اضطراب المفاهيم الدينية حول نهاية العالم

هذا المقال ليس نقداً شخصياً لمؤلف بعينه بقدر ما هو تنبيه إلى ما وصل إليه فكر الإثارة واللا موضوعية المتعلق بما يسمى نهاية العالم من خلال كتاب لمؤلف مشهور.

سعد سعيد الديوه جي

هذا المقال ليس نقداً شخصياً لمؤلف بعينه بقدر ما هو تنبيه إلى ما وصل إليه فكر الإثارة واللا موضوعية المتعلق بما يسمى نهاية العالم من خلال كتاب لمؤلف مشهور.

فهذا المصطلح قد حل مع الأسف محل مصطلح “القيامة” و”الساعة” و”اليوم الآخر”، وهي كلها مصطلحات دينية خالصة تتعلق بدورة الحياة المتكاملة، وليس لها أي بُعد سياسي كما لمصطلح نهاية العالم الذي استورده الفكر الإسلامي بتأثيرات توراتية وإنجيلية نادراً ما التفت إليها كتَّابنا المسلمون في هذا المجال، فوقعوا في مطبات لا يحسدون عليها وأوقعوا كثيراً من الناس فيها.

إن ارتباط نهاية العالم بقيام دولة العدل الإلهي أمر لا أساس له في المعتقد الديني، ففي يوم القيامة هناك المؤمن والكافر (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ {12}) (الروم).

فالساعة وقيام الموتى أمور غيبية لا جدال حولها، وكل ما يتعلق بها من تفاصيل دقيقة لا أساس له من الصحة؛ لأن الله تعالى يقول: (ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً) (الأعراف)، وكل ما علينا التصديق والإقرار بها بعيداً عن الدوافع السياسية التي كانت وراء معظم الأحاديث المنسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم في هذا المجال.

وفي مكتباتنا مؤلفات عديدة حول نهاية العالم وما يتبعها من أحداث مثيرة صارت صفة العصر؛ وذلك بالاستناد إلى أحاديث منسوبة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، رغم ما فيها من تناقضات تبلغ حد الإساءة غير المباشرة له ولسيرته العطرة، ناهيك عن الابتعاد عن المفاهيم القرآنية الثابتة التي لا تهتم مطلقاً بالتفاصيل لمثل هذه الأمور بقدر اهتمامها بالعبرة من كل حدث وما يتبعه من نتائج، وهو نهج قرآني متميز يختلف اختلافاً جذرياً عن المنهج التوراتي (الإسرائيليات) والتي أخذت مسارها داخل الفكر الإسلامي في هذا المجال مع الأسف الشديد.

والكلام عن أشراط الساعة (القيامة) بالتفصيل الممل يجعل هذه المؤلفات كومة من الخرافات تدعو للغثيان والحزن، في حين أن القرآن الكريم لا يهتم مطلقاً لهذا النهج، وله نهجه البلاغي المتميز الذي يذكرنا بالقيامة وليس بنهاية العالم أو الكون، والتي ستأتي بغتة كما بينا آنفاً، والناس بين مؤمن وكافر، وهو أمر واقع لا محالة، ونؤمن به لتجزى كل نفس بما كسبت.

وبين أيدينا كتاب للداعية المعروف محمد عبدالرحمن العريفي بعنوان “نهاية العالم.. أشراط الساعة الصغرى والكبرى”، وأسوأ ما فيه ما يحمله غلافه من عنوان “أول كتاب مصور لأشراط الساعة”؛ حيث يمتلئ الكتاب بأشراط الساعة الصغرى والكبرى، بالاستناد إلى أحاديث منسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم لا رابط بينها ولا تسلسل زمنياً، وخروجاً غثاً عن كل السياقات المنطقية والقرآنية، والغرابة في الأمور بأنه قد وضع صوراً ومرتسمات حديثة تشمل القطارات والسيارات والسدود والجراد والخنازير والدروع والتروس.. إلخ، بجانب كل علامة على طريقة تعليم القراءة لطلاب الأول الابتدائي، وكأن هذه الأشياء طلاسم لا يعرفها القارئ، وهي أمور لا تصب إلا بالاستخفاف بعقل القارئ المسكين، وإمعاناً بإعطاء صور ساذجة من الإثارة! والكتاب شأنه شأن معظم الكتب في هذا المجال يحتاج إلى الكثير من المناقشة والجدل حول هذه الأمور الشائكة وعلاقتها بالإسرائيليات وحجم الخيال والتهويل فيها.

ومن الأشياء اللافتة للنظر وضع الخرائط بأسماء البلدان، وهي خرائط ما بعد “سايكس بيكو”، وكأنما هي خرائط بأسماء البلدان قبل 1400 عام، فالعراق وسورية والأردن وغيرها أسماء مدن في تلك الفترة وليست بحدودها المعروفة الآن كدول مستقلة، وهو ما لم يلتفت إليه السيد المؤلف مطلقاً، ويورد كذلك أحاديث منسوبة للرسول صلى الله عليه وسلم عن تمصير البصرة (جنوب العراق) الحالي وحذر منها، رغم أنها بنيت في زمن عمر رضي الله عنه حوالي 16ه.

ففي (ص9) من الكتاب تظهر الجملة: “وفي عقود الهجرة الألف وأربعمائة! يخرج المهدي الأمين ويحارب كل الكون”!

يا للهول، كيف سيخرج المهدي؟ لا نعرف وكيف سيحارب الكون كله وهو على حصانه ويخرج خارج المجموعة الشمسية وربما خارج المجرة التي نحن فيها، ثم يذهب إلى ملايين المجرات في هذا الكون الذي لم يحدده العلم الحديث بعد! أليس هذا معنى الكون؟!

