دور الدعاة في الأمن الفكري (الأخيرة)

ما الوسائل التي يتعين علينا أن نأخذ بها أنفسنا حتى نُجنب مجتمعنا آفات العنف التي يجلبها الاختلاف في الرأي أو المعتقد؟

ذكرنا في العدد الماضي أن هناك ثلاثة منطلقاتٍ أساسية في دور الدعاة لمعالجة هموم الأمن الفكري لأمتنا وهي: المنطلق الأول: تعزيز الشعور بالاجتباء، والمنطلق الثاني: دفع آفات الفكر بالحجة والبرهان، والمنطلق الثالث: التأسيس لمرجعيات موثوقة.. وقد تناولنا بالشرح المنطلق الأول، وفي هذا العدد نتناول المنطلقين الثاني والثالث. 

المنطلق الثاني: دفع آفات الفكر بالحجة والبرهان: الاختلاف الفكري بين النّاس أمر وارد، وحقيقة واقعة في الحياة، ويمكن لهذا النوع من الاختلاف أن يكون سبباً في إثارة الفتن والمشكلات، كما يمكن أن يكون – متى ما أحسنا إدارته – سبباً في تنوير العقل وتوسيع مداركه. والسؤال الذي يطرح نفسه علينا في هذا المقام: ما الوسائل التي يتعين علينا أن نأخذ بها أنفسنا حتى نُجنب مجتمعنا آفات العنف التي يجلبها الاختلاف في الرأي أو المعتقد؟ وللإجابة عن هذا السؤال، نطرح بعض هذه الوسائل ونجملها في الآتي:

1-التربية على الإذعان إلى الصواب وممارسة الإقناع بالحجة: وهذا مما علمنا له الدين، فالكبر الذي ذمه الله يتمثل في بطر الحق أي رده ودفعه، وغمط الناس، والمسلم مطالب بأن يعود نفسه الخضوع للحجة متى ما استبانت له، إذ ليس بينه وبين الحق عداوة. وأما ممارسة الإقناع بالحجة، فهي السبيل المفضي إلى نبذ العنف في الحوار، ونحن نقرأ في القرآن الكريم قول الله تعالى: (وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {111}) (البقرة)، فكل مدعٍ لابد أن يثبت دعواه بحجة واضحة وبرهان ساطع. ومما يساعد على ممارسة الإقناع بالحجة أن يستند الحوار إلى القواسم المشتركة، والمعايير المتفق عليها بين المتجادلين، وهذه المعايير قد تكون حججاً عقلية وقد تكون حقائق علمية، وقد تكون نصوصاً دينية يؤمن بها الطرفان، ومن الأمثلة التي يحسن أن نستشهد بها على هذا الأصل قصّة الشاب الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أتأذن لي في الزنا؟ فصاح الناس به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: “قربوه، ادنُ”، فدنا حتى جلس بين يديه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:” أتحبه لأمك؟”، فقال: لا جعلني الله فداك، قال: “كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟” قال: لا جعلني الله فداك قال: “كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟” وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة، وهو يقول في كل واحد لا، جعلني الله فداك، وهو صلى الله عليه وسلم يقول كذلك الناس لا يحبونه، وقالا جميعا في حديثهما – أعني ابن عوف والراوي الآخر -: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: “اللهم طهر قلبه واغفر ذنبه وحصن فرجه فلم يكن شيء أبغض إليه منه”. والشاهد في هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم وظّف قيما كانت مستقرة في نفس هذا الشاب تلقاها من بيئته، ونشأ عليها، فهو من قوم استقر عندهم أن الزنا رذيلة وعار، وأنّه لا يليق بأهل المروءات أن يلطخوا شرفهم بمثل هذه القاذورات، فأدرك الفتى العربي بهذه المحاورة العقلية النفسية التي سلكها معه النبي صلى الله عليه وسلم أن ما همّ به من الزنا عمل قبيح وسمعة سيئة، وسلوك فاضح، فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم – ببركة منهجه ودعائه – وما من شيء عنده أقبح من الزنا. 

