وثيقة تاريخية: أول مؤتمر لمسلمي أوروبا يعقد في جنيف

هذه وثيقة تاريخية عن أولى المحاولات لتكوين إتحاد للجالية الإسلامية في أوروبا . ولقد سعى ثلاثة عمالقة لإعداد هذا المؤتمر: أمير البيان شكيب أرسلان وعلي الغاياتي والدكتور زكي علي ، وهؤلاء الثلاثة كانوا مؤسسي العمل الإسلامي في أوروبا في الثلاثينات والأرب

هذه وثيقة تاريخية عن أولى المحاولات لتكوين إتحاد للجالية الإسلامية في أوروبا . ولقد سعى ثلاثة عمالقة لإعداد هذا المؤتمر: أمير البيان شكيب أرسلان وعلي الغاياتي والدكتور زكي علي ، وهؤلاء الثلاثة كانوا مؤسسي العمل الإسلامي في أوروبا في الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي .

الملاحظة الأولى على هذا المؤتمر أنه كان يضم سبعين مندوباً من عموم أوروبا وكلهم من أصول أوروبية وكل مندوب شرح وضع المسلمين في بلده وإحتياجاتهم .

والملاحظة الثانية أن عقد مثل هذا المؤتمر يحتاج إلى دعم مادي له . وحيث أن الأمير شكيب أرسلان كانت له علاقات وطيدة مع المرحوم الملك عبد العزيز آل سعود ، فلابد أن الدعم المادي لعقد هذا المؤتمر جاء من الملك عبد العزيز رحمه الله .

أما الملاحظة الثالثة فإني أدعو ممثلي الجمعيات الإسلامية في عموم أوروبا أن يبحثوا عن تاريخ الشخصيات التي حضرت المؤتمر ودورهم في نشر الإسلام وثقافته بين قومهم ، وإستعادة ماكتبوه من مؤلفات وبحوث قاموا بها وإعادة نشرها للإستفادة منها.

وأخيراً أي معلومة تم الحصول عليها حول المشاركين في المؤتمر أرجو إرسالها لي على بريدي الإلكتروني.

وقائع المؤتمر 

لقد تم إفتتاح المؤتمر في 12/9/1935م وقد مثلت الجالية الإسلامية في أوروبا بصورة كاملة بحضور سبعين مندوب من مختلف الجماعات والجمعيات في أوروبا ، وإن القائمين على المؤتمر هم الأمير شكيب أرسلان(1) والدكتور زكي علي(2) والسيد علي الغاياتي(3) . وكان من بين الوفود المشهورين: 

– المفتي سليم أفندي ، رئيس مجلس العلماء في سراييفو في يوغسلافيا .

– وصال علي شان ، رئيس المفتين في سكوبيا – البوسنة . 

– الدكتور يعقوب زنكيوس ، رئيس مفتين بولندا . 

– السير عمر هوبرت والسيدة رانكين من بريطانيا . 

– عبد الحميد هورمافيتش ، رئيس الجمعية الإسلامية في وارسو – بولندا . 

– الكونت سيف الإسلام باربيلين أميدي ، المستشرق ورئيس الأكادمية الملكية للإستشراق في نابُلي – إيطاليا .

– المدام لورا فاكليري ، مستشرقة إيطالية . 

– عبد الباقي العمري بك ، المحامي المصري المشهور وعضو الهيئة الإدارية للمؤتمر . 

– السيد مصالي الحاج ، رئيس المنظمة الإسلامية لشمال أفريقيا في باريس . 

– الدكتور درويش كوركوت ، رئيس تحرير المجلة الإسلامية “غلاسنيك” في بلغراد – يوغسلافيا .

– البرفسور محمد قنطارديتش ، سكرتير مجلس العلماء في سراييفو .

– مهدي قاسم ، سكرتير الشرق لجمعية الثقافة الإسلامية في فينا – النمسا .

– البرفسور أحمد زكي فاليدي ، من الجمعية الإسلامية الثقافية في فينا – النمسا . 

– سردار إقبال علي شاه ، مؤلف أفغاني .

– علي محي الدين ميربرج ، رئيس الجمعية الإسلامية الألمانية 

– فان بيثيم محمد علي ، رئيس الجمعية الإسلامية الهولندية في لاهاي – هولندا 

– محمود بك سالم العرفاتي ، القاضي السابق في المحاكم المشتركة في مصر ورئيس تحرير مجلة “عرفات” ونائب الرئيس الشرفي في الجمعية الإسلامية الغربية والجمعية الثقافية في فينا . 

