عزيزي القارئ الكريم.. أهلاً بك..
اليوم نطير بك إلى جمهورية “كولومبيا”. إلى بقعة رائعة الجمال في غرب أمريكا الجنوبية، فقد جمع الله تعالى لهذه البلاد بين شواطئ شمالية على البحر الكاريبي وأخرى غربية على المحيط الهادئ، كما أن لها حظاً من نهر الأمازون وغاباته الاستوائية، ولا ننسى أن كل هذا الجمال في أحضان مرتفعات الإنديز الشاهقة..!
ورغم هذه الطبيعة الساحرة إلا أنها بلاد سيئة السمعة.. فما أن تذكر “كولومبيا” إلا وتقفز إلى الأذهان كلمة “تجارة المخدرات”، حيث تعتبر هي المنتج الأول للكوكايين في العالم..
والسؤال الذي يفرض نفسه:
هل من الممكن لأقلية مسلمة أن تشق طريقها وتحافظ على هويتها في مثل هذه البلاد..؟
هذا ما سنحاول أن نتعرف عليه في السطور القادمة، ولنبدأ من المكان..
أين تقع جمهورية “كولومبيا”؟
جمهورية “كولومبيا” جمهورية دستورية تتكون من 32 إدارة لا مركزية، تقع في الجزء الشمالي الغربي من قارة أمريكا الجنوبية. يحدها من الشمال البحر الكاريبي ومن الشرق “فنزويلا” و”البرازيل” ومن الجنوب “بيرو والإكوادور” ومن الشمال الغربي “بنما” ومن الغرب المحيط الهادي وهي الدولة الوحيدة في أمريكا الجنوبية التي تملك سواحل على المحيط الهادئ والبحر الكاريبي. تضم كولومبيا عدة جزر وأرخبيل “سان أندريس وبروفيدنسيا”.
أصل التسمية والتنوع البيئي
اسم كولومبيا مشتق من الاسم الأخير للمستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس (بالإيطالية: Cristoforo Colombo). اقترحه الثوري الفنزويلي “فرانسيسكو دي ميراندا” للدلالة على العالم الجديد.
كما تعد “كولومبيا” واحدة من أكثر 17 دولة تنوعاً في عدد الكائنات الحية التي تؤويها، وتعتبر الأكثر من حيث عدد الكائنات الحية لكل وحدة مساحة في العالم.
عدد السكان والتنوع العرقي
يبلغ إجمالي عدد السكان في كولومبيا حوالي 44 مليون نسمة، وإجمالي عدد المسلمين حوالي 80 ألف مسلم، وتعتبر النصرانية هي الديانة الأُولَى للدولة؛ وتمثل 90 %؛ وهـم من الرومـان الكاثوليك، وباقي الديانات 10 % نسبة المسلمون بينهم 0.1 %.
كما تُعدُّ الإسبانية هي اللغة الرسمية للدولة.
المجموعات العرقية: 58 % أسبان وبرتغاليون، 20 % بيض، 14 % ميولاتو (ملون هجين)، 4 % سود، 3 % خليط من السود والهنود الحمر الأمريكان، 1 % هنود أمريكا الحمر.
دخول الإسلام إلى كولومبيا
دخل الإسلام إلى أمريكا اللاتينية ومنها “كولومبيا” منذ اكتشاف أمريكا في القرن الخامس عشر، مع العبيد الذين جُلبُوا من شمال وشرق إفريقيا، وقد استقر أغلبهم في البرازيل، ثم انتشروا في باقي أنحاء أمريكا الشمالية والجنوبية.
وكانت الأغلبية الساحقة لهؤلاء العبيد من المسلمين، الذين أُرغموا على ترك دينهم تحت التهديد والتعذيب، وذاب كثير منهم في هذه القارة، وتنصر من تنصر تحت الإكراه البدني والنفسي والمعنوي، وبناءً عليه تقهقر الإسلام في هذه القارة.
