بين السلطان عبدالحميد وهرتزل.. سجال حول فلسطين

مما لا شك فيه أن ما جرى بين هاتين الشخصيتين حول فلسطين، مطبوع في ذهن القارئ بمسألة رفض السلطان عبدالحميد للمغريات المالية

مما لا شك فيه أن ما جرى بين هاتين الشخصيتين حول فلسطين، مطبوع في ذهن القارئ بمسألة رفض السلطان عبدالحميد للمغريات المالية التي حاول مؤسس الصهيونية الحديثة «هرتزل» (1860 – 1904م)، إغراء السلطان بها، جراء السماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين. ومع أهمية هذا الحدث، فإننا سنحاول إلقاء الضوء على النفسية الصهيونية التي كانت تحرك «هرتزل»، والدوافع الإسلامية والأخلاقية التي وقفت تجاه محاولات هذا الرجل ومؤسسته الصهيونية، وقراءة مجريات الأحداث حول هذه المسألة من قبل السلطان عبدالحميد (يرحمه الله تعالى).

لقد تمثل موقف كليهما بالاستماتة من أجل الهدف الذي يسعيان إليه، كلٌ على طريقته الخاصة، فقد كان «هرتزل» مدعوماً بالقوى الإمبريالية آنذاك، وخصوصاً الإمبراطورية البريطانية، التي كانت في أوج مجدها، والمحافل الماسونية التي دعمت هذه التوجهات كذلك في أوج قوتها، وكان السلطان عبدالحميد يجابه كل هذه القوى الهدامة خارجياً وداخلياً، ويحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومع ذلك لم يحِدْ عن الطريق المستقيم، ويلجأ إلى ألاعيب وحيل السياسة، وبقي على مبدئه.

البدايات اندفع «هرتزل» نحو إسطنبول، في خمس رحلات، بين عامي (1896م و1902م)، رغم ما كان يعانيه من اعتلال في صحته؛ فقد كان مصاباً بتضخم عضلة القلب. في الرحلة الأولى – يونيو 1896م – توسط عند صديقه الكونت البولندي «نيفلينسكي» وهو يهودي يعمل في البلاط، ليقابل السلطان عبدالحميد وفي مخيلته حلم لدولة يهودية من جنوب جبال طوروس إلى قناة السويس جنوباً، وإلى حدود الفرات غرباً!

لقد كانت المطامع الاستعمارية مسيطرة عليه بالكامل، بجانب العُقد الصهيونية المستعصية، بإعادة مجد دولة «إسرائيل» التي أسسها داود حوالي (100 ق.م)، وانتهت نهائياً على أيدي البابليين عام (587 ق.م) وتشتت اليهود في العالم أجمع، وهي لم تكن دولة في يوم ذات أمجاد حضارية كما كان لليونانيين والفراعنة والآشوريين والبابليين وغيرهم من أقوام الشرق القديم. في هذه الرحلة قال «هرتزل» لأحد مرافقيه: إنه لا يتوقع عودة إلى الصحراء، بل على العكس، انتقال حضارة حديثة بأكملها، وعلينا إغراء السلطان، وشراء الأرض منه.. وكان «هرتزل» يدرك صعوبة مهمته، فكتب في مذكراته «نحن أصحاب سمعة سيئة، وعندما نضع الخطط لشراء الأراضي يجب أن نعرض أثماناً مرتفعة جداً».