2-إتاحة الفرصة لأصحاب الرأي أن يعبروا عن آرائهم: إنّ كثيراً من وجهات النظر التي تكون سبباً في التصادم بين المختلفين، إذا توافق الناس على مناقشتها بالحجج العقلية والمنطق السليم، يمكن أن تستبين فيها وجهة الحق، ويرتفع التنازع، أو يتعايش الناس بالحسنى، وعليه فلابد من الحرص على توسيع دائرة الحوار، وعدم اللجوء للعنف، ومصادرة حق الناس في الاختلاف بالقهر، والقرآن يخبرنا أن غاية ما طلبه الرسل من أقوامهم أن يتفكروا في دعوتهم التي جاؤوا بها، وما تأمر به وتحض عليه، ليختاروا لأنفسهم، من غير إكراه، ما تحملهم عليه هواتف الفطرة والنظر الرشيد قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ {46}) (سبأ). وقال إبراهيم لقومه: (قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئاً وَلَا يَضُرُّكُمْ {66} أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ {67}) (الأنبياء). ولكنّ المتعنتين، الذين يضيقون ذرعاً بالحوار والمجادلة، لم يجدوا ما يواجهون به دعوة الحق إلا ممارسة العدوان، ونحن نقرأ في القرآن كيف واجه قوم إبراهيم عليه السلام ما جاء به من دعوة بيّنة: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ {68}) (الأنبياء)، ونقرأ في القرآن ما قاله قوم شعيب لشعيب عليه السلام: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ {88}) (الأعراف)، ونقرأ مقالة قومِ لوط لنبيّهم عليه السلام: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ {56}) )النمل). ونقرأ ما همّ به مشركو العرب من مكر برسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ {30}) (الأنفال). فالعنف كان على مدار التاريخ الإنساني سبيل المجرمين، والتجربة التاريخية الإسلامية تشهد بأنّ المسلمين، في عهودهم الراشدة، كانوا من أوسع الناس صدراً مع مخالفيهم، فقد علّمهم الإسلام المنهج الصحيح الذي به يفكرون ويستدلون ويعترضون، وبلغت الحرية الفكرية عند أهل الإسلام مداها، حيث كانوا يناقشون الآراء والأفكار دون حَجر، وقامت مدارس ومذاهب للعلوم والمعارف انتظمت الساحة الإسلامية كلها.

3-البعد عن التسيّب في ممارسة المجادلة وحرية التعبير: الحوار الذي يترفع به العنف ما كان قائماً على الحجة بعيداً عن السباب والتجريح، وهناك فرق كبير بين نقد الفكرة وبين سبّها وشتمِ أصحابها قال تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {108}) (الأنعام)، إنّ الإسلام يدعونا إلى أنّ نجادل النّاس بالحسنى قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ {46}) (العنكبوت)، ويعلمنا أن الاعتراض على العقائد والأفكار لا يقتضي مواجهة الناس بالبذاءة والمطاعنة والفحش، فالإسلام كما يقول د. جعفر شيخ إدريس: “يفرق في المعاملة بين المعتقدات والمعتقدين، فبينما يدعو إلى دعوة المعتقدين بالتي هي أحسن، بل وإلى بر من لم يعتد منهم، فإنه لا يتردد في نقد معتقداتهم نقداً صارماً وإقامة الحجج على بطلانها، انظر مثلاً كيف يدعو إلى معاملة النصارى بالتي هي أحسن، ويحكم بحل طعامهم ونسائهم، بينما يؤكد أنه لا عيسى بن مريم ولا غيره يمكن أن يكون ولداً لله تعالى؛ لأنهم مخلوقون والمخلوق لا يكون ولداً لخالقه؛ إن الأب يلد ابنه ولا يخلقه”.. فالتسيّب في ممارسة المجادلة وحرية التعبير، لا تعني إلا الفوضى، ولا تقود إلا للعنف، وقد رأينا نموذجاً لهذا التسيب المقيت بما عرف في الإعلام قبل فترة بالرسوم المسيئة، فقد طفق ساسة الغرب ومفكروه ورجال الإعلام فيه يبررون لهذه الرسوم بأنّها حرية تعبير، وهي حرية مطلقة غير مقيَّدة؛ “إلا أن المفارقة العظمى في موقف هذا الغرب، هي أنّه يرفع عن حرية التعبير – فِعْلاً – كل القيود والضوابط متى حصل استهداف الإسلام والمسلمين؛ لكنّه يبادر إلى مصادرتها كلياً متى تعلق الأمر بشبهة “معاداة السامية” أو التشكيك في “المحرقة”، بل إنه لا يتردد في محاكمة من يجرؤ على ممارسة حريته في الرأي بشأن هاتين القضيتين؛ ولا يخفى على ذي بصيرة أن حرية التعبير ليست بهذا الإطلاق المزعوم ولا بهذا التسيُّب المذموم؛ وينهض دليلاً على ذلك وجود قيود متعددة وضعها الغرب نفسه على هذه الحرية: منها قيود سياسية وأيديولوجية ترفض كل فكر لا يتفق مع اختيارات الغرب وتوجُّهاته؛ ومنها أيضاً قيود قانونية مصدرها الدساتير والقوانين الداخلية وأيضاً القانون الدولي الذي اجتهد في ضمان حُرمة الإنسان وحقه في الاختلاف الثقافي وحماية اختياراته العقدية؛ ومنها كذلك قيود قيمية وأخلاقية أساسها اشتراك الإنسانية في قيم خالدة تضمن الكرامة لكل الأفراد وتُرسخ أسباب التعايش وتواصل الشعوب والثقافات”.

