رؤية الإسلاميين للعدالة الاجتماعية

تعيش غالبية الدول العربية والإسلامية، حالة من عدم الرضا، من حيث الجوانب الاقتصادية والاجتماعية

الاهتمام بقضية العدالة الاجتماعية من قبل الإسلاميين فرض نفسه من خلال مظاهر الخلل بالمجتمعات الإسلامية ووجود فوارق طبقية كبيرة بين أبناء المجتمع الواحد

على الرغم من أن كتابات الشهيد سيد قطب والشيخ أبو زهرة كان مبعثها مواجهة الأفكار اليسارية والشيوعية، فإن مبعث اهتمام الأحزاب الإسلامية بقضية العدالة الاجتماعية كان هذا الواقع المرير اقتصادياً واجتماعياً

 

تعيش غالبية الدول العربية والإسلامية، حالة من عدم الرضا، من حيث الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، فمستوى المعيشة بهذه الدول يتراجع بشكل كبير، جعل معظم شبابها يفكرون في الهجرة، سواء فيما بين دول العالم العربي والإسلامي أو خارجه، أملاً في الحصول على حياة أفضل.

وقد طرح مفهوم العدالة الاجتماعية منذ عقود، وبخاصة بعد نجاح الفكر الاشتراكي في السيطرة على الحكم في غالبية القسم الشرقي من العالم في بداية ستينيات القرن العشرين، إلا أن المصطلح اكتسب زخماً أكثر بعد نجاح ثورات “الربيع العربي”، منذ نحو ثلاث سنوات، وأصبحت العدالة الاجتماعية هدفاً ومطلباً رئيسياً لمجتمعات دول “الربيع العربي” وغيرها.

وتحظى أدبيات الإسلاميين باهتمام بالغ بقضية العدالة الاجتماعية، ومن أبرز هذه المساهمات كتاب الشهيد سيد قطب في عام 1954م “العدالة الاجتماعية في الإسلام”، وما أشار إليه الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه “المجتمع الإنساني في ظل الإسلام”، حيث أفرد فصلاً بهذا الكتاب للحديث عن العدالة الاجتماعية.

فضلاً عن طغيان مفهوم العدالة الاجتماعية على معظم كتابات الشيخ محمد الغزالي لرفضه كافة أشكال الظلم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وتركيزه على حرية الإنسان وحقه في حياة كريمة.

• رؤية الإسلاميين للعدالة الاجتماعية

على الجانب النظري، تناول الكثيرون من الإسلاميين العدالة الاجتماعية بالتعريف، فالشهيد سيد قطب يرى العدالة الاجتماعية عدالة إنسانية شاملة لكل جوانب الحياة ومقوماتها، وليست فقط مجرد العدالة الاقتصادية، وأن ركائز العدالة الاجتماعية من وجهة نظر الشهيد سيد قطب هي التحري الوجداني المطلق، والمساواة الإنسانية الكاملة، والتكافل الاجتماعي الوثيق.

أما الشيخ أبو زهرة، فيتضمن تعريفه للعدالة الاجتماعية بأنها إتاحة الفرصة لكل قادر على العمل والعطاء، وكفالة العاجزين بالمجتمع ليكونوا قوة في المجتمع.

ويتفق التعريفان مع أهم ما تعرضه الكتابات الأخرى، بكون العدالة الاجتماعية، بأنها المساواة بين أفراد المجتمع في الحصول على الفرص المختلفة للاستفادة بثروات المجتمع، والتمكين من ذلك، واستدامة هذا الأمر فلا يكون لجيل دون جيل.

ومن خلال الاطلاع على برامج بعض الأحزاب الإسلامية، التي خاضت غمار التجربة السياسية، وبخاصة بعد ثورات “الربيع العربي”، نجد أن قضية العدالة الاجتماعية قد نالت اهتماماً يناسب حجمها، فتمت الإشارة إلى تبني هذه الأحزاب لمجموعة من السياسات الهادفة لتحقيق العدالة الاجتماعية.

فحزب “التنمية والبناء” الممثل للجماعة الإسلامية في مصر، أشار في أهداف برنامجه إلى “تحقيق العدالة الاجتماعية بتوفير الحد الأدنى للحياة الكريمة التي تلبي كل الحاجيات والرغبات الإنسانية الضرورية من غذاء ورعاية صحية وتأهيل تعليمي وسكن آدمي وفرص عمل كريمة”، كما حدد برنامج الحزب مقومات ثلاثة للعدالة الاجتماعية؛ تتمثل في المقوم الاقتصادي، والمقوم القانوني الحقوقي، والمقوم الفكري الأخلاقي.

