الإعدام.. بين القضاء المصري وشريعة الإسلام

المحكوم عليهم بالإعدام في المحاكم المصرية ممن ينادون بالشرعية هم أبعد الناس عن الردة عن الإسلام

المحكوم عليهم بالإعدام في المحاكم المصرية ممن ينادون بالشرعية هم أبعد الناس عن الردة عن الإسلام

من حكم عليهم بالإعدام في المحاكم يطالبون بعودة الرئيس المنتَخَب.. وسلطة الانقلاب خرجت عن الحاكم الشرعي

 

في ظل القضاء المصري الحالي، وما يقوم به من أحكام الإعدام على عدد من رافضي الانقلاب العسكري الظالم طال عشرات المعتقلين، كان آخرها الحكم على عدد من علماء الأزهر والأمة بتهمة قطع الطريق، والتظاهر، والاعتداء على بعض رجال الشرطة عليه.. وغيرها من التهم الملفقة ضدهم.

وغالب التهم الموجهة إلى من حكم بالإعدام، أو إحالة أوراقه إلى المفتي، معلوم أنها ملفقة وغير صحيحة، ولكن مع اعتبار صحتها، هل تسمح بالحكم بالإعدام عليهم وفق أحكام الشريعة الإسلامية أم لا؟ وما الرأي في أحكام البراءة لضباط الشرطة المتورطين في قتل المتظاهرين، أو المتهمين في قضايا فساد، أو غيرها من القضايا؟

والإعدام هو سلب الحياة من شخص من خلال عملية قتل عمد تقوم به الدولة ضد ذلك الشخص.

وبيَّنت الشريعة الإسلامية الحالات التي يقام فيها حكم الإعدام، وهو ما يعرف بـ”القتل المشروع”، وهو الذي أذن فيه الشارع، وهو القتل بحق، كقتل الحربي والمرتد والزاني المحصن وقاطع الطريق، والقتل قصاصاً، ومن أشهر على المسلمين سيفاً، كالباغي، وهذا الإذن من الشارع للإمام لا للأفراد، لأنه من الأمور المنوطة بالإمام، لتصان محارم الله عن الانتهاك، وتحفظ حقوق العباد، ويحفظ الدين، وفي الحديث: “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، المفارق لدينه التارك للجماعة” (متفق عليه)، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من شهر سيفه ثم وضعه فدمه هدر” (النسائي والحاكم) الموسوعة الفقهية الكويتية (32/ 322).

والحالات التي يحكم فيها بالإعدام على الأشخاص، هي:

الحالة الأولى: القتل العمد:

فمن قتل شخصاً آخر عمداً، وثبت ذلك عليه بالبينة أو الإقرار، فيقام عليه حكم الإعدام إلا أن يعفو أهل المقتول، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ {178}) (البقرة)، وفي السُّنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: “العمد قود، إلا أن يعفو ولي المقتول”.

ويثبت القتل العمد بطريق اليقين لا الظن، أما مجرد الشك، فلا يحكم عليه بالقتل لوجود الشبهة، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: “ادرؤوا الحدود بالشبهات”، فمن لم يثبت عليه القتل العمد على وجه اليقين الذي ليس معه ذرة شك، فلا يجوز الحكم عليه بالإعدام، وإلا كان مخالفاً لشرع الله تعالى.

الحالة الثانية: الإفساد في الأرض:

اتفق الفقهاء على أن من حالات القتل المشروع قتل المحارب الذي يسعى في الأرض فساداً، فيخرج عليهم بالسلاح ويسرق أموالهم، ويهدد أمنهم، ويحارب دين الله تعالى، ويربك المجتمع بإفساده، قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ {33} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {34}) (المائدة).

والمقصود بحد الحرابة البروز لأخذ مال، أو لقتل، أو لإرعاب على سبيل المجاهرة والمكابرة، اعتماداً على القوة مع البعد عن الغوث.

ومن يخرج في المظاهرات للمطالبة بالعدل وترك الظلم وإعادة الشرعية حتماً ليسوا من هذا الصنف، بل الانقلابيون الظلمة هم المفسدون في الأرض.

الحالة الثالثة: الردة عن الإسلام:

من الحالات التي يجوز فيها قتل الإنسان في الإسلام حال الارتداد عن الإسلام، مع اختلاف العلماء في الحكم والشروط، ومن أهمها إذا كان بالغاً عاقلاً، لم يتب من ردته، وثبتت ردته بإقرار أو شهادة، وفي الحديث عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «من بدَّل دينه فاقتلوه» (رواه البخاري) وقوله عليه السلام: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس،

والتارك لدينه المفارق للجماعة» (متفق عليه)، وكذا تقتل المرأة المرتدة عند جمهور العلماء غير الحنفية، بدليل أن امرأة يقال لها: «أم مروان ارتدت عن الإسلام، فبلغ أمرها إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فأمر أن تستتاب، إن تابت وإلا قتلت» (رواه الدارقطني)، وقد وقع في حديث معاذ: أن النبي صلّى الله عليه وسلم لما أرسله إلى اليمن، قال له: “أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد، وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام، فادعها، فإن عادت، وإلا فاضرب عنقها” (رواه الطبراني)، قال الحافظ ابن حجر: وإسناده حسن، وهو نص في موضوع النزاع، فيجب المصير إليه.

ولكن الأحناف لا يرون قتل المرأة المرتدة، ويجعلونه قاصراً على الرجل دون المرأة.

وهناك من الفقهاء من فرَّق بين الردة الفردية التي يكون سببها شبهات عند الإنسان لضعف إيمان، أو خلل في المجتمع، وبين الردة الجماعية التي يقصد بها تشويه صورة الإسلام، ففي الأولى يرون التعزير والاستتابة، وفي الردة الجماعية يرون قتل من شوَّه الإسلام، من باب حفظ دين الناس وأمن المجتمع.

ولا شك أن المحكوم عليهم بالإعدام في المحاكم المصرية ممن ينادون بالشرعية هم أبعد الناس عن الردة عن الإسلام، بل تترك سلطة الانقلاب من يرتد عن دينه كيف شاء، ويقوون أعداء الإسلام في دولة الإسلام.

الحالة الرابعة: الخروج عن الحاكم الشرعي:

ومن حالات القتل المشروع في الإسلام هو قتل من خرج على الحاكم الذي بايعه المسلمون؛ طمعاً في السلطة وانقلاباً على الدولة في الإسلام، فهؤلاء حدَّهم في الإسلام أن يقتلوا؛ حفاظاً على وحدة الأمة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما” (رواه مسلم)، يعني إذا انتخب رئيس ثم جاء آخر، واستولى على السلطة، فإن الواجب قتله من جماعة المسلمين، وفي الحديث أيضاً: “من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم؛ فاقتلوه” (رواه مسلم).

ومن حكم عليهم بالإعدام في المحاكم الشرعية يطالبون بعودة الرئيس المنتَخَب، وسلطة الانقلاب هي التي خرجت على الحاكم الشرعي المنتَخَب.

 

 

Exit mobile version