كما كانت هناك محاولة ثانية للهجرة في القرن السادس عشر، وبعد تحرير العبيد وعودة كثير منهم إلى هذه الديار، بالإضافة للهجرات المكثفة في خمسينيات القرن الماضي من الهند وباكستان ولبنان وسوريا عامة، بينما كان معظم المهاجرين من الشام من مسلمين ونصارى، ولم يكونوا على معرفة باللغة الإسبانية (لغة كولومبيا)، وهو الأمر الذي عانوْا منه كثيراً في وسيلة الحوار والتعامل مع الشعب الكولومبي، وقد تمركز أغلبهم في البرازيل والأرجنتين وفنزويلا وكولومبيا، وهكذا كان الوصول الأول للإسلام إلى العالم الجديد مبكراً، كما أثبته كثير من المؤرخين المنصفين.
وتعيش أغلب الجاليات المسلمة في العاصمة “بوكوتا” و”مياكو”، وكذلك في مدينة “برانكليا”، وفي “كالي”، أما أكبر تجمع للمسلمين في كولومبيا يوجد في مدينة “ميكاو”، ورغم الحياة البسـيطة التي تعيشـها هذه المدينة، إلا أن فيها ما يزيد على 5 آلاف نسمة من السكان العـرب (80% من المسـلمين السُّنة و20% من الشيعة)، والباقي من الدروز والمسيحيين العرب، ومعظمهم من لبنان وسوريا، وتبدو حياة هذه المدينة وكأنها قرية عربية.
المساجد والمؤسسات الإسلامية
تأسس أول مركز إسلامي في كولومبيا في عام 1993م، وقد قام بتأسيسه الدكتور «خوليان أبرتوروزا أباتا» وهو مدير المركز؛ وذلك بعد 3 سنوات من إسلامه. وهناك عدة مؤسسات خيرية ومنظمات الإسلامية وعدة مساجد، مثل: مسجد بلال، ومسجد الجمعية الخيرية الإسلامية في برانكيا، ومسجد ذي النورين عثمان بن عفان، والجمعية الخيرية في بيدوبار، ومسجد مياكو، والمدارس الإسلامية مثل مدرسة دار الأرقم والمدرسة العربية الكولومبية، ومدرسة مياكو.
مركز (القرطبي) منارة الدعوة في “كولومبيا”:
تقول الداعية “فاطمة الهولي” –التي نذرت نفسها لنشر الإسلام في كولومبيا) حول رسالة المركز:
“يسعى مركز القرطبي لبناء ودعم جالية إسلامية على أسس أهل السنة والجماعة, من حيث تعليم المسلمين العقيدة, التجويد, الحديث, الفقه, الشريعة, السيرة, وإعطاء دروس في اللغة العربية, الخط العربي, وتعليم كل ما هو نافع لديننا الحنيف, كما يسعى لترجمة الكتب الدينية من العربية إلى الإسبانية, وتوعية الأفراد عن الحقائق الموجودة في كولومبيا بعيدًا عن التأثير الإعلامي, ونشر الدعوة الإسلامية لأكثر من سبعة ملايين نسمة في العاصمة “بوغوتا”، وفي المستقبل القريب الدعوة للقارة كلها بإذن الله”.
وفي سؤال حول إقبال على الدخول في الإسلام من قِبل الكولومبيين؟
قالت: “بالرغم من أنّ الكولومبيين أناس طيبون، لكن يسود المجتمع الكولومبي التفكك الأسري والانحراف بأنواعه، كأي مجتمع غربي، والكثير من الأفراد يعمل بجِدٍّ لتأمين لقمة عيشهم. أيضًا يوجد منهم المتعلم والجاهل, وعلى الرغم من كل الصعوبات التي تواجه المجتمع الكولومبي، إلا أنّ هناك إقبالاً على الإسلام, الكثير منهم بعد أن يسمع عن الإسلام يبدأ بالقراءة عنه لمعرفه المزيد، أو زيارة المركز والتحدث إلينا, والذي اكتشفناه من تجربتنا القصيرة في الدعوة في كولومبيا، هو أنّ ما يجذب الكولومبيين في الشارع إلى السؤال عن الإسلام أو البحث عنه, هو مظهر المسلم في الشارع, حيث إنهم يلتفتون ويتأثرون بما يرون, فإذا رأوا مسلمًا بثيابه الإسلامية وبزييه السُّنِّي وسواكه؛ فإنَّ ذلك يدعوهم إلى التساؤل، أو إذا رأوا مسلمة بحجابها يبدأن بالتحدث معها عن الحجاب، وبالتالي عن الإسلام.