ونجد هنا أن الحزب انطلق من قاعدة الكفاية، التي تحدث عنها الفقهاء، وليس الكفاف الذي تتحدث عنه المناهج الاقتصادية التقليدية، فكرس مفهوم العدالة الاجتماعية لدى الحزب حق المواطن في الغذاء والعلاج والتعليم والسكن والعمل.

أما حزب “الوسط”، فقد جعل تحقيق العدالة الاجتماعية من مهام الدولة في ظل فشل اقتصاد السوق في تحقيق ذلك، والعدالة الاجتماعية – كما يراها برنامج الحزب – ليست مشكلة توزيع ولا نوعاً من الرعاية الاجتماعية، وإنما هي قضية انخفاض مستوى معيشة قطاعات واسعة من أبناء مصر، وعلاج ذلك يتحقق بالنهوض بتلك الفئات.

ونجد أن مفهوم حزب “الوسط” قد تأثر بالتفاوت الدخلي والطبقي داخل المجتمع المصري، وهذه المجتمعات المنعزلة لطبقة الأغنياء، ومعاناة شريحة كبيرة من أبناء المجتمع المصري، من الطبقة المتوسطة والفقيرة، حيث تعاني هاتان الطبقتان من مشكلات كبيرة في العديد من الخدمات، كالتعليم والصحة، والمياه الصالحة للشرب، واتساع رقعة الفقر والبطالة.

وكذلك برنامج حزب “النور”، أشار في الأهداف الاقتصادية والاجتماعية لبرنامجه الاقتصادي، تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال عدالة توزيع الدخل والثروات بين أبناء المجتمع.

كما أن حزب “الحرية والعدالة” تناول العدالة الاجتماعية ضمن محور برنامجه الاجتماعي، ورأى أن العدالة الاجتماعية تعني بعدين، الأول حق المواطن في المشاركة في العملية الإنتاجية، وحقه في الحصول على نصيبه من ناتج العملية الاجتماعية، مع مراعاة التكافل الاجتماعي لمن تعجز بهم إمكاناتهم عن تحقيق متطلبات المعيشة من خلال العمل، أو لكونهم من العجزة، وأشار برنامج الحزب إلى أن تحقيق العدالة الاجتماعية يكون من خلال المساواة في الحصول على الفرص، ومواجهة الفقر، وتعديل قانون الوقف، وإعادة هيكلة نظام المعاشات، وإعادة هيكلة مخصصات الدعم بالموازنة العامة، من أجل تلبية احتياجات الفقراء. 

• واقع مفروض

الاهتمام بقضية العدالة الاجتماعية من قبل الإسلاميين فرض نفسه، من خلال مظاهر الخلل بالمجتمعات الإسلامية، ووجود فوارق طبقية كبيرة بين أبناء المجتمع الواحد، كما أن هذا الخلل نال عدالة الحصول على الفرص في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية… إلخ.

فأصبحت الوظائف العليا بالمجتمع حكراً على فئة معينة تتوارثها، في إطار من الوساطة والمحسوبية، وفي ظل استبعاد اجتماعي قسري لبقية أبناء المجتمع، حتى ولو كانوا من الأكفاء.

فعلى الرغم من أن كتابات الشهيد سيد قطب والشيخ أبو زهرة في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، كان مبعثها من – وجهة نظر الكاتب – مواجهة الأفكار اليسارية والشيوعية، وعرض منهج الإسلام تجاه واحدة من القضايا المجتمعية المهمة، فإن مبعث اهتمام الأحزاب الإسلامية بقضية العدالة الاجتماعية كان هذا الواقع المرير اقتصادياً واجتماعياً، والذي مهد لقيام ثورات “الربيع العربي”.

• واجب الوقت

من خلال الإشارات السابقة لمضمون برامج بعض الأحزاب الإسلامية حول قضية العدالة الاجتماعية، نجد أنها ركزت بشكل كبير على الجوانب المادية التي تلبي احتياجات المواطن في العيش الكريم، وأنها جعلت التكافل الاجتماعي أحد محاور العدالة الاجتماعية، وليس ركيزتها الأولى، بل تمت الإشارة غير مرة إلى ضرورة المساواة في الحصول على الفرص للاستفادة من ثروات المجتمع، كما تمت الإشارة كذلك المحور الفكري والأخلاقي للعدالة الاجتماعية.

فمن واجبات الإسلاميين في الوقت الحاضر والمستقبل، أن تكون قضية العدالة الاجتماعية حاضرة في أذهان المجتمعات الإسلامية، كحالة نفسية وعقلية، وسلوك يترجم في أرض الواقع.

 

Exit mobile version