4-بناء توافقات على المتفق عليه بين المختلفين: أرادت حكمة الله جل وعلا أن يكون الناس مختلفين في معتقداتهم وأفكارهم قال تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ {118}) (هود)، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ {2}) (التغابن). وهذا الاختلاف القدري بين البشر، لا يمنع ولا يحول بين النّاس وبين أن يتعارفوا ويتعاونوا ويتعايشوا بالحسنى، وأول مقتضيات ذلك، الاعتراف بحقيقة واقعة هي أنه لا يوجد مجتمع من المجتمعات الإنسانية يخلو من قيم حسنة تستحق الشكر، لكنّ الأمم والمجتمعات تتفاوت في مقدار ما عندها من القيم، كما تتفاوت في درجات تمسكها بها، ومحافظتها عليها، ولا يمكن – عقلاً – أن توجد أمة من الناس لا تملك خيراً قط، وهذا عمرو بن العاص الصحابي الجليل يشهد لأهل الروم، بما عرف من خصالهم لم يمنعه عن هذه الشهادة المنصفة بغض أو شنآن فقال: “إن فيهم خصالاً أربعاً: أنهم أحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لضعيف ويتيم ومسكين، وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك). والمسلمون – في سبيل رعاية القيم الحسنة والحفاظ عليها – لا يجدون في أنفسهم حرجاً من التعاون مع أي كيان آخر ينشد الخير ويعمل من أجل إيصاله للناس، وقد علّمنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وضرب لنا من نفسه قدوة صالحة في المسارعة لفعل الخير، والتعاون مع كل من يرفع رايته، ويعمل من أجل حماية الفضائل التي يمكن أن تنتقل بالإنسانية خطوات تقربهم إلى حياة الكرامة والفضيلة التي نرجوها لقومنا وللناس أجمعين. ومن الشواهد الدالة على هذا في السيرة النبوية المباركة موقفان: أ- موقف النبي صلى الله عليه وسلم من حلف الفضول، وهو حلف سببه أن قريشاً كانت تتظالم بالحرم، فقام عبد الله بن جدعان والزبير بن عبدالمطلب فدعوهم إلى التحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فأجابهما بنو هاشم وبعض القبائل من قريش كبني أسد بن عبدالعزى، وبني زهرة بن كلاب وبني تيم بن مرة، فتحالفوا في دار عبد الله بن جدعان فسموا ذلك الحلف حلف الفضول، فقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: “لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم لو أدعى به في الإسلام لأجبت”، فهذا حلف أقامته قبائل لم تسلم بعد، ولكنها التقت على هدف نبيل، ومقصد إنساني حسن، يتوافق مع منطق الشريعة التي جاءت من أجل حماية مثل هذه المقاصد التي تعود على المجتمع أمناً في معاشه، وصلاحاً في شؤونه وأحواله. ب- ومنها ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الحديبية: “والذي نفسي بيده، لا يسألونني خطة – يعني المشركين – يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها”، وأخذ الإمام ابن القيم من هذا الموقف قاعدة عظيمة حكيمة فقال رحمه الله: “إن المشركين وأهل البدع والفجور والبغاة والظلمة إذا طلبوا أمراً يعظمون به حرمة من حرمات الله تعالى، أجيبوا إليه وأعطوه، وأعينوا عليه، وإن منعوا غيره، فيعاونون على ما فيه تعظيم حرمات الله تعالى، لا على كفرهم وبغيهم، ويمنعون مما سوى ذلك، فكل من التمس المعونة على محبوب لله تعالى مرض له، أجيب إلى ذلك كائناً من كان، ما لم يترتب على إعانته على ذلك المحبوب مبغوض لله أعظم منه”. المنطلق الثالث: التأسيس لمرجعيات موثوقة: إن المرجعية العلمية التي تحظى باحترام النّاس وتقديرهم، تمثل في ظني حجر الزاوية في منع الفوضى الفكرية التي تسمح لكل من شدا شيئاً من العلم أن يتصدر المجالس، ويصدر الفتاوى، ويخوض فيما يحسن وما لا يحسن، ولا شك أن ضعف هذه المرجعيات في عالمنا السّني على وجه التحديد، ساعد في السماح لمجوعات من الشباب الغيور، أن تأخذ زمام المبادرة بيدها، وأن تسارع لمعالجة هموم الأمة كلها بمنهجيتها التي تختارها لنفسها. إن التأسيس لمرجعيات موثوقة في الأمة لا يعني أن نعلن في كل قطر عن مجمع فقهي يدفع بأهل الاختصاص إليه، وإنما يعني أن نسعى لتوفير مطلوبات أساسية تجعل من هذه المجامع والمجالس الفقهية المنتشرة في عالمنا الإسلامي محلّ ثقة وقبول، ويكون لها أثر مبارك على واقعنا، وتوحيد صفنا ورؤانا، ومن هذه المطلوبات التي يجب العمل على تحقيقها: 

