رؤية شرعية: جريمة الاغتصاب في الشريعة الإسلامية

جزاء المغتصب القتل أو التصليب، أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف

الاغتصاب هو هتك عرض النساء إكراهاً، وهو من أكبر الكبائر المحرمة عند الله تعالى؛ لتعلقها بأحد مقاصد الشريعة الكبرى، وهو حفظ العرض، ومعه حفظ النسل.. أما حفظ العرض، فوسيلته حرمة الزنا، والاغتصاب أشد من الزنا؛ لأن الزنا بالتراضي، أما الاغتصاب فيتم رغماً عن الفتاة، فهو من باب الإكراه، ولاشك أن الإكراه على المعصية بخلاف إتيان المعصية طواعية، فالإكراه على المعصية تكون المجني عليها مظلومة غير مشتركة في الفعل، ولا إثم عليها.

واغتصاب النساء المسلمات من أفعال الكافرين، وإن كان المغتصب لا يكفر بمثل هذا الفعل؛ لكنه يتشبه بالكافرين، فإن اغتصاب النساء وهتك الأعراض مما عرف عن الكافر، فحين يفعله المسلم، فيكون مثل الكافر في هذه الحال؛ لأن الأصل في المسلم الذي يؤمن بالله ورسوله أن يحفظ عورات المسلمين، وأن يحفظ عورته، لا أن يغتصب بنات المسلمين، فمن فعل ذلك لم يكن مؤمناً حال اغتصابه، كما ورد في الحديث: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن”، فرفع الرسول صلى الله عليه وسلم عنه وصف الإيمان حال ارتكابه للزنا، إلا إذا اعتقد أن ما يفعله حلال، فيكون كافراً بإجماع العلماء؛ لأن استحلال المحرمات من الأمور التي تخرج صاحبها عن دين الإسلام إلى الكفر.

ومن يراجع احتلال كثير من الدول الغربية لبلاد المسلمين سيجد أن من سلوكياتهم تجاه نساء البلد المحتل أنهم يغتصبونهن، كما حصل من الجنود الأمريكيين مع النساء العراقيات، وكما حصل مع نساء البوسنة والهرسك أيام الحرب عليهم، فمثل هذه الأفعال تشتهر عن الكافرين، ومن يفعلها من المؤمنين فقد تشبه بهم.

وقد رصدت مراكز حقوقية 54 حالة اغتصاب داخل السجون المصرية؛ مما يعني تعمد أجهزة الشرطة اتخاذ الاغتصاب أسلوباً للتأديب، ووسيلة لردع المتظاهرات عن الخروج لمعارضة نظام الانقلاب بمصر.

الحكم الشرعي في الاغتصاب:

ذهب الفقهاء إلى أن من اغتصب فتاة مع عدم قيام ارتكاب جرائم أخرى أن عليه حد الزاني، فيجلد إن كان بكراً، ويقتل إن كان محصناً، أما إن كان اغتصاب الفتيات تحت تهديد السلاح، فهذا يقام عليه حد الحرابة، ودمه هدر مستباح، لا يُقتل من قتله قولاً واحداً بين جمهور الفقهاء، وإنما الخلاف فيمن يقيم عليه الحد بقدر اتفاقهم على وجوب إقامة الحد عليه، ولا اعتبار لكونه يعمل بالشرطة، فهو خائن للأمانة، فيقام عليه الحد مثل غيره.

 وقد أوجب الشرع إقامة الحد على المغتصب، وذلك له حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون الاغتصاب بغير تهديد السلاح، وهذا حكمه إقامة حد الزاني عليه، مع وجوب دفع مهر المثل.

قال الإمام ابن عبدالبر المالكي رحمه الله:
” وقد أجمع العلماء على أن على المستكرِه المغتصِب الحدَّ إن شهدت البينة عليه بما يوجب الحد، أو أقر بذلك، فإن لم يكن؛ فعليه العقوبة (يعني: إذا لم يثبت عليه حد الزنا لعدم اعترافه، وعدم وجود أربعة شهود، فإن الحاكم يعاقبه وعزره العقوبة التي تردعه وأمثاله) ولا عقوبة عليها إذا صح أنه استكرهها وغلبها على نفسها، وذلك يعلم بصراخها، واستغاثتها، وصياحها”.

وإقامة الحد عليه محل اتفاق بين الفقهاء، وإنما الخلاف في هل يجب عليه الصداق أم لا؟

قال الإمام الباجي رحمه الله:
” المستكرَهة إن كانت حرة: فلها صداق مثلها على من استكرهها، وعليه الحد، وبهذا قال الشافعي، وهو مذهب الليث، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال أبو حنيفة والثوري: عليه الحد دون الصداق.
والدليل على ما نقوله؛ أن الحد والصداق حقان؛ أحدهما لله، والثاني للمخلوق، فجاز أن يجتمعا كالقطع في السرقة وردها” (المنتقى شرح الموطأ  5 / 268، 269).

