الصابرون

بيّن القرآن الكريم منزلة الصبر في آيات عديدة، وهي آيات توضح معنى الصبر، والحكمة منه، ثم ما يمكن للصابر أن يظفر به نتيجة دأبه على الصبر. يقول الله تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّ

بيّن القرآن الكريم منزلة الصبر في آيات عديدة، وهي آيات توضح معنى الصبر، والحكمة منه، ثم ما يمكن للصابر أن يظفر به نتيجة دأبه على الصبر.

يقول الله تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ {16} الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ {17}) (آل عمران).

هنا نقف إزاء مزايا الإنسان الصابر، كم أنه يبلغ مستويات النضج في مواقف الصبر التي يقفها، كم تغتني نفسه بمزايا صبره، كم ينتفع الناس من ترسّخ عقيدة الصبر في مذهبه، وقد بلغ من خلال سلوك الصبر الذي انتهجه في حياته مرتبة الصبر بامتياز، وجدارة واستحقاق برحمة وتوفيق من الله جل جلاله، عندما يشهد الله على إنسان بالصبر، فهي براءة له من رب العزة.

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وسَلَّمَ:

“إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.

 ويقول النبي: “عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ”.

يستعين الإنسان بطاقة الصبر من أجل مواجهة وقائع وأحداث الحياة التي تواجهه كي يتقبلها وينسجم معها من أجل أن يبعد عن نفسه اليأس، ويستمر في الحياة.

كلما استعان الإنسان بالصبر؛ ازداد نضجاً، وحكمة.

ليس بوسع الإنسان أن يتخلى عن الصبر بأي حال؛ لأنه بحاجة إليه في كل لحظة، في كل موضع.

من هنا يمكن اعتبار أن الصبر من النعم الكبرى التي عرفها الإنسان؛ لأن الصبر بمقدوره أن يواسيه، ويجعله في حالة انضباط دون أن يفقد اتزانه.

الصبر رفيق الإنسان القديم، رفيقه الوفي في مراحل حياته المتقلبة، ويستعين الإنسان الصبور بصبره على الحياة فهو عندما يبلغ مرحلة متقدمة من مراحل الوعي، فإنه يبلغ مرحلة متقدمة من مراحل الصبر.

على الإنسان أن يتعرف على الصبر كي يتمكن من ممارسته، والإنسان يتدرج في معرفة الصبر حتى يبلغ مراحل متقدمة منه، ويبلغ مرحلة يعقد فيها علاقة وثيقة مع الصبر. الإنسان الصبور هو محاور جيد مع ذاته بالدرجة الأولى، ويعيش حالة من التصالح والتسالم مع نفسه.

العلاقة المترسخة مع الصبر والتحاور والتصالح مع الذات تؤهل صاحبها كي يقف وسط الأمور، ويكون مسيطراً على انفعالاته، وأهوائه، وردود الأفعال التي يواجهها.

إنه يعيش حالة من السكينة والاستقرار والتأمل متعظاً مما يقع معه، أو حوله، إنه قارئ ومتأمل جيد لكل ما يرى ويسمع.

يقول محمد بن بشر الخارجي:

إن الأمور إذا استدّت مسالكها       فالصبر يفتح منها كل مارتجا

لا تيأس وإن طالت مطالبه         إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا

ويقول زهير بن أبي سلمى:

ثلاث يعز الصبر عند حلولها       ويذهل عنها عقل كل لبيب

 خروج اضطرار من بلاد يحبها      وفرقة إخوان وفقد حبيب

ويقول ابن نباتة:

صبراً على نوب الزمان            وإن أبى القلب الجريـح

ويقول محمود الوراق:

إني رأيت الصبر خير معول       في النائبات لمن أراد معولا

يقول الله تعالى لخاتم الأنبياء والرسل صلى الله عليه وسلم: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (الأحقاف:35).

وهم أربعة رسل ممن صبروا على ما أصابهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ثم يكون خامسهم محمد، عليهم الصلاة والسلام، وهؤلاء هم أصحاب الشرائع، إذن فقد بلغ الأنبياء والرسل منزلة العزم بما صبروا، وممّا أورده لك عن الصبر في القرآن:

(} وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ {45}) (البقرة).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {153}) (البقرة).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {200}) (آل عمران).

 

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156}) (البقرة ).

(قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {10}‏) (الزمر).

ويُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “النصر في الصبر”.

وقوله: “الأناة من الله تعالى، والعجلة من الشيطان”.

 

Exit mobile version