– د. زكي علي ، مؤسس ورئيس الجمعية الثقافية الإسلامية في النمسا وعضو مؤسس في الجمعية الإسلامية الإسبانية ونائب الرئيس الشرفي للجمعية الإسلامية الغربية .

– محمد رسولوفك ، سكرتير الجمعية الإسلامية في المجر .

ولقد ألقى الأمير شكيب أرسلان خطاب الرئاسة الترحيبي . 

إن الدول الأوربية التي مُثِلت في المؤتمر هي: 

فرنسا ، بريطانيا العظمى ، يوغسلافيا، بولندة ، النمسا ، المانيا ، إسبانيا ، إيطاليا ، ألبانيا ، سويسرا ، هولندة ، المجر . أما الأقطار الشَرَفية فقد مُثِلت بصورة شخصية وليست رسمية وهي: مصر ، تركيا ، سوريا ، فلسطين ، إيران، أفغانستان ، أذر بيجان ، العراق ، الهند وأقطار شمال أفريقيا . 

قرأ إمام مسجد باريس بضعة آيات من القرآن الكريم ، وعرض الأمير شكيب أرسلان أحوال العالم الإسلامي العامة قبل وبعد إلغاء الخلافة ، وحث المسلمين على توحيد جهودهم من أجل التضامن الإسلامي . وناقش المؤتمر مشروع بناء مسجد في وارسو عاصمة بولندة وأُفتُتِح الإكتتاب لهذا المشروع . وقد أثنى الدكتور يعقوب على موقف الحكومة البولندية من التعاطف و رعاية المسلمين . وإقترح الدكتور زكي علي أن يتقدم المؤتمر رسميًا بشكر حكومة بولندة على تعاطفها وتسامحها مع مسلمي بولندة . 

وقدم الدكتور زكي علي محاضرة قيمة عن العلاقات بين أوروبا والإسلام ، وأكد على الحاجة الملحة لتنظيم جهود المسلمين في دعوة الغربيين للإسلام وعرض الإسلام الحقيقي بأحسن الطرق وأكثرها جاذبية للشعب الأوربي ، كما أنه أكد في حديثه على التسامح الإسلامي والأخلاق والنظام الإجتماعي وأهمية الدين الإسلامي للإنسانية .

وأُختُتِمت الجلسة بمائدة حضرها جميع أعضاء المؤتمر .

وفي الجلسة الثانية للمؤتمر تحدث السيد فان بيتهم محمد علي ، من هولندة عن الإسلام في هولندة والمستعمرات الهولندية ، ورجا المؤتمر أن يقدم المساعدات لبناء مسجد ومدرسة إسلامية في لاهاي عاصمة هولندة . وذكر المتحدث أن هولندة لها (55) مليون من الرعايا المسلمين (4) .

أما المستشرق الإيطالي المشهور الكونت برنارد باربيلين أميدي ، وعضو البرلمان الإيطالي فقد أعلن أمام المؤتمر إعتناقه الإسلام الدين الذي وقر في قلبه أنه الدين الحق والمثالي ، وإتخذ إسم “سيف الإسلام” وسط التهاني والتبريكات القلبية من أعضاء المؤتمر .

وفي 13/9 إستمع المؤتمر شرحًا مشوقًا عن الإسلام في سويسرا من قبل أحد المسلمين السويسريين السيد علي محي الدين دي ميربرغ .

أما السيد عبد الحميد هورا مونيج رئيس الجمعية الإسلامية في بولندة فقد تحدث عن أحوال المسلمين في بولندة .

وقدم السير عمر هربرت ستيوارت رانكن بارت ، محاضرة مهمة عن الإسلام وتطور الدعوة الإسلامية في بريطانيا العظمى . وقال يوجد في بريطانيا ثلاثون ألف مسلم ، بينهم خمسة آلاف هم إنجليز أصليون بالولادة ، وأن الإسلام في تقدم في بريطانيا . 

وفي وقت الظهر أدى الجميع صلاة الجمعة . 

وحينما بدأ المؤتمر جلساته قدم الدكتور يعقوب مفتي بولندة حديثًا عميقًا عن التسامح في الإسلام وتاريخ الإسلام في بولندة ، وشرح بإمعان الوضع الإجتماعي لمسلمي بولندة .

