لمحة عن الفرق الضالة

الحديث عن الفِرَق ليس من باب السرد التاريخي، الذي يقصد منه الاطلاع على أصول الفرق والوقائع التاريخية السابقة. وإنما الحديث عن الفِرَق له شأن أعظم من ذلك؛ ألا وهو الحذر من شرها ومن محدثاتها، والحثّ على لزوم فرقة “أهل السنة والجماعة”.

مقدمة:

الحديث عن الفِرَق ليس من باب السرد التاريخي، الذي يقصد منه الاطلاع على أصول الفرق والوقائع التاريخية السابقة. وإنما الحديث عن الفِرَق له شأن أعظم من ذلك؛ ألا وهو الحذر من شرها ومن محدثاتها، والحثّ على لزوم فرقة “أهل السنة والجماعة”.

 

القدرية 

“القدرية”: الذين ينكرون القدرَ، ويقولون: إنَّ ما يجري في هذا الكون ليس بقدر وقضاءٍ من الله سبحانه وتعالى، وإنما هو أمر يحدث بفعل العبد، وبدون سابق تقدير من الله عز وجل، فأنكروا بذلك الركن السادس من أركان الإيمان، لأنَّ أركان الإيمان ستة: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والإيمان بالقدر خيره وشره، كله من الله سبحانه وتعالى.

وقد ظهرت تلك الفرقة في آخر عهد الصحابة.

وسُمُّوا بـ”القدرية”، وسُمُّوا بـ”مجوس” هذه الأمة، لماذا؟!

لأنهم يزعمون أنَّ كل واحدٍ يخلق فعل نفسه، ولم يكن ذلك بتقديرٍ من الله، لذلك أثبتوا خالقين مع الله؛ كالمجوس الذين يقولون: “إن الكون له خالقان: النور والظلمة، النور خلق الخير، والظلمة خلقت الشر”.

“القدرية” زادوا على المجوسِ؛ لأنهم أثبتوا خالقين متعددين، حيث قالوا: “كل يخلق فعل نفسه”، فلذلك سُمُّوا بـ”مجوس هذه الأمة”.

وقابلتهم فرقة “الجبرية” الذين يقولون: “إن العبد مجبور على فعله، وليس له فعل ولا اختيار، وإنما هو كالريشة التي تحركها الريح بغير اختيارها”.

فهؤلاء يُسَمَّونَ بـ”الجبرية” وهم “غلاة القدرية”، الذين غالوا في إثبات القدر، وسلبوا العبد الاختيار.

ومنهم من أثبت اختيار الإنسان وغالوا في ذلك، حتى قالوا: “إنه يخلق فِعْلَ نفسه مستقلاً عن الله”، تعالى الله عما يقولون.

وهؤلاء يُسَمَّونَ بـ”القدرية النفاة”، ومنهم: “المعتزلة”، ومن سار في ركابهم.

وهكذا تفرَّقتِ “القدرية” إلى فرقٍ كثيرةٍ، لا يعلمها إلا الله؛ لأنَّ الإنسان إذا ترك الحق فإنه يهيم في الضلال، كل طائفةٍ تحدث لها مذهباً وتنشق به عن الطائفة التي قبلها، هذا شأن أهل الضلال؛ دائماً في انشقاق، ودائماً في تفرق، ودائماً تحدث لهم أفكار وتصورات مختلفة متضاربة.

أما “أهل السنة والجماعة”، فلا يحدث عندهم اضطراب ولا اختلاف؛ لأنهم متمسكون بالحق الذي جاء عن الله سبحانه وتعالى، فهم معتصمون بكتاب الله وبسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فلا يحصل عندهم افتراق ولا اختلاف، لأنهم يسيرون على منهج واحد.

 

الخوارج

وهم الذين خرجوا على ولي الأمر في آخر عهد عثمان رضي الله عنه، ونتج عن خروجهم قتل عثمان رضي الله عنه، ثم في خلافة علي رضي الله عنه زاد شرهم، وانشقوا عليه، وكفَّروه، وكفَّروا الصحابة؛ لأنهم لم يوافقوهم على مذهبهم، وهم يحكمون على من خالفهم في مذهبهم أنه كافر، فكفروا خيرة الخلق وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. لماذا؟! لأنَّهم لم يوافقوهم على ضلالهم وعلى كفرهم.

