حكم شراء السندات المالية الحكومية وشهادات الاستثمار

السند عبارة عن وثيقة لإثبات قرض من مالك السند على المنشأة، ويعطى صاحبه الحق في الفائدة المتفق عليها

هل يجوز شراء السندات المالية الحكومية التي تستهدف التنمية الاقتصادية للبلاد؟ ومدتها التي يحصل عليها المشتري خمس سنوات.. وما حكم شهادات الاستثمار؟ وبما أن القضية أعيد فتحها في عدد من الدول العربية والإسلامية، فإننا نعيد النشر فيها لنوضح لصاحب الشأن حكم الشرع في هذه المعاملات.

السند عبارة عن وثيقة لإثبات قرض من مالك السند على المنشأة، ويعطى صاحبه الحق في الفائدة المتفق عليها بالإضافة إلى القيمة الاسمية للسند عند انتهاء مدة القرض.

يتمتع حامل السند بالحقوق الآتية:

– الحق في اقتضاء الفوائد الثابتة المتفق عليها.

– الحق في استرداد قيمة السند عند انتهاء مدته.

– الحق في تداول السند ببيعه أو التنازل عنه للغير.

لكن لا يشارك صاحب السند في إدارة المنشأة التي أقرضها، وليس له الحق في الحصول على أرباحها، أو في ناتج التصفية، وإنما هو مجرد دائن للمنشأة. 

للسندات أنواع كثيرة، ويتفنن الاقتصاديون في ابتكار أنواع مختلفة وبمزايا متعددة لجلب أموال المدخرين.

مدى شرعية التعامل في السندات:

السندات – كما ذكرنا – قروض يستحق صاحبها عليها فوائد ثابتة؛ وهذا هو الربا المحرم شرعاً بصريح الآيات القرآنية، وصحيح السُّنة النبوية، وإجماع الأمة سلفها وخلفها. 

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ “278″ فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ

“279”} (البقرة).

قال ابن المنذر: أجمعوا على أن المسلف إذا شرط على المستسلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة ربا. 

وقال الرازي في التفسير في معنى ربا الجاهلية: وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل شهر قدراً معيناً، ويكون رأس المال باقياً، ثم إذا حل الدين طالبوا المدين برأس المال، فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذي كانوا يتعاملون به.

وقال الجصاص: إنه معلوم أن ربا الجاهلية كان قرضاً مؤجلاً بزيادة مشروطة فكانت الزيادة بدلاً من الجل فأبطله الله تعالى. 

وقد انتهت المجامع الفقهية المعتبرة إلى حرمة إصدار سندات ذات فائدة أو التعامل فيها بأي وجه من الوجوه, من ذلك:

ما انتهى إليه مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية في مصر عام 1965م في شأن المعاملات المصرفية إذ جاء ما يلي:

الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسُّنة في مجموعها قاطعة في تحريم هذين النوعين.

كثير الربا وقليله حرام كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً} (آل عمران:130).

الإقراض بالربا المحرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا المحرم كذلك ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير ضرورته.

ما انتهى إليه المؤتمر السادس لمجمع الفقه الإسلامي بجدة عام 1410هـ؛ إذ صدر القرار (رقم 62/11/6) بشأن السندات وهو ما يلي:

أن السندات التي تمثل التزاماً بدفع مبلغها مع دفع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعاً من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول؛ لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة، ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكاً استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحاً أو عمولة أو عائداً. 

تحرم أيضاً السندات ذات الكوبون الصفري، باعتبارها قروضاً يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصماً لهذه السندات.

كما تحرم أيضاً السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضاً اشترط فيها نفع أو زيادة النسبة لمجموع المقرضين أو لبعضهم لا على التعيين فضلاً عن شبهة القمار.

وفي سؤال لهيئة الرقابة الشرعية لشركة الراجحي حول هذا الموضوع:

السؤال: نرجو إبداء الرأي الشرعي حول طلب بعض البنوك بمساهمة شركة الراجحي المصرفية للاستثمار في ترويج وبيع سندات التنمية الوطنية للدولة بالدولار الأمريكي؟

الجواب: وبتأمل الهيئة في نوعية السندات المذكورة، تبين أنها سندات ربوية يصدرها البنك المركزي لسد العجز في ميزانية الحكومة، وعلى هذا فلا يجوز التعامل بها بيعاً أو شراء أو توسطاً؛ لأنها من الربا الصريح الذي ورد النهي عنه في الكتاب والسُّنة، وأجمع المسلمون على تحريمه؛ لذا يجب على الشركة عدم التوسط في ترويج وبيع السندات المذكورة. 

فتوى فضيلة شيخ الأزهر جاد الحق علي جاد الحق يرحمه الله في 14/3/1979م، وفيها: أن أذون الخزانة وسندات التنمية التي تصدرها الدولة بمعدل ثابت من باب القرض بفائدة، وقد حرمت الشريعة القروض ذات الفائدة المحددة أياً كان المقرض أو المقترض، وأنها من باب الربا المحرم شرعاً بالكتاب والسُّنة والإجماع. 