1-الكفاءة العلمية التي تجعل الأفراد والجماهير مطمئنين إلى أن من يفتيهم في عامة أمرهم وخاصته أهل لهذه المنزلة. 

2-الحضور المستمر، ومواكبة الأحداث والنوازل، ومعالجتها بالرأي الواضح في الوقت المناسب بالوجه المناسب، أما الاكتفاء ببيانات محدودة في مناسبات عامة، وإصدار الفتاوى في بعض شأننا، والإطلال على الناس في مواسم العبادات، فهذا مما لا يجدي شيئاً، ولن يخدم قضية، ومن العجب أن ترى أصحاب المشاريع المأجورة يشكلون حضوراً كثيفاً في كل حدث، ولا تمل أقلامهم وألسنتهم من تناول ما يهمّ الناس بالتصريحات والمقالات والكتب والمنشورات، بينما يتوارى الصوت الإسلامي الفقهي أو يكاد.

3-الاستقلالية في الرأي والموقف، وأعني أن لا تصدر هذه المرجعيات عن نظرة حزبية ضيقة، ولا عن هيمنة قابضة لنظام حاكم، ذلك لأنّ العلماء هم أجدر النّاس بالتحرر من هذه التوجهات القاصرة التي تجعل منهم أدوات تحركها جهات لها ظروفها وخياراتها الخاصّة.

 4- التكامل بين المجالس العلمية الفقهية، والتيارات الحركية في الساحة الإسلامية، وأحسب أنّ واقع عالمنا الإسلامي والتحديات التي تواجهه ستسمح بمثل هذا التكامل، وستزيل كثيراً من بؤر التوتر والجفوة التي حالت بين هذه الكيانات المؤثرة أن تجتمع وتتعاون.

 

Exit mobile version