ومذهبهم: أنهم لا يلتزمون بالسُّنة والجماعة، ولا يطيعون ولي الأمر، ويرون أن الخروج عليه من الدين، وأن شق العصا من الدين عكس ما أوصى به الرسول صلى الله عليه وسلم من لزوم الطاعة، وعكس ما أمر الله به في قوله: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ) (النساء:59).

الله جل وعلا جعل طاعة ولي الأمر من الدين، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل طاعة ولي الأمرِ من الدين، قال صلى الله عليه وسلم: “أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن تأَمَّرَ عليكم عبدٌ، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً”.

فطاعة ولي الأمر المسلم من الدين.

“والخوارجُ” يقولون: لا، نحن أحرارٌ.

فـ”الخوارجُ” الذين يريدون تفريق جماعة المسلمين، وشق عصا الطاعة، ومعصية الله ورسوله في هذا الأمر، ويرون أن مرتكب الكبيرة كافرٌ.

ومرتكب الكبيرة هو: الزاني – مثلاً – والسارق، وشارب الخمر؛ يرون أنه كافرٌ، في حين أن “أهل السنّة والجماعة” يرون أنه “مسلمٌ ناقص الإيمان”، ويسمونه بالفاسق الملي؛ فهو “مؤمنٌ بإيمانه فاسقٌ بكبيرته”؛ لأنه لا يخرِج من الإسلام إلا الشرك أو نواقض الإسلام المعروفة، أما المعاصي التي دون الشرك، فإنها لا تخرج من الإيمان، وإن كانت كبائر، قال الله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ) (النساء:48).

و”الخوارجُ” يقولون: مرتكب الكبيرة كافر، ولا يغفر له، وهو مخلد في النار، وهذا خلاف ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى.

لاحظوا أن السبب الذي أوقعهم في هذا: أنهم ليس عندهم فقه، لأنهم جماعة اشتدوا في العبادة، والصلاة، والصيام، وتلاوة القرآن، وعندهم غيرة شديدة، لكنهم لا يفقهون، وهذه هي الآفة.

فالاجتهاد في الورع والعبادة، لابد أن يكون مع الفقه في الدين والعلم، ولهذا وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، بأن الصحابة “يحقرون صلاتهم إلى صلاتهم، وعبادتهم إلى عبادتهم”، ثم قال صلى الله عليه وسلم: “يمرقون من الدين؛ كما يمرق السهم من الرمية” مع عبادتهم، ومع صلاحهم، ومع تهجدهم وقيامهم بالليل، لكن لما كان اجتهادهم ليس على أصل صحيح، ولا على علم صحيح، صار ضلالاً ووباءً وشراً عليهم وعلى الأمة.

وما عُرِف عن “الخوارجِ” في يوم من الأيام أنهم قاتلوا الكفار، أبداً، إنما يقاتلون المسلمين، كما قال صلى الله عليه وسلم: “يقتلون أهل الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان”.

فما عرفنا في تاريخ “الخوارجِ”، في يوم من الأيام أنهم قاتلوا الكفار والمشركين، وإنما يقاتلون المسلمين دائماً: قتلوا عثمان، وقتلوا علي بن أبي طالب، وقتلوا الزبير بن العوام، وقتلوا خيار الصحابة، وما زالوا يقتلون المسلمين.

وذلك بسبب جهلهم بدين الله عز وجل، مع ورعهم، ومع عبادتهم، ومع اجتهادهم، لكن لما لم يكن هذا مؤسَّساً على علم صحيح؛ صار وبالاً عليهم، ولهذا يقول العلامة ابن القيم في وصفهم: وَلَهُمْ نُصُوصٌ قَصَّروا في فَهْمِهَا.. فَأُتُوا مِنَ التقْصِيرِ في العِرْفَانِ.   