لم يفلح «هرتزل» في هذه الرحلة في مقابلة السلطان عبدالحميد، رغم أنه كان يحمل عرضاً بـ18 مليون جنيه إسترليني، لسداد ديون الدولة العثمانية، واستطاع مقابلة الصدر الأعظم الذي اعتذر عن مفاتحة السلطان بالموضوع! وأخيراً استطاع مقابلة الترجمان الأول للبلاط، وهو شخص يهودي اسمه داود أفندي، وله نفوذ داخل الدوائر العليا للإدارة العثمانية، ولم يؤيد داود أفندي دعاوى «هرتزل»، وأخبره بأن اليهود أغنياء في الدولة العثمانية، وهم أوفياء للسلطان منذ أيام الاضطهاد الإسباني، ثم اعتذر لـ«هرتزل» بأنه ليس الرجل المناسب للمقابلة. ومع ذلك قابل السلطان «نيفلينسكي» وحده، وعندما رجع للفندق حيث ينتظره «هرتزل» على أحر من الجمر، طلب نصف زجاجة شمبانيا ليتخلص من الحزن وخيبة الأمل من جواب السلطان، وقال لـ«هرتزل»: «لم يفلح أي شيء.. السلطان يرفض سماع أي شيء عن ذلك»، يقصد مبدأ شراء أرض فلسطين. هذا الموقف كان نابعاً من مبدأ السلطان (يرحمه الله تعالى)، والمبادئ لا تباع ولا تشترى، ثم أخبر «هرتزل» بجواب السلطان: «إذا كان هرتزل صديقك مثلما أنك صديقي أرجو أن تنصحه بألا يتخذ خطوة أخرى في هذا الموضوع، أنا لا أستطيع بيع قدم واحد من هذه الأرض، لأنها ليست ملكي ولكن ملك شعبي الذي روى هذه الأرض بدمائه، وسوف نغمرها بالدماء مرة أخرى قبل أن نسمح لأحد أن يغتصبها منا.. دع اليهود يوفرون ملايينهم، وعندما تُقتسم إمبراطوريتي فيمكنهم أن يأخذوا فلسطين بلا مقابل، إن جثتنا ستنقسم فقط، ولكني لا أوافق على تشريح جسدنا ونحن أحياء». لقد كان جواب السلطان قاطعاً، وكأنما بذكائه الحاد توقع أن يحصلوا على مرادهم ولكن ليس على حساب سمعة الإمبراطورية العثمانية ومبادئها، رغم ضعفها وحاجتها للمال. التوجه نحو الجدار الألماني اتجه تفكير «هرتزل» لاختراق الجدار الألماني، فقد كانت ألمانيا تحتفظ بعلاقات قوية مع الدولة العثمانية، وأخذ يتصل برجالات الدولة الألمانية، مستخدماً المراوغة واللعب على الاختلافات الإثنية في الشرق..