وتحدث السيد محمد رسولفيك القادم من بودابست عن تاريخ الإسلام في المجر ، ومشروع إنشاء مسجد ومدرسة للأطفال المسلمين في بودابست . 

أما الدكتور درويش كوركوت ، الكاتب والإعلامي اليوغسلافي المشهور ، فقد قدم محاضرة قيمة عن الإسلام في يوغسلافيا ، وستنشر المحاضرة بالإنجليزية قريبًا ، وإن عدد المسلمين في يوغسلافيا يزيد عن مليون ومائة وسبعين ألف . 

وفي 14/7 ناقش المؤتمر إقتراح قدمه السيد علي الغاياتي بإنشاء مسجد في جنيف بإعتبارها مركزًا دوليًا ، ورحب المؤتمر بهذا الإقتراح . 

أما المستشرق النمساوي وصديق الإسلام الدكتور هربرت جانسكي ، وعضو الشرف في جمعية الثقافة الإسلامية في فينا فقد ألقى محاضرة عن الإسلام وتوافقه مع إحتياجات الغرب ، وقدم البروفسور محمد كنتارديتش محاضرة عن المعاهد الإسلامية في يوغسلافيا معززة بإحصائيات دقيقة . 

وتحدث الإمام وصال علي شان عن المسلمين في جنوب البوسنة وقال: يوجد عندنا 1293 مسجد و1629 إمام . 

وتحدث وفد من ثلاثة أعضاء من شمال أفريقيا برآسة الخطيب المفوه مصالي الحاج . تحدثوا الواحد بعد الآخر عن الإسلام في فرنسا والأحوال المزرية للعمال المسلمين في ذلك البلد .

وفي 15/9 وافق المؤتمرون على التوصيات التالية:

1- تقديم الشكر لحكومة يوغسلافيا لتعاطفها مع المسلمين في بلدها .

2- مطالبة الحكومة الهولندية بأن تكون أكثر تعاطفاً ورعاية لملايين المسلمين في إمبراطوريتها .

3- التقارب بين السنة والشيعة وإزالة الفوارق .

4- شكر مفتي فلسطين فضيلة السيد أمين الحسيني على خدماته للإسلام والقضية العربية .

5- إرسال نداء لعصبة الأمم لوقف الهجرة اليهودية المدمرة إلى فلسطين وإرسال مثل هذا النداء إلى الحكومة البريطانية وإلى مختلف الدول الإسلامية .

6- الدفاع عن مصالح المسلمين في أوروبا وضمان حقوقهم المشروعة .

مقترحات المؤتمر القادم 

وافق المؤتمر على تكوين “لجنة دائمة لمؤتمر مسلمي أوروبا “

الرئيس: الأمير شكيب أرسلان 

الأعضاء: 

– عبد الباقي العمري بك 

– السيد ضياء الدين طبطبائي

– د. زكي علي ( سكرتير)

– علي الغاياتي

وقد تم إختيار محمد بك سالم العرفاتي عضو شرف لخدماته الجليلة لقضية الإسلام . 

وقد أُختُتِم المؤتمر بخطاب من الرئيس ودعاء قدمه المفتي سليم أفندي من البوسنة وإنتهى بهتاف مدوي “عاش الإسلام” . 

وبهذا أقيم أول مؤتمر لمسلمي أوروبا ، ويجب الثناء على منظميه لنجاحهم الكبير في جهودهم المشهودة .

تعليقات د. صالح السامرائي

(1) أمير البيان شكيب أرسلان غني عن التعريف من مفكري الجامعة الإسلامية في الحكم العثماني والمنادين بإستقلال البلدان العربية عن الإستعمار الغربي .

له مجلة “العرب” أصدرها في جنيف في الثلاثينات لثماني سنين . أرجو من المسلمين في كل مكان العمل على ترجمتها إلى العربية لإحتواءها على معلومات ووثائق مهمة .

(2) د. زكي علي . طبيب مصري عاش في أوروبا كم الثلاثينات حتى وفاته ، مارس الطب ولكن كان همه الإسلام وتعاون مع الأمير شكيب أرسلان . وألف كتبًا عن الإسلام بالإنجليزية والألمانية والفرنسية وقابلته في جنيف عام 1991م .

(3) علي الغاياتي ، عالم وسياسي وصحافي مصري عاش فترة في سويسرا مدافعًا عن الإسلام وتوفي في القاهرة عام 1956م .

(4) أستعمرت هولندة إندونيسيا لأكثر من مئتي سنة .

Exit mobile version