فهم استدلوا بنصوص وهم لا يفهمونها، استدلوا بنصوص من القرآن ومن السُّنة؛ في الوعيد على المعاصي، وهم لا يفقهون معناها، لم يرجعوها إلى النصوص الأخرى، التي فيها الوعد بالمغفرة والتوبة لمن كانت معصيته دون الشرك؛ فأخذوا طرفاً وتركوا طرفاً، هذا لجهلهم.

والغيرة على الدين والحماس لا يكفيان، لابد أَن يكون هذا مؤسَّساً على علم، وعلى فقه في دين الله عز وجل، يكون ذلك صادراً عن علم، وموضوعاً في محله، والغيرة على الدين طيبةٌ، والحماس للدين طيب، لكن لابد أن يرشَّد ذلك باتباع الكتاب والسُّنة.

ولا أَغْيَرَ على الدين، ولا أنصح للمسلمين؛ من الصحابة رضي الله عنهم، ومع ذلك قاتلوا “الخوارج”؛ لخطرهم وشرهم، قاتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حتى قتلهم شر قتلة في وقعة “النهروان”، وتحقق في ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: من أن النبي صلى الله عليه وسلم بَشَّرَ من يقتلهم بالخير والجنة، فكان علي بن أبي طالب هو الذي قتلهم، فحصل على البشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم قتلهم ليدفع شرهم عن المسلمين.

وواجب على المسلمين في كل عصر إذا تحققوا من وجود هذا المذهب الخبيث؛ أن يعالجوه بالدعوة إلى الله أولاً، وتبصير الناس بذلك، فإن لم يمتثلوا قاتلوهم دفعاً لشرهم.

وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أرسل إليهم ابن عمه عبدالله بن عباس، حَبْرَ الأمة، وترجمان القرآن؛ فناظرهم، ورجع منهم ستة آلاف، وبقي منهم بقية كثيرة لم يرجعوا، وعند ذلك قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعه الصحابة؛ لدفعِ شرهم وأذاهم عن المسلمين.

 

الجهمية

“الجهمية”: نسبةً إلى الجهم بن صفوان، الذي تتلمذ على الجعد بن درهم، والجعد بن درهم تتلمذ على طالوت، وطالوت تتلمذ على لبيد بن الأعصم اليهودي؛ فهم تلاميذ اليهود.

وما مذهب “الجهمية”؟!

مذهب “الجهمية” أنهم لا يثبتون لله اسماً ولا صفةً، ويزعمون أنه ذات مجردة عن الأسماء والصفات؛ لأن إثبات الأسماء والصفات – بزعمهم – يقتضي الشرك، وتعدد الآلهة، كما يقولون.

هذه شبهتهم اللعينة، ولا ندري ماذا يقولون في أنفسهم؟! فالواحد منهم يوصف بأنه عالم، وبأنه غني، وبأنه صانع، وبأنه تاجر، فالواحد منهم له عدة صفات، هل معنى ذلك أن يكون عدة أشخاص؟!

هذه مكابرة للعقول؛ فلا يلزم من تعدد الأسماء والصفات تعدد الآلهة، ولهذا لما قال المشركون من قبل لما سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: “يا رحمن، يا رحيم”، قالوا: هذا يزعم أنه يعبد إلهاً واحداً، وهو يدعو آلهةً متعددةً، فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: (قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيّاً مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى) (الإسراء:110).

فأسماء الله كثيرة، هي تدل على كماله وعظمتِه سبحانه وتعالى، لا تدل على تعدد الآلهة، كما يقولون، بل تدل على العظمة، وعلى الكمال.

أما الذات المجردة التي ليس لها صفات فهذه لا وجود لها، مستحيل يوجد شيء وليس له صفات، أبداً، ولو على الأقل صفة الوجود.

ومن شبههم: أن إثبات الصفات يقتضي التشبيه؛ لأن هذه الصفات يوجد مثلها في المخلوقين.

وهذا قول باطل؛ لأن صفات الخالق تليق به، وصفات المخلوقين تليق بهم؛ فلا تشابه.

