زوجة د. الفقي: العطاء المتبادل كان يميز علاقاتنا

الشخصية الأكثر تفاؤلاً صاحب الإشراقة الباسمة والكلمات الشاحذة للهمم، د. إبراهيم الفقي – يرحمه الله – الذي عاش في قلوب محبيه، وتغير على يديه الكثيرون، وأصبحت حياتهم أفضل بعد أن تربوا على محاضراته ولقاءاته وأفكاره.

عبر هذا الحوار نفتح نافذة لنتعرف أكثر على الجانب الآخر من حياة الفقي، عبر رفيقة دربه (زوجته) لتتحدث عن د. إبراهيم الفقي الأب والزوج.

* ما أهم الذكريات التي ما تزال عالقة في ذهنك في مسيرة حياتكما؟

– علاقتي بزوجي د. إبراهيم الفقي كانت من نوع خاص، مليئة بالأحداث والذكريات، كان لكل منها تأثير إيجابي في تحول حياتي؛ وبالتالي من الصعب أن أعطي أهمية أكثر لإحداها دون الأخرى.

* قلت لي: إنك أديت مناسك العمرة عن زوجك.. هل هذا نوع من رد الجميل وتعبير عن الوفاء من زوجة مخلصة لروح زوجها؟

– العطاء المتبادل والمستمر بيني وبين زوجي كان يميز علاقاتنا، وكان كل واحد منا يعترف بفضل الآخر عليه؛ ولذا سأظل أفعل ما حييت كل ما يعود بالنفع على زوجي حتى بعد مماته، مثل العمرة التي أديتها عنه، ودعوت الله أن يجعل مثواه الفردوس الأعلى.

* زار د. الفقي – يرحمه الله – الكثير من دول العالم محاضراً ومعلماً، هل كنت ترافقينه في رحلاته؟

– كنت أرافقه في كل جولاته التدريبية، ليس لأكون بجواره فقط، وإنما لأنه كان لي دور مهم في هذه الجولات؛ حيث إنني كنت المسؤولة عن كافة الأمور الإدارية والمالية والتنسيقية أثناء سفرنا؛ لكي أوفر له المناخ المناسب ليتفرغ هو لتقديم المادة العلمية.

* هل كان يطلب رأيك في رحلاته والمواضيع التي سيعالجها؟

– لقد بيَّن القرآن الكريم أهمية المشاورة، أو المشورة؛ لذا كان من الطبيعي أن يسألني د. الفقي عن رأيي فيما يخص حياتنا بما في ذلك حياتنا العملية من ناحية التعاقدات والجولات التدريبية، أما عن المواضيع التي يعالجها في دوراته التدريبية فإنها كانت من اختياره وحده؛ لأنه يختار ما يتوافق مع ميوله، وكان دوري الوحيد في هذا الجانب هو أنني كنت الجمهور الأول الذي يلقي عليه أي موضوع يتناوله لأول مرة، ومن خلال رد فعلي كان يضيف أو يعدل ما سوف يقدمه.

* ما الذي أخذته ابنتاك من أبيهما؟

– «نانسى» و«نرمين» تعلمتا من والدهما يرحمه الله عمل الخير والعطاء وعزة النفس وحفظ الكرامة واحترام الآخرين، والاعتماد على النفس، فقد بدأتا العمل خلال عطلة الصيف قبل أن ينتهيا من دراستهما.

* قلت في لقاءات سابقة: أن د. الفقي يتمتع بحاسة شم عالية، هل هي إشارة إلى أن الحريق الذي اندلع في شقته كان مدبراً؟

– بالفعل كان د. الفقي يتمتع بحاسة شم قوية، وقد ذكرت في كتابي الذي ألفته عن حياتي معه عدة وقائع دليلاً على هذه الخاصية.. إنني أؤمن بقضاء الله وقدره، ولا أتهم أحداً أن يكون السبب في موته، ولكنني أستعجب كيف للدكتور الفقي الذي يتمتع بحاسة شم عالية ألا ينتبه لاندلاع الحريق منذ بدايته حتى وصل إلى هذه الصورة البشعة، دون أن يتصل بأحد ممن كانوا متواجدين بنفس المبنى لإنقاذه ومن معه.

* هل كان زوجك يشعر بأن الغرب منزعج من إضفاء الصبغة الإسلامية على التنمية البشرية؟

– اسمحي لي أن أستبدل عبارة «الصبغة الإسلامية»، وأضع بدلاً منها «الصبغة الدينية».. فقد كان حديث د. الفقي عن الله سبحانه وتعالى وعن القيم الدينية يعبر عن سماحة الدين الإسلامي؛ ولذا كان يستقطب جمهوراً من جميع الأديان ومن مختلف الانتماءات لحضور دوراته، وهذا هو سر قوة طرحه، ومن لا يعرف الله بالتأكيد سينزعج من الحديث عن القيم الدينية.

