رؤية: غياب التخطيط للعبادات ذات البعد الاقتصادي

لا يحتاج الوفاء بسلع العبادات ذات الطابع الاقتصادي كثير من الجهد، أو التكنولوجيا المعقدة، ولكنها مجرد توظيف بسيط لمواردنا

ثمة عبادات دورية تمر في حياة المسلمين، ولها العديد من الجوانب الاقتصادية، ولكن للأسف لا يخطط لها، مما يجعل الوفاء بهذه العبادات يتطلب توفير عملات صعبة للاستيراد من الخارج، ويضيع فرصة للتكامل ما بين الدول الإسلامية في إنتاج ما تقتضيه هذه العبادات من مستلزمات، وبخاصة الغذاء والكساء.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك ما نحن بصدده خلال أيام قلائل، من الوفاء بالأضحية، سواء لحجاج بيت الله الحرام، أم لغيرهم ممن استوفوا شروط الوفاء بسنة الأضحية، التي يرى بعض الفقهاء أنها واجبة على القادر.

نحو 57 دولة إسلامية تشملهم منظمة التعاون الإسلامي (المؤتمر الإسلامي سابقاً)، ومع ذلك لم يخطر على بال أحد أن يكون هناك نوع من التعاون، لكي يتم الوفاء باحتياجات العالم الإسلامي من لحوم الأضاحي في إطار إمكانيات هذه الدول، ناهيك عن الهدايا التي يحملها حجاج بيت الله الحرام من السعودية لبلدانهم، وياليتها من إنتاج المملكة لعربية السعودية، ولكنها في الغالب الأعم من دول غير إسلامية.

ونفس الشئ يتكرر في شهر الصوم، الذي حوله المسلمون لشهر يزيد فيه الاستهلاك على المعدلات الطبيعية، من قبيل الفسحة على البيوت، وإشعارها ببركة الشهر، وفي كل عام مع استقبال شهر رمضان أو استقبال موسم الحج، نجد وسائل الإعلام تطالعنا عن استيراد اللحوم وبقاية أنواع الغذاء المختلفة، بما يكلفنا مليارات الدولارات.

مظاهر التقصير

لا يعاني العالم الإسلامي من غياب المؤسسات، فهناك على سبيل المثال لا الحصر، مجموعة الثمانية للتنمية (مجموعة الثمانية الإسلامية)، رابطة العالم الإسلامي، منظمة التعاون الإسلامي، وهي مؤسسات يغلب على تخصصها الدقيق الجانب الاقتصادي، وعليها أن تدرج مثل هذه الأمور على أجندتها، ليس دورها فقط مجرد مجموعة من الاجتماعات الدورية، التي حولت دورها إلى جانب إجرائي، ولا يشعر بهذه المؤسسات الكثير من المسلمين.

والقراءة البسيطة التي سبقنا بها غيرنا، أن هناك سوقاً، وهناك مستهلكين، وهناك طلباً، لابد من الوفاء به، فخططوا للوفاء بالسلع لسد هذا الطلب، وربحوا فرص عمل، وزيادة معدلات الإنتاج، وإضافة سلع جديدة على قائمة منتجاتهم لم تكن مطلوبة من قبل.

إن ملايين القطع من الملابس الخاصة بالرجال والنساء التي تنتجها الصين وتباع في العالم الإسلامي، ليس من عادات الصين، ولا حتى مسلميها، بل هي العقلية الاقتصادية، التي تقتنص الفرص، وتطالع احتياجات المستهلكين.

ونحسب أن النظر إلى أهمية التخطيط للوفاء بالاحتياجات الاقتصادية للعبادات في إطار ذاتي، هو نوع من المنافع التي حدثنا عنها القرآن الكريم في شأن (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ {28}) (الحج)، فزيادة القيمة المضافة للثروات الطبيعية نوع من المنافع، وزيادة التجارة البينية والاستثمار للدول الإسلامية نوع من المنافع.

سلع تقليدية

لا يحتاج الوفاء بسلع العبادات ذات الطابع الاقتصادي كثير من الجهد، أو التكنولوجيا المعقدة، ولكنها مجرد توظيف بسيط لمواردنا، وتنظيم للعلاقات الاقتصادية في هذا الشأن، فمثلًا ما التكنولوجيات المعقدة التي يستلزمها إنتاج ملابس الإحرام حتى يتم استيرادها من الصين أو من غيرها؟ وبخاصة أن لدينا العديد من الدول الإسلامية التي تعاني فيها صناعة النسيج والملابس الجاهزة من ركود، وتتحمل الكثير من التكاليف للمنافسة في الأسواق الأوروبية.

وعلى هذا المنوال، ماذا يحتاج إنتاج السبح وسجادات الصلاة وملابس الصلاة في غير الإحرام للرجال والنساء من تكنولوجيا؟ وغيرنا تفنن في إيجاد سلع تشغلنا وتزيد من استهلاكنا، مثل المسبحة الإلكترونية، توضع في الأصبع ويضغط عليها الفرد لتسجل له عدد التسبيحات في شكل أرقام.

