الفرج بعد الشدة

إن الإنسان في هذه الحياة متقلب بين الصحة والمرض، والسعادة والحزن، والغنى والفقر، والسفر والإقامة، والخوف والأمن، والجوع والشبع، وبين الخير والشر، والنفع والضر، والمسلم الحق هو الذي يميز بين ما ينفعه وما يضره في دنيا وأخراه، ومن تلك المراحل حصول الشك

 

عبدالله السلوم

إن الإنسان في هذه الحياة متقلب بين الصحة والمرض، والسعادة والحزن، والغنى والفقر، والسفر والإقامة، والخوف والأمن، والجوع والشبع، وبين الخير والشر، والنفع والضر، والمسلم الحق هو الذي يميز بين ما ينفعه وما يضره في دنيا وأخراه، ومن تلك المراحل حصول الشك والضيق والمحنة والبلاء التي يقابلها المؤمن بالصبر والدعاء والرضا بقضاء الله وقدره.

 وقد جعل الله حكمته البالغة وتدبيره الحكيم، فمن حكمة الله أن جعل بعد العسر يسراً، وبعد الكرب والضيق الفرج والتنفيس قال تعالى: ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه وهذا نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام حصل له من البلاء والأسقام والفقر وموت الأولاد ثم فرج الله عنه فعافاه الله وشفاه، ورزقه ورد عليه المال والولد، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:83–84].

وقد كان أيوب رجلاً كثير المال من سائر صنوفه: من الأنعام والعبيد والمواشي والأراضي المتسعة، وكان له أولاد وأهلون، فسلب منه ذلك جميعه، وابتلي في جسده بأنواع البلاء من الأمراض، ولم يبق منه عضو سليم سوى قلبه ولسانه يذكر الله عز وجل في ليله ونهاره في صباحه ومسائه.

وقد ذهب يونس عليه السلام فركب مع قوم في سفينة فلججت بهم، فخافوا أن يغرقوا، فاقترعوا على رجل يلقونه من بينهم يتخففون منه، فوقعت القرعة على يونس عليه السلام فأبوا أن يلقوه ثم أعادوها فوقعت عليه ثلاث مرات، فقام يونس عليه السلام يجر ثيابه ثم ألقى نفسه في البحر وقد أرسل الله سبحانه من البحر الأخضر حوتاً يشق البحار حتى جاء فألتقم يونس حين ألقى نفسه من السفينة، فأوحى الله إلى ذلك الحوت أن لا تأكل له لحماً ولا تهشم له عظماً، فإن يونس ليس لك رزقاً، وإنما بطنك تكون له سجناً، فانتهى به الحوت إلى أسفل البحر فسمع يونس حساً فقال: ما هذا؟ فأوحى الله إليه: إن هذا تسبيح دواب البحر، فسبح وهو في بطن الحوت فسمعت الملائكة تسبيحه فقالوا: يا ربنا إنا نسمع صوتاً ضعيفاً بأرض غريبة. قال: ذلك عبدي يونس عصاني فحبسته بطن الحوت في البحر، قالوا: العبد الصالح الذي كان يصعد إليك منه في كل يوم وليلة عمل صالح؟ قال: نعم، قال: فشفعوا له عند ذلك، فأمر الحوت فقذفه في الساحل، فنبذ بالعراء وهو سقيم، وقد دعا يونس وهو في بطن الحوت فقال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين فأقبلت هذه الدعوة تحت العرش فقالت الملائكة: صوت ضعيف معروف من بلاد غريبة فقال: أما تعرفون ذاك قالوا: يارب ومن هو؟ قال: عبدي، يونس. قالوا: أعبدك يونس الذي لم يزل يرفع له عمل متقبل ودعوة مجابة. قالوا: يارب أولا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيه في البلاء؟ قال: بلى فأمر الحوت فطرح في العراء، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (دعوة ذي النون إذ هو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين إنه لم يدع بها مسلم ربه في شيء قط إلا استجاب له) نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وإتباع سنة نبيه، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب أن الكرب إذا اشتد وعظم وتناهى وحصل للعبد اليأس من كشفه من جهة المخلوقين تعلق قلبه بالله وحده، وهذا هو حقيقة التوكل.

ومن علاج المصائب التوبة النصوح، فإنه ما أنزل بلاء إلا بذنب، وما رفع إلا بتوبة، ومنها: الإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم ورحمة صغيرهم وكبيرهم، فإن من أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، ومن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومنها: الإكثار من قراءة القرآن وذكر الله مما يسبب تعلق القلب بالله وكثرة دعائه ومناجاته والضراعة بين يديه، ومن ذلك: أن تقول في دعائك: (يا حي ياقيوم برحمتك أستغيث)، وأن يتذكر العبد أن الله عز وجل يبتلي العبد وهو يحبه، وقد يطيل الله عليه البلاء ليسمع الله تضرعه وإلحاحه وزيادة طلبه من ربه، ليستخرج الله منه حقيقة العبودية، وهي الذل والانكسار وإظهار المسكنة والضعف بين يدي الله والإدبار عن المخلوقين بحيث لا يسألهم ولا يرجوهم، وليتذكر العبد الفقير المحتاج الغريب المصاب أنه ربما كانت النعمة والصحة والأنس سبب لنسيان الله وسبب للفسوق والعصيان والأشر والبطر والمحن وتأديب من الله والأدب لا يدوم، فطوبى لمن صبر على التأدب، وليتذكر المصاب بأن فرج الله قريب وإنها سحابة عما قريب، تزول، وما بعد الشدة والضيقة إلا الفرج القريب.

Exit mobile version