* بعد وفاة د. الفقي مباشرة بدأ الحديث عن كتبه التي تحدث فيها عن كيفية قيادة الحشود وتوجيهها، هل تعتقدين أن هذا الأمر له علاقة بمقتل زوجك، خاصة وأن وفاته كانت متزامنة مع انطلاق ثورات «الربيع العربي»؟

– د. الفقي كان لا يتحدث عن السياسة، وكان اهتمامه ينصب فقط على الارتقاء بالأداء الإنساني، أما الحديث عن قيادة الحشود وتوجيهها، فهذا أمر عارٍ من الصحة تماماً، والدليل على ذلك أنه لا يوجد كتاب أو تسجيل له في محاضرة أو حديث تلفزيوني يتطرق فيه إلى هذا الأمر.

* بعد ثلاثة أعوام على رحيل رائد التنمية البشرية في العالم العربي، كيف تعيشين؟

– أفتقده كثيراً؛ لأننا كنا وجهين لعملة واحدة، وبمعنى آخر؛ كنا شخصين يكمل كل منا الآخر، بعد وفاته لم يكن الأمر سهلاً، ولكنني تقبلت إرادة الله، والآن أستكمل رسالته كما كان يوصيني دائماً، وهو ما أعتبره أكبر تكريم له.

* قلت: إن بعض الشركات تحاول استغلال اسم د. الفقي، هل من توضيح حول هذه النقطة؟

– بالفعل، هناك العديد من المراكز والأشخاص الذين يستغلون اسم وعلوم د. الفقي أسوأ استغلال، من أجل جمع المال، وليس لنشر العلم كما كان يفعل هو.. فعلى سبيل المثال؛ هناك من يدعي أنه يمثل د. الفقي، ويعلن عن دورات للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراه، وهو أمر مرفوض تماماً، وكثيراً ما كان د. الفقي يحاربه قبل وفاته؛ لأن مثل هذه الدرجات العلمية لا يمكن الحصول عليها من مراكز تدريب، وإنما من معاهد وجامعات الأكاديمية بعد القيام بالعديد من الدراسات والأبحاث، فهل هناك استغلال أكثر من ذلك؟ للأسف هناك العديد من أوجه استغلال لاسم د. الفقي يطول شرحها في سطور، ومن خلال المراكز التي أسسها في كندا، وأديرها الآن بعد وفاته؛ نحاول قدر المستطاع التصدي لهذا الاستغلال.

* هل يمكن أن نقول: إن التنمية البشرية في الوطن العربي ضاعت بعد وفاة زوجك؟

– من الصعب أن نعتقد أن التنمية البشرية ضاعت بعد وفاته، فهناك الكثير من العلماء والمفكرين العرب في هذا المجال، أطال الله في عمرهم، ولكننا لا نستطيع أن ننكر أنها تأثرت سلباً؛ بسبب من يتاجرون باسم د. الفقي وبعلومه.

* ما المشاريع المستقبلية التي كان د. الفقي يخطط لها قبل أن توافيه المنية؟

– لقد كان حب د. الفقي لنشر العلم والارتقاء بالإنسانية لا حدود له؛ لذا كانت أمنيته أن يقدم دورات ويلتقي بكل شعوب العالم، وكان يسعى لإتقان عدة لغات، وهو بالفعل زار بلاداً عديدة، ولكنه توفي قبل أن يستكمل جولاته في باقي بلاد العالم.

* كان د. الفقي ينوي زيارة الجزائر قبل أسبوع واحد من وفاته، ما الذي كان سيقدمه؟ وما الذكريات التي يحملها عن الجزائر؟

– جدول د. الفقي كان مزدحماً جداً قبل وفاته، حيث كان مقرراً له أن يقدم دورات في العديد من البلاد العربية، ونظراً لأنني كنت في مونتريال بسبب مرض ابنتنا نرمين خلال تلك الفترة؛ لذا لا أتذكر بالتحديد ما كان سوف يقدمه في الجزائر، وكل ما أستطيع أن أقوله: إن زياراتنا المتعددة للجزائر جعلته يرتبط كثيراً بشعبها؛ لما يتميز به من حب للعلم وكرم الضيافة، وحسن العشرة، وعزة النفس.

Exit mobile version