إنّما أشكو بَثِّي وحُزْني إلى الله

منذ ومِنْ لَدُنْ أن خلق الله أبينا أبا البشر آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ومروراً بالأنبياء والصحابة والسلف الصالح ومن بعدهم وحتى يومنا، والحياة لا تخلو من كثير من المصائب والمحن التي قد تصيب هذا الكائن الآدمي ذلك الضعيف المسمى بالإنسان

منذ ومِنْ لَدُنْ أن خلق الله أبينا أبا البشر آدم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، ومروراً بالأنبياء والصحابة والسلف الصالح ومن بعدهم وحتى يومنا، والحياة لا تخلو من كثير من المصائب والمحن التي قد تصيب هذا الكائن الآدمي ذلك الضعيف المسمى بالإنسان، فهذا يُبتلى في إعاقة ولده، وذاك في ماله، وهذا في أمله، وهذا في حاضره، وآخر في وظيفته، وهذا في كرامته، وهذا في بدنه، وهذا في دراسته، وذاك في صحته، وآخر في راحة باله، وآخر في جيرانه، وآخر في تعسر زواجه، وهذا في طلاقه، وهذا في نفسيته، وآخر في عقمه وحرمانه من الذرية، وذاك في فِراق أهله وأحبته، وهذا في خسارته مع تجارته، وآخر في عقوق أبنائه، وهكذا تتوالى وتتنوع المصائب والمحن.

فاللهم إن أردت بنا أو بأحد من خلقك بلاء أو فتنة فلا تجعلها في ديننا يا أرحم الراحمين.

واقبضنا إليك غير خزايا ولا مفتونين، موحّدين مؤمنين مسلمين وأمِتْنا على كلمة التوحيد يا عظيم.

وهنا ومع البلاء والابتلاء لا يجد المرء المبتلى ولا يمتلك سوى شكوى يرفعها إلى ربه بكلتا يديه الضعيفتين وبقلبه المكلوم الذي أصبح لا يتوقف توجعاً وتألما فظل ينبض ألماً وتوجعاً بدلاً من أن ينبض فرحاً وسعادة وحياة وسكينة، حتى أجهده وأضناه التعب وأعياه التفكير، شكوى لربه يرفعها لعلها تخفف عن نفسه وتسرّى عنه وعنها، شكوى لربه لعله يجدد بها روحه، لعله يجد بها نفسه التي تاهت منه طويلاً فظل تائهاً يبحث عنها وعن نفسه معها، شكوى لعله يحاكي بها ربه لعله يصل بها إلى رحمته، لعله ولعله ولعله.

ولقد شاء المولى أن يبتلي عباده كي يسمع شكواهم إليه، فتلك حكمته، فما الشكوى إليه إلا تحقيق لعبوديته.

وفي سير الأنبياء والصحابة دروس للمصابين وهم يشكون ما أصابهم إلى ربهم فتكون عاقبة شكواهم سكون القلب وتفريج

الكرب وزوال الغُمّة وإغاثة النفس واستشعار معية ربانية لا يرتاح المبتلى إلا في السكن إليها.

فاللهم، إنا قد التجأنا إليك، وبك اعتصمنا، وعليك توكلنا، وإلى ركنك آوينا، لا فارج لهمنا ولا كاشف لبلوانا سواك يا ربي ويا رب كل شيء ومليكه لا إله إلا أنت، يا صاحب الركن الشديد، أشهدك أني قد آويت ولجأت إلى ركنك الشديد؛ فارزقني حسن الشكاية، ولا تحرمني منك حسن الإجابة والمظلّة والرعاية والستر والكفاية، واصرفني ربي عن كل ما فيه من الشيطان إغواء وغِواية، فأنا الضعيف الذي لا أملك حولاً ولا قوة إلا بك.

رُدّني إليك رداً جميلاً، وانسج لي حبلا جديداً من جميل حبالك لا أفارقه، أتعلّق به وأمسك واعتصم وألفّهُ على روحي ونفسي لفّاً فأتحصّن به، وأصُدَّ كل تعب ونصب وحزن، يا صاحب كل نجوى، ويا أنيس كل مكلوم، اللهم وإن تكالبت الدنيا ومن فيها على عبدٍ لك الفقير فلم يجد الراحة ولم يهنأ بالسعادة ولم يصل إلى ما كان يصبو إليه ويأمل، فاللهم إليك الشكوى وإليك المستند ولك التفويض، ارزقنا والمسلمين هذا الحبل الرباني المتين من عندك، واجعل اللهم أوله عندك وآخره عندي، واشدده شداً جميلاً، فلا ينفرط حتى مماتي، وامنن عليَّ والمسلمين بفضل منك ورحمة منّاً كثيراً، وأنزل رحمة من رحمتك وكرماً من كرمك وحفظاً من حفظك وهداية من هدايتك وتيسيراً من تيسيرك وكفاية من كفايتك، فلا يكن لأحد بعدك سلطان عليَّ حتى ألقاك وأنت عني راض يا صاحب الرضا ويا عظيم الفضل ويا كثير الجود والكرم.