و”الجهمية” جمعوا إلى ضلالهم في الأسماء والصفات الجبر في القدر؛ لأن “الجهمية” يقولون: “إن العبد ليس له مشيئة، وليس له اختيار، وإنما هو مجبر على أفعاله”.

ومعنى هذا: أنه إذا عذب على المعصية يكون مظلوماً؛ لأنها ليست فعله، وإنما هو مجبر عليها، كما يقولون، تعالى الله عن ذلك.

فهم جمعوا بين “الجبرِ في القدر”، وبين “التجهم في الأسماء والصفات”، وجمعوا إلى ذلك “القول بالإرجاء”، وأضافوا إلى ذلك “القول بخلق القرآن”، ظلمات بعضها فوق بعْض.

قال ابن القيم: “جِيْمٌ وجِيْمٌ ثُمَّ جِيْمٌ مَعْهُمَا.. مَقْرُونَةً مَعْ أَحْرُفٍ بِوِزَانِ.. جَبْرٌ وإِرْجَاءٌ وَجِيْمُ تَجَهُّمٍ.. فَتَأَمَّلِ المجمُوعَ في الْمِيْزَانِ.. فَاحْكُمْ بِطالِعِها لِمَنْ حَصُلَتْ.. بخلاصِـهِ مِنْ رِبْقَةِ الإيمانِ”.

يعني: جمعوا بين “جبر” و”تجهُّم” و”إِرجاءٍ”؛ ثلاث جيمات، والجيم الرابعة جيم جهنم.

الحاصل: أن هذا مذهب “الجهمية”، والذي اشتهر فيه نفي الأسماء والصفات عن الله سبحانه وتعالى، انشق عنه مذهب “المعتزلة”، ومذهب “الأشاعرة”، ومذهب “الماتريدية”.

 

المعتزلة

مذهب “المعتزلة”: أنهم أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات، لكن أثبتوا أسماء مجردة، مجرد ألفاظ لا تدل على معان ولا صفات.

سموا بـ”المعتزلة”؛ لأن إمامهم واصل بن عطاء كان من تلاميذ الحسن البصري يرحمه الله، الإمام التابعي الجليل، فلما سئل الحسن البصري عن مرتكب الكبيرة، ما حكمه؟! فقال بقول “أهل السُّنة والجماعة”: “إنه مؤمن ناقص الإيمان، مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته”، فلم يرض واصل بن عطاء بهذا الجواب من شيخه؛ فاعتزل، وقال: “لا، أنا أرى أنه ليس بمؤمن ولا كافر، وأنه في المنزلة بين المنزلتين”. وانشق عن شيخه – الحسن – وصار في ناحية المسجد، واجتمع عليه قوم من أوباش الناس وأخذوا بقوله.

وهكذا دعاة الضلال في كل وقت، لابد أن ينحاز إليهم كثير من الناس، هذه حكمة من الله، تركوا مجلس الحسن، شيخِ أهل السُّنة، الذي مجلسُه مجلس الخير، ومجلس العلم، وانحازوا إلى مجلس المعتزلي واصل بن عطاء الضال المضل.

ولهم أشباه في زماننا، يتركون علماء “أهل السُّنة والجماعة”، وينحازون إلى أصحاب الفكر المنحرف.

ومن ذلك الوقت سموا بـ”المعتزلة”؛ لأنهم اعتزلوا “أهل السُّنة والجماعة”؛ فصاروا ينفون الصفات عن الله سبحانه وتعالى، ويثبتون له أسماء مجردة، ويحكمون على مرتكب الكبيرة بما حكمت به “الخوارج”: “أنه مخلد في النار”، لكن اختلفوا عن “الخوارج” في الدنيا، وقالوا: “إنه يكون بالمنزلة بين المنزلتين، ليس بمؤمن ولا كافر”.

بينما “الخوارج” يقولون: كافر.

يا سبحان الله! هل يعقل أن الإنسان لا يكون مؤمناً ولا كافراً؟!

