وعلى غير موعد رحل “إلياس”

ألا يا أنا.. ألا يا أنتَ.. ألا يا كل الدنيا.. لأعلم ولتعلم ولتعلمي يا كل الدنيا..

ألا يا أنا..

ألا يا أنتَ..

ألا يا كل الدنيا..

لأعلم ولتعلم ولتعلمي يا كل الدنيا..

 أن خير أيامنا هو اليوم الرباني..

 ذلك اليوم الذي يمرّ ويكون رضا الرب فيه هو من نصيبنا..

أما ما هو سوى ذلك فابكِ يا أنا وابكِ يا أنتَ عليه الكثير..

إلياس أخي وزميلي في العمل..

أحسبه صالحاً ولا أزكيه على الله..

شاب صحيحُ البدن, مُعافى, لا مرض به, سليم تماماً

خلوق يافع يعرف ربه يؤدي الصلاة..

بيننا ومع زملائه كان متواجداً في العمل..

أتمّ يومه في عمله كاملاً..

فجأة ذهب بعد العمل لزوجه وأبنائه..

إلياس يموت, إلياس قد مات!

مات إلياس ولم يكن به مرض..

مات إلياس وهو بصحة وعافية ونشاط..

مات إلياس بعد يوم حافل بالكد والإخلاص في عمله..

مات إلياس تلك حقيقة أكتبها..

هي ليست قصة أقصها أو رواية أرويها أو استلهاماً أستوحيه من خيال..

مات إلياس بعد أن أتمّ يومه في عمله صحيحاً معافى تماماً..

أدى ما عليه لخالقه الكريم وما عليه لرب عمله أيضاً..

مات إلياس وقامت قيامته..

وسأموت كما مات أخي إلياس لا أدري فجأة مثله أو بثوب آخر يأتي على هيئته الموت..

المهم سألحق بإلياس, سألقى مصيره، حتماً سألقاه.

وستقوم قيامتي كما قامت لإلياس قيامته..

فيا نفسي ويا كل نفس..

يا أيتها التائهة في طرقات الدنيا..

ألا تعلمي أنه إذا مات ابن آدم قامت قيامته؟

فإلياس ودون سابق إنذار قد مات وقامت قيامته..

 ألا يا نفس ويا كل نفس، فاستثمري لدار المُقامة فإنما الدنيا غَرْس..

ألا يا نفس ويا كل نفس فاحذري الشرك بربكِ، ولا تستغربي إذا قلت لكِ: احذري الشرك بربكِ..

فربما تسأليني ويسألني غيرك من الأنفس كيف يا صاحبي أشرك بربي وأنا المُوحّدُ المسلمُ؟

فأجيب: ألستِ يا أيتها الأنفس إذا يئستِ وقنطتِ لأي سبب مؤلم أو لظلمٍ قد وقع عليكِ قاسٍ؟

ألا تعلمين أن الله قد قال: (إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {87}) (يوسف)؟

ثم إياكِ يا أيتها الأنفس من حقوق العباد.. احذريها.. انتبهي إليها!

احذري التقصير في حقوقهم، تواضعي لا تتكبري.

ثم اعلمي يا نفس، أنه إذا لم يختلط الرجاء في الله بالخوف منه فذاك هو الاتكال بعينه..

فالرجاء والخوف هما جناحا المؤمن في دار الخلود..

عليكِ بالسريرة بينك وبين الله صاحب الأسرار العزيز المتعال الغفار, اجعلي بينك وبينه خبيئة ﻻ يعلمها إﻻ هو، فليس هناك والله أفضل وأسعد للعبد من عمل عمله فأخفاه وخبّأه..

أخفاه ليكون خالصاً صافياً لله، حتى لا يعرفه الناس، أخفاه طمعاً فيما عند رب الناس ورجاءً لما هو مُدّخر أو يأمل أن يُدّخر له في سماء الله عند رب السماوات والناس.

ثم لا تنسي يا نفسي الإحسان، عاملي الناس بالإحسان، فالدين المعاملة والدين سلوك.

اتركي الأثر, اتركي الذكرى الطيبة، اتركي السيرة العطرة، اتركي ظِلّك ينير للغير المكان، وصورتك التي تبعث في النفوس الإلهام.

فالدنيا لن تبقى والبقاء فقط للحي الذي لا يفنى.

وتذكّري يا نفسي يا مسكينة بأنكِ لا تتميزي ولن تتميزي عند الله ولن ترتفع مكانتك ولن تعلو رايتك إلا بتفوقكِ في عالم القيم والأخلاق..

فالله الله في الصدق، وإحسان العشرة والوفاء والمحافظة على اللُحمة في البيوت ودعم استقرارها, ورفض الباطل وإنذار العشيرة الأقربين بما يزحزحهم عن النار.

الله الله في حب الحق والنصح بالحسنى والاعتدال ولين الجانب، والحفاظ على الأعراف والتقاليد كونها لا تصطدم مع الإسلام، فكل ذلك هو من ضمن منظومة القيم الأخلاقية والإسلامية والإنسانية.

وهكذا يا نفسي تلك منظومة كاملة يفرزها ديننا العظيم الإسلام الذي به نفخر ونعتز، منظومة كاملة اسلكيها حق السلوك، مارسيها، عملاً قبل قولاً, بحب ورفق لا بتطرف ولا تفريط ولا إفراط.