وهو في ألمانيا سمع بنية القيصر السفر إلى فلسطين، فأخذ يعد العُدة لمقابلته في القدس في أكتوبر 1898م. ذهب «هرتزل» قاصداً القدس، فاتجه مع أربعة من أعوانه إلى إسطنبول، وهناك لم يهتم العثمانيون برحلته، ولم يستطع مقابلة أحد من الشخصيات، ثم اتجه إلى الإسكندرية ومنها إلى يافا. قبل رحلته استغل مواهبه في التذلل؛ فوصف الإمبراطور الألماني «وليم الثاني» بأوصاف شاعرية في جريدته «دي فيلت»، فقال: «عيناه العظيمتان في لون زرقة البحر.. وجهه الرقيق الجاد»، ولم ينسَ التعريض بفرنسا عدوة ألمانيا اللدودة آنذاك، فقال: «أعتقد يا صاحب الجلالة أنها ستنهار من الداخل.. إنها راقية حقاً في الأدب والفن، وهذا هو التفسخ والانهيار بعينه..!»، وقد كانت هذه الكلمات تعبر عن انتهازية لا مثيل لها. استطاع «هرتزل» مقابلة القيصر في الخيمة التي أُعدت له بالقرب من القدس، وأراد أن يلعب لعبة ذكية لأنه يعلم أن الإمبراطور لن يعمل على إغضاب السلطان بطرح طلبات «هرتزل» مباشرة، فقال للإمبراطور: «نريد شركة تحت الحماية الألمانية»، وهي نفس الفكرة الاستعمارية البريطانية التي تغلغل فيها الإنجليز إلى الهند تحت ستار «شركة الهند الشرقية». اعتبر «هرتزل» اللقاء مهيناً، فقد كان استقبال القيصر فاتراً، وهو ما عبر عنه في مذكراته، وقد نقل الإمبراطور رغبات «هرتزل» إلى سفير الدولة العثمانية، المرافق له في الزيارة غالب بك، فأجابه قائلاً: إن «السلطان لا يرضى مطلقاً سماع كلمة الصهيونية، كما لا يرضى أن تقوم الصهيونية بتنفيذ مطالبها في إقامة دولة يهودية مستقلة في فلسطين». وعندما وصلت الرسالة للسلطان تحت ضغط القوى الصهيونية، جاء جواب السلطان كالصاعقة فقال: «طالما ظلت إمبراطوريتي قائمة وعلى قيد الحياة، فإن فلسطين لن تكون للبيع، ولن أتزحزح عن موقعي لأن الأرض المقدسة من مسؤوليتي كخليفة للإسلام، وكسلطان للعرب الذين يشكلون تسعة أعشار البلاد». ورغم تعرض «هرتزل» لهزات عنيفة بعد هذه الزيارة، منها موت صديقه «نيفلينسكي» في أبريل 1899م، وازدياد أعراض خفقان القلب، وتعرض صحيفته «دي فيلت» لخسائر مادية، فإنه لم يتوقف أمام هدفه المرسوم. المقابلة استغل «هرتزل» مواهبه في التذلل والانتهازية مرة أخرى، فكتب عدة مقالات تشيد بالدولة العثمانية، وبعث إشارة للسلطان عندما أسس البنك اليهودي للتعمير (Jewish Colonial Bank)، لجمع الأموال المطلوبة لسداد الدين العثماني، وتعرف أخيراً على رجل في البلاط يسمى «أرمينيوس فامبيري»، وهو من أصل يهودي يبلغ من العمر (70 عاماً)، وعلى معرفة بالسلطان عبدالحميد، ويجيد عدة لغات، وقد حول دينه خمس مرات، وقد اجتمعت الميكافيلية في هذين الشخصيتين بشكل عجيب. بعث «هرتزل» برسالة مليئة بالتذلل للسلطان عبدالحميد استهلها بوصف «فامبيري» «بالخادم المخلص الأمين لجلالتكم»، ثم أعقبها بقوله: «إن عظمة الإمبراطورية العثمانية وقوتها هي الأمل الوحيد للأمة اليهودية، وأود أن أكسب كيهودي أمين لنفسي ولإخواني النوايا الطيبة للخليفة العظيم»، وفي الوقت نفسه أرسل لصديقه «فامبيري» ما نصه: «أرى حالياً أن هناك مشروعاً واحداً فقط عليك أن تعمل به، وهو العمل أن تزداد متاعب تركيا، وعليك أن تشن حملة شخصية ضد السلطان، وأن تسعى للاتصال بالأمراء المنفيين…»!

نجحت مساعي «فامبيري» في الحصول على موافقة السلطان على مقابلة «هرتزل» في شهر مايو سنة 1901م، فاتجه «هرتزل» إلى إسطنبول في زيارته الثالثة، وكان إحساسه صادقاً بأنه لن يحصل على شيء، فكتب في مذكراته: «إنهم ليسوا جادين على الإطلاق، فهم مثل زبد البحر، فتعبيراتهم هي الجادة وليست نواياهم». استمرت مقابلة «هرتزل» للسلطان عبدالحميد لمدة ساعتين في قصر يلدز، وكان السلطان مستمعاً أكثر منه متكلماً، وكان يرخي لـ«هرتزل» في الكلام كي يدفعه للتحدث بكل ما يخطر بمخيلته من أفكار ومشاريع ومطالب. لم يحصل «هرتزل» من السلطان على جواب مباشر، ثم أُبلغ لاحقاً «بأنه يمكن استقبال اليهود وتوطينهم في الإمبراطورية العثمانية، بشرط ألا يقيموا معاً، وأن تحدد الحكومة عددهم مسبقاً، ويمنحون الجنسية العثمانية، وتفرض عليهم جميع الالتزامات المدنية، بما فيها الخدمة العسكرية مثل جميع العثمانيين. كانت الصدمة كبيرة على «فامبيري» الذي هرب من إسطنبول، وكشف عن وجهه الحقيقي؛ فوصف السلطان بأنه «سفاح قذر»، بينما كانت الصدمة أكبر على «هرتزل» الذي تذلل كثيراً للسلطان، فكتب في مذكراته عن السلطان «صغير الحجم، متسخ، لحيته المصبوغة، الطربوش المكبوس على الرأس وعلى الأخرى فهو أصلع، الأذنان البارزتان اللتان تعملان لحماية السروال، اليدان الضعيفتان في قفاز أبيض أكبر من حجمها، أساور القميص الخشنة غير المناسبة ذات اللون الصارخ، ثم الصوت الشاكي والتوتر في كل كلمة والخنوع في كل نظرة». لقد جعلت الصدمة «هرتزل» يهذي كلياً، وتحول من سياسي محترف إلى كاتب قصة سيئ.