والله تعالى يقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ) (التغابن:2)، ما قال: ومنكم من هو بالمنزلة بين المنزلتين.. لكن هل هؤلاء يفقهون؟!

ثم تفرع عن مذهب “المعتزلة” مذهب “الأشاعرة”.

 

الأشاعرة

و”الأشاعرة”: ينسبون إلى أبي الحسن الأشعري يرحمه الله.

وكان أبو الحسن الأشعري معتزلياً، ثم مَنَّ الله عليه، وعرف بطلان مذهب “المعتزلة”، فوقف في المسجد يوم الجمعة وأعلن براءته من مذهب المعتزلة، وخلع ثوباً عليه، وقال: “خلعت مذهبَ المعتزلة، كما خلعتُ ثوبي هذا”، لكنه صار إلى مذهب “الكُلاَّبِيَّة” أتباع عبدالله بن سعيد بن كُلاب.

وعبدالله بن سعيد بن كُلاب كان يثبِت سبع صفات، وينفي ما عداها، يقول: “لأن العقل لا يدل إلا على سبعِ صفات فقط: “العلم، والقدرة، والإرادة، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام”.. يقول: هذه دَلَّ عليها العقل، أما ما لم يدل عليه العقل – عنده – فليس بثابتٍ”.

ثم إن الله مَنَّ على أبي الحسن الأشعري، وترك مذهب “الكُلابِيَّةِ”، ورجع إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وقال: “أنا أقول بما يقول به إمام أهلِ السُّنة والجماعة أحمد بن حنبل: إن الله استوى على العرش، وإن له يداً، وإن له وجهاً”، ذكر هذا في كتابه “الإبانة عن أصول الديانة”، وذكر هذا في كتابه الثاني:”مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين”، ذكر أنه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، وإن بقيت عنده بعض المخالفات.

ولكن أتباعه بقوا على مذهب “الكُلابية”؛ فغالبهم لا يزالون على مذهبه الأول، ولذلك يسمون بـ”الأشعرية”؛ نسبة إلى الأشعري في مذهبه الأول.

أما بعد أن رجع إلى مذهب “أهل السُّنة والجماعة”؛ فنسبة هذا المذهب إليه ظلم، والصواب أن يقال: مذهب “الكُلابِيَّة”، لا مذهب أبي الحسن الأشعري يرحمه الله؛ لأنه تاب من هذا، وصَنَّفَ في ذلك كتابه “الإبانة عن أصول الديانة”، وصرح برجوعه، وتمسكه بما كان عليه “أهل السنّة والجماعة” – خصوصاً الإمام أحمد بن حنبل يرحمه الله، وإن كانت عنده بعض المخالفات، مثل قوله في الكلام: “إنه المعنى النفسي القائم بالذات، والقرآن حكاية – أو عبارة – عن كلام الله، لا أنه كلام الله”.

هذا مذهب “الأشاعرة”، منشق عن مذهب “المعتزلة”، ومذهب “المعتزلة” منشق عن مذهب “الجهمية”، ثم تفرعت مذاهب كثيرة، كلها أصلها مذهب “الجهمية”.

وبعد..

هذه أصول الفرق، وتفرقت بعدها فرق كثيرة لا يحصيها إلا الله، وصنفت في هذا كتب، منها:

• كتاب “الفَرْق بين الفِرَق” للبغدادي.

• كتاب “المِلل والنِّحَل” لمحمد بن عبدالكريم الشهرستاني.

• كتاب “الفِصَل في المِلل والنِّحَل” لابن حزم.

• كتاب “مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين” لأبي الحسن الأشعري.

كل هذه الكتب في بيان الفرق، وتنوعها، وتعدادها، واختلافها، وتطوراتها.

ولا تزال إلى عصرنا هذا تتطور، وتزيد، وينشأُ عنها مذاهب أخرى، وتنشق عنها أفكار جديدة منبثقة عن أصلِ الفكرة، ولم يبق على الحق إلا “أهل السُّنة والجماعة”، في كل زمان ومكان هم على الحق إلى أن تقوم الساعة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: “لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك”. 

Exit mobile version