صكوك التمويل ذات العائد المتغير:

صكوك التمويل نوع من أنواع السندات، إلا أنها لا تدر عائداً ثابتاً، بل عائداً متغيراً، ولا يجاوز ما يحدده البنك المركزي بالاتفاق مع الهيئة العامة لسوق المال.

ومشتري الصك لا يشترك في الإدارة، ولا يحصل على أرباح، ولا يتحمل في الخسائر، وليس له الحق في ناتج التصفية، وإنما هو دائن للمنشأة بالقيمة الاسمية للصك، ويتقاضى في مقابل ذلك العائد الذي يحدد وفقاً للطريقة التي ذكرنا.

والتعامل في صكوك التمويل ذات العائد المتغير ليس مشروعاً؛ لأن صاحبه مجرد دائن للمنشأة، ويجر عليه عائداً، وهذا من باب القرض الربوي المحرم، وعدم تثبيت العائد لا يخرج المعاملة من الحرمة إلى الحل؛ لأن تغييره يرجع إلى ما يحدده البنك المركزي بالاتفاق مع الهيئة العامة لسوق المال، وليس لكمّ الأرباح قلة وكثرة.

صكوك الاستثمار:

هو نوع من الأوراق المالية تصدرها شركات تلقي الأموال، ويشترك صاحب الصك في الأرباح ويتحمل في الخسائر بقدر قيمة الصك، وله الحق في ناتج التصفية، ويسترد قيمة الصك إذا اتفق على ذلك.

وصكوك الاستثمار حسبما تقدم مشروعة في إصدارها وتداولها والتعامل عليها بشتى وجوه التعامل.. ومركز حامل الصك أشبه بمركز رب المال في المضاربة.

ويقول مركز الفتوى بموقع «إسلام ويب»: 

السندات: عبارة عن صك يتضمن تعهداً من مصدره سواء أكان هيئة حكومية أو مصرفاً خاصاً أو شركة أو غير ذلك لحامله بسداد مبلغ مقرر في تاريخ معين نظير فائدة – مقدرة غالباً أو غير مقدرة – بسبب قرض عقدته الهيئة المصدرة له مع مشتري السند.

ومن ذلك يتبين أن حقيقة السند هو قرض بفائدة – مقدرة أو غير مقدرة – لأنه يمثل ديناً على الحكومة أو غيرها، ويستحق صاحبه فائدة سنوية، فهو داخل في المعاملات الربوية المحضة، والله أعلم.

حكم شهادات الاستثمار:

أما عن حكم شهادات الاستثمار فلشيخ الأزهر الأسبق فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق يرحمه الله، فتاوى مشهورة عن شهادات الاستثمار، جاء في إحداها: إن الإسلام حرم الربا بنوعيه – ربا الزيادة، وربا النسيئة – وهذا التحريم ثابت قطعاً بنص القرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة، وبإجماع أئمة المسلمين منذ صدر الإسلام حتى الآن، ولما كان الوصف القانوني الصحيح لشهادات الاستثمار أنها قرض بفائدة، وكانت نصوص الشرعية في القرآن والسُّنة تقضي بأن الفائدة المحددة مقدماً من باب ربا الزيادة المحرم، فإن فوائد تلك الشهادات وكذلك فوائد التوفير أو الإيداع بفائدة تدخل في نطاق ربا الزيادة، لا يحل للمسلم الانتفاع به، أما القول: إن هذه الفائدة تعتبر مكافأة من ولي الأمر، فإن هذا النظر غير وارد بالنسبة للشهادات ذات العائد المحدد مقدماً، لاسيما وقد وصف بأنه فائدة بواقع كذا في المائة، وقد يجري هذا النظر في الشهادات ذات الجوائز دون الفوائد، وتدخل في نطاق الوعد بجائزة الذي أجازه بعض الفقهاء. اهـ.

وجاء أيضاً في فتاوى دار الإفتاء المصرية فتاوى أخرى للشيخ عطية صقر، سئل في إحداها عن حكم شهادات الاستثمار ذات العائد المحدد؟ فأجاب يرحمه الله: لقد صدرت الفتوى عقب ظهور هذا النوع من المعاملة، وجاء فيها أن ذلك من باب القرض الذي جر نفعاً، فهو بالتالي ربا، لأن عمليات البنوك في هذه الشهادات هي جمع الأموال وإعطاؤها للمؤسسات والهيئات وجهات الاستثمار الأخرى بفائدة كبيرة، وإعطاء أصحاب الشهادات فوائد أقل مما تحصل عليه من هذه الجهات، والفرق ربح لها، ولا صلة لها بجهات الاستثمار، فلها ربح محدد منها على المال الذي أخذته، فالأمر لا يعدو أن يكون قروضاً جاءت بفائدة.

Exit mobile version