وفي (ص 46) يقول الشيخ: ومن تفاسير علامات الساعة الصغرى ظهور القنوات الفضائية، وهي العلامة الثامنة وكثرة انتشار الكتابة إلى غير ذلك من الأمور التي لا معنى لها، والعلامة 55 تتعلق بموت العلماء والفقهاء كالألباني وابن باز وغيرهم، وهذا الادعاء عجيب غريب، فليس العلماء فقط يموتون، فكل نفس ذائقة الموت، وقد مات جهابذة العلماء في الإسلام ولم تحدث القيامة!

أما العلامة رقم 106 فهي فتح القسطنطينية (إسطنبول)، ومن المعلوم أنها فتحت عام 1453م على يد محمد الفاتح رحمه الله، ولكن الخيال الجامح يقول: إن هناك فتحاً آخر؛ أي أن القسطنطينية بجوامعها وحضاراتها وعمرانها ستضيع ويحتلها الروم ثم يردها المهدي! فالمهم أن نبرر كل شيء وكل شيء خاضع للتأويل والحدس مهما كانت مصداقية الحديث المنسوب.

وأما العلامة 109 فهي عودة الناس إلى الأسلحة والمركوبات القديمة، أي أن الدنيا وكل مظاهر المدنية المتعلقة بظهور أشكال الطاقة الحديثة ستختفي، ناهيك عن علامات عجيبة ليس أقلها تكلم الجمادات والسباع ولا نعرف بأي لغة، رغم أنه في العلامة رقم 130 يفسر الرواحل الجديدة بالسيارات! فبأي وقود ستسير السيارات والزمن قد رجع إلى الوراء وإلى زمن السيف والدرع والحصان!

ومن الأمور التي تحتاج إلى وقفة في زمن العلم والمقارنة والتحليل ما جاء في (ص 127) في العلامة 84 من كثرة الروم وقلة العرب، فإن الشيخ العريفي يخبط خبطاً عشواء لتبرير هذه العلامة!

 

فالروم عنده هم الأوروبيون والأمريكيون وغيرهم، ويقول: إنهم سموا بالروم نسبة إلى الأصفر بن الروم بن عيسو بن إسحق بن إبراهيم؛ استناداً لكتاب “التذكرة” للقرطبي، بدون أن يكلف نفسه ما وراء ذلك!

وإذا ساءنا بهذا الأمر فالأوروبيون “ساميون”؛ أي أولاد عم العرب؛ لأن عيسو يرجع بأصله إلى إبراهيم عليه السلام صعوداً إلى سام بن نوح عليه السلام، ولا يوجد أي مصدر تاريخي أو ديني يؤكد هذه المزاعم أو ينفيها عدا ما جاء في التوراة؛ حيث لا ذكر للروم فيها مطلقاً، وعليه فهذه المزاعم تعني اختفاء علم الأنثروبولوجي تماماً، واختفاء كل الدراسات المتعلقة به التي قامت طوال قرنين في هذا المجال هذا من ناحية، أما الناحية الأهم وهي لو أن الشيخ العريفي كلف نفسه ورجع إلى الإصحاح (36) من سفر التكوين لما وجد النسب الذي اخترعه القرطبي والمتعلق بأولاد وأحفاد عيسو شقيق يعقوب التوأم، فمن أين جاء القرطبي بهذا النسب؟ وهل من الجائز أن نتبع كل ما نقرأ فقط؟!

وإمعانا في التبريرات المتهافتة حول كثرة الروم وقلة العرب، فإنه يعزو الأمر لانتشار الإنجليزية وانحسار العربية، علماً أن المتكلمين بالصينية والهندية والإسبانية هم الأكثر في العالم، وإنا لله وإنا إليه راجعون!

ومن علامات نهاية العالم تكلم الحيوانات والجمادات وشراك النعل، فذئب سوف يسرق غنمة ويدعي أن الله رزقه بها، ثم يخبر الراعي بلغة عربية فصيحة بالذهاب إلى المدينة ليستمع للرسول صلى الله عليه وسلم، ورجل يسوق بقرة عليها أحمال ثقيلة فتلتفت البقرة وتقول: إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث، هذا علماً أن البقر من الحيوانات التي لا تستطيع الالتفات، ويسمعها الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن سمع تعجب الناس فيقول: “إني أؤمن به”!

 وأبو بكر وعمر.

هذا التهافت فيه من الإساءة للسيرة النبوية الشريفة الشيء الكثير، فهل تمعن الشيخ بما كتب أم يكفي أن يسطر كل ما يقرأ، حتى لو كان فيه إساءة مبطنة؟

وهل سأل من يؤمنون بهذه الأحاديث أنفسهم عن معنى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بأني “أؤمن به”، وهو الذي يطلب من الناس أن يؤمنوا بما جاء به ولا يحتاج هو لآية كي يؤمن؟ فالمعجزات والآيات لا ترسل للأنبياء والرسل، وإذا كانت هذه العلامة قد حدثت وقت البعثة فما معنى ذلك؟! وكذلك قوله بأن المسيح الدجال حي كما جاء في حديث تميم الداري المزعوم كان موجوداً في جزيرة، فنحن نعيش في أجواء أشراط الساعة الصغرى والكبرى منذ البعثة النبوية الشريفة، فماذا بقي لكي نتوقع مجيئه؟

كثيرة هي المبهمات والإسرائيليات في هذه الكتب التي تسيء للدين وللسيرة النبوية، من حيث ندري ولا ندري، وهي أمور تعمل على تسطيح الدين وسلب العقول والله تعالى أمرنا بالإقرار بالساعة والإيمان بها كما جاء في القرآن بدون تفاصيل مستجدة من الخيال والإسرائيليات وهو القائل: (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ {49}) (الأنبياء).

 

 

Exit mobile version