في اليوم التالي، استلم «هرتزل» مظروفاً أزرق يحتوي على دبوس به ماسة ذهبية، وعلى حد قول المؤرخ الإنجليزي «ديزموند ستيوارت»، فقد أعطى «هرتزل» البقشيش لخدم السلطان، والآن أعطى السلطان البقشيش لـ«هرتزل»، ولم يكن ليعطيه أكثر من ذلك، وكان ذلك في منتهى السخرية والذكاء في الوقت نفسه. لقد فقد «هرتزل» توازنه تماماً بعد هذا اللقاء، فكتب يقول:

«إن اسم عبدالحميد الثاني رمز لمجموعة من أحط الخبثاء، حرمت البلاد من أمنها وسعادتها، لم أكن أتصور وجود هذه العصابة من اللصوص.. وكل موظف لص»، مع أنه فشل في رشوة هؤلاء اللصوص أو الوصول بواسطتهم إلى مبتغاه! وتتجلى النفسية الصهيونية في أحط صورها بطريقة أخرى لدى «هرتزل»، فبدلاً من أن يكون ممتناً من الرجل الذي دعاه إلى وليمة رسمية، وهو شرف كبير له لم يكن ليحلم به، ومع أن الجميع يعرف أن الأكلات التركية من ألذ ما في العالم، يقول:

«أكلة كريهة أخرى مع تلك الأطباق البربرية العديدة التي يبتلعها المرء طبقاً للعادة الشرقية مصحوبة بصيحات التلذذ، طعام أفاعي حقيقي»! في تلك الفترة لابد وأن يكون السلطان قد عرف بمكونات نفسية «هرتزل» وتذبذبها بين التذلل والشتائم، فازداد موقفه تصلباً. الرحلتان الرابعة والخامسة لم يكن «هرتزل» يعرف الكلل، ولا وقفت شتائمه ومقالاته، التي تعرض بها للدولة العثمانية وللسلطان عبدالحميد، حاجزاً في وقف أطماعه، وعلى مبدأ إذا لم تستحي فاصنع ما شئت، فاتجه نحو إسطنبول في فبراير 1902م للمرة الرابعة، حاملاً سلاح الرشوة والإغراء لكي يسمح السلطان بهجرة مفتوحة إلى فلسطين، ورغم اتصالاته بكل من يعرفه، فقد رفض السلطان مقابلته قطعياً، رغم الأموال الكثيرة التي دفعها هنا وهناك، ولم يحصل إلا على خيبة الأمل(1).

وفي شهر يوليو من نفس العام، اتجه «هرتزل» نحو إسطنبول للمرة الخامسة، حاملاً بدائل أخرى لفلسطين، وأحد هذه البدائل كانت العراق الحالي، وكان آنذاك جزءاً من الدولة العثمانية، وكان في اعتقاده أن العراق لا يصلح للاستعمار، إلا أن استغلال معادنه أمر يستحق التفكير، ومع ذلك لم يفلح بتوصيل أفكاره إلى السلطان أو حاشيته. وأخيراً بلغ ضيق صدر «هرتزل» من السلطان عبدالحميد حداً فاق التصور، فجند كل علاقاته ونفوذه في الصحافة الأوروبية لتشويه سمعته، وحتى أنه بحث مع رجل أعمال سويدي تحول للجنسية العثمانية اسمه «علي نوري بك»، مسألة إرسال بارجتين مستأجرتين تخفيهما سفن تجارية إلى مضيق البوسفور، ثم تقومان بقصف قصر يلدز لقتل السلطان عبدالحميد، وتعيين آخر مكانه يتعهد باستيطان اليهود في فلسطين!