وهل الوفاء بما نحتاجه من رؤوس الغنم أو البقر أو الإبل عصي على الإنتاج في الدول الإسلامية؟ أو يحتاج تكنولوجيات معقدة، لدينا أقسام متخصصة بالجامعات العربية والإسلامية معنية بالثروة الحيوانية، فما المانع أن يستفاد من خبراتها في هذا المجال، لتكون هذه المنتجات وغيرها من متطلبات العبادات المختلفتة ذات الجوانب الاقتصادية، عاملًا أو مدخلاً للتعاون بين الدول الإسلامية؟

ثمار التخطيط

نحسب أن البيانات والإحصاءات أصبحت متوافرة لدى جل الدول الإسلامية، من أجل بناء دراسات لطبيعة احتياجاتنا للوفاء بالجوانب الاقتصادية للعبادات، مثل توقع استهلاك الدول الإسلامية من سلع غذائية في رمضان، وأنواعها، وكذلك الأمر في موسم الحج، من حيث عدد الحجاج في السنوات السابقة، ومعدلات الزيادة السنوية، وتوقع أعداد الحجاج بأعداد تقريبية لكل عام.

وإذا ما تم التخطيط لكي يتم الوفاء بهذه الاحتياجات في إطار إسلامي، نحسب أن الدول الإسلامية يمكن أن تجني ثماراً إيجابية عدة، نشير إلى بعضها فيما يلي.

– زيادة التجارة البينية:

سيكون هذا المجال باباً إضافياً لزيادة حجم التجارة البينية للدول الإسلامية، وبخاصة أن الأرقام تدور حول 15% تقريباً للتجارة البينية للدول الإسلامية من حجم تجارتها الدولية، البالغة 3.1 تريليون دولار أمريكي، وإذا ما أضفنا أن هناك دولاً إسلامية لديها العديد من المزايا النسبية التي تؤهلها للمساهمة في هذا المشروع، مثل وفرة المياه أو الأراضي الخصبة.

فسيكون ذلك مدعاة لزيادة الناتج المحلي لهذه الدول، وزيادة حصة صادراتها، وهو ما يسميه المعنيون بالتجارة الخارجية، بتحويل التجارة، حيث تتحول الدول الإسلامية إلى استيراد احتياجاتها من دول إسلامية أخرى، كبديل للدول غير الإسلامية.

ليس ذلك من قبيل المقاطعة أو العزلة عن العالم، ولكن في إطار التعاون في إطار الإقليمية الجديدة، التي لا تعتمد على الجوار الجغرافي، ولكن تعتمد على أسس التكامل الاقتصادي المتعارف عليها، ومن جانب أخرى كنوع من الحلول الذاتية لمشكلات الدول الإسلامية المختلفة، من عجز الإنتاجية والبطالة وغيرها.

– مجال للاستثمار:

ثمة دول إسلامية تتميز بتوفير الثروة الحيوانية، وأخرى تتميز بوفرة المياه والأراضي الصالحة للزراعة، ولكن لا تجد هذه الدول من الاستثمارات ما يسمح لها بالاستفادة من هذه المزايا، وتحويلها لمجال استثماري يعظمم من القيمة المضافة لموارها الطبيعية.

ولدينا على الجانب الآخر، مجالاً لوفرة مالية، لا تخطئها عين، تذهب هنا وهناك في مضاربات بالبورصات والسلع وإقامة المنتجعات السياحية، ولا تلتفت للاحتياجات الإستراتيجية لدول العالم الإسلامي التي تتمثل في إنتاج الغذاء والدواء، وبالتالي إذا كانت مشروعات إنتاج الثروة الحيوانية، أو مستلزمات الكساء ومتطلبات الحج وغيرها من هدايا وخلافه، سيكون بمثابة تغطية ضرورية، قد تسهم فيما بعد ليس فقط في الوفاء بالاحتياجات الموسمية المرتبطة بالعبادات ذات الجوانب الاقتصادية، ولكنها قد تمتد لتغطية احتياجات باقي العام.

وفي الوقت الذي يمثل فيه الاستثمار في هذا المجال أمراً ضرورياً، لطرفي الاستثمار، سواء للمولين أو الدول المستثمر فيها، نجد أن الأموال المطلوبة لإنزال هذه المشروعات على أرض الواقع، لا تحتاج إلى مبالغ ضخمة، مقارنة بثروات العالم الإسلامي، ففي يوليو 2014م بلغت ودائع الجهاز المصرفي في دولة إسلامية واحدة وهي الإمارات 383 مليار دولار، فما بالنا بباقي الأجهزة المصرفية لـ 57 دولة إسلامية؟

ويمكن أن يتم تنفيذ هذه المشروعات الاستثمارية من خلال شركات قابضة يساهم في رؤوس أموالها الحكومات الإسلامية، مع ترك مساهمة لمساهمة المؤسسات والأفراد، وهو ما يساعد على خلق مصالح مشتركة، تساعد علة زيادة الاهتمام، وخلق حافز آخر على تبني منتجات هذه المشروعات داخل العالم الإسلامي.

 

 

Exit mobile version