وينص الإمام مالك رحمه الله: أن عليه الصداق مع إقامة حد الزنا عليه، فيقول:” الأمر عندنا في الرجل يغتصب المرأة بكراً كانت أو ثيباً؛ أنها إن كانت حرة فعليه صداق مثلها, وإن كانت أمَة: فعليه ما نقص من ثمنها، والعقوبة في ذلك على المغتصب، ولا عقوبة على المغتصبة في ذلك كله”. (الموطأ  2 / 734).

الحالة الثانية: الاغتصاب تحت تهديد السلاح:

وهذه الحالة تدخل تحت حد الحرابة، الذي قال الله تعالى فيه: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {33}) (المائدة).

وقد أيدت محكمة الاستئناف بمكة المكرمة الحكم الصادر من المحكمة العامة بجدة بالقتل حداً على شاب اغتصب قاصرات، وذلك في يناير 2014م.

فيكون جزاء المغتصب القتل أو التصليب، أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي، ويكون اختيار العقوبة حسب المصلحة التي تحقق ردع القائمين بالاغتصاب.

وقد ورد في فتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية برئاسة الشيخ ابن باز- رحمه الله تعالى – ما نصه:

– إن جرائم الخطف والسطو لانتهاك حرمات المسلمين على سبيل المكابرة والمجاهرة من ضروب المحاربة والسعي في الأرض فساداً المستحقة للعقاب الذي ذكره الله سبحانه في آية “المائدة”، سواء وقع ذلك على النفس أو المال أو العرض، أو أحدث إخافة السبيل وقطع الطريق، ولا فرق في ذلك بين وقوعه في المدن والقرى أو في الصحارى والقفار، كما هو الراجح من آراء العلماء رحمهم الله تعالى. (بحث للهيئة بعنوان “الحكم في السطو والاختطاف والمسكرات”، ص 192 – 194).

وقد جعل الإمام ابن العربي الحرابة في الفروج أولى منها في السطو على الأموال، فيحكي عن وقت قضائه قائلاً: رُفِعَ إلي قومٌ خرجوا محاربين إلى رفقة فأخذوا منها امرأة مغالبة على نفسها من زوجها ومن جملة المسلمين معه، فاحتملوها، ثم جد فيهم الطلب فأُخذوا وجيء بهم، فسألت من كان ابتلاني الله به من المفتين فقالوا: ليسوا محاربين! لأن الحرابة إنما تكون في الأموال لا في الفروج! فقلت لهم: إنا لله وإنا إليه راجعون! ألم تعلموا أن الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال؟! وأن الناس كلهم ليرضون أن تذهب أموالهم وتحرب من بين أيديهم ولا يحرب المرء من زوجته وابنته، ولو كان فوق ما قال الله عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج.

إن ترك الرجل زوجته أو ابنته تغتصب دون أن يدافع عن عرضه، فهو من الأمور المحرمة شرعاً، بل يجوز له إن رأى زوجته أو ابنته ينتهك عرضها أن يقتل الفاعل فوراً حال تلبسه باغتصابها، ففي صحيح البخاري عن المغيرة قال: قال سعد بن عبادة: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “تعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة”.

وأخرج البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق والديه، والمرأة المترجلة، والديوث”.

وفي الحديث الذي أخرجه الطبراني أن الصحابة رضوان الله عليهم سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم: من الديوث؟ فقال: “الذي لا يبالي من دخل على أهله”.

من يقيم الحد على المغتصب:

إقامة الحدود في الأصل موكولة إلى الحاكم أو من يقوم مقامه، فإن هذا عمله، وتركه للناس مع وجود الإمام العادل مضيعة للمسلمين، ونشر للفساد في الأرض، لكن هذا الكلام الذي قاله العلماء إنما هو في حق الحاكم الذي يقيم حدود الله تعالى، أو مع وجود حاكم، لكن يخشى مع إقامة الحد تحصيل مفسدة أعظم من إقامة الحد، فساعتها يحرم على آحاد الناس أن يقيموا الحدود، ولو عطلت.