النهاية في مارس من عام 1904م مات «هرتزل» بين أيدي أطبائه، وكان التشخيص بأنه يعاني من التهاب مزمن في عضلة القلب. وينقل «ديزموند ستيوارت» عن حالة «هرتزل» المتدهورة ما نصه: ومهما كان السبب العضوي للوفاة، فإن الضغط العاطفي – نتيجة فشله في مهمته – قد أدى دوراً كبيراً، فالمؤتمر العام الصهيوني والمسمى مؤتمر أوغندا الذي عقد قبل وفاته كانت نتائجه عنيفة عليه، ولاحظ شاهد عيان الأثر على «هرتزل»، حيث يقول: رأيت وجهه الباهت وعضلاته المتقلصة، ففي لحظة مثيرة رأى «هرتزل» عدم جدوى الحلم الصهيوني. وينقل «ديزموند ستيوارت» عن مراسل جريدة «الجويش كرونيكل»: إن آخر ما نطق به «هرتزل» قوله:

«كم أود أن أستريح»! واستراح «هرتزل»، ولم يعرف السلطان عبدالحميد الراحة، ودفن في فيينا، ونقل رفاته إلى «إسرائيل» عام 1949م. ولم يستطع صهاينة الخارج عزل السلطان عبدالحميد، فأوكلوا المهمة لصهاينة الداخل، وهم الماسونيون من «الاتحاد والترقي»، فقد جاء في الرسالة التي بعث بها السلطان لشيخ الطريقة الشاذلية محمود أبي الشامات: «إن هؤلاء الاتحاديين قد أصروا على أن أصادق على تأسيس وطن قومي لليهود في الأرض المقدسة فلسطين، ورغم إصرارهم لم أقبل بصورة قطعية هذا التكليف..وبعد جوابي هذا اتفقوا على خلعي».

ففي يوم 27 أبريل 1909م حضر الوفد المكلف بإبلاغ قرار خلع السلطان إلى قصر يلدز، وقد تكون من أربعة نواب، وكان على رأسهم «عمانوئيل قره صو»، وهو يهودي من زعماء الجمعية الماسونية في سلانيك ومن رؤوس «الاتحاد والترقي»، وقد سبب ذلك ألماً شديداً للسلطان، الذي قال لأحد أعضاء الوفد: ألم تجدوا شخصاً آخر غير هذا اليهودي لكي تبلغوا خليفة المسلمين قرار الحل؟ تم نفي السلطان عبدالحميد إلى سلانيك، وفي عام 1912م وعلى أثر حرب البلقان أعادته الحكومة العثمانية الاتحادية إلى إسطنبول ليقضي بقية حياته في قصر «بكلر بكي». في أثناء إقامته في «بكلر بكي»، قامت الحرب العالمية الأولى عام 1914م، والتي دخلتها الدولة العثمانية بجانب ألمانيا، وكان طوال حياته يتجنب الدخول في الحروب، فكتب إلى صهره أنور باشا وزير الحربية: «أنتم الآن أيضاً دخلتم الحرب.. ولكن ماذا ستكون النتيجة إذا انتهت الحرب بفاجعة؟ ألا نخسر الأناضول؟»، وحدث ما توقع فالحرب لا يمكن دخولها بقرارات متهورة. في 10 فبراير 1918م توفي السلطان عبدالحميد في ظروف سيئة عن عمر يناهز السابعة والسبعين، وأسدلت الستارة على واحد من عظماء الأمة، وكان حقاً الرجل المناسب في زمن غير مناسب، وقد اعتبرته الحكومة الحالية ثاني أعظم شخصية في التاريخ العثماني بعد السلطان محمد فاتح «القسطنطينية عام 1453م». 

الهامش:

 (1) د. دزموند ستيوارت، تيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، ترجمة فوزي وفاء وإبراهيم منصور، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت، 1974م.

 

Exit mobile version