إذا أرهـقتك همـوم الحـياة ومسّك منها عظيم الضرر

وذقـت الأمرين حتى بكيت وضج فؤادك حتى انـفجر

وسُدّت بوجهك كل الدروب وأوشكت تسقط بين الحُفر

فيـمّم إلـى الله فـي لهـفة وبث الشكاة لـرب البشر

ربي، إليك بثِّي وإليك حزني:

ربي، إني أشكو إليك حالي وأشكو لك مني.

فكن يا رباه سندي وعوني.

وباعد بين هوى نفسي وبيني.

وتُب عليَّ من سوء التمني.

رباه، ألا تعفو؟ ألا تصفح مولاي عني؟

ألم تكن مولاي دوماً بي رؤوفاً؟

ومن قبل دوماً عند حسن ظني؟

ربِّ، إليك بثِّي وإليك حزني:

ربي، صِرتُ أحمل همي في قلبي.

ولن أبوح به إلا إليك ربي.

ولن أشكو ولن أجزع.

وكيف ذاك وأنت حسبي!

ألستَ أنتَ بكافي روحي؟

ألست أنتَ خلقتَ نفسي؟

ألست أنت ألست ربي؟

ربي، إليك بثِّي وإليك حزني:

ربي، إن لم تُصبّرني وتُصّيرني مع منْ يدعونك بالغداة والعشي..

يريدون وجهك لا تعدو دوماً عيناهم عنك..

لا يريدون الحياة الدنيا وزينتها.

فإلى مَنْ ترسلني وإلى أي مكان تُصيّرني وبرفقة من ستأويني؟

ربي، إن أنا تركتُ عيني تعدو عنك وعن طاعتك.

فإلى من أَعْدو وإلى من أتقرّب وإلى من أقدّم له طاعتي؟

وأبعث إليه بأنيني وشكوتي؟

ربي، إليك بثي وإليك حزني:

ربي، إن لم تخلصني من زينة الحياة الدنيا.

فماذا تكون الزينة التي ستشغلني بها عنك وعن جنتك؟

ربي، إن جعلتني ممن أغفلت قلبه عن ذكرك..

فمن يستحق ذكري وابتهالي وخشوعي وتذللي؟

إلهي، إنْ أنت أعرضت عني بوجهك الجليل..

فمن له جلال كجلالك ربي؟

ربي، إليك بثي وإليك حزني:

ربي، إن جعلتني ممن اتّبع هواه..

فحتى متى وإلى أي زمان ستتركني لهواي مُتّبعاً؟

وله أكون خاضعاً فأظل أتوه وأضِل وأشقى وأتخبّط؟

ربي، إن جعلت أموري كلها فُرُطاً.

فمن يأخذ بيدي ليصلح الفرط ويهديني إلى ما يرضيك عني؟

ربي، إليك بثي وإليك حزني:

ربي، وكل بني آدم خطّاء هكذا قال رسولي وقدوتي.

فارزقني استغفاراً وتوبة تمحو ذلّتي وبها يذهب همي وحزني.

ربي، أنت أكبر من تصاريف الحياة كلها.

وأنت ربي أكبر من تناهيد العناء كلها.

وأنت ربي أكبر من كل حزن في ضلوعي ساكن.

فإن لم يكن بك غضب عليَّ ربي فلا أبالي.

إلا أن عافيتك ورحمتك هي أوسع فاكتبها لي ربي.

ربي، إليك بثي وإليك حزني:

ربي قد أصلي فجري وفي الظهر بلفّتي البيضاء يكون ثوبي..

يُصلَّون عليَّ في المسجد ثم يذهبوا بي حيث قبري.

فاجعلني في ذمتك ربي دوماً وزيّن بالسعادة باقي عمري.

فكم من نفس أصبحتْ صُبحها بعافية بها روحٍ ونبضٍ..

ثم في المساء وقد صارت في عداد الموتى..

فيا غوثي، لك أشكو فكن غوثي.

ربي، إليك بثي وإليك حزني:

ربي، إنْ بقيتُ وحدي لا أحَد يسمعني.

ربي، إن بقيت وحدي لا أحد يطبطب على كتفي.

فمن يأخذ حزني على محامل العطفِ يا سيدي.

رب إن صرخت من قمة قلبي وآهٍ من صراخ قلبي.

فمن غيرك يلطف بقلبي؟

ويسمع صيحتي وصرخي؟

ربي، إن جزعتُ من جُرحي؟

فكيف للنور أن يتسلل إلى روحي وقلبي؟

وكيف للأمل أن أنير به حياتي أو أتملس دربي.

ربي، إليك بثي وإليك حزني:

إليك بَثّي إليك حُزني.

وإني واثق بك ربي.

فليس يخيب بالله الرجاء.

وحاشا أن تُرد لنا كفوف.

تعالى الله عن رد الدعاء.

تعالى الله عن رد الدعاء.

Exit mobile version