اعلمي يا نفسي يا مسكينة..

أن عبادتك لله وحدها والله لن تغني عنكِ من الله شيئاً، فليس الإسلام مجرد صلاة وزكاة وحج وصوم ومواعظ ومحاضرات وكتابة وفقط، بل الإسلام سلوك ممارسة تطبيق فعل، هو في الإجمال مجموعة كاملة قيّمة من منظومة كاملة قيّمة من الأخلاق الفاضلة ونخبة من أعظم القيم القيّمة، تلك التي لا تتوافر إلا في ديننا الجميل الذي ارتضاه الله لنا ديناً..

يا نفسي يا مسكينة..

ألا تعلمين أن أساس اﻻيمان ما وقر في قلبكِ وصدّقه عملكِ وفعلكِ وسلوككِ على أرض الواقع؟

ألا يا نفسي يا مسكينة..

فلتطلبي ما عند الله، وافعلي ما أمركِ به، وﻻ تطلبي ما عند خلقه، اطلبي من الله وحده سارعي إليه وتشوقي دوماً تسمُ روحك ويرتح بالك يذهب همك تنفرج كربتك تهدئي تسكني يهطل الخير عليكِ من فوقكِ ومن تحتكِ ونلتِ السعادة كلها من فضل ربكِ وربي.

ألا يا نفسي يا مسكينة ويا كل نفس مثل نفسي..

إياك أن تنامي وفي صدركِ ضغينة، فالدنيا دنيّة دنيئة حقيرة لا تستحق فهي قصيرة تافهة..

ولا تنسي أنكِ قد لا تصبحين إلى الصباح فبادري إلى من ظلمته لتسرعي في رد مظلمته..

سارعي إليه، وإليه اعتذري، ومن أجل الله إليه توددي حتى وإن أبى فخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

أما من ظلمكِ ففوضي لله أمركِ وتحسبني وبالله واعتصمي..

ألا يا نفسي يا مسكينة ويا كل نفس مثل نفسي..

لا تنسي لسانك تلك القطعة الصغيرة من اللحم، لا تنسي استعمالها استعمالاً ينجيكِ وينجيكِ بفضلها، رطّبيها بذكر الله ولا يزال لسانكِ رطباً بذكر الله، في متجركِ في مكان عملكِ في سيارتكِ في خلوتكِ في جلوتكِ رطّبي اللسان, استغفار يرضي الغفار، تسبيح تجعلين منه للمغاليق مفاتيح، مداومة الصلاة على الحبيب تجلب لكِ كل خير وتغنيكِ عن أي طبيب.

مسبحة في يدك حركيها مع اللسان بالألف والآلاف فتكون لكِ مفاتيح لمغاليق الرزق، ومجلبة لحياة قلبكِ واستحقاقاً لنيل رضا وقرب ربكِ.

ﻻ تفوتي فرصة من فرص الخيرات، أسرعي لا تؤجلي، حتى لا تتأخر عليكِ الخيرات الكثيرات..

إياكِ واستبطاء الطاعة وتأجيل الصدقة وتسويف التوبة والاعتذار إلى الخلق..

دعكِ يا نفسي ويا كل نفس مثل نفسي..

من الغرور والتكبر والغطرسة والجدال والتعنت فأنتِ نطفة وأنتِ من ماء..

ومصيركِ في جُحر صغير أبعاده متر في مترين..

مصيركِ رائحة منتنة، ودود بشع، وذباب أزرق مخيف..

مصيركِ مكان مُعتم، ضمةُ صعبة، عظم يبلى، جسد يتحلل… فعلامَ الكبر؟

فعلام الكِبْر وعلامَ التعالي يا نفسي يا أيتها الصغيرة؟

فإلياس قد مات!

فلتحذري يا نفسي ويا كل نفس مثل نفسي..

من إهانة الخلق، لا تنظري إليهم نظرة دونية وكأنكِ في الفوق وهم في الدون والدنيّة.

ثم النوافل وما أدراكِ ما هي؟

هي وصال مع الله، زيادة وحب وتكريم منه واستزاده وفي الحب زيادة..

بها تزداد ربانيتكِ وبها يبتعد شيطانكِ وبها يأتي إليكِ ربكِ مهرولاً.

أكثري يا نفس من النوافل فهي تجلب لكِ القرب من الله وما يزال يتقرب إليَّ عبدي بالنوافل حتى كذا وكذا وكذا.. فتصيري يا نفسي نفساً ربانية.

أخيراً ومن أجل مصير حتمي سأقابله..

وقد يكون مفاجئاً كمصير أخي إلياس..

هوّني عليكِ يا نفسي, اصبري لا تحزني..

لا تجزعي لا تيأسي..

فالآخرة والله خير لكِ وأبقى..

هي الحيوان هي المستقر هي الأبدية هي الخلود لو كانوا يعلمون.

رحمك الله يا أخي يا إلياس.

وجمعني بكِ وبالمسلمين في فردوس الله.

وصلِّ اللهم على نبينا محمد معلم الخير والفضيلة للخلق والناس.

 

Exit mobile version