أن ثمة أيدي ماكرة عبثت بالنصوص الأصلية للعهدين القديم والجديد.وحقنت فيهما حقنات من الأباطيل والترهات التي لا تليق بجلال الله سبحانه وتعالى منزل هذين الكتابين، ولا بجلال أنبيائه الكرام المعصومين من الزلاّت والأخطاء، وأن ثمة بالمقابل حفظاً إلهياً للنص القرآني بتمامه وكماله، من أي تزييف أو تحوير أو زيادة أو نقصان، مصداقاً لقوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} (الحجر)، ولقوله { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ (22) } (البروج).

والمسألة ليست فقط في حفظ النصّ الإلهي أو تزييفه، وإنما في نسيج المعطيات، في أسلوبها ودلالاتها ومعانيها على السواء.

في احترام الثوابت الدينية، أو في الاستهانة بها.. في تقدير الأنبياء الذين تلقوا هذه الكتب، أو امتهانهم والسخرية منهم.. في المناخ العام الذي يضع القارئ أمام الجلال القرآني، أو يرمي به في شبكة الرذائل والقباحات التي لا يمكن أن تصدر عن الله ولا عن أنبيائه الكرام وحاشاهم.

ومن منا لا يذكر – على سبيل المثال – ما حدّثنا به العهد القديم (التوراة) عن النبي داود (عليه السلام)، وكيف أن الأيام مضت، والسنون كرّت، ولم يتح له أن يخلّف ذكراً، فما كان من بناته إلاّ أن تواطأن على أن يسقينه الخمر، وتحشر إحداهن جسدها في فراشه، لكي يسافحها فيخلف الولد الموعود!! فأية سفالة مركبة هذه بحق واحد من أكثر أنبياء بني إسرائيل نبلاً وشرفاً وعطاءً وتمكناً.. وقارن ذلك بما يقوله القرآن عن هذا النبي الفريد، { وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ “25”} (ص).. يجزم المرء أن القرآن هو كتاب الله، وأن التوراة المحرّفة هي كتاب الكهنة والفجرة والوّضاعين. 

مريم أم السيد المسيح (عليهما السلام) يقدمها القرآن في أجمل صورة وأكثرها طهراً ووضاءةً: { يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ “42”} (آل عمران)، وتقدمها التوراة محاطة بألف ريبة وألف شك من خلال علاقتها المشبوهة بيوسف النجار (وحاشاها).

أي فارق كبير هذا في تصوير هذه المرأة القدّيسة؟ فيما يرغم المرء على التساؤل عن موقف النصارى في العالم من المسلمين واليهود.

المسلمون الذين قدّم كتابهم هذه الصورة الوضيئة عن أم نبيهم (عليهما السلام)، واليهود الذين يشككون بميلاد هذا النبي المعجزة الذي يقول عنه كتاب الله: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ “59”} (آل عمران)، ألا يحتّم هذا أن يلتحم النصارى بالمسلمين وأن يعلنوا الحرب على بني إسرائيل الذين فعلوا الأفاعيل، وقدّموا المقولات الباطلة عن المسيح وأمه (عليهما السلام)؟ 

ولكن الذي يحدث هو العكس تماماً.. فلماذا؟ هكذا يتساءل المستشرق الفرنسي المعروف «أميل درمنجهم» في كتابه عن «حياة محمد» دون أن يتلقى الجواب.. والجواب واضح بيّن كحدّ السيف، إنه الالتواء النفسي والفكري الذي يقود إلى مواقف ملتوية كهذه لا تستقيم وبداهات المنطق. 

ومن قبل في عصر الرسالة، كان وفد من بني إسرائيل قد اتجه من خيبر إلى مكة للقاء أبي سفيان، وتحشيد العرب المشركين واليهود ضد دولة الإسلام في المدينة، لكي يضربوا عن قوس واحدة ويستأصلوا دعوة الإسلام من الوجود.

أقام أبو سفيان للوفد الزائر وليمة دسمة ذبحت فيها الجزور وسفحت الخمور، وما لبث أن سأل زعماء بني إسرائيل: يا معشر اليهود، إنكم أهل الكتاب الأوّل والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير من دينه؟ أجاب اليهود: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولى بالحق منه!

كان اليهود مستعدين لأن يزيفوا كل شيء ويتجاوزوا منطقهم الديني نفسه في سبيل التودّد إلى الوثنية وتحريكها لضرب الإسلام.. وفي المقابل نجد كيف أن المسلمين يتوحدون مع دينهم، فيهزهم نبأ الهزيمة الساحقة التي مني بها الروم المسيحيون على أيدي الفرس الوثنيين ويصيبهم بحزن عميق إزاء الفرح الذي غمر قلوب مشركي قريش، وتنزل آيات القرآن الكريم تتحدث عن الواقعة الحاسمة، وتؤكد الانتصار القادم الذي سيحققه المعسكر النصراني ضد أعدائه المجوس، حيث يفرح المؤمنون: { الم “1” غُلِبَتِ الرُّومُ “2” فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ “3” فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ “4”} (الروم). 

وقد تحققت النبوءة القرآنية التي لا تخطئ، وفي بضع سنين ألحقت القوات البيزنطية بقيادة هرقل هزيمة ساحقة بالقوات الفارسية، وغمرت الفرحة قلوب القلة المضطهدة في ظلمات الوثنية.

إذن فالمسألة ليست بالأمر الجديد.. إن خصوم هذا الدين الذين يفترض فيهم الوقوف معه صفاً واحداً باعتبارهم أهل كتاب، مستعدون وضع أيديهم بأيدي الملاحدة والدهريين، كيداً بهذا الدين ونبيّه الكريم.

وها هي ذي معظم الأعمال الاستشراقية تمرّ بهذا الاتجاه المعكوس.. ولكن يبقى قبل هذا وبعده، أن شرف هذا الدين وصدق أتباعه مع عقيدتهم وأنفسهم، أنهم يتعاملون مع كتاب قادم من السماء، وأن خصومه يتعاملون مع كتب الفجرة والدّجالين!

Exit mobile version