ذكرنا في المقال السابق طرفاً من مظاهر ازدواجية المعايير والظلم التي تمارس دولياً، لكنها كثيرة ومؤلمة لا يتسع لها مقال واحد، ونستكمل هنا بعض مظاهر هذه الازدواجية، ومنها:
1– الموقف من الانقلابات في البلاد العربية والإسلامية:
– وقف الإنجليز عام 1953م مع الانقلاب على مصدق، رئيس وزراء إيران، المنتخب شعبياً لصالح الحكم الفردي والاستبداد.
– وقف الأوروبيون عام 1960م مع الانقلاب ضد عدنان مندريس، رئيس وزراء تركيا، المنتخب شعبياً لصالح العسكر.
– هددت فرنسا بالتدخل عام 1991م إن فازت جبهة الإنقاذ الجزائرية في الانتخابات النيابية في الجزائر، وعندما فازت في الانتخابات فعلاً بأغلبية كبيرة، تدخلت فرنسا من خلال دعم الجيش الجزائري الذي أمّم الديمقراطية وكمم الأفواه، وتسبب في حرب أهلية حصدت 100 ألف جزائري على الأقل خلال 10 سنوات؛ مما اضطر الحكومة الفرنسية بعد 10 سنوات للتصالح والتفاهم مع الثوار.
– عام 2013م سكتوا عن الانقلاب على د. محمد مرسي، الرئيس المصري، المنتخب أيضاً بل دعموا الانقلاب، وشاركتهم في ذلك دول إقليمية وعربية.
– قيادة الانقلاب على “الربيع العربي” الساعي للديمقراطية والتعاون مع حكام العرب الرافضين له خوفاً من أنّ ثورات الشعوب ستأتي بالوحدة والتعاون، ولذلك تم تشويه “الربيع العربي” محلياً وإقليمياً ودولياً.
– دعم الحركات المعادية للديمقراطية ومنها “داعش” عن طريق الدهاء والاختراقات الواسعة التي قامت بها أجهزة استخبارات عالمية وإقليمية، لينمو “داعش” بسرعة البرق في العراق وسورية وليبيا، وادعاء محاربته في الإعلام.
– تحريض الأقليات ضد الديمقراطية والحريات في البلاد العربية.
2- مواقف مجلس الأمن الدولي، وحق النقض (الفيتو) واستخدامه:
أنشأت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية (دول الحلفاء وروسيا) وفقاً للمادة (23) من ميثاق الأمم المتحدة مجلس الأمن، وهو الجهاز الذي له سلطة اتخاذ القرارات، ويتألف من 15 دولة، 5 دائمة: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين، تتمتع بحق النقض (الفيتو)، حيث تم تحكيم قانون المصلحة، (قانون القوة)، ومعاقبة الدول التي تعارض السياسة الأمريكية أو تهدد أمن “إسرائيل” بذريعة أن هذا خطر على العالم.
وقد وصف أشهر المؤرخين البريطانيين آرنولد توينبي ميثاق الأمم المتحدة المتضمن حق النقض الفيتو بـ”الميثاق السخيف” الذي بموجبه يمكن إجهاض أي قرار لنصرة المظلوم رغم وجود 192 دولة (في حينه) رضيت بحق النقض، والذي أسهم في إفلات “إسرائيل” من أي عقوبات دولية بسبب “الفيتو” الأمريكي.
وقد استخدمت أمريكا حق النقض (الفيتو) لصالح “إسرائيل” 42 مرة ضد مشاريع لقرارات تخدم قضايا فلسطينية وعربية عادلة حتى عام 2011م فقط.
والسؤال هنا: هل وفّر الاستمرار في حق النقض سِلْماً أو عدلاً، أم أسس لإرهاب دولي، وعمَّق الصراع الدولي والإقليمي، والظلم والاستبداد، وتغييب الحرية والديمقراطية والحياة الكريمة لشعوب العالم؟
3- الازدواجية في قانون مكافحة الإرهاب:
فلا حديث إلاَّ عن “الهولوكوست”، بينما تم إغفال جرائم الفرنسيين في الجزائر ، وجرائم الإيطاليين في ليبيا، وإبادة الهنود الحمر في أمريكا على يد المستعمر الأبيض، والمذابح الأمريكية في العراق، ومجازر “إسرائيل” في دير ياسين في فلسطين، وعشرات المجازر الأخرى، والمجازر في بورما، وكذلك المجازر الروسية والإيرانية وغيرها ضد السكان في سورية.
وباختصار؛ فإن الأمم المتحدة عبارة عن تحالف للدول القوية وأداة لإدارة الفوضى الدولية، والضحية الأولى العالم الإسلامي والعربي، فقد عجزت المنظمة عن اتخاذ أي قرار واحد يناصر القضايا الإسلامية والعربية العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وإن اتخذت فلم يجد تطبيقاً على أرض الواقع.
هذا هو القذى في عيون الدول الكبرى نراه رأي العين، لكن هل من قذى في عيوننا نحن أيضاً؟
هل تمارس ازدواجية المعايير عند الدول العربية تجاه مواطنيها؟
وهل تمارس ازدواجية المعايير عند الأحزاب والتجمعات العربية في داخلها ومع الآخر؟
وهل تمارس ازدواجية المعايير عند بعض الشخصيات؟
إنّ الجميع مطالب اليوم بأن ينظر في داخله الشخصي والحزبي والاجتماعي والرسمي، ويصحح مسيرته وحكمه على الأشياء والمواقف والأحداث، فلم يعد في الوقت متسع كبير.
ترى ألا تكفي هذه وغيرها لإيقاظ المواطن العربي وكشف بصيرته، وتعديل منهجيته ومعرفته لمصالحه الحقيقية، ورسم خارطة طريق لنهوضه، وسيبقى العدل أساس الملك شرط البقاء.