أهم المشاكل والعقبات التي تواجه المسلمين في “كولومبيا”
يواجه المسلمين في كولومبيا العديد من المشاكل، مثل:
انتشار تجارة المخدرات والكوكايين، التي تعتبر أحد مصادر الدخل الرئيسة لكثير من أبناء كولومبيا، كما أنها من المشكلات المعضلة التي تواجهها الحكومة الكولومبية، حيث إن الكثير من المسلمين الكولومبيين انغمسوا – بكل أسف – في هذه التجارة.
يواجه المسلمون خطر الذوبان والانقراض، بسبب الإقبال على الزواج من غير المسلمات، في ظل ظروف صعبة يواجهونها، وعداء من بعض الطوائف الدينية المتعصبة.
من المعوقات لهذه الجالية المسلمة أيضاً الزواج المختلط والذوبان في المجتمع الكولمبي والأحقاد وتفكك الأسرة المسلمة والخلافات الطائفية والعناصر المضادة.
وعلى الرغم من سيادة النظام الديمقراطي في كولومبيا، وهو الذي مكَّن كثيراً من المسلمين من الوصول إلى أماكن مرموقة في الحكم، إلا أنهم ذابوا في هذا المجتمع، وأصبح عدد كبير منهم نصرانيين لا علاقة لهم بالإسلام.
وفي ظل غياب التعليم الإسلامي، وندرة المساجد والدعاة والكتب الإسلامية، تعرَّض أبناء الجالية للجهل بدينهم وعقيدتهم، وخاصة أن هناك عدداً كبيراً منهم يتبع عادات أمهاتهم النصرانيات؛ من زيارة الكنائس والمشاركة في الاحتفالات الدينية، وهذا هو التحدي المُلقى على المسلمين في كولومبيا ومعظم دول أمريكا اللاتينية.
مقترحات وحلول
– للحفاظ على الأقلية الكولومبية المسلمة، يرى الباحثون المعنيون بأحوال الجالية أنه لا بد من دعم مشروعات الدعوة وبرامجها، وتغطية احتياجات الجالية، وكذلك إقامة مشروعات استثمارية تفتح فرص عمل لأبناء الجالية والمسلمين الجدد، وتشارك السلطات المحلية والدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقوم أيضاً بدفع نسبة من الربح للدعوة الإسلامية تنفَق في بناء المساجد والمدارس، وتنظيم المخيمات الشبابية والدورات الشرعية، وطبع الكتب وترجمتها.
– كذلك اقترحوا تأسيس مدارس ومعاهد علمية إسلامية، مهمتها تعليم اللغة العربية، وتحفيظ القرآن الكريم، والتعريف بالإسلام لغير المسلمين، مع ترجمة الكتب الإسلامية ونشرها باللغة الإسبانية.
– العمل على إنشاء شبكة اتصالات معلوماتية لنشر الثقافة الإسلامية عبر الإنترنت، مع السعي لإنشاء قناة تلفزيونية إسلامية في أمريكا اللاتينية تكون ناطقة باللغة العربية والإسبانية، أو فتح نافذة إعلامية عن طريق إحدى القنوات في كولومبيا لساعات محددة، يجري من خلالها تقديم الإسلام في صورة صحيحة وبأساليب عصرية مشوقة.