فإن لم يكن للمسلمين إمام عادل، أو كان لهم إمام فاسق، فقد أجاز بعض الفقهاء كالإمام ابن تيمية – رحمه الله- أن تقيم جماعة المسلمين الحدود ما لم يترتب على ذلك مفسدة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في “مجموع الفتاوى” (34/ 176): لو فرض عجز بعض الأمراء عن إقامة الحدود والحقوق أو إضاعته لذلك: لكان ذلك الفرض على القادر عليه، وقول من قال: لا يقيم الحدود إلا السلطان ونوابه، إذا كانوا قادرين فاعلين بالعدل، كما يقول الفقهاء: الأمر إلى الحاكم إنما هو العادل القادر فإذا كان مضيعاً لأموال اليتامى؛ أو عاجزاً عنها لم يجب تسليمها إليه مع إمكان حفظها بدونه، وكذلك الأمير إذا كان مضيعاً للحدود أو عاجزاً عنها لم يجب تفويضها إليه مع إمكان إقامتها بدونه، والأصل أن هذه الواجبات تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير لم يحتج إلى اثنين ومتى لم يقم إلا بعدد ومن غير سلطان أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها فإنها من “باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، فإن كان في ذلك من فساد ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها لم يدفع فساد بأفسد منه”.

ويرجع الإمام الجويني رحمه الله إقامة الحدود وقيادة الأمة عند خلوها من الحاكم العدل إلى العلماء، يقول الإمام الجويني في كتابه “غياث الأمم في التياث الظلم” (ص 391): فإذا شغر الزمان عن الإمام وخلا عن سلطان ذي نجدة وكفاية ودراية، فالأمور موكولة إلى العلماء، وحق على الخلائق على اختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم، ويصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم، فإن فعلوا ذلك، فقد هدوا إلى سواء السبيل، وصار علماء البلاد ولاة العباد؛ وعليه:

فمن رأى ابنته أو زوجته تغتصب أمام عينيه فله أن يقتل المغتصب، ولو كان رجلاً من الشرطة أو مسؤولاً في الدولة، وليس عليه شيء عند الله تعالى.

وإن كان الاغتصاب تحت تهديد السلاح، وكان الحاكم لا يقيم شرع الله تعالى، فإن تأكد زوج المغتصبة أو زوجها من المغتصب فقتله، فلا يُقتل به شرعاً.

وفي حال غياب تطبيق أحكام الشريعة وقيام الشرطة والجيش باغتصاب الفتيات وأسرهن، فيجوز قتل القائم به، بشرط أن يكون بفتوى من العلماء وبإشرافهم على ذلك إن أمكن، كما يحرم القتل بالشبهة، فليس كل من اتهم بالاغتصاب يُقتل، حتى تقوم البينة التي ليس معها أدنى شك.

إقامة الحد على المغتصب من رجال الشرطة:

وقيام رجل الشرطة باغتصاب الفتيات لا يعفيه من إقامة الحد عليه؛ وذلك لما يلي:

1-                     أنه ليست هناك شبهة عنده في حرمة الاغتصاب، لأن الاغتصاب ليس من وسائل التعزير شرعاً إن كان عنده شبهة أن المعتقلة قد خالفت قانون الدولة، فإن مخالفة قانون الدولة مهما كان لا يسمح بعقوبة المخالفة باغتصابها، فانتفت عنه الشبهة.

2-                      أن رجل الشرطة حين قيامه باغتصاب الفتيات قد خالف الأمانة التي أوكلت إليه، وهي حفظ الأنفس والأعراض، فخان أمانة الله، وحفظ كرسي الظلمة الفاسقين، وركن إلى الظالمين، وقد قال ربنا سبحانه وتعالى: (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ {113}) (هود).

3-                      أن الاغتصاب من أعمال العمد المحرمة التي لا يتصور فيها إكراه، ومن تعمد اغتصاب فتاة، فقتله مشروع بلا خلاف بين الفقهاء، وإنما الخلاف فيمن يقيم الحد عليه، هل الحاكم أم غيره؟ فلا ينقض الخلاف بين الفقهاء فيمن يقيم الحد مشروعية الحد أصلاً، فدم مغتصب الفتيات أياً كان هدر مستباح، بشرط أن يتحقق من الفعل، وألا تكون فيه أدنى شبهة، فإن كان في اتهام الشخص شبهة، وأنه لا يعرف هل هو من قام بالاغتصاب أم لا، فيحرم قتله؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: “فادرؤوا الحدود بالشبهات”.

وما تقوم به الشرطة من اعتقال بغير حق، وإرهاب للناس، وتخويف لهم، وقتل لعدد منهم، واعتقال عدد آخرين هو مما يوجب إقامة حد الحرابة عليهم، فهؤلاء فسقة ظلمة يخشى عليهم أن يكونوا قد خرجوا عن الإسلام بأفعالهم، إن كانوا يعتقدون حِلّ ما يفعلون.

والله أعلم

 